ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن الآيسة من النساء من المحيض إذا كانت في سن من لا تحيض لا عدة عليها متى طلقت، وكذلك من لا تبلغ المحيض إذا لم يكن مثلها من تحيض لا عدة عليها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون العدة على الآيسة من المحيض وعلى التي لم تبلغه على كل حال
وعدة هؤلاء عندهم الاشهر، وهذا المذهب ليس بمذهب لجميع الامامية وإن كان فيهم من يذهب إليه ويعول على أخبار آحاد في ذلك، ولا حجة فيها وليس بمذهب لجميع الامامية فيلحق بما أجمعوا عليه.
والذي اذهب انا اليه أن على الآيسة من المحيض والتى لم تبلغه العدة على كل حال من غير مراعاة للشرط الذى حكيناه عن أصحابنا.
والذى يدل على صحة هذا المذهب قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن) وهذا نص صريح في أن الآيسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدتهن الاشهر على كل حال، لان قوله تعالى: واللائي لم يحضن) معناه واللائي لم يحضن.
كذلك فان قيل: كيف تدعون أن الظاهر يقتضي إيجاب العدة على ما ذكرتم على كل حال.
وفي الآية شرط وهو قوله تعالى: (إن ارتبتم)، قلنا: أول ما نقوله أن الشرط المذكور في الآية لا ينفع أصحابنا، لانه غير مطابق لما يشترطونه وإنما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى: إن كان مثلهن لا تحيض في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض وإذا لم يقل الله تعالى ذلك وقال عزوجل: (إن ارتبتم) وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به.
وليس يخلو قوله تعالى: (إن ارتبتم) من أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل من أنه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها، فقد رووا ما يقوي ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكرناه من فقد العلم، فروى مطرف عن عمرو بن سالم قال قال أبي بن كعب يا رسول الله أن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الاحمال فأنزل الله عزوجل (واللائي يئسن
من المحيض) إلى قوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه.
ولا يجوز أن يكون الارتياب من المحيض بأنها آيسة أو غير آيسة لانه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض بقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض)، والمشكوك في حالها، والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة، والمرجع في وقوع الحيض منها وارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به، فإذا أخبرت بأن حيضها قد إرتفع قطع عليه، ولا معنى للارتياب مع ذلك، وإذا كان الحيض المرجع فيه إلى النساء ومعرفة الرجال به مبنية على أخبار النساء فكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض، فكان يجب أن يقول تعالى: إن ارتبتن أو إن ارتبن لانه حكم يرجع إلى النساء ويتعلق بهن فهن المخاطبات به، فلما قال الله تعالى أن إرتبتم فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة ومبلغها، فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو لمن تحيض أو لم تحض ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم.
قلنا: هذا يبطل أنه لا ريب في سن من تحيض أو لا تحيض مثلها من النساء، لان المرجع فيه إلى العادة، ثم إذا كان الكلام مشروطا فالاولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه الخلاف.
وقد علمنا أن من شرط وجوب الاعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم ووقوع الريبة ممن يعلم بذلك ويطلع عليه، فلا بد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به وجعلنا الريبة ممن يعلم بذلك واقعة فيه مرادا، وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو غيره، لان الكلام يستقل بتعلق الشرط بما ذكرنا أنه لا خلاف فيه ولا حاجة به بعد الاستقلال إلى أمر آخر، ألا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه.
وكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا خلاف فيه فلا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.
(مسألة) ومما يظن أن الامامية مجتمعة عليه ومنفردة به القول بأن عدة الحامل المطلقة أقرب الاجلين، وتفسير ذلك أن المطلقة إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضي الاقراء الثلاثة فقد بانت بذلك وإن مضت الاقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضا.
وقد بينا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل الفقهية أنه ما ذهب جميع أصحابنا إلى هذا المذهب ولا أجمع العلماء منا عليه، وأكثر أصحابنا يفتي بخلافه، ويذهب إلى أن عدة من ذكرنا حالها وضعها الحمل، وإن من ذهب إلى خلاف ما نصرناه إنما عول على خبر يرويه زرارة بن أعين عن أبي جعفر " ع "، وقد بينا أنه ليس بحجة توجب العلم، وسلمناه مع ذلك وتأولناه واستوفينا هناك من الكلام ما لا طائل في إعادته هاهنا وفي الجملة إذا كانت هذه المسألة مما لا يجمع أصحابنا عليها ويختلفون فيها فهي خارجة عما بنينا هذا الكتاب عليه.
