مسائل الحدود والقصاص والديات (وما يتصل بذلك)
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن حد الوطي إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به إذا كانا معا عاقلين بالغين لا يراعى في جلدهما وجود الاحصان، كما روعي في الزنا، فأما الايلاج في الدبر فيجب فيه القتل من غير مراعاة أيضا للاحصان فيه، والامام مخير في القتل بين السيف وضرب عنقه به وبين أن يلقى عليه جدارا يتلف نفسه بألقائه أو بأن يلقيه من جدار أو جبل على وجه يتلف معه نفسه بألقائه أو يرميه بالاحجار حتى يموت.
وقد إنفردت الامامية إنفرادا صحيحا ولا موافق لها فيها، فأنه وإن روى عن مالك والليث بن سعد في المتلاوطين أنهما يرجمان احصنا أو لم يحصنا
فهذه لعمري موافقة للامامية من بعض الوجوه ولم يفصلا ذلك التفصيل الذي شرحناه وما أظنهما يوجبان على من لم يكن فعله في نفس الدبر جلدا ولا غيره، وقال أبوحنيفة في اللوطي أنه يعزر ولا يحد.
وقال الليثي وأبويوسف ومحمد وابن حي والشافعي: أن اللواط بمنزلة الزنا وراعوا فيه الاحصان الذي يراعونه في الزنا.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع إلمتردد، وقد ظهر من مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام القول بقتل اللوطي وفعله حجة ومما يذكر على سبيل المعارضة للمخالف أنهم كلهم يروون عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من وجدتموه على عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
وقد حكي أنه كان يذهب إليه مع أمير المؤمنين عليه السلام أبوبكر وابن عباس، ولم يظهر خلاف عليهم هناك وربما قوى هذا المذهب بأن يقال: قد علمنا أن الحدود إنما قد وضعت في الشريعة للزجر عن فعل الفواحش والجنايات وكل ما كان الفعل أفحش كان الزجر أقوى ولا خلاف في أن اللواط أفحش من الزنا، والكتاب ينطق بذلك فيجب أن يكون الزجر عنه أقوى، وليس هذا بقياس لكنه ضرب من الاستدلال، وربما قوى بأن اللواط أفحش من الزنا بأنه إصابة الفرج لا تستباح إصابته بحال، وليس كذلك الزنا وعذر أبي حنيفة كأنه أوسع من عذر الشافعي وأبي يوسف ومحمد لان أبا حنيفة يدعي أنه لم يعثر في الشريعة على دلالة يقتضي وجوب الحد على اللوطي، وكلما لا حد فيه من الجنايات ففيه التعزير، والشافعي ومن وافقه من أبي يوسف ومحمد يجرون اللواط مجرى الزنا في جميع الاحكام، فيا ليت شعري من أين لهم ذلك وكيف حكموا فيه بحكم الزنا، وإسم الزنا لا يتناوله في الشرع، فان قالوا إسم الزنا وإن لم يتناوله فأسم الفاحشة عام في اللواط.
والزنا قلنا: إنما علق النبي صلى الله عليه وآله الاحكام المخصوصة بأسم الزنا، فلما لم يقع عليه هذا الاسم المعين ليتعلق به الاحكام وإسم الفاحشة وإن عم اللواط فهو يعم الزنا والسرقة وكل القبائح فيجب أن يجعل(1) بجميع هذه الجنايات أحكام الزنا، لان إسم الفاحشه يقع عليها، قال الله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) وإنما أراد جميع القبائح والمعاصي.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن البينة إذا قامت على إمرأتين بالسحق جلدت كل واحدة منهما مائة جلدة مع فقد الاحصان ووجوده فان قامت البينة عليهما بتكرر هذا الفعل منهما وإصرارهما عليه كان للامام قتلهما كما يفعل باللوطي.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا شيئا مما أوجبناه.
