[مسائل الكفارات]

وقد مضى في صدر هذا الكتاب الكلام في المسائل التي تنفرد بها الامامية في كفارة واطي إمراته في الحيض وفي باب الصوم أيضا فيمن تعمد أن يبقى جنبا من ليل شهر رمضان إلى نهاره، وفي نظائر هذه المسألة من باب الصوم توجب فيها من الكفارة ما لا يوجبه أكثر الفقهاء، وقد بيناها في باب مسائل الصوم وفي كفارة الجنايات في الحرم، ولا فائدة في إعادة ما مضى وإنما نذكر ما لم يتقدم ذكره.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من وطئ أمته وهي حائض ان عليه أن يتصدق بثلاثة أمداد من طعام على ثلاث مساكين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك دليلنا بعد الاجماع المتردد أنا قد علمنا أن الصدقة بر وقربة وطاعة لله تعالى فهي داخلة تحت قوله تعالى: (وافعلوا الخير) وأمره بالطاعة مما لا يحصى من الكتاب فظاهر الامر يقتضي الايجاب في الشريعة فينبغي أن تكون هذه الصدقة واجبة بظاهر القرآن، وإنما يخرج بعض ما يتناوله هذه الظواهر عن الوجوب ويثبت له حكم النذر بدليل قاد إلى ذلك ولا دليل هاهنا يوجب العدول عن الظواهر.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من نام عن صلاة العشاء الآخرة حتى يمضي النصف الاول من الليل وجب عليه أن يقضيها إذا استيقظ وإن يصبح صائما كفارة عن تفريطه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك دليلنا على صحة قولنا بعد الاجماع الذي يتردد الطريقة التي ذكرناها قبل

[166]

هذه المسألة بلا فصل من قوله تعالى (وافعلوا الخير) وأمره عزوجل بالطاعة على الترتيب الذي رتبناه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن على المرأة إذا جزت شعرها كفارة قتل الخطأ عتق رقبة أو إطعام ستين مسكين أو صيام شهرين متتابعين فان خدشت وجهها حتى تدميه كان عليها كفارة يمين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ودليلنا ما تقدم ذكره فلا معنى لاعادته.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من شق ثوبه في موت ولده أو زوجته كان عليه كفارة يمين وخالف باقي الفقهاء في ذلك، دليلنا على صحة ما ذكرناه مذهبنا الاجماع وفي المسألتين المتقدمتين لها بلا فصل.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم بذلك أن عليه أن يفارقها ويتصدق بخمسة دراهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك والدليل على ذلك ما تقدم ذكره.

(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن ولد الزنا لا يعتق في شئ من الكفارات، وقد روي وفاقها عن عبدالله بن عمر وعطا والشعبي وطاووس، وباقي الفقهاء يخالفون ذلك، دليلنا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) ولد الزنا يطلق عليه هذا الاسم.

وقد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لا خير في ولد الزنا لا في لحمه ولا في دمه ولا في جلده ولا في عظمه ولا في شعره ولا في بشره ولا في شئ منه وأجزاؤه في الكفارات وإسقاط الحكم به على الجاني ضرب من الخير وقد نفاه الرسول صلى الله عليه وآله فان تعلقوا بظاهر من قوله تعالى: (فتحرير رقبة)، قلنا: نخصص ذلك بدليل كما خصصنا كلنا أمثاله بدليل.

[167]

(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن من أفطر لمرض في صوم التتابع بنى على ما تقدم ولم يلزمه الاستيناف، وقد وافق الامامية على هذا أحد قولي الشافعي فله في هذه المسألة قولان: أحدهما أن يستأنف مثل قول باقي الفقهاء، والآخر أنه لا يستأنف، دليلنا الاجماع المتردد.

