[مسائل في التدبير]

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن التدبير لا يقع إلا مع قصد إليه وإختيار له، ولا يقع على غضب ولا إكراه ولا سكر ولا على جهة اليمين، وتكون القربة إلى الله تعالى هي المقصودة به دون سائر الاغراض، وخالف باقي الفقهاء في هذه المسائل، والدلالة على صحة مذهبنا فيها كلها ما قدمناه في باب العتاق وشروطه، وأنه لا يقع على هذه الوجوه التي قلنا أنه لا يقع عليها، والطريقة في الامرين واحدة.

[172]

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن قسموا بيع المدبر فقالوا إن كان ذلك التدبير تطوعا وتبرعا جاز له بيعه على كل حال في دين وغير دين، كما يجوز له الرجوع في وصيته وإن كان تدبيره عن وجوب لم يجز له بيعه ومعنى ذلك أن يكون قد نذر مثلا ان برئ مريضه أو قدم غائبه أن يدبر عبده ففعل ذلك واجبا لا تبرعا، وما وجدنا أحدا من الفقهاء فصل هذا التفصيل وأطلقوا جواز البيع على كل حال أو المنع منه على كل حال.

وقال أبوحنيفة وأصحابه: لا يجوز بيعه وهو قول ابن أبي ليلى وسائر أهل الكوفة والحسن بن حي، وقال مالك: لا يجوز بيع المدبر فان باع مدبره وأعتقها المشتري فالعتق جائز ينتقض التدبير والولاء للمعتق، وكذلك إن وطئها فحملت منه صارت أم ولد فبطل التدبير.

وقال الاوزاعي: لا يباع المدبر إلا من نفسه أو من رجل يجعل عتقه وولاء‌ه لمن اشتراه ما دام الاول حيا، فإذا مات الاول رجع الولاء إلى ورثته وقال الليث: أكره بيع المدبر، فإن باعه وأعتقه المشتري جاز بيعه وولاء‌ه لمن أعتقه.

وقال عثمان البستي والشافعي: يجوز بيع المدبر من حاجة ومن غير حاجة فما في الجماعة من قسم تقسيم الامامية فصارت المسألة إنفرادا، دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الاجماع الذي يتردد أن التدبير إذا كان على سبيل النذر فهو واجب عليه لازم له فلا يجوز الرجوع فيه ولا الفسخ له وليس كذلك التبرع لانه لا سبب له يقتضيه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن تدبير الكافر لا يجوز وقد مضى الكلام في نظير هذه المسألة لما دللنا على أن عتق الكافر لا يجوز فان التدبير ضرب من العتق.

[173]

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن من دبر نصيبه من عبد ثم مات إنعتق نصيبه.

والقول في نصيب شريكه كالقول في من أعتق عتقا منجزا حقه من عبده، وتلك القسمة التي ذكرناها في عتق الشقص هي تامة هاهنا، والدلالة على المسألتين واحدة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أنهم قسموا التدبير وقالوا إن كان عن وجوب فهو من رأس المال، وإن كان عن تطوع فهو من الثلث، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك وما وجدنا لهم هذه القسمة، لان أبا حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والاوزاعي والحسن بن حي والشافعي قالوا بالاطلاق وان المدبر يكون من الثلث، وقال زفر والليث بن سعد: المدبر من جميع المال وهو قول مسروق وإبراهيم النخعي وروي عن الشعبي أن شريحا كان يقول المدبر من الثلث فبان بحكاية هذه الاقوال إنفراد لقول الامامية إذ قسموا والدلالة على صحة قولهم بعد إجماع الطائفة أنه إذا كان واجبا جرى مجرى الديون في خروجه من أصل المال، وإذا كان تبرعا وتطوعا فهو كالوصية فيما يتبرع به الموصى والقسمة واجبة، فان استدلوا بالخبر الذي يرويه نافع، عن ابن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله المدبر من الثلث، فالجواب عنه أن هذا خبر واحد لا نعرفه وأنتم تنفردون به، وتعارضه أخبار لنا كثيرة موجودة في الكتب، ولو قبلناه على ما فيه لحملناه على تدبير التطوع والتبرع دون الوجوب.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن التدبير متى علق بعضو من الاعضاء لم يكن تدبيرا، ولا كان له حكم، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك والشافعي إذا ذهب إلى أن العتق إذا تعلق بأي عضو كان من الاعضاء وقع يجب أن يذهب في التدبير إلى مثله، وأبوحنيفة إذا ذهب إلى أن العتق يقع متى تعلق بعضو يعبر به عن الجملة مثل الرأس والفرج يجب أن يقول في

[174]

التدبير مثل ذلك، وكل دليل دللنا به في مسائل العتق من أن العتق لا يقع متى تعلق بعضو من الاعضاء هو بعينه دليل في التدبير في هذه المسألة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أنه لا يجوز أن يكاتب العبد الكافر وأجاز باقي الفقهاء في ذلك، وقد دللنا على نظير هذه المسألة في مسائل العتق والتدبير، وما دللنا به هناك هو دليل في هذا الموضع.

ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بقوله تعالى (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) فلا يخلو المراد بالخير أن يكون المال أو الصناعة وحسن التكسب على ما قاله الفقهاء أو يراد به الخير الذي هو الدين والايمان، ولا يجوز أن يراد بذلك المال ولا المكتسب لانه لا يسمى الكافر والمرتد إذا كانا موسرين أو مكتسبين خيرين، ولا أن فيهما خيرا ويسمى ذو الايمان، والدين خيرا وإن لم يكن موسرا ولا مكتسبا، فالحمل على ما ذكرناه أولى ولو تساوت المعاني في الاحتمال لوجب الحمل على الجميع.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن المكاتب إذا شرط على مكاتبه انك متى بقي عليك من مال مكاتبتي شئ رجعت رقا كان هذا الشرط صحيحا ماضيا وإن اشترط عليه أنه متى أدى بعضا وبقي بعضا عتق منه بقدر ما أدى وبقي رقيقا بقدر ما بقي عليه كان ذلك أيضا جائزا وإن لم يشترط شيئا من ذلك وأطلق الكتابة وأدى المكاتب البعض وبقي البعض كان رقيقا بقدر ما بقي عليه وحرا بقدر أدائه.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبوحنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وابن شبرمة والبستي ومالك والشافعي والاوزاعي والليث بن سعد المكاتب عبد ما بقي عليه درهم لا يعتق إلا إذا أدى جميع مال المكاتبة، وروي عن الثوري أنه قال: إذا أدى المكاتب النصف أو الثلث من مكاتبته فأحب أن لا يرد إلى الرق

[فهو غريم]

.

[175]

وروي عن الشعبي أنه قال: كان عبدالله وشريح يقولان في المكاتب إذا أدى الثلث فهو غريم.

وروي عن عبدالله أيضا أنه إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم.

والذي يدل على صحة مذهبنا إجماع الطائفة وإن شئت أن تقول كل من قال ان عتق الكافر لا يصح ولا يقع يقول بما ذكرناه في هذه المسألة، فالتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع الامة.

وقد دللنا على أن عتق الكافر لا يصح ولا يقع، ويمكن أن يعتمد أيضا على أن المكاتبة عقد يتعلق بالشرط الذي يرضيان به فيجب أن يكون بحسب ما يشترطان ويتراضيان عليه، وإذا اطلق الكتابة وجعل الرقبة بازاء المال فما نقص عن المال يجب نقصانه من الرقبة.

(مسألة) " بيع أمهات الاولاد ": ومما إنفردت به الامامية القول: بجواز بيع أمهات الاولاد بعد وفاة أولادهن، ولا يجوز بيع أم الولد وولدها حي، وهذا هو موضع الانفراد، فإن من يوافق الامامية في جواز بيع أمهات الاولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه.

وقد روت العامة وحكى أصحاب الخلاف القول بجواز بيع أم الولد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " وعبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن الزبير والوليد بن عقبة وسويد بن غفلة وعمر بن عبدالعزيز ومحمد بن سيرين وأبي الزبير وعبدالملك ابن يعلى وهو قول أهل الظاهر.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك ومنعوا من بيعهن.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة عليه قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربوا) وهذا عام في أمهات الاولاد وغيرهن.

فإن قيل: قد أجمعنا على أن قوله تعالى وأحل الله البيع مشروط بالملك فان بيع ما لا يملكه لا يجوز.

[176]

قلنا: الملك باق في أم الولد بلا خلاف، لان وطئها مباح له ولا وجه لاباحته إلا بملك اليمين.

ويدل أيضا على ذلك أنه لا خلاف في جواز عتقها بعد الولد ولو لم يكن الملك باقيا لما جاز العتق، وكذلك يجوز مكاتبتها وأن يأخذ سيدها ما كاتبها عليه عوضا عن رقبتها، وهذا يدل على بقاء الملك.

