(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بتحريم الفقاع وأنه جار مجرى الخمر في جميع الاحكام من حد شاربها ورد شهادته وفي نجاستها، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والدلالة الاجماع المتردد وإن شئت أن تبني هذه المسألة على بعض ما تقدم من المسائل التي فيها ظاهر كتاب الله فعلت، ومما يعارض به المخالفون ما رووه عن ثقاتهم ورجالهم من تحريم الفقاع لان الذى ترويه الشيعة ويختص به من الروايات في هذا الباب يمكنهم أن يقولوا: انا لا نعرف هؤلاء ولا نثق برواتها.
فمن ذلك ما رواه أبوعبيد القاسم بن سلام قال حدثنا أبوالاسود عن ابن لهيعة عن دراج أبي السمح، وروى الساجي صاحب كتاب اختلاف الفقهاء، قال حدثنا سليمان بن داود، قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه، وإجتمعا على أن دراجا قال أن عمر بن الحكم حدثنا عن أم حبيبة زوجة النبي (صلى الله عليه واله) أن ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله ليعلمهم الصلاة والسنن والفرائض، فقالوا يا رسول الله أن لنا شرابا نعمله من القمح والشعير، فقال " ع ": الغبيرا؟ فقالوا: نعم، قال صلى الله عليه وآله: لا تطعموه، قال الساجي في حديثه قال " ع " ذلك ثلاثا.
وقال ابوعبيد القاسم بن سلام لما كان بعد يومين ذكروها له عليه السلام فقال: الغبيرا؟ قالوا: نعم قال عليه السلام: لا تطعموها، ثم لما أرادوا أن ينطلقوا سألوه عليه السلام أيضا، فقال: الغبيراء؟ قالوا: نعم، قال لا تطعموها قالوا: فانهم لا يدعونه، فقال " ع " ومن لم يتركها فاضربوا عنقه.
وروى أبوعبيد أيضا، عن ابن أبي مريم، عن محمد بن جعفر عن زيد بن أسلم، عن عطا بن يسار أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن الغبيرا: فنهى عنها وقال: لا خير فيها.
وقال زيد بن أسلم والاسكركة هي، وهذا الاسم يخص الفقاع به، يعني الاسكركة في لغة العرب.
قال ابن الرومي وهو ممن لا يطعن عليه في علم اللغة العربية، وكان مشهورا بالتقدم فيها.
ويروى عنه أنه قال لبعض رواته: وقد عمل ابن الرومي قصيدته التي مدح بها أبا العباس ثعلب، فأن رد عليك شيئا من الاعراب فيها فألقني به، وإن رد عليك شيئا من اللغة فلا ولا كرامة ولا يجاسر مع أبي العباس ثعلب
على هذا القول إلا متقدم أو متناه في علم اللغة.
وأبيات ابن الرومي:
اسقني الاسكركة الصنبر في جعصلقونه * واجعل القيحن فيها يا خليلي بغصونه
انها مصفاه أعلاه ومسك لبطونه وأراد بالاسكركة الفقاع، والجعصلقون الكوز الذي يشرب فيه الفقاع والصنبر البارد، والقيحن الشراب.
وقد روى أصحاب الحديث من طرق معروفة، أن قوما من العرب سألوا رسول الله (صلى الله عليه واله) عن الشراب المتخذ من القمح، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): أيسكر؟ قالوا: نعم، فقال"ع": لا تقربوه، ولم يسأل " ع " في الشراب المتخذ من الشعير عن الاسكار بل حرم ذلك على الاطلاق، وحرم الشراب الآخر إذا كان مسكرا، فدل ذلك على أن الغبيرا محرمة بعينها كالخمر.
وقد روى أصحاب الحديث من العامة في كتبهم المشهورة أن عبدالله الاشجعي كان يكره الفقاع.
وقال أحمد بن حنبل: وكان ابن المبارك يكرهه.
وقال أحمد حدثنا أبوعبدالله المدائني قال: كان مالك بن أنس يكره الفقاع، ويكره أن يباع في الاسواق، وكان يزيد بن هارون يكرهه.
وقال أحمد: حدثنا عبدالجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال: الغبيرا هي التي نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها الفقاع.