دليلنا ما تقدم من إجماع الطائفة فلا خلاف بينهم في ذلك، وأيضا فلا خلاف في أن هذا فعل فاحش قوي الخطر يجري مجرى اللواط، وكل شئ كان أزجر عنه فهو أولى، وثبوت الحد فيه أزجر عنه وادعى إلى الامتناع عنه وإنما يرجع مخالفونا في نفي الحد من هذا الموضع إلى الرأي والاجتهاد وقد بينا أنه لا رجوع إلى مثلهما في الشريعة وإنما الرجوع إلى النص والتوقيف.
(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأن من نكح بهيمة وجب عليه التعزير بما هو دون الحد من الزنا وتغريم ثمن البهيمة لصاحبها، وقد روي عن الاوزاعي إيجاب الحد على من أتى البهيمة، وقال باقي الفقهاء: لا حد على من أتى البهيمة ولا تعزير، والمعتمد في ذلك على إجماع الطائفة ويمكن أن يعارضوا بما يروونه هم عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه
___________________
(1) يحصل لجميع خ ل.
واقتلوا البهمية، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فقد إنضم إلى ما ترويه الشيعة وهو كثير.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من نكح إمرأة ميتة أو تلوط بغلام ميت فان حكمه في العقوبة حكم من فعل ذلك بالحي ولسنا نعرف موافقا من باقي الفقهاء للامامية في ذلك، وإن كانوا مخطئين لفاعله مبدعين له، إلا أنهم ما عرفنا أنهم يوجبون عليه من الحد ما يوجبونه على فاعل ذلك بالحي، والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن هذا فعل فيه بشاعة وشناعة في الشريعة وتمثيل بالاموات، فكلما زجر عنه وباعد عن فعله فهو أولى.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من إستمنى بيده وجب عليه أن يضرب بالدرة على يده الضرب الشديد حتى تحمر، ولم يعرف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا ما تقدم ذكره في المسألة التي تقدمت هذه المسألة.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من قامت عليه البينة بالجمع بين النساء والرجال أو الرجال والغلمان للفجور وجب أن يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه، وتجلد المرأة إذا جمعت بين الفاجرين لكنها لا يحلق رأسها ولا تشهر، ولم يعرف باقي الفقهاء ذلك ولا سمعناه عنهم ولا منهم، والحجة لنا فيه إجماع الطائفة وإن ذلك أزجر وادعى إلى مجانبة هذا الفعل القبيح الشنيع.
(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية وأهل الظاهر يوافقونهم فيه القول: بأنه يجمع على الزاني المحصن بين الجلد والرجم يبدأ بالجلد ويثنى بالرجم وداود مع أهل الظاهر يوافقونهم في ذلك، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا لا يجمع الجلد والرجم بل يقتصر في المحصن على الرجم، دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.
وأيضا فلا خلاف في إستحقاق المحصن الرجم وإنما الخلاف في إستحقاق الجلد، والذي يدل على إستحقاقه إياه قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة) والمحصن يدخل تحت هذا الاسم فيجب أن يكون مستحقا للجلد، وكأنه تعالى قال: اجلدوهما لاجل زناهما، وإذا كان الزنا علة في إستحقاق الجلد وجب في المحصن كما وجب في غيره وإستحقاقه للرجم غير مناف لاستحقاقه للجلد، لان إجتماع الاستحقاقين لا يتنافى، وليس يمكنهم أن يدعوا دخول الجلد في الرجم كما يدعون دخول المسح في الغسل لان من المعلوم أنه متميز منه وغير داخل فيه.
فان قالوا: هذه الآية محمولة على الابكار، قلنا: هذا تخصيص بغير دليل فان عولوا في تخصيصه على ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال فان إعترفت فارجموها ولم يذكر الجلد.
قلنا: هذا أولا خبر واحد غاية حاله إذا سلم من كل قدح أن يوجب الظن، وأخبار الآحاد لا يختص بها ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وإذا سلمناه فليس فيه أكثر من خلو الخبر من ذكره للجلد، وذلك لا يسقط وجوبه، ألا ترى أنهم كلهم يدفعون إستدلالهم من إستدل على أن الشهادة في النكاح ليست بواجبة بأن يقول: ان الله تعالى ذكر النكاح في مواضع من الكتاب ولم يذكر الشهادة في آيات النكاح ولا شرطها بأن يقولوا عدم ذكر الشهادة في آيات النكاح لا يدل على أنها ليست بواجبة، وما سبيل المحتج بذلك إلا سبيل من قال: أن الوضوء ليس بواجب، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها ولم يذكر الوضوء ولم يشرطه ها هنا ولم يدل نفي إشتراطه على نفي وجوبه.
