[مسائل شتى]

(من الهبات والاجارات والوقوف والشركة والرهن وغير ذلك) (مسألة) في الهبة: ومما إنفردت به الامامية القول بأن من وهب شيئا لغيره غير قاصد بثواب الله تعالى ووجهه جاز له الرجوع فيه ما لم يتعوض عنه ولا فرق في ذلك بين الاجنبي وذي الرحم.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه: إذا وهب لذي الرحم المحرم لم يرجع.

وإن وهب لامرأته لم يرجع، وكذلك المرأة لزوجها، وإن وهب لاجنبي رجع إن شاء ما لم يثب عنها أو يزيد الشئ في نفسه.

وذكر هشام عن محمد عن أبي حنيفة إذا علم الموهوب له المملوك القرآن أو الخبر فله أن يرجع فيه.

وقال محمد لا يرجع، قال محمد وكذلك لو كان كافرا فأسلم أو كان عليه دين فأداه الموهوب له.

[222]

وقال الحسن عن زفر ان علمها الموهوب له القرآن أو الكتابة أو المشط فحذقت ذلك فله أن يرجع فيها.

وقال أبو يوسف لا يرجع.

وقال عثمان البستي في الرجل يعطي الرجل العطية لا يبين أنه متقرب مستغزر فعطيته جائزة وليس له أن يرجع فيها وقال مالك: من نحل ولدا له نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة فله أن يقبضها إن شاء ما لم يستحدث الولد دينا من أجل العطاء، فإذا صار عليه الديون لم يكن للوالد أن يقبض من ذلك شيئا.

وكذلك إذا زوج الفتاة بذلك المال أو كانت جاريته فتزوجت بذلك فليس للاب أن يقبض من ذلك شيئا.

وقال مالك: والامر المجمع عليه عندنا في بلدنا أن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له بزيادة أو نقصان فان على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها.

وقال مالك في الواهب يكون لورثته مثل ما كان له من الثواب إن إتبعوه وروى الثوري عن ابن أبي ليلى قال: للواهب أن يرجع في هبته دون القاضي وعند أصحاب أبي حنيفة لايرجع إلا بنقصانها ويرد الموهوب له.

وقال الثوري كقول أصحاب أبي حنيفة في جميع ذلك.

وقال الاوزاعي: لا يرجع فيما وهب لمولى ولا تابع له ولا لذي رحم ولا لامرأته ولا السلطان لمن دونه ويرجع فيما سوى ذلك فان كانت الهبة قد نمت وزادت عند أصحابها فقيمتها يوم وهبها وترجع المرأة فيما وهبت لزوجها.

وقال الحسن بن حي: إذا لم يرد بالهبة ثواب الدنيا لم يرجع إذا قبض ولا يرجع بما وهب لذي رحم محرم.

فإذا وهب لغير ذي رحم محرم ويريد بها ثواب الدنيا فله أن يرجع فيها.

وقال الليث: إذا وهب للثواب رجع فيها مثل قول مالك، ولا ترجع المرأة فيما وهبت لزوجها إلا أن يكون سألها أن تهب له ثم طلقها مكانه أو بعد ذلك بيوم أو نحوه.

وقال الشافعي: لا يرجع في الهبة إلا الوالد فيما وهبه لولده، وقال

[223]

داود بن علي: كل من وهب شيئا لغيره لم يجز الرجوع فيه، ولا فرق في ذلك بين البعيد والقريب.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد إنا قد علمنا بإجماع من الامة ولا إعتبار بداود، فان الاجماع قد تقدمه وسبقه بأن عقد الهبة وإن قارنه القبض غير مانع من الرجوع وإنما إختلفوا في موضع جواز الرجوع فذهب قوم إلى أن الرجوع إنما يجوز مع ذوي الارحام دون ذوي الاجانب وذهب الآخرون إلى أنه الاجانب دون ذوي الارحام، وذهبت الامامية إلى أنه يجوز في المواضع كلها فقد بان بالاتفاق على أن قبض الهبة غير مانع من الرجوع على كل حال.

