(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن النذر لا ينعقد إلا بأن يقول الناذر لله علي كذا وكذا بهذا اللفظ، فان خالف هذه الصيغة وقال علي كذا وكذا ولم يقل لله عزوجل لم ينعقد نذره وخالف باقى الفقهاء في ذلك، وروي عن الشافعي وأبي ثور موافقة الامامية في ذلك، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع الذي تكرر.
وأيضا فإنه لا خلاف في أنه إذا قال باللفظ الذي ذكرناه يكون ناذرا، وانعقاد النذر حكم شرعي لا بد فيه من دليل شرعي، وإذا خالف ما ذكرناه فلا دليل على انعقاده ولزوم الحكم به.
وأيضا فان الاصل برائة
الذمة من حكم النذر، فمن ادعى مع اللفظ المخالف لقولنا وجوبه في الذمة فعليه الدليل.
(مسألة) ومما كانت الامامية تنفرد به أن النذر لا يصح في معصية ولا بمعصية، ولا تكون المعصية فيه سببا ولا مسببا، فأما كون المعصية فيه سببا، فمثاله أن ينذر أنه إن شرب خمرا أو ارتكب قبيحا أعتق عبده، ومثال كون المعصية مسببا أن يعلق بما يبلغه من غرضه أن يشرب خمرا أو يرتكب قبيحا.
والشافعي: يوافق الشيعة في أن نذر المعصية لا كفارة فيه، وما كان عندي أنه يوافقنا في إبطال كون المعصية سببا حتى قال بعض شيوخ الشافعية أن الشافعي يوافقنا أيضا في ذلك، والدلالة على قولنا بعد إجماع الطائفة أن لزوم النذر حكم شرعي، ولا يثبت إلا بدليل شرعي، وقد علمنا أن السبب أو المسبب إذا لم يكن معصية انعقد النذر ولزم الناذر حكمه بلا خلاف فمن ادعى ذلك في المعصية فعليه الدلالة.
وأيضا فمعنى قولنا في انعقاد النذر أنه يجب على الناذر فعل ما أوجبه على نفسه، وإذا علمنا بالاجماع أن المعصية لا تجب في حال من الاحوال علمنا أن النذر لاينعقد في المعصية، ويجوز أن يعارض المخالفون بالخبر الذي يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا نذر في معصية ولم يفرق بين أن تكون المعصية سببا أو مسببا.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من خالف النذر حتى فات فعليه كفارة وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وهو مخير في ذلك، فإن تعذر عليه الجميع كان عليه كفارة يمين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا هذه الكفارة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وإن شئت أن تبنيه على
بعض المسائل المتقدمة، فتقول كل من ذهب إلى أن قول القائل مالي صدقة أو امرأتي طالق إن كان كذا وكذا أنه لا شي ء يلزمه وإن وقع الشرط أوجب الكفارة على من لم يف بنذره والتفرقة بين الامرين خلاف الاجماع وإن شئت أن تقول كل من منع إنعقاد النذر على معصية أو بمعصية على كل حال أوجب هذه الكفارة فيمن فوت نفسه نذره ولا يلزم على ذلك أن الشافعى يوافق في بطلان النذر المتعلق بالمعصية لانه لا يمنع منه على كل حال ويشترطه بالاجتهاد وهو يجوز لمن أدى اجتهاده على خلافه واستفتى من هذه حاله خلاف مذهبه، ونحن لا نجوز خلاف مذهبنا على كل حال، وقد شرطنا أن من منع ذلك على كل حال قد أوجب الكفارة، وهذا ما لا يوجد مع الشافعي.
(مسألة) ومما يظن ان الامامية تنفرد به القول: بأن من نذر سعيا إلى مشهد من مشاهد النبي (صلى الله عليه و اله) أو أمير المؤمنين " ع " أو أحد الائمة عليهم السلام أو صياما أو صلاة فيه أو ذبيحة لزمه الوفاء به، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك إلا أنه قد روي عن الليث بن سعد أنه قال: متى حلف الرجل أن يمشي إلى بيت الله عزوجل ونوى بذلك مسجدا من المساجد لزمه ذلك، دليلنا الاجماع الذي تكرر.
وأيضا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وهذا عقد فيه طاعة الله عزوجل وقربة وليس لهم أن يقولوا قد أوجب على نفسه جنسا لا يجب عليه مثله في العبادات، لان السعي قد يجب إلى بيت الله الحرام وفي مواضع الصلاة والصيام والذبح لا شبهة فيه ويعارضون بما يروونه عنه عليه السلام من قوله من نذر أن يطيع الله فليطعه.
(مسألة) ومما كان الامامية تنفرد به أن النذر لا ينعقد حتى يكون معقودا بشرط متعلق به، كأن يقول لله علي إن قدم فلان، أو كان كذا أن
أصوم أو أتصدق، ولو قال: لله علي أن أصوم أو أتصدق من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
إلا أن أبا بكر الصيرفي وأبا إسحاق المروزي ذهبا إلى مثل ما تقوله الامامية، دليلنا على صحة ذلك الاجماع الذي تردد وأيضا فإن معنى النذر في اللغة أن يكون متعلقا بشرط، ومتى لم يتعلق بشرط لم يستحق هذا الاسم، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم يشترط ولم يلزمه الوفاء، لان الوفاء إنما لم يلزم متى ثبت الاسم والمعنى.
فأما إستدلالهم بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) وبقوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم)، وبما روي عنه "ع" من قوله: من نذر أن يطيع الله فليطعه فليس بصحيح.
أما الآية فانا لا نسلم أنه مع التعري من الشرط يكون عقدا.
وكذلك لا نسلم لهم أنه مع التعري من الشروط يكون عهدا، والآيتان متناولتان ما يستحق اسم العقد والعهد فعليهم أن يدلوا على ذلك، وأما الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله فانه أمرنا بالوفاء بما هو نذر على الحقيقة، ونحن نخالف في أنه يستحق هذه التسمية مع فقد الشرط فليدلوا عليه.
وأما استدلالهم بقول جميل:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يا بنين لقوني
وبقول عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما * والناذرين إذا لقيتهما دمي
فان الشاعرين أطلقا إسم النذر مع عدم الشرط فمن ركيك الاستدلال لان جميلا ما حكى لفظ نذرهم وإنما أخبر عن أعدائه بأنهم نذروا دمه فمن أين لهم أن نذرهم الذي أخبر عنه لم يكن مشروطا، وكذلك القول في بيت عنترة على أنه قوله إذا لقيتهما دمي هو الشرط، فكأنهم قالوا إذا لقيناه قتلناه فنذروا قتله، والشرط فيه اللقاء له.