فان إحتج المخالف بما رواه قتادة عن سمرة عن ا لحسن بن محمد أن
جابرا قال كنت فيمن رجم ماعزا ولم يجلده رسول الله صلى الله عليه وآله فالجواب عن ذلك أن هذا أيضا خبر واحد لا يختص به ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وقد طعن في هذا الخبر لان قتادة دلسه وقال عن سمرة ولم يقل حدثني وبعد فان هذه شهادة بنفي ولا يتعلق إلا بعلمه، كأنه قال: لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جلده وفقد علمه بذلك لا يدل على أنه لم يكن، وغير ممتنع أن يجلده من حيث لا يعلم، فظاهر الخبر أن جابر عنى بقوله كنت فيمن رجم ماعزا، ولم يجلده رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أراد لم يجلده في المجلس الذي رجم فيه، لانه قال: كنت فيمن رجم ولم يجلده النبي صلى الله عليه وآله ولو كان قصده إلى نفي الجلد على كل حال لم يكن في قوله كنت فيمن رجم معنى ألا ترى أن رجلا لو قال: ما أكل عمرو الطعام وهو يريد منه ثلاثة أيام لم يجز أن يقوى قوله فاني كنت معه طول البارحة فلم يطعم وإنما يحسن هذا القول منه إذا كان يريد في أكله مدة ملازمته له.
وقد قيل أن غاية ما في الخبر أن ظاهره يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما باشر جلده بنفسه وذلك لا يدل عى أنه لم يأمر غيره بجلده.
والقول في الخبر الذي يرويه نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله رجم اليهوديين ولم يجلدهما يجري مجرى الكلام في هذا الخبر على أن هذا الخبر الذي رووه معارض بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: الثيب بالثيب تجلد مائة جلدة والرجم، وهذا يعارض رواياتهم ويسقط الرجوع عن ظاهر الكتاب بها، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فما ترويه الشيعة من ذلك لا يحصى كثرة من إجتماع الجلد والرجم.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الحر البكر إذا زنا فجلد ثم عاد فجلد ثم عاد الثالثة فجلد أنه إن عاد الرابعة قتله الامام، والعبد يقتل في الثامنة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يقولوا بشئ منه، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فقد علمنا أن إيجاب القتل على من عادوا إلى الرابعة أزجر وادعى إلى تجنب ذلك وما هو أزجر من القبائح فهو أولى، ولاننا أيضا قد علمنا أن من عاود الزنا بعد الجلد لا يكون حاله في الجرأة على الله والتجاسر على معصيته حاله في الاولى والثانية، بل لا بد من أن يكون كالمتهاون والمستصغر للمعاصي فمن المحال أن يكون عقابه عقاب الاول للفرق ما بينهما من فحش الذنب وعظمه وتأكده.