فمن إدعى أنه مانع من الرجوع في موضع دون آخر فعليه الدليل الشرعي على إختصاص ذلك الموضع بهذا الحكم ولا دليل لمن خصص موضعا دون آخر، لان تعويلهم على أخبار آحاد وقياس يقتضي الظن ولا معول على مثله في ثبوت الاحكام الشرعية فثبت بهذا الاعتبار جواز الرجوع في المواضع كلها، وأن ليس بعضها بذلك أحق من بعض، فأن قالوا: لو جاز الرجوع في الهبة لجاز في البيع وفي سائر العقود.

قلنا: سائر العقود ما أجمعت عليه الامة على جواز الرجوع فيها على الجملة، وإنما إختلفا في التفصيل وعقد الهبة قد بينا الاجماع على سبيل الجملة على جواز الرجوع فيه وإنما إختلفوا في مواضعه.

فان إحتج المخالف بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: الراجع في هبته كالراجع في قيئه، وبلفظ آخر الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه.

فالجواب عن ذلك أن هذه كلها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ولا يثبت بمثلها الاحكام.

وهذا الخبر معارض بأخبار كثيرة يروونها عن النبي (صلى الله عليه وآله) من جواز الرجوع في الهبة، وإذا سلم هذا الخبر على ما فيه فالمراد به الاستقذار

[224]

لا التحريم، لان ذلك مستقذر مستهجن، ألا ترى أن الكلب لا تحريم عليه فأما الخبر الآخر الذي يتضمن ذكر الكلب فهو وإن كان مطلقا يرجع إلى الكلب لان الالف واللام يحملان على العهد، وليس هاهنا جنس يعهد منه الرجوع في قيئه إلا الكلب فلا فرق بين أن يقول كالعايد في قيئه وبين أن يقول كالكلب يعود في قيئه، على أنا لو حملنا لفظة العايد على الجنس والعموم لدخل فيه الكلب لا محالة فلا يجوز حمل العود على التحريم، لان ذلك لا يتأتى في الكلب فلا بد من حمله على الاستقذار والاستهجان وهو متأت في كل عايد فان قيل: كيف يجوز أن يجتمع جواز الرجوع في الهبة مع القول بأنها تملك بالقبض، قلنا: غير ممتنع إجتماع ذلك، كما أن المبيع إذا شرط فيه الخيار مدة معلومة كان مملوكا بالعقد، وإن كان حق الرجوع فيه ثابتا فان قالوا: الملك مع ثبوت حق الخيار ناقص أو غير مستقر، قلنا: نحن نقول في ملك الموهوب مع ثبوت حق الرجوع مثل ما يقولونه حرفا بحرف.

(مسألة) في الهبة أيضا: ومما إنفردت به الامامية ان من وهب شيئا في مرضه الذي مات فيه إذا كان عاقلا مميزا تصح هبته ولا يكون من ثلثه، بل يكون من صلب ماله.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى أن الهبة في مرض الموت محسوبة من الثلث، دليلنا الاجماع المتردد، ولان تصرف العاقل في ماله جايز وما تعلق للورثة بماله وهو حي حق فهبته جائزة، ولذلك صح بلا خلاف نفقة جميع ماله على نفسه في مأكل ومشرب.

فان قيل: أي فرق بين الهبة في المرض والوصية في المرض، قلنا: الهبة حكمها منجز في الحال وما تعلق في حال الحيوة حق لوارث المال والمورث، والوصية حكمها موقوف على الوفاة، وبعد الوفاة يتعلق حق الورثة بمال المورث فوجب أن تكون محسوبة في الثلث.

[225]

(مسألة) في الاجارات: ومما إنفردت به الامامية بأن الصناع كالقصار والخياط ومن أشبههما ضامنون للمتاع الذي يسلم إليهم إلا أن يظهر هلاكه ويشهر بما لا يمكن دفعه أن يقوم بينة بذلك وهم أيضا ضامنون لما جنته أيديهم على المتاع بتعد وغير تعد، وسواء كان الصانع مشتركا أو غير مشترك ومعنى الاشتراك هو أن يستأجر الاجير على عمل في الذمة فيكون لكل أحد أن يستأجره ولا يختص به بعضهم دون بعض، ومعنى الاجير المنفرد وهو من استؤجر للعمل مدة معلومة فيختص المستأجر بمنفعة تلك المدة ولا يصح لغيره إستيجاره فيها وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

فقال أبوحنيفة وأصحابه لا ضمان على الاجير المشترك إلا فيما جنته يداه وقال زفر: لا ضمان عليه في ما جنت يداه أيضا إلا أن يخالف، وقال أبويوسف ومحمد وعبيد الله بن الحسن يضمن إلا ما لا يستطاع الامتناع منه كالحريق وموت الشاة واللصوص الغالبين.