وقال أبوهاشم الواسطي: الفقاع نبيذ الشعير، فإذا نش فهو خمر.
وقال زيد بن أسلم: الغبيرا التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها هي الاسكركة وقال أبوموسى: الاسكركة خمر الحبشة.
وإذا كانت هذه رواياتهم وأقوال شيوخهم ومتقدمي أصحاب حديثهم فما المانع لهم من تحريم الفقاع وهم يقبلون من أخبار الآحاد ما هو أضعف مما ذكرناه، وكيف يستحسنون الشناعة على الامامية في تحريم الفقاع، ومالك بن أنس وهو شيخ الفقهاء وأصحاب الحديث ينهى عنه وعن بيعه.
وكذلك ابن المبارك،
ويزيد بن هارون وهما شيخا أصحاب الحديث، ولولا العصبية وإتباع الهوى نعوذ بالله منهما.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الخمر محرمة على لسان كل نبي وفي كل كتاب نزل، وأن تحريمها لم يكن متجددا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنها متجددة التحريم.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة فأنهم لا يختلفون فيما ذكرناه ولك أيضا أن تبني هذه المسألة على بعض المسائل المتقدمة التي فيها ظاهر الكتاب أو ما أشبهه، ونبين لك أن أحدا من المسلمين ما فرق بين المسألتين، وأن التفرقة بينهما خلاف الاجماع.
فان عورضنا بما يروونه من الاخبار الواردة في تجديد تحريم الخمر وذكر أسباد تحريمها فجوابنا عن ذلك أن جميع ما روي في تجديد تحريمها أخبار آحاد ضعيفة لا توجب علما ولا عملا ولا يترك ما ذكرناه من الادلة القاطعة بمثل هذه الاخبار.
فأما ما يدعيه اليهود والنصارى من تحليل أنبيائهم لها فكذب منهم عليهم كما كذبوا على أنبيائهم في كل شئ كذبهم المسلمون فيه، ولا حجة فيما يدعيه هؤلاء المبطلون المعروفون بالكذب.
(مسألة) وعند الامامية إذا إنقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما ينقلب فيه إلى الخل حلت.
وخالف الشافعي ومالك في ذلك وأبوحنيفة يوافق الامامية فيما حكيناه، إلا أنه يزيد عليهم فيقول فيمن ألقى خمرا في خل فغلب عليها حتى لا يوجد طعم الخمر أنه بذلك يحل، وعند الامامية أن ذلك لا يجوز، ومتى لم ينقلب الخمر إلى الخل لم يحل فكأنهم إنفردوا من أبي حنيفة بأنهم إمتنعوا مما أجازه على بعض الوجوه وإن وافقوه على انقلاب الخمر إلى الخل، فجاز لذلك ذكره هذه المسألة في الانفرادات، دليلنا بعد الاجماع المتردد أن التحريم إنما يتناول ما هو خمر وما إنقلب خلا فقد
خرج من أن يكون خمرا، ولانه لا خلاف في إباحة الخل، وإسم الخل يتناول ما هو على صفة مخصوصة، ولا فرق بين أسباب حصوله عليها.
ويقال لاصحاب أبي حنيفة أي فرق بين غلبة الخل على الخمر في تحليلها وبين غلبة الماء عليها أو غيره من المايعات أو اجمادات حتى لا يوجد لها طعم ولا رائحة، فأن فرقوا بين الامرين بأن الخمر ينقلب إلى الخل ولا ينقلب إلى غيره من المايعات أو الجامدات.
قلنا: كلامنا فيها على الانقلاب.
والخمر إذا ألقيت في الخل الكثير فما إنقلبت في الحال إلى الخل بل عينها باقية.
وكذلك هي في الماء فما الفرق بين أن يلقى في ما ينقلب إليه وبين ما لا ينقلب إليه إذا كانت في الحال موجودة ولم تنقلب.
(مسألة) ومما يظن قبل التأمل إنفراد الامامية به القول بتحليل شرب أبوال الابل، وكلما أكل لحمه من البهائم أما للتداوي أو غيره، وقد وافق الامامية في ذلك مالك والثوري وزفر.
وقال محمد بن الحسن في البول خاصة مثل قولنا، وخالف في الروث، وقال أبوحنيفة وأبويوسف والشافعي: بول ما أكل لحمه نجس.