فان قالوا: لو إستحق البكر القتل في الرابعة للحق البكر بالثيب، قلنا: الفرق بينهما أن المحصن يقتل في الاولى، ومن ليس بمحصن يقتل في الرابعة، فأن عولوا على ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله لا يحل دم إمرئ مسلم بكفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل النفس التي حرمها الله تعالى، والمعاود للزنا في الرابعة ليس بواحد منهم، قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يثبت بمثله الاحكام ويعارضه من أخبارنا المتضمنة للقتل في الرابعة ما هو أولى منه وأوكد، وقد يستحق القتل في الشريعة جماعة لم يدخلوا تحت لفظ هذا الخبر فغير ممتنع مثل ذلك فيمن ذكرناه.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن شارب الخمر المحدود في الاولى والثانية يقتل في الثالثة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا عليه قتلا في معاودة شرب الخمر على وجه من الوجوه، والطريقة في نصرة هذه المسألة هي الطريقة في النصرة التي قبلها بلا فصل، ولا معنى لتكرار ذلك.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن شارب الفقاع يحد حد شارب الخمر وتجري أحكامهما مجرى واحدا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك والحجة لنا فيه بعد إجماع الطائفة أنه قد ثبت تحريم شرب الفقاع بما
دللنا عليه في هذا الكتاب، وكل من حرمه أوجب فيه حد الخمر والتفرقة بين الامرين خلاف إجماع الامة.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الاحصان الموجب في الزاني الرجم هوأن يكون له زوجة أو ملك يمين يتمكن من وطئها متى شاء من غير حايل عن ذلك بغيبته أو مرض منهما أو حبس دونه سواء كانت الزوجة حرة أو أمة ملية أو ذمية، لان هذه الصفات إذا ثبتت فهو مستغن بالحلال عن الحرام، ونكاح المتعة عندنا لا يحصن على أصح الاقوال لانه غير دائم ومعلق بأوقات محدودات، وفرقوا بين الغيبة والحيض، لان الحيض لا يمتد وربما إمتدت الغيبة، ولانه قد يتمتع من الحائض بما دون موضع الحيض وليس كذلك الغيبة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه الاحصان أن يكونا حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان.
وروي عن أبي يوسف أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه، وروي عنه أيضا أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية ثم أسلما أنهما محصنان بذلك الدخول، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال قال ابن أبي ليلى إذا زنا اليهودي والنصراني بعد ما أحصنا فعليهما الرجم.
وقال أبويوسف وبه نأخذ وقال مالك: تحصن الامة الحر ويحصن العبد الحرة، ولا تحصن الحرة العبد وتحصن اليهودية والنصرانية المسلم، وتحصن الصبية الرجل وتحصن المجنونة العاقل، ولا يحصن الصبي المرأة، ولا يحصن العبد الامة إذا جامعها في حال الرق، ثم أعتقا لم يكونا محصنين بذلك الجماع حتى يجامعها بعد العتق، وقال مالك: إذا تزوجت الحرة خصيا وهي لا تعلم أنه خصي فوطئها ثم علمت أنه خصي فلها أن تختار فراقه ولا يكون ذلك الوطئ إحصانا وقال الثوري: لا يحصن بالنصرانية ولا اليهودية والمملوكة، وقال الاوزاعي
في العبد تحته حرة إذا زنا فعليه الرجم، فإذا كانت تحته أمة فأعتق ثم زنا فليس عليه الرجم حتى ينكح غيرها.
وقال في الجارية التي لم تحصن أنها تحصن الرجل والغلام الذي لم يحتلم لا يحصن المرأة، ولو تزوج إمرأة فاذا هي اخته من الرضاعة فهذا إحصان، وقال الحسن بن حي: لا يكون محصنا بالكافرة ولا الامة ولا يحصن إلا بالحرة المسلمة، وتحصن المشركة بالمسلم، ويحصن المشركان كل واحد منهما لصاحبه وقال الليث في الزوجين المملوكين لا يكونان محصنين حتى يدخل بهما بعد عتقهما، فان تزوج إمرأة في عدتها فوطئها ثم فرق بينهما فهذا إحصان.
وقال في النصرانيين لا يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد إسلامهما.
وقال الشافعي: إذا دخل بامرأة وهما كافران فهذا إحصان.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة أن الاحصان إسم شرعي تحته حكم شرعي بغير شبهة، ولا خلاف في أن الحر المسلم إذا كان عنده زوجة كذلك يتمكن من وطئها بغير مانع عنه فأنه محصن.