وأيضا فان المرض عذر ظاهر لسقوط الفرض، وقد علمنا أنه لو أفطر لغير عذر للزمه الاستيناف ولم يجز له البناء، ولا يجوز أن يكون مثل ذلك حكمه مع العذر، لان المعذور لا بد أن يخالف حكمه حكم من لا عذر له، والقوم يفرقون بين المرض والحيض في هذا الحكم ولا فرق بينهما عند التأمل لان لكل واحد منهما عذر لا يقدر على دفعه والانتقال منه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من صام من شهر الثاني يوما أو أكثر من صيام الشهرين المتتابعين وأفطر من غير عذر كان مسيئا وجاز له أن يبني على ما تقدم من غير استيناف، وخالف باقي الفقهاء في ذلك دليلنا بعد الاجماع المتكرر قوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج، وقوله تعالى (يريد الله أن يخفف عنكم)، وقد علمنا ان في الزام من ذكرناه الاستيناف مشقة شديدة وحرج عظيم.

مسائل العتق والتدبير والمكاتبة (مسألة) ومما انفردت به الامامية أن العتق لا يقع إلا بقصد إليه وتلفظ به ولا يقع مع الغضب الشديد الذي لا يملك معه الاختيار ولا مع الاكراه ولا في السكر ولا على جهة اليمين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، دليلنا بعد الاجماع من الطائفة كل شئ دللنا به على أن الطلاق لا يقع مع

[168]

هذه الوجوه التي ذكرناها، وقد تقدم وإن شئت أن تقول: كل من قال من الامة بأن الطلاق لا يقع مع هذه الوجوه قال بمثله في العتق والتفرقة بين المسألتين خلاف الاجماع.

فإن قيل فأنتم تجيزون أن يقع العتق مشروطا مثل أن يقول إن شفاني الله من مرض فعبدي حر والتدبير والمكاتبة عتق مشروط أيضا، قلنا: إنما أنكرنا أن يقع على جهة اليمين، مثل أن يقول: إن دخلت الدار أو فعلت كذا فعبدي حر، وما أنكرنا أن يقع مشروطا في النذور والقربات.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن الولاء للمعتق إنما يثبت في العتق الذي ليس بواجب بل على سبيل التبرع، وأما إذا كان العتق في أمر واجب ككفارة الظهار أو قتل أو إفطار في شهر رمضان أو نذر أو ما أشبه ذلك من جهات الواجب فان الولاء يرتفع فيه والمعتق سائبة، ولا ولاء للمعتق عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

ودليلنا بعد الاجماع المتردد أن الولاء حكم شرعي، والاصل انتفاء الاحكام الشرعية وإنما يثبت بالادلة الظاهره، وقد علمنا بثبوت الولاء في عتق المتبرع، ولم يقم دليل على ثبوته في العتق الواجب فيجب أن يكون على الاصل في انتفائه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن مولى إذا علق العتق بعضو من أعضاء عبده أي عضو كان لم يقع عتقه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فذهب أبوحنيفة إلى أنه إن علق العتق بعضو يعبر به عن الجملة كالرأس والفرج وقع العتق وإلا لم يقع.

وذهب الشافعي إلى أن العتق يقع إذا علق بكل عضو من أعضائه من يد أو رجل وغير ذلك، دليلنا الاجماع المتردد.

وأيضا فان وقوع العتق حكم شرعي ولا يجوز إثباته إلا بدليل قاطع وقد

[169]

علمنا أن حكم العتق يثبت إذا علق بالجملة ولم يقم دليل على ثبوته إذا علق بالاعضاء فيجب أن ينفيه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن العتق لا يقع إلا إذا كان لوجه الله والقربة إليه ولم يقصد به غير ذلك من الوجوه مثل الاضرار وما يخالف القربة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والدلالة على صحة مذهبنا بعد إجماع الطائفة أن العتاق حكم شرعي ولا يثبت إلا بدليل شرعي، ولا دليل على وقوعه مع نفي القربة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من أعتق عبدا كافرا لا يقع عتقه وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

والدليل على صحة مذهبنا بعد إجماع الطائفة ما مضى في المسألتين المتقدمتين.

وأيضا فإن في جعل الكافر حرا تسليطا له على مكاره أهل الدين والايمان وذلك لا يجوز.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن العبد إذا كان بين شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد الشركاء نصيبه إنعتق ملكه من العبد خاصة فإن كان هذا المعتق موسرا طولب بابتياع حصص شركائه، فإذا إبتاعها إنعتق جميع العبد وإن كان المعتق معسرا وجب أن يستسعى العبد في باقي ثمنه فإذا أداه عتق جميعه، فان عجز العبد عن الكسب والسعاية كان بعضه عتيقا وبعضه رقيقا وخدم ملاكه بحساب رقه وتصرف في نفسه بقدر ما إنعتق منه وخالف باقي الفقهاء في هذه الجملة.