وروثه أيضا كنجاسة ذلك مما لا يؤكل لحمه.
والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الاصل في ما يؤكل لحمه أو يشرب لبنه في العقل الاباحة، وعلى من ذهب إلى الحظر دليل شرعي ولن يوجد ذلك في بول ما يؤكل لحمه، لانهم إنما يعتمدون على أخبار آحاد وقد بينا أن أخبار الآحاد إذا سلمت من المعارضات والقدح لا يعمل بها في الشريعة، ثم أخبارهم هذه معارضة بأخبار يرويها ثقاتهم ورجالهم تتضمن الاباحة، وسيجيئ الكلام في تفصيل هذه الجملة.
وأيضا فان بول ما يؤكل لحمه طاهر غير نجس، وكل من قال بطهارته
جوز شربه، ولا أحد يذهب إلى طهارته والمنع من شربه.
والذي يدل على طهارته أن الاصل الطهارة والنجاسة هي التي يحتاج فيها إلى دليل شرعي، ومن طلب ذلك لم يجده.
ومما يجوز أن يعارض به مخالفونا في هذه المسألة ما يروونه عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله.
وما يروونه أيضا عن حميد عن أنس أن قوما من عرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وآله المدينة فأستوخموها فانتفخت أجوا فهم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وآله إلى لقاح الصدقة ليشربوا من أبوالها.
وأيضا فان النبي صلى الله عليه وآله طاف بالبيت راكبا على راحلته في جميع الروايات ويد الراحلة ورجلاها لا يخلو من بولها وروثها أيضا، هذا هو الاغلب الاظهر فلو كان ذلك نجسا لنزه النبي صلى الله عليه وآله المسجد عنه.
فان قيل قوله (صلى الله عليه واله): لا بأس به لا يدل على الطهارة وإنما يقتضي خفة حكمه عن غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال مثل هذه اللفظة فيما لا شبهة في طهارته وإباحته، قلنا: لا يجوز أن نحمل هذه اللفظة إلا على الطهارة والاباحة، لان أهل الشريعة ما جرت عادتهم بأن يقولوا فيما حظره ثابت أنه لا بأس به، على أن بعض النجاسات قد تكون أخف حكما من بعض، ولا يقال فيه لا بأس، وإنما يجوز أن لا تدخل هذه اللفظة في المجمع على طهارته وإباحته، لان العادة جرت بدخولها فيما هو مباح طاهر على اختلاف فيه ودخول شبهة في حكمه.
فان قالوا في حديث العرنيين أنه عليه السلام إنما أباحهم شرب أبوال الابل في حال الضرورة وعلى سبيل التداوي كما تحل الميتة مع الضرورة، قلنا: لو كان في حال المرض يبيح الابوال لاباحها في أوقاتنا هذه، وأبوحنيفة يمنع من ذلك وإما يجيزه أبويوسف والشافعي، وإذا بطل إعتراض أبي حنيفة
فالذي يبطل إعتراض أبي يوسف والشافعي وجهان: أحدهما أن النبي (صلى الله عليه وآله) لو كان أباح ذلك لضرورة لوقف عليه وبين إختصاصه بالضرورة، والوجه الثاني ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) من قوله أن الله لم يجعل شفاكم فيما حرم عليكم ولهذا الذي ذكرناه تأول قوله تعالى: (فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)، على أن المنافع هاهنا هي في المكاسب، فان قالوا: ما أبيح في حال الاضطرار ولم يتناوله هذا الخبر الذي رويتموه، لانه إنما يقتضي نفي الشفاء عما تحريمه ثابت، وما تدعو إليه الضرورة لا يكون حراما بل مباحا.
قلنا: الظاهر يقتضي نفي الشفاء عما حرم في سائر الاوقات، وتخفيف التحريم في حالة دون أخرى عدول عن الظاهر.
فان قيل: معنى الخبر أن شفاؤكم ليسبمقصور على المحرمات بل في المباحات لكم مندوحة، قلنا: هذا أيضا تخصيص للخبر وعدول عن ظاهره.
فان إحتج علينا مخالفونا في نجاسة البول بما يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني، وأنه عام في سائر الابوال وما يؤمر بغسله وجوبا لا يكون إلا نجسا، وما هو نجس لا يجوز شربه.