وكذلك أجمعوا على أن قاتلها لا يجب عليه الدية وإنما يجب عليه قيمتها.

فإن قالوا: ان بقاء الملك لا يدل على جواز البيع بل لا يمتنع أن يبقى الملك وهو ناقص كملك الشئ المرهون فهو باق للراهن وإن لم يجز بيعه، قلنا: إذا سلمتم بقاء الملك.

فبقاؤه يقتضي استمرار أحكامه، فإذا ادعيتم فيه النقصان طولبتم بالدلالة ولن تجدوها، على انا لو سلمنا نقصان الملك تبرعا لجاز أن نحمله على أنه لا يجوز بيعها مع بقاء ولدها، وهذا ضرب من النقصان في الملك.

ويدل أيضا على ذلك قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)، وقد علمنا أن للمولى أن يطأ أم ولده وإنما يطأها بملك اليمين، لانه لا عقد هاهنا، وإذا جاز أن يطأها بالملك جاز له أن يبيعها، كما جاز له مثل ذلك في سائر جواريه.

ومما يشهد لما ذكرناه أن بيع أمهات الاولاد كان مستعملا في حياة النبي صلى الله عليه وآله ومتعارفا طول أيام أبي بكر حتى نهى عمر عن ذلك فامتنع منه اتباعا له، وإنما نهى عن ذلك لمصلحة رآها، كنهيه عن متعة الحج وإلزامه المطلق ثلاثا بلفظ واحد تحريم زوجته عليه واغرامه أنس بن مالك وديعة هلكت في ماله إلى مسائل كثيرة خالف فيها جميع الامة، وما الخلاف عليه في بيع أمهات الاولاد إلا كالخلاف عليه في المسائل التي ذكرنا بعضها.

ومما يقوي أن نهي عمر عن بيع أمهات الاولاد كان لرأي إختاره هو ما روي عن عبدالله بن أبي الهذيل قال:

[177]

جاء شاب إلى عمر فقال: ان أمي اشتراها عمي فهو بعلها وينظرها وأنا ضاربه ضربة ادخل فيها النار، فقال عمر هذا فساد، فرأى يومئذ أن يعتقن فلو لم يكن بيع أم الولد جائزا لكان عمر يفسخ شرى عم الغلام للجارية ويردها إلى أبي الغلام، ومما يمكن إيراده على سبيل المعارضة فانه وارد من طريق الآحاد التي لا يجوز الاحتجاج بها فيما طريقه العلم، وإنما يصح لاصحابنا أن يعارضوا بها لان خصومنا يرون العمل بأخبار الآحاد ما رواه أبوداود سليمان بن أشعث السجستاني قال حدثنا عبدالله بن النوفلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن خطاب ابن صالح مولى الانصار عن أمه عن سلامة بنت معقل قالت: قدم إلي عمي في الجاهلية فباعني من الحباب بن عمر فولدت له عبدالرحمن ثم هلك فقالت امرأته الآن تباعين في دينه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال صلى الله عليه وآله لاخيه أبي البشر كعب بن عمر اعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قدم علي فأتوني اعوضكم عنها فعوضهم عني غلاما فلو عتقت أم الولد بموت سيدها لما أمر النبي (صلى الله عليه واله) الوارث بعتقها ولما ضمن العوض عنها، ولقال له: قد عتقت بموت سيدها وليس لكم بيعها.

ومما يمكن ذكره أيضا على سبيل المعارضة ما رواه عطا وأبوالزبير وابن أبي نجيح كلهم عن جابر بن عبدالله قال: بعنا أمهات الاولاد على عهد رسول الله وأبي بكر، فلما كان أيام عمر نهانا.

وعن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نبيع أمهات الاولاد على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)، وعن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت ابن غفلة يقول: كنا نبيع أمهات الاولاد على عهد عمر إلى أن نهانا عنه، وعن عبيدة السلماني عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " قال: كان من رأيي ورأي عمر ألا تباع أمهات الاولاد وقد رأيت أن أبيعهن

[178]

وعن محمد بن سيرين عن عمر بن مالك الهمداني عن عمر قال: ان أسلمت وعفت عتقت، وإن كفرت وفجرت رقت.

وفي هذا الخبر دليل على أن نهيه عن بيعها كان على سبيل الاستحباب لانها لو عتقت بموت السيد لما منع فجورها من عتقها.