وإدعى من خالفنا الاحصان في مواضع أخر خالفناهم فيها فعليهم الدلالة الشرعية على ذلك، وإنما يرجعون فيه إلى الآراء والظنون وبمثل ذلك لا تثبت الاحكام الشرعية، فان قالوا أنتم تدعون أيضا ثبوت حكم الاحصان في موضع الخلاف مثل إحصان المملوكة والذمية، قلنا: دليلنا على لحوق هذا الحكم في تلك المواضع التي فيها الخلاف هو إجماع الطائفة المبني على العلم اليقين دون الظن، وكان موضع الوفاق لنا عليه دليل إجماع الطائفة مضافا إلى إجماع الامة، والمواضع التي يدعي مخالفونا ثبوت الاحصان فيها ونحن ننفيه دليلنا على نفيه أنه حكم شرعي ولا دليل شرعي يقتضي ثبوته، وما يدعى ثبوت الاحصان فيه ومخالفونا في ثبوته يرجع في ثبوته إلى دليل إجماع الطائفة.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن من زنى بذات محرم ضربت عنقه
محصنا كان أو غير محصن، ومن عقد على واحدة منهن وهو عارف برحمه منها ووطئها إستحق ضرب العنق وحكمه حكم الوطئ لهن بغير عقد، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة والثوري: فيمن عقد على ذات محرم ووطئ أنه لا يحد ويعزر.
وقال أبويوسف ومحمد: يحد إذا علم تحريمها عليه، وقال مالك: يحد ولا يلحق نسب الولد به إن لم تعلم هي بذلك، وإن كانت هي قد علمت وهو لا يعلم الحق به الولد وأقيم عليه الحد، وقال ابن شبرمة من أقر أنه تزوج إمرأة في عدتها وهو(1) يعلم أنها محرمة ضربته ما دون الحد، وكذلك المتمتع، وقال الاوزاعي في الذى يتزوج بالمجوسية وبالخامسة والاختين إن كان جاهلا ضرب مائة وألحق به الولد، وإن كان متعمدا رجم ولا يلحق به الولد.
وقال الحسن بن حي: في من تزوج إمرأة في العدة وهو لا يعلم أنها لا تحل له أو ذات محرم منه اقيم عليه الحد إذا وطئ وهو قول الشافعي، وقال الشافعي: فأن إدعى الجهالة بأن لها زوجا وأنها في عدة حلف ودرئ عنه الحد.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأن تغليظ الحد أزجر عن الفعل المحدود عليه، ومما يمكن أن يعارض به ما هو موجود في رواياتهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من وقع على ذات رحم له فاقتلوه، ولم يفرق بين أن يقع عليها بنكاح أو غيره، ولا يجوز أن يحمل هذا الخبر على أن المراد به أنه إذا وقع عليها وهو معتقد لاباحة الفعل لان الخبر عام وتخصيصه يحتاج إلى دليل، ولان النبي صلى الله عليه وآله إختص ذوات المحارم والاجانب فيما ذكروه كذوات المحارم، لان
___________________
(1) وهو لا يعلم خ ل.
من وقع على أجنبية محرمة، وإعتقد إباحة وقوعه عليها كان بذلك كافرا على كل حال.
ومما يوجد في رواياتهم حديث البراء في رجل تزوج إمرأة أبيه قال أبوبردة: فأمرني النبي صلى الله عليه وآله أن أقتله، وقال أبوحنيفة إن الحدود تسقط بالشبهات، وإنه إذا عقد على ذات محرم مع العلم بحالها كان هذا عقدا بشبهة، طريف لانه لا شبهة في هذا العقد إذا فرضنا أنه عالم بأنها ذات محرم، لان الحد إنما يبطل بشبهة ترجع إلى الفاعل وهو إعتقاده إباحة الوطئ أو لشبهة تعود إلى المفعول به، وهو أن يكون في الموطوء ملك أو شبهة ملك أو لشبهة في الفعل بأن يختلف في إباحته ولم يوجد أحد هذه الامور ها هنا، فإذا قالوا ها هنا شبهة عقد، قيل لم يبح الوطئ ولم يزل الحكم عن تحريمه فلا يكون شبهة في سقوط الحد.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الذمي إذا زنى بالمسلمة ضربت عنقه وأقيم على المسلمة الحد إن كانت محصنة جلدت ثم رجمت، وإن كانت غير محصنة جلدت مائة جلدة، وما نعرف موافقا لنا من باقي الفقهاء في ذلك، والوجه في صحة قولنا زائدا على إجماع الطائفة أن هذا الفعل من الذمي خرق للذمة وإمتهان للاسلام وجرأة على أهله، ولا خلاف في أن من خرق الذمة كان مباح الدم.