وقال الثوري يضمن في اللصوص أيضا.

وقال مالك: يضمن القصار إلا أن يأتي أمر من الله تعالى مثل الحرق والسرق والضياع إذا قامت عليه بينة ويضمن قرض الفار إذا لم يقم بينة.

وإذا قام بينة أنه قرض الفار من غير تضييع لم يضمن.

وقال الاوزاعي: لا يضمن القصار من الحريق والاجير المشترك ضامن إذا لم يشترط له أنه لا ضمان له عليه.

وقال الحسن بن حي: من أخذ الاجرة فهو ضامن تبرأ أو لم يتبرأ، ومن أعطى الاجرة فلا ضمان عليه وإن شرط، ولا يضمن الاجير المشترك من عدو حارب أو موت، وهذا القول من ابن حي كأنه موافق للامامية لانه إن عنى به الاجير المشترك والخاص فهو موافق لهم وإن كان يعني المشترك دون الخاص فهو خلاف إلا أنه يخالف للامامية على كل حال بقوله: ومن أعطى الاجرة فلا ضمان عليه وإن شرط، لان عندنا

[226]

إن شرط كان الضمان بالشرط وإن اعطي الاجر.

وقال الليث: الصناع كلهم ضامنون لما أفسدوا أو هلك عندهم وهذا أيضا كموافقة الامامية إذا أراد بالصناع من كل مشتركا وخاصا، و للشافعي قولان: أحدهما يضمن والآخر لا يضمن إلا ما جنت يداه.

دليلنا على صحة ماذهبنا إليه الاجماع المتردد.

وأيضا فأن من خالفنا في هذه المسألة على تباين أقوالهم يرجعون فيها إلى ما يقتضي الظن من قياس أو خبر واحد ونحن نرجع إلى ما يقتضي العلم فقولنا أولى على كل حال.

ومما يمكن أن يعارضوا به لانه موجود في رواياتهم وكتبهم ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا يقتضي ضمان المتاع على كل حال وإذا خصصوه إحتاجوا إلى دليل ولا دليل لهم على ذلك.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من وقف وقفا جاز له أن يشترط أنه إن احتاج إليه في حال حياته كان له بيعه والانتفاع بثمنه، والقول أيضا: بأن الواقف متى حصل له من الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه، وإن أرباب الوقوف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يجيزوا إشتراط الواقف لنفسه ما أجزناه ولا بيع الوقوف على حال من الاحوال إلا ما رواه بشر عن أبي يوسف في سنة تسع وسبعين أنه إن جعل الواقف الخيار لنفسه في بيع الوقف، وإن يجعل ذلك في وقف أفضل منه فهو جايز، وإن مات قبل أن يختار إبطاله مضى الوقف على سبيله.

قال: وقال أبويوسف بعد ذلك لا يجوز الاستثناء في إبطال الوقف والوقف جائز نافذ.

[227]

دليلنا إتفاق الطائفة، ولان كون الشئ وقفا تابع لاختيار الواقف وما يشرط فيه، فإذا شرط لنفسه ما ذكرناه كان كسائر ما يشرطه وليس لهم أن يقولوا هذا شرط ينقض كونه وقفا وحبسا وخارجا من ملكه وليس كذلك باقي الشروط لانه لا تنافي بينها وبين كون ذلك وقفا، قلنا: ليس ذلك يناقض كونه وقفا، لانه متى لم يجز الرجوع فهو ماض على سبيله، ومتى مات قبل العود نفذ أيضانفوذا تاما، وهذا حكم ما كان مستفادا قبل عقد الوقف، وكيف يكون ذلك نقضا لحكمه وقد بينا أن الحكم باق، فان قيل: لو جاز دخول هذا الشرط في الوقف لجاز دخول مثله في العتق، قلنا: هذا قياس، وقد بينا أن القياس لا يصح إثبات الاحكام الشرعية به، وبعد فأن الفرق بين العتق والوقف: أن العتق عندنا لا يجوز دخول شئ من الشروط فيه، وليس كذلك الوقف لان الشرائط تدخله مثل أن يقول هذا وقف على فلان، فان مات فعلى فلان وما جرى هذا المجرى، وإذا دخلته الشروط جاز دخول الشرط الذي ذكرناه.