فإن قيل فما حجتكم على كل حال على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها للحمل دون الاقراء، فإن إحتججتم بقوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) عورضتم بعموم قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء).
فالجواب عن ذلك أنه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها وأنها ناسخة لما تتقدمها، ومما يكشف عن ذلك أن قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) إنما هو في غير الحوامل، فإن من استبان حملها لا يقال فيها لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله تعالى في رحمها، وإذا كانت
هذه خاصة في غير الحوامل لم تعارض بها آية الوضع وهي عامة في كل حامل من مطلقة وغيرها.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الاجلين، وتصوير هذه المسألة أن المرأة إذا كانت حاملا فتوفى عنها زوجها ووضعت حملها قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض بذلك عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن هي مضت عنها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها لم يحكم لها بانقضاء العدة حتى تضع الحمل فكأن العدة تنقضي بأبعد هذين الاجلين مدة إما مضي الاشهر أو وضع الحمل وهذه المسألة يخالف فيها الامامية جميع الفقهاء في زماننا هذا لان الفقهاء يحكون في كتبهم ومسائل خلافهم خلافا قديما فيها، وأن أمير المؤمنين " ع " وعبدالله بن عباس كانا يذهبان إلى مثل ما تفتي به الامامية الآن فيها، والحجة للامامية الاجماع المتردد في هذا الكتاب.
وأيضا فإن العدة عبادة يستحق فيها الثواب، وإذا بعد مداها زادت مشقتها وكثر الثواب عليها في العدة، ومن وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا مشقة عليها في العدة، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر في الثواب وأوفر فقولنا أولى من قولهم.
فان احتجوا بظاهر قوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، وأنه عام في المتوفى عنها زوجها وغيرها عارضنا هم بقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، وأنه عام في الحامل وغيرها، ثم لو كانت آيتهم التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل وهو إجماع الفرقة المحقة الذي قد بينا أن الحجة فيه.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن أقل ما يجوز أن
ينقضي به عدة المطلقة التي تعتد بالاقراء ما زاد على ستة وعشرين يوما بساعة أو دونها مثال ذلك أن يكون طلقها زوجها وهي طاهر فحاضت بعد طلاقها بساعة، فتلك الساعة إذا كانت في الطهر فهي محسوبة لها قرءا واحدا، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وهو أقل الحيض وطهرت بعد عشرة أيام وهو أقل الطهر، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وطهرت بعدها عشرة أيام وهي أقل الطهر، ثم حاضت فعند أول قطرة تراها من الدم قد بانت، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
وأما الشافعي وإن كان قوله في القرء وأنه الطهر مثل قولنا واحتسب أيضا للمرأة بالطهر الذي يقع فيه الطلاق حسب ما نذهب إليه فأنه يذهب إلى أن أقل الطهر عنده خمسة عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة على مذهبه إثنان وثلاثون يوما ولحظتان.
مثال ذلك أن يطلقها في آخر جزء من اجزاء طهرها فتحيض فيحصل لها قرء بذلك، ثم تحيض يوما وليلة وهو أقل الحيض عنده، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عنده، ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما، ثم يبتدئ بها الحيض لحظة واحدة فتنقضي عدتها بأثنين وثلاثين يوما ولحظتين.
فأما أبويوسف ومحمد فأنهما ذهبا إلى أن أقل ما يمكن أن ينقضي به العدة تسعة وثلاثون يوما ولحظة واحدة، لانه يطلقها في آخر جزء من الطهر فتحيض عقيبه بثلاثة أيام وهو أقل الحيض عندهما، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تطهر لحظة واحدة.
وأبوحنيفة يذهب إلى ان أقل أن ينقضي به العدة ستون يوما ولحظة واحدة، لانه يعتبر أكثر الحيض وأقل الطهر، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام
فكأنه يطلقها في آخر أجزاء الطهر ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض عشرة أيام، ثم تطهر لحظة واحدة.
والحجة لما ذهبنا إليه بعد إجماع الفرقة المحقة عليه أن الله تعالى أمر المطلقة بالتربص ثلاثة أقراء، والصحيح عندنا أن القرء المراد في الآية هو الطهر دون الحيض.
وصح أيضا أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام، وقد دللنا في باب الحيض في هذا الكتاب على أن أقل الطهر هو عشرة أيام، ودللنا في ما كنا أمليناه من مسائل الخلاف المفردة على أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولم يبق إلا أن ندل على أن القرء هو الطهر.