فأن قيل: كيف يقتل من لم يكن قاتلا، قلنا: كما نقتله مع الاحصان وليس بقاتل ويقتل المرتد وليس بقاتل، وبعد فاذا جاز أن يتغلظ في الشريعة حكم زنا المحصن حتى يلحق بأخذ النفس ما المنكر من أن يتغلظ أيضا زنا الذمي بالمسلمة حتى يلحق بوجوب تناول النفس.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من غصب إمرأة على نفسها ووطئها مكرها لها ضربت عنقه محصنا كان أو غير محصن، وخالف باقي
الفقهاء في ذلك، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا من المعلوم أن هذا الفعل أفحش وأشنع في الشريعة وأغلظ من الزنا مع الراضي فيجب أن يكون الحد فيه أغلظ وأزجر.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من زنا بجارية أبيه جلد الحد، وإن زنا الاب بجارية إبنه أو إبنته لم يجلد الحد لكنه يعزر بحسب ما يراه السلطان، ولم يعرف باقي الفقهاء ذلك، والوجه في صحة قولنا زائدا على إجماع الطائفة أنه غير ممتنع أن تكون حرمة الابوة وما عظمه الله تعالى من شأنها يقتضي إسقاط الحد في هذا الموضع، كما أسقطت الحد في قتل رجل لابنه، وإذا كانت المصلحة لا يمتنع أن يقتضي ما ذكرناه، وأجمعت الطائفة عليه وفي إجماعها الحجة، وظهرت الروايات فيها به وجب العمل عليه.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن السارق يجب قطع يده من أصول الاصابع وتبقى له الراحة والابهام وفي الرجل تقطع من صدر القدم ويبقى له العقب.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا كلهم إلى أن قطع اليد من الرسغ والرجل من المفصل من غير تبقية قدم، وذهب الخوارج إلى أن القطع من المرفق، وروى عنهم أنه من أصل الكتف، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أن الله تعالى أمر بقطع يد السارق بظاهر الكتاب وإسم اليد يقع على هذا العضو من أوله إلى آخره، ويتناول كل بعض منه، ألا ترى أنهم يسمون كل من عالج شيئا بأصابعه أنه قد فعل شيئا بيده، قال الله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) كما يقولون فيمن عالج شيئا براحته أنه قد فعل بيده، وآية الطهارة تتضمن التسمية باليد إلى المرافق، فاذا وقع إسم اليد على هذه المواضع كلها، وأمر الله تعالى أن تقطع يد السارق
ولم ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطعوجب الاقتصار على أقل ما يتناوله إسم اليد، لان القطع والاتلاف محظور عقلا، فإذا أمر الله تعالى به ولا بيان وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله الاسم.
ومما وقع الخلاف فيه وهو ما ذهبت الامامية إليه.
فأن قيل: فهذايقتضي أن يقتصر على قطع أطراف الاصابع ولا يوجب أن يقطع من أصولها.
قلنا: الظاهر يقتضى ذلك والاجماع منع منه، فأن إحتج المخالف بما يروونه من أن النبي صلى الله عليه وآله قطع من الكرسوع، قلنا: هذا ما ثبت على وجه يوجب اليقين وإنما هو في أخبار الآحاد، ويعارضه ما رويناه مما يتضمن خلاف ذلك وقد روى الناس كلهم أن أمير المؤمنين عليه السلام قطع من الموضع الذي ذكرنا ولم نعرف له مخالفا في الحال ولا منازعا له.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من سرق ما يبلغ نصاب القطع من حرز قطعت يمينه من الموضع الذي ذكرناه فان سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فان سرق ثالثة بعد قطع رجله اليسرى خلد في الحبس إلى أن يموت أو ير الامام رأيه، فان سرق في الحبس من حرز ما هو نصاب القطع ضربت عنقه، وليس لاحد من باقي الفقهاء هذا التفصيل لان الشافعي يقول: إذا سرق ثانية قطعت رجله اليسرى، وإذا سرق ثالثة قطعت يده اليسرى، وأبوحنيفة يذهب إلى أن رجله اليسرى تقطع في الثانية، وفي الثالثة يحبس، فكأن أبوحنيفة قد ساوانا في إيجابه في الثالثة الحبس دون القطع إلا أنه يخالفنا في إيجاب القتل عليه متى سرق بعد ذلك، وقوله أقرب إلى قولنا على كل حال، وإنفرادنا بالترتيب الذي رتبناه ظاهر.