وبما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر بقبرين فقال: أنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما كان يمشي في النميمة، وأما الآخر فكان لا يستبري من البول، وهذا عام في جميع الابوال، وبما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله استبرؤا من البول، فان عامة عذاب القبر منه، فيقال لهم: قد مضى ان أخبار الآحاد ليست بحجة في الشريعة إذا خلت من المعارضات، ثم أخبارهم هذه معارضة بما يروونه من طرقهم وقد ذكره بعضهم.
وأما ما نرويه نحن من طرقنا مما لا يحصى كثرة، وإذا سلمنا هذه
الاخبار ولم نعارضها بما يسقط الاحتجاج بها كان لنا أن نحمل الخبر الاول علما هو نجس من الابوال كبول الانسان وبول ما لا يؤكل لحمه، ووجب هذا التخصيص لمكان الادلة التي ذكرناها.
والشافعي لا يمكنه الاستدلال بهذا الخبر، لانه لا يوجب غسل المني، لانه عنده طاهر، ولا بد له أيضا من تخصيص لفظة البول، لانه(1) يرى أن بول الرضيع لا يجب غسله.
وأما أبوحنيفة فلا بد له من تخصيص أيضا، وحمله على الدم والبول الكثيرين، لانه لا يوجب غسل القليل منهما، لانه يرى أن بول الرضيع طاهر، ويعدل عن ظاهره أيضا في المني، لانه لا يوجب غسله، وإنما يوجب فركه، وقد أجمعنا كلنا على تخصيص هذا الخبر.
ويقال لهم في الخبر الثاني قد روي هذا الخبر على خلاف ما حكيتم لانه روي أنه كان لايتنزه من بوله.
وروي أيضا أنه كان لا يستبري من البول يختص ببوله لا بول غيره، وليس لهم أن يخالفوا في ذلك، فيقولون أن الاستبراء هو التباعد، وقد يلزمه التباعد والتنزه عن بوله وبول غيره، ولهذا يقال إستبرأت الامة إذا تباعدت عنها لتعرف براءة رحمها، وذلك أن الاستبراء معتبر فيه بأصل وضع اللغة إذا كان في عرف الشرع قد إستقر على فائدة مخصوصة، فقد علمنا أن القائل إذا قال: فلان لا يستبري من البول أو إستبرأ من البول لا يفهم عنه إلا بوله دون بول غيره، على أن ظاهر الخبر لو كان عاما على ما رووه لوجب تخصيصه بالادلة التي ذكرناها على أن في هذا الخبر ما يقتضي الاختصاص ببول ما لا يؤكل لحمه، لانه تتضمن الوعيد وذكر العذاب.
___________________
(1) لانه لايرى خ ل.
وعند من خالفنا أن مسائل الاجتهاد لا يستحق فيها الوعيد، فان قالوا لم يلحق الوعيد من حيث لم يتنزه فقط بل من حيث لم يتنزه عن البول مع إعتقاده نجاسته، ومن فعل ذلك يلحقه الوعيد لا محالة، قلنا: هذا عدول عن الظاهر، وبعد فهذا التأويل يسقط إستدلالكم بالخبر، لان تقدير الكلام على هذا التأويل أنه يعذب، لانه كان لا يتنزه عن البول مع إعتقاد نجاسته وهذا لا يدل على نجاسة كل بول، وإنما يدل على خطأ من أقدم على ما يعتقد قبحه ولم يجتنب ما يعتقد نجاسته، لان الفاعل كذلك في حكم من فعل القبيح، فأين دليلكم على نجاسة جميع الابوال وهو المقصود في المسألة على أن في الخبر اختلالا ظاهرا، لانه متضمن أنهما يعذبان وما يعذبان على كبير وذلك كالمتناقض، لان العذاب لا يكون إلا على الكبائر وما ليس بكبير فلا عذاب على فاعله عند من جعل في المعاصي كبائر وصغائر من غير إضافة، ولا يصح أيضا على مذهب القائلين بالارجاء، لانهم يعتقدون أن جميع المعاصي كبائر، وأنه يستحق العذاب على كل شي ء منها، ومن ذهب إلى هذا المذهب لاينفي اسم الكبير عن شئ من المعاصي، وإنما يقول على سبيل الاضافة هذه المعصية أصغر من تلك، وأما مع الافراد بالذكر، فالكل عنده كبائر.