وروى الاجلح عن زيد بن وهب قال: أصاب ابن عم لنا جارية فولدت منه بنتا وماتت البنت فأتينا عمر فقصصنا عليه القصة فقال: هي جاريتك فإن شئت فبعها.

وعن الحكم عن زيد بن وهب عن عمر نحوه.

وأما اعتراض من يعترض على ما ذكرناه في الرواية عن جابر وأبي سعيد الخدري من أننا كنا نبيع أمهات الاولاد والنبي (ص) حي فينا لا يرى بذلك بأسا بأن يقول ليس في ذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان عالما بذلك ولم ينكره، وقد يجوز أن يكون في حياته (صلى الله عليه واله) ما لا يعرفه فليس بشئ مرضي، لان احتجاج الرجلين بأن بيع أمهات الاولاد كان في حياة النبي (صلى الله عليه واله) خرج مخرج الاخبار بأنه كان عالما بذلك وإلا فلا فائدة في أنه يجري في أيامه ما لا يعرفه ولو ساغ هذا التأويل لقيل لهما هذا التخريج الذي خرجه الخصوم، فلما لم يقل ذلك دل على أنهما إنما أخبرا بأن ذلك جرى وهو صلى الله عليه وآله يعرفه ويبلغه ولا ينكره، وقد تعلق من امتنع من بيع أمهات الاولاد بأشياء منها إن ولد هذه الامة حر لا محالة وهو كالجزء منها فحريته متعدية إليها.

ومنها ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله) أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر منه.

وعن ابن عمر عن النبي (ص) نحوه.

وعن سعيد بن المسيب قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله بعتق أمهات الاولاد، وأن لا يبعن ولا يستسعين، وبما روي عنه صلى الله عليه وآله في مارية حين ولدت منه أنه قال: أعتقها ولدها، وادعوا أيضا

[179]

إجماع الصحابة على عتقها في أيام عمر بن الخطاب، والاجماع حجة.

فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا لم زعمتم أن حرية الولد تتعدى إلى الام، ومن مذهبكم أن الام لا تتبع الولد في الاحكام وإنما يتبعها الولد، إذا أعتقت الامة عتق ما في بطنها، وليس إذا عتق ما في بطنها اعتقت.

وأيضا فلو كان الولد هو الموجب لحريتها لعتقت في الحال ولم يتأخر ذلك إلى موت السيد، على أن أصحاب الشافعي لا يصح أن يتعلقوا بهذه الطريقة لان الشافعي يذهب إلى أن من إشترى إمرأته وهي أمة وقد كانت حملت منه ووضعت عنده ولدا أعتق ولده منها، ولم تسر الحرية من الولد إليها بل تكون أمة حتى تحمل منه وهي في ملكه.

وأما ما روي عن عكرمة عن ابن عباس فان حفاظ أصحاب الحديث ونقاده قطعوا على أنه كذب لا أصل له.

وكذلك الخبر الذي روي عن سعيد بن المسيب ويوضح ذلك ما رواه أشعث عن سالم بن عروة القرشي عن ابن عباس أنه كان يجعل أمهات الاولاد من انصباء أولادهن، فلو كان عند ابن عباس في ذلك أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله يتضمن العتق والحرية لما جعلهن من انصباء أولادهن.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال في أم الولد إنما هي كبعيرك أو فرسك وعن سعيد بن مسروق عن عكرمة في أم الولد قال قال عمر تعتق فلو كان عكرمة على ما ذكروه في الخبر الاول روي عن ابن عباس عتقها عن النبي صلى الله عليه وآله لما أسنده إلى عمر بل كان ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله.

وعن نافع قال قال رجلان لابن عمر تركنا عبدالله بن الزبير يبيع أمهات الاولاد، فقال ابن عمر ولكن عمر كان يقول أيما أمة ولدت من سيدها فهي معتقة له وهي حرة إذا مات.

وعن عبدالله بن دينار عن ابن عمر نحوه، فلو كان ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنها تعتق

[180]

بموته لجعل عتقها منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وآله ولم يجعله إلى عمر.