ومما يمكن أن يعارضوا به أن قتل السارق موجود في رواياتهم لانهم يروون عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قتل السارق في الخامسة.
وقد روى مخالفونا في كتبهم أن عثمان بن عفان وعبدالله بن عمر وعمر ابن عبدالعزيز قتلوا سارقا بعد ما قطعت أطرافه.
وقد روى من يخالفنا في قتل السارق إذا تكررت سرقته أخبارا معروفة فكيف ينكرون علينا ما هو موجود في رواياتهم، ومن تأول تلك الاخبار على أنه يجوز أن يكون القتل فيهما للقود لا للسرقة تارك للظاهر بعيد للتأويل والظاهر يقضى عليه ويبطل قوله.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأنه إذا إشترك نفسان أو جماعة في سرقة ما يبلغ النصاب من حرز قطع جميعهم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد.
وأيضا قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) والظاهر يقتضي أن القطع إنما وجب بالسرقة المخصوصة وكل واحد من الجماعة يستحق هذا الاسم فيجب أن يستحق القطع.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من ضرب إمرأة فألقت نطفة كان عليه ديتها عشرون دينارا.
فأن ألقت علقة فأربعون دينارا فان ألقت مضغة فستون دينارا.
فان ألقته عظما مكتسيا لحما فثمانون دينارا فان ألقت جنينا لم ينفخ فيه الروح فمائة دينار.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يعرفون هذا الترتيب الذي ذكرناه.
دليلنا على صحة ذلك إجماع الطائفة، وأنه غير ممتنع أن تتعلق المصلحة بما ذكرناه فأن الاحكام تابعة للمصالح وإن إمتنعوا من جواز تعلق المصلحة بالترتيب الذي رتبناه طولبوا بالدليل على إمتناعهم فانهم لا يجدونه، فإذا أقروا بجواز تعلق المصلحة به فلا بد من ذلك.
قلنا: إذا أجمعت الطائفة على هذه الاحكام وإنتشرت في رواياتها(1)
___________________
(1) رواياتهم وأحاديثهم خ ل.
وأحاديثها وجب القول بها، وعلى أقل الاحوال يسقط التعجب الشديد منكم والشناعة وأنكم تكثرون التعجب من أقوالنا هذه ولا وجه يقتضيه إلا الهوى.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من أفزع رجلا وهو مخالط لزوجته حتى عزل الماء عنها لاجل إفزاعه إياه فعليه عشر دية الجنين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يرضوا بالخلاف حتى عجبوا منه.
وشنعوا به، والطريقة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة لهذه بلا فصل هي الحجة في المسألتين ومزيلة للتعجب منهما.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الاثنين وما زاد عليهما من العدد إذا قتلوا واحدا فان أولياء الدم مخيرون بين أمور ثلاثة: أحدها أن يقتلوا القاتلين كلهم ويؤدوا أفضل ما بين دياتهم ودية المقتول إلى أولياء المقتولين، والامر الثاني أن يتخيروا واحدا منهم فيقتلوه ويؤدي المستبقون ديته إلى أولياء صاحبهم بحساب أقساطهم من الدية فان إختار أولياء المقتول أخذ الدية كانت على القاتلين بحسب عددهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وإن إختلفت أقوالهم.