وأما الخبر الاخير الذي تعلقوا به فكلامنا عليه كالكلام في الخبر الذي تقدمه بلا فصل فلا معنى لاعادته.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أنه يجوز لبس الثوب الحرير إذا كان في خلله شئ من القطن أو الكتان وإن لم يكن غالبا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهب أبوحنيفة وأصحابه إلى جواز لبس الحرير إذا كان سداه أو اللحمة من القطن أو الكتان ولم يجزه إذا كانت اللحمة أكثر.
وحكى الطحاوي عن الشافعي أنه أباح لبس قباء محشو بقز، قال لان القز باطن.
والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم إنما نهى عن لبس الحرير، وهذا الاسم إنما يتناول ما كان محضا دون
ما إختلط بغيره، والثوب الذي فيه قطن أو كتان ليس بحرير محض، فجاز لبسه والصلاة فيه.
وإذا ذهبوا إلى أن الثوب الذي لحمته قطن وسداه حرير يجوز لبسه، لانه ليس بحرير محض، وكذلك ما كان بعضه قطنا وإن لم يكن جميع اللحمة فان قيل: هذا يقتضي أنه لو كان في الثوب خيط واحد من قطن أو كتان جاز لبسه، قلنا: ظاهر النهي عن لبس الحرير المحض يقتضي ذلك إلا أن يمنع منه مانع غيره، والاولى أن يكون الخيط أو الخيطان غير معتد بهما ولا أثر لمثلهما، فأما إذا كان معتدا لمثله مثل أن يكون له نسبة إلى الثوب كخمس أو سدس أو عشر فأنه يخرجه من أن يكون محضا.
والعجب كله من قول الشافعي: في حشو القباء الحرير المحض الذي يتناوله بلا شبهة نهى النبي صلى الله عليه وآله، وأي تأثير لكون الحشو باطنا غير ظاهرا، ولا يرى أنه بطانة الجبة إذا كانت حريرا محضا لم يجز لبسها، وإن كانت البطانة لا تظهر للعين كظهور الظهارة هذا بعد شديد.
(مسألة) ومما كانت الامامية منفردة به أن جلود الميتة من جميع الحيوان لا تطهر بالدباغ، وقد وردت لهم رواية ضعيفة بجواز اتخاذ جلود الميتة ما لم يكن كلبا أو خنزيرا بعد الدباغ آنية، وإن كانت الصلاة فيها لا تجوز، والمعول على الاول.
وخالف الشيعة جميع الفقهاء إلا أحمد بن حنبل فقد حكى عنه أن الميتة لا تطهر بالدباغ، دليلنا بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)، والتحريم يجب أن يتناول كل بعض من أبعاض الميتة حلته الحياة ثم فارقته، والجلد بهذه الصفة بعد الدباغ وقبله فيجب أن يحرم الانتفاع به بعد الدباغ، لان اسم الميتة يتناوله.
ومما يجوز أن يذكر على سبيل المعارضة لهم ما رووه وسطروه في كتبهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب، وعموم هذا الخبر يقتضي تحريم الانتفاع بهذا بعد الدباغ.
وقول بعضهم أن اسم الاهاب يختص بالجلد قبل الدباغ ولا يستحقه بعده غلط مفحش، لان الاهاب إسم للجلد في الحالين وغير مختص بأحدهما.
ولو جاز أن يدعى في الاهاب إختصاص جاز أن يدعى في الجلد مثل ذلك، فان إعترضوا بما يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد سئل عن جلود الميتة فقال (صلى الله عليه وآله): دباغها طهورها.
وفي خبر آخر أيما إهاب دبغ فقد طهر كان جوابنا أن هذه أخبار آحاد لا يعمل بها في الشريعة، ثم بازائها ما يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) من النهي عن ذلك، وما رويناه من الاخبار التي لاتحصى في هذا المعنى، ولو لم يبطل هذين الخبرين إلا ظاهر القرآن لكفى، وقد يجوز أن يحمل الخبران على الخصوص وأن يريد بقوله (صلى الله عليه وآله) أيما إهاب دبغ فقد طهر المذكى دون الميت.