فقال أبوحنيفة: إذا أعتق أحد الشريكين عتق نصيبه ولشريكه ثلاث خيارات إن كان موسرا إن شاء أعتق وإن شاء إستسعى أو إن شاء ضمن، وإن كان معسرا سعى العبد ولم يرجع على المعتق.

وقال ابن أبي ليلى: يعتق كله وهو قول أبي يوسف ومحمد وإن كان الشريك موسرا ضمن، وإن كان معسرا سعى العبد وهو قول الثوري والحسن بن صالح بن حي.

[170]

وحكى أبويوسف عن ربيعة في عبد بين رجلين أعتقه أحدهما لم يجز عتقه، فان أعتقه الآخر فقد تم عتقهما.

وقال مالك والشافعي إذا أعتقه إحدهما وهو موسر فقد عتق كله وضمن فان كان معسرا كان نصيبه رقيقا يتصرف فيه.

وقال عثمان البستي لا شئ على المعتق إلا أن يكون جارية رايقة تراد للوطي فيضمن ما أدخل على صاحبه من الضرر، وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا يعتق العبد كله ويضمن المعتق من شركائه موسرا كان أو معسرا.

ومن تأمل هذه الاقاويل المختلفة وجد قول الامامية على ترتيبه منفردا عنها، والدلالة على صحة مذهبنا الاجماع الذي يتكرر، ثم أن القول بنفوذ العتق في نصيب المعتق لا بد منه لانه يتصرف في ملكه وتعديه إلى ملك غيره لا يجوز لان من لا يملك شيئا لا يجوز تصرفه فيه وتبعيض العتق الذي بنيت هذه المسألة عليه لا بد منه.

وأما الشافعي فقد صرح به في ما حكاه عنه، وكذلك أبوحنيفة أيضا في إثبات الخيارات للشريك إلا أنا إذا قلنا لابي حنيفة أرأيت إذا كان المعتق معسرا أو عجز العبد عن السعاية والتكسب فكيف يكون الحال فلا بد له عند ذلك من القول بمثل ما قلناه.

وأما الشافعي فيلزمه أن يقال له إنما يجوز أن يكون بعضه رقيقا وبعضه حرا إذا فقدت الحيلة في حريته إما بتضمين المعتق إن كان موسرا أو بسعاية العبد إن كان المعتق معسرا لا سيما وأنتم كلكم تروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه كله من ملكه فإن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه.

وتروون أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أعتق شركا له في عبد فهو

[171]

حر كله فظاهر هذا الخبر يقتضي ما حكيناه عن أبي يوسف ومحمد وذلك باطل عندنا وعند الشافعي فثبت أنه عليه السلام أراد استحقاق التوصل إلى الحرية بكل سبب، فإن استدل الشافعي بما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله من أعتق شقصا له في عبده، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاؤه حصتهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق ورق عليه ما رق، فالجواب ان هذا الخبر واحد وإن كنا لا نعرفه ولا ندري عدالة رواته وقد بينا في غير موضع أن أخبار الآحاد العدول لا تقبل في أحكام الشريعة وإنما يصلح أن يحتج بهذا الخبر الشافعي على أبي حنيفة لانهما مشتركان في قبول أخبار الآحاد وأبوحنيفة يجيب عن هذا الخبر بأن يقول: ان العبد رقيق إلى أن يؤدي بالسعاية ما عليه، كما أنه كذلك إلى أن يعتقه صاحبه ولنا على ما نذهب إليه أن تناول ذلك على من عجز عن السعاية من العبيد، فانه يبقى بعضه رقيقا لا محالة، وهذا التأويل أولى من تأويل أبي حنيفة لانه لو أطلق عليه اسم الرق إلى أن يسعى لجاز بيعه وهبته وعندنا لا يجوز ذلك.