والذي يدل على ذلك بعد الاجماع المتكرر أن لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين الحيض والطهر، وقد نص القوم على ذلك في كتبهم، ومما يوضح صحة الاشتراك أنها مستعملة في الامرين بغير شك ولا دفاع، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدل على أنها حقيقة في الامرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنها مجاز في أحدهما، وإذا ثبت أنها حقيقة في الامرين فلو خلينا والظاهر لكان يجب انقضاء عدة المطلقة بأن يمضي عليها ثلاثة أقراءمن الحيض والطهر معا لوقوع الاسم على الامرين، غير أن الامة أجمعت على أنها لا تنقضي إلا بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين إما من الطهر أو من الحيض، وإذا ثبت ذلك وكانت الاطهار التي نعتبرها تسبق ما يعتبره أبوحنيفة وأصحابه، لانه إذا طلقها وهي طاهرة أنقضت عدتها عندنا، وعند الشافعي بدخولها في الحيضة الثالثة، وعندهم تنقضي بانقضاء الحيضة الثالثة، وإذا سبق ما نعتبره لما يعتبرونه والاسم يتناوله وجب انقضاء العدة به.
وأما الشافعي وإن وافقنا في هذه الجملة فقولنا: إنما كان أولى
من قوله، لانه يذهب إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما وذلك عندنا باطل، فلهذا الوجه اختلف قولنا فيما ينقضي به العدة.
فان قيل: قد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن القرء مشتق من الجمع من قولهم قريت الماء في الحوض إذا جمعته وقرأته أيضا بالهمزة، وذهب آخرون إلى أن المراد به الوقت، واستشهدوا بقول أهل اللغة اقراء الامر إذا حان وقته، فإن كان الاصل الجمع فالحيض أحق به، لان معنى الاجتماع لا يوجد إلا في الحيض دون الطهر، وإن كان الاصل الوقت فالحيض أيضا أحق به لان الوقت إنما يكون وقتا لما يتجدد ويحدث، والحيض هو الذي يتجدد والطهر ليس بمتجدد بل هو الاصل ومعناه عدم الحيض.
فالجواب أن أهل اللغة قد نصوا على أن القرء من الاسماء المشتركة بين الطهر والحيض، وأنها من الالفاظ الواقعة على الضدين، ومن لا يعرف ذلك لا يكلم فيما طريقه اللغة، وهذا القدر كاف في بطلان السؤال.
ومما قيل: أن معنى الاجماع حاصل في حال الطهر، لان الدم يجتمع في حال الطهر ويرسله الرحم في زمان الحيض، فأما الوقت فقد يكون للطهر والحيض معا فليس أحدهما بالوقت أخص من الآخر.
وقولهم: إن الحيض حادث والطهر ليس بحادث وإنما هو ارتفاع الحيض، والحيض أشبه بالوقت من الطهر فليس بشئ، لان الوقت يليق بكل متجدد من حدوث أمر أو ارتفاع أمر، ألا ترى أن الحمرة توقت بوقت وهي حادثة وارتفاعها وزوالها يوقتان بوقت من حيث كانا متجددين، فإن قيل: ظاهر القرآن يقتضي وجوب استيفاء المعتدة لثلاثة أقراء كوامل وعلى قولكم الذي شرحتموه لا تستوفي ثلاثة أقراء وإنما يمضي عليها قرءان وبعض الثالث، ومن ذهب إلى أن القرء الحيض يذهب إلى أنها تستوفي ثلاث حيض كوامل.
فالجواب أن كل من ذهب إلى أن القرء الطهر يذهب إلى أنها تعتد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق، ولا أحد من الامة يجمع بين القول بأن القرء هو الطهر وأنه لا بد من ثلاثة أقراء كوامل، فلما سلمنا أن ظاهر الآية يقتضي إكمال الاقراء الثلاثة جاز الرجوع عن الظاهر بهذه الادلة.
ومما يجاب به أيضا أن القرء في اللغة اسم لما اعتيد إقباله وما اعتيد إدباره، لانهم يقولون: اقراء النجم إذا طلع واقراء إذا غاب، والاقراء المذكور في الآية هو اسم لادبار الاطهار، فعلى ما ذكرناه يحصل للمعتدة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.
ومما قيل أيضا: أن القرء إذا كان من أسماء الزمان عبر باسم الثلاثة منه عن الاثنين وبعض الثالث كما قال تعالى: (الحج أشهر معلومات)، وأشهر الحج شهران وبعض الثالث.
وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث، ويمكن أن يقال في ذلك أنه مجاز، وحمل الآية على الحقيقة أولى، فالجواب الاول الذي اعتمدناه أولى، فان استدلوا على أن القرء هو الحيض، بأن الصغيرة والآيسة من المحيض ليستا من ذوات الاقراء بلا خلاف، وإن كان الطهر موجودا فيهما، ويقال للتي تحيض أنها من ذوات الاقراء، فدل ذلك على أن القرء هو الحيض.
والجواب عنه أن القرء اسم للطهر الذي يتعقبه الحيض وليس باسم لما لم يتعقبه حيض، والصغيرة والآيسة ليس لهما قرء، لانه لا طهر لهما يتعقبه حيض، فان استدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله لفاطمة بنت أبي حبيش دعي الصلاة أيام اقرائك، وهذا لا شبهة في أن المراد به الحيض دون الطهر.
والجواب: أن أخبار الآحاد غير معمول بها في الشريعة، وبعد فيعارض هذا الخبر قوله صلى الله عليه وآله في خبر ابن عمر إنما السنة أن تستقبل بها
الطهر ثم تطلقها في كل قرء تطليقة، فقد ورد الشرع أيضا باشتراك هذا الاسم بين الطهر والحيض.
(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن الاحداد لا يجب على المطلقة وإن كانت باينا، والاحداد هو أن تمتنع المرأة من الزينة بالكحل والامتشاط والخضاب ولبس المصوغ والمنقوش وما جرى مجرى ذلك من ضروب الزينة.
وقد وافق الامامية في ذلك قول الشافعي الجديد ومالك والليث بن سعد وقال أبوحنيفة وأصحابه والثوري على المطلقة المبتوتة من الاحداد مثل ما على المتوفى عنها زوجها، دليلنا إجماع الطائفة المحقة.
وأيضا فان الاحداد حكم شرعي، والاصل انتفاء الاحكام الشرعية، فمن أثبتها كان عليه الدليل، وإنما أوجبنا الاحداد على المتوفي عنها زوجها وخرجنا عن حكم الاصل بدليل ليس هو ثابتا هاهنا.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن أكثر مدة الحمل سنة واحدة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
فقال الشافعي: أكثر الحمل أربع سنين، وقال الزهري والليث وربيعة أكثره سبع سنين.
وقال أبوحنيفة: أكثره سنتان، وقال الثوري والبستي: أكثره سنتان، وعن مالك فيه ثلاث روايات إحداهن مثل قول الشافعي أربع سنين والثاني خمس سنين والثالث سبع سنين.
واعلم أن الفائدة في تحديد أكثر الحمل أن الرجل إذا طلق زوجته فأتت بولد بعد الطلاق لاكثر من ذلك الحد لم يلحقه، وهذا حكم مفهوم لا بد من تحقيقه.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أنا نرجع في تحديد الحمل إلى نصوص وتوقيف وإجماع وطرق علمية، ولا نثبته من
طريق الظن ومخالفونا يرجعون فيه إما إلى أخبار آحاد توجب الظن أو إلى طرق إجتهادية لا توجب العلم وأكثر ما فيها إيجاب الظن فتحديدنا أولى، وأيضا فانه لا خلاف في أن السنة مدة الحمل وإنما الخلاف فيما زاد عليها فصار ما ذهبنا إليه مجمعا على أنه حمل، وما زاد عليه إذا كان لادليل عليه نفينا كونه حملا، لان كونه حملا يقترن به إثبات حكم شرعي والاحكام الشرعية تحتاج في إثباتها إلى الادلة الشرعية، فإن قالوا: نراعي في هذه اللفظة العادة، قلنا: العادة والعهد في ما قلناه دون ما قالوه، لانا لا نعهد حملا يكون أربع سنين ولا سبع سنين، وإنما يدعى ذلك من ليس قوله ثابتا فإن قالوا قد روى الشافعي أن ابن عجلان ولد لاربع سنين، قلنا: إنما عمل في ذلك على ظنه وحسن اعتقاده في الراوي، ومثل هذا لا يجوز بالظنون وهو معارض بما يروونه عن عائشة أنها كانت تقول: أكثر الحمل سنتان، وروى سليمان بن عباد قال: كانت عندنا بواسط امرأة بقي الحمل في جوفها خمس سنين، وإذا تعارضت الاخبار سقطت وثبت ما حددنا به أكثر الحمل.
بسم الله الرحمن الرحيم