وروي عن زيد بن وهب الجهني قال: مات رجل عن أم ولد فأمر الوليد ابن عقبة ببيعها، فقال ابن مسعود إن كنتم ولا بد فاعلين فاجعلوها من نصيب ابنها تعتق فلو كان ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وآله لما خفي على ابن مسعود ولا على الوليد بن عقبة وهو أمير الكوفة من قبل عثمان بن عفان حتى يقضي ببيعها بمحضر من الصحابة، ولما قال أمير المؤمنين " عليه السلام " قد كان من رأيي ورأي عمر أن لا يبعن، وقد رأيت الآن أن يبعن، ولكان عبدالله بن الزبير لا يبيعهن في طول ولايته على الحرمين والعراق من غير أن ينكره أصحابه عليه وعن القسم بن الفضل بن معدان عن محمد بن زياد قال: كانت جدتي أم ولد لعثمان بن مظعون وأراد ابن عثمان بيعها بعد موت أبيه فأتت عائشة فقالت ان ابن عثمان يريد بيعي فلو كلمتيه فيوضعني موضعا صالحا وقد كنت ولدت من أبيه فقالت لها: اذهبي إلى عمر فانه يعتقك، فأتت عمر فأرسل إلى ابن عثمان بن مظعون فقال: أردت بيع هذه؟ فقال: نعم، قال ليس لك ذلك هي حرة.

وفي هذا دليل على أن عائشة وابن عثمان بن مظعون كانا ليريان بيعها وأنه لم يكن عندهما في ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وآله ولذلك أجاز بيعها أمير المؤمنين عليه السلام وجابر وابن عباس وابن الزبير وأبوسعيد الخدري والوليد بن عقبة وغيرهم على أن هذه الاخبار التي تعلقوا بها وما أشبهها أخبار آحاد لا توجب علما ولا يقينا، وأكثر ما توجبه مع السلامة التامة الظن ولا يجوز الرجوع عن الادلة التي قدمناها مما يوجب العلم واليقين وهي معارضة بما ذكرنا بعضه وأغفلنا معظمه من رواياتهم المتضمنة لجواز بيع أمهات الاولاد فأما ما يختص به الشيعة الامامية في هذا الباب من الاخبار فهي أكثر من أن

[181]

تحصى، وإنما عارضناهم بما يروونه وينقلونه وهو موجود في كتب أخبارهم على أنه يمكن إذا سلمنا صحة الخبر الاول والثاني أن يكون المعنى فيه أنها تعتق إذا كان مولاها قد علق عتقها بوفاته وهذا مما لا شبهة فيه.

فأما ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله في أم إبراهيم ولده عليهما السلام أنه أعتقها ولدها فهو أيضا من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم وهم يروونه عن أبي بكر ابن أبي سبرة وهو عند نقاد أصحاب الحديث من الكذابين، ويرويه ابن أبي سبرة عن الحسن بن عبيد الله بن عبدالله بن عباس وهو عندهم من الضعفاء المطعون في روايتهم، وهو معارض بكل ما تقدم ولا بد فيه من ترك ظاهره لان ولدها لو كان أعتقها لعتقت في الحال، وقد أجمعنا على خلاف ذلك، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله علق عتقها بولادتها فلما حصلت الولادة التي هي السبب في العتق قال صلى الله عليه وآله: اعتقها ولدها وهذا تأويل أولى من تأويلهم لانهم يجعلون السبب الذي هو العتق متأخرا عن السبب الذي هو الولادة، وتأويلنا يقتضي أن يكون المسبب بعد السبب بلا فصل.

وقد تأول هذا الخبر أيضا قوم على أن المراد به ولدها يدعو إلى عتقها وما دعا إلى غيره جاز أن يجعل كأنه واقع عنده، فأما ما ادعوه من الاجماع فقد بينا أن الخلاف في هذه المسأله متقدم ومتأخر، وأن بيع أمهات الاولاد كان في أيام النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر إلى أن نهى عمر عنه، فكيف يدعي الاجماع في هذه المسألة والخلاف فيها أظهر من الشمس.

وقد رووا عن الاجلح عن عمر بن عبدالعزيز أنه كتب إلى عدي في رجل مات وعليه دين وليس له إلا أم ولد قال: تستسعى في الدين، وعن ابن مسعود قال: تعتق من نصيب ولدها.

وعن الشعبي وإبراهيم النخعي قال: يجزي عتق أم الولد عن الرقبة الواجبة وعن حماد بن زيد عن أيوب وابن عون أن ذا قرابة لمحمد بن سيرين توفي وترك أم ولد له حبلى فأرسل محمد بن سيرين إلى عبدالملك بن يعلى

[182]

وهو قاضي البصرة فأمره عبدالملك أن يجعل عتقها من نصيب ولدها، وفي ذلك كله دليل على أن الخلاف ما زال في الاعصار المتقدمة والمتأخرة إلى وقتنا هذا.