فان قيل: فقد خالف أبوعلي بن الجنيد فيما ذكرتموه وذكر أنه لا يجوز للواقف أن يشرط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه.

وكذلك فيمن هو وقف عليه أنه لا يجوز له أن يبيعه، قلنا: لا إعتبار بابن الجنيد وقد تقدمه إجماع الطائفة وتأخر أيضا عنه وإنما عول في ذلك على ظنون له وحسبان وأخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها.

فأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو ادعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدة فقرهم، فالاحوط ما ذكرناه من جواز بيعه لانه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد إنتقض الغرض فيه ولم يبق منفعة فيه إلا من الوجه الذي ذكرناه.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن المشتركين مع تساوي

[228]

ماليهما إذا تراضيا بأن يكون لاحدهما من الربح أكثر مما للآخر جاز ذلك، وكذلك إذا تراضيا بأنه لا وضيعة على أحدهما، أو أن عليه من الوضيعة أقل مما على الآخر جاز أيضا.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: لا يجوز أن يشترطا تساويا في الربح مع التفاضل في المال ولا تفاضل في الربح مع التساوي في المال وإن شرطا ذلك فسدت الشركة، وأبوحنيفة أجاز التفاضل في الربح وإن كان رأس المال متساويا، وقال مالك: إذا كان رأس المال من عند أحدهما الثلث، ومن الآخر الثلثين، على أن العمل نصفان فالربح نصفان لا خير في هذه الشركة، ولا يجوز عنده التفاضل، فالربح مع التساوي في رؤوس الاموال.

وقالت الجماعة: أن الوضيعة على قدر المالين، وشرط الفضل باطل دليلنا الاجماع المتكرر.

وأيضا أن الشركة بحسب ما يشترط فيها، فإذا إشترطنا التفاضل في الربح أو الوضيعة وجب جواز ذلك، وأبوحنيفة يجيز إشتراط التفاضل في الربح فيلزمه جواز ذلك في الوضيعة.

فان قيل: إنما فسد إشتراط الفضل في الوضيعة لانه يجري مجرى قول أحدهما لصاحبه ما ضاع من مالك فهو علي وهذا فاسد لا محالة.

قلنا: مثال ما نحن فيه هو أن يقول ما هلك من هذه البضاعة مع تساوينا فيها فهو من مالي ومالك إلا أني قد سمحت ورضيت بأن يكون من مالي خاصة فلا مانع من ذلك، ويلزم أبا حنيفة إذا أجرى التفاضل في الوضيعة مجرى قول أحدهما لصاحبه ما هلك من مالك فهو علي أن لا يجوز التفاضل في الربح لانه يجري مجرى أن يقول له ما استفيده من الربح في كذا وكذا فهو لك وإذا جاز أحد الامرين جاز الآخر مثله.

[229]

(مسألة) ومما إنفردت به الشيعة الاماميه أن الشركة لا تصح إلا في الاموال ولا تصح في الابدان والاعمال، ومتى إشترك إثنان في عمل كصياغة عقد ونساجة ثوب وما أشبه ذلك لم يثبت بينهما شركة، فكان لكل واحد منهما أجرة عمله خاصة وإن لم يتميز عملاهما لاجل الاختلاط كان الصلح بينهما، وإذا دفع رجل إلى تاجر مالا ليتجر له على أن الربح بينهما لم ينعقد بينهما بذلك شركة وكان صاحب المال بالخيار إن شاء أعطاه ما شرطه له وإن شاء منعه منه وكان له عليه أجرة مثله في تجارة كذلك.

وكذلك إذا أعطى الانسان غيره ثوبا ليبيعه وشرط له فيه سهما من الربح فهو بالخيار إن شاء أمضى شرطه وإن شاء رجع فيه، وكان عليه في بيع الثوب أجرة مثله في البيع.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه يجوز شركة الابدان والصناعات إتفقت أو إختلفت عملا في موضعين أو موضع واحد، ولا يجوز في الاصطياد والاحتطاب ونحوهما.

وروى أبويوسف عن أبي حنيفة قال: كلما يجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة، وما لا يجوز فيه الوكالة لا يجوز فيه الشركة، وما جازت فيه الشركة من الصناعات نحو الخياطة والقصارة، فانه سواء عملا جميعا أو أحدهما فما حصل من فضل فهو بينهما نصفان.

وقال مالك تجوز الشركة على أن يحتطبا ويصطادا إذا كان يعملان جميعا في موضع واحد، وكذلك الاشراك إذا إشتركا في صيد البزاة والكلاب إذا كان الكلب والبازي بينهما نصفين.

وقال مالك: لا يجوز الشركة بين حداد وقصار وإنما تجوز في صناعة واحدة يعملان جميعا فيها في موضع واحد، فان عملا في موضعين أو كانتا صناعتين لم تجز الشركة.

وقال مالك: يجوز أن يشترك المعلمان في تعليم الصبيان إذا كانا في مجلس واحد،

[230]

وإن تفرقا في مجلسين فلا خير فيه.

وقال الحسن بن حي والليث: شركة الابدان جايزة في الاعمال، وقال الليث: وإن مرض أحدهما لم يكن للمريض شئ من عمل الصحيح إلا أن يشاء الصحيح أن يشركه في عمله.

وقال الشافعي: لا تجوز الشركة إلا بالدراهم والدنانير ويختلط المالان وهذا يدل على أنه لا يجيز شركة الابدان، إلا أنه ليس ينتهي في ذلك إلى ما تقوله الامامية من أن العمل لا يدخل في الشركة منفردا ولا مجتمعا.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولان معول من مخالفينا في هذه المسائل التي ذكرناها كلها على الظنون والحسبان والرأي والاجتهاد ومرجعنا فيما نذهب إليه فيها إلى توقيف فما قلناه أولى.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من رهن حيوانا حاملا فأولاده خارجون عن الرهن، فأن حمل الحيوان في الارتهان كان أولاده رهنا مع أمهاته.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

فقال أبوحنيفة: إذا ولدت المرهونة بعد الرهن دخل ولدها في الرهن، وكذلك اللبن والصوف وثمرة النخل والشجر وهو قول الثوري والحسن بن حي.

وقال مالك: ما حدث من ولد فهو رهن، وليست الثمرة الحادثة رهنا مع الاصل.

وقال الليث: إذا كان الدين حالا دخلت الثمرة في الرهن، فان كان إلى أجل فالثمرة لصاحب الاصل.

وروي عنه أنه لا تدخل فيه إلا أن تكون موجودة يوم الرهن.

وقال الشافعي: لا يدخل الولد ولا الثمرة الحادثة في الرهن، ومن تأمل هذه الاقوال على إختلافها علم أن قول الشيعة: منفردة عنها.

والذي يدل على صحة الطريقة التي ذكرناها في المسألة التي قيل هذه بلا فصل.

[231]

(مسألة) أيضا في الاجارة: ومما إنفردت به الامامية القول بجواز أن يؤجر الانسان شيئا بمبلغ بعينه فيواجره المستأجر بأكثر منه إذا إختلف النوعان كأنه إستأجره بدينار فأنه يجوز له أن يواجره بأكثر من قيمة الدينار من الحنطة والشعير وما أشبه ذلك، وكذلك يجوز أن يستأجره بدينار ويواجر بثلاثين درهما، لان الربا لا يدخل مع إختلاف النوع، وهذا متى لم يحدث فيما إستأجره حدثا يصلحه به فان ما زاد فيه ما فيه نفع ومصلحة جاز أن يؤاجره بأكثر مما إستأجره على كل حال من غير تخصيص، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر ما إستأجره قبل القبض، ويجوز بعد القبض، فأن أجر بأكثر تصدق بالفضل إلا أن يكون أصلح فيه شيئا أو بنى فيه بناء وهو قول الثوري والاوزاعي والحسن بن حي، وقال مالك والبستي والليث والشافعي: لا بأس بأن يؤاجره بأكثر ولا يتصدق بشئ.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أن المستأجر مالك للمنافع، وقد أجازت الشريعة ملك المنافع، فجرى مجرى ملك الاعيان في جواز التصرف فيها فللمالك أن يتصرف في ملكه بحسب اختياره من زيادة أو نقصان، والاصل في العقول والشريعة جواز تصرف المالك في ملكه إلا أن يمنع مانع ولا مانع هاهنا فيما ذكرناه.