فقال معاذ بن جبل وابن الزبير وداود بن علي أن الجماعة لا تقتل بواحد ولا الاثنان بواحد، وقال باقي الفقهاء من أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومن عداهم إن الجماعة إذا إشتركت في القتل قتلت بالواحد غير أنهم لم يذهبوا إلى ما ذهبت الامامية إليه من تحمل دية من زاد على الواحد ودفعها إلى أولياء المقتولين وهذا موضع الانفراد.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولان ما ذكرناه أشبه بالعدل، لان الجماعة إنما أتلفت نفسا واحدة فكيف تؤخذ النفوس الكثيرة بالنفس الواحدة، وإذا إتبعنا في قتل الجميع بالواحد الروايات المتظاهرة الواردة بذلك فلا بد فيها مما ذكرته الامامية من الرجوع بالدية، وكلامنا
في هذه المسألة مع من أنكر قتل ا لجماعة بواحد من داود بن علي ومن وافقه من معاذ بن جبل وابن الزبير ومع باقي الفقهاء الذين ذهبوا إلى قتل الجماعة بواحد من غير أن يلتزم دية لورثة المقتولين.
والذي يدل على الفصل الاول زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى: (ولكم في القصاص حيوة) ومعنى هذا أن القاتل إذا علم أنه إن قتل قتل كف عن القتل، وكان ذلك أزجر له عنه، وكان داعيا إلى حياته وحياة من هم بقتله، فلو أسقطنا القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى المقصود بالآية، وكان من أراد قتل غيره من غير أن يقتل به شارك غيره في قتله فسقط القود عنهما.
ومما يمكن معارضة من ذهب إلى هذا المذهب به ما يروونه ويوجد في كتبهم في خبر أبى شريح الكعبى من قوله عليه السلام فمن قتل بعدة قتيلا فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذو الدية، ولفظة من يدخل تحته الواحد والجماعة دخولا واحدا.
ويمكن أن يستدل أيضا على من خالف في قتل الجماعة بواحد بقوله تعالى: (فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم)، والقاتلون إذا كانوا جماعة فكلهم معتد فيجب أن يعاملوا بمثل ما عاملوا به القتيل، فان قالوا الله تعالى يقول: (النفس بالنفس والحر بالحر)، وهذا ينفي أن تؤخذ نفسان بنفس وحران بحر.
قلنا: المراد بالنفس والحر ها هنا الجنس لا العدد، فكأنه قال: إن جنس النفوس تؤخذ بجنس النفوس، وكذلك جنس الاحرار، والواحد والجماعة يدخلون في ذلك.
فان قيل: إذا إشتركت الجماعة في القتل فليس كل واحد من الجماعة منهم قاتلا وليس يجوز أن يقتل من ليس بقاتل، قلنا: كل واحد من
الجماعة قاتل في حال الاشتراك ويطلق عليه هذا الاسم، فكيف ظننتم أنا لا نطلق على أن كل واحد قاتل، فإذا قالوا والقاتل لا بد له من مقتول فكيف يقولون في الجماعة؟ قلنا: مقتول الجماعة واحد وإن كان القتلة جماعة وكل واحد من القاتلين هو قاتل للنفس التي قتلها القاتل الآخر، ويجري ذلك مجرى جماعة حملوا جسما وكل واحد منهم حامل ومحمول الجماعة واحد وهو الجسم، وكذلك مقتول الجماعة المشتركين في القتل واحد وإن كان فعل أحدهم غير فعل صاحبه، كما أن حمل كل واحد من حاملي الجسم غير حمل صاحبه وفعله غير فعله، وإن كان المحمول واحدا، وبيان هذه الجملة أن القتل إذا كان على ما ذكرناه في مواضع كثيرة من كلامنا هو نقض البنية التي لا تبقى الحياة مع نقضها، وكان نقض هذه البنية قد يفعله الواحد منا منفردا وقد يشترك الجماعة في نقض بنية الحياة فيكونون كلهم ناقضين لها ومبطلين للحياة، وهذا هو معنى القتل، فثبت أنه قد وجد من كل واحد من الجماعة معنى القتل وحقيقته فيجب أن يسمى قاتلا.
ووجدت لبعض من نصر هذا المذهب أعني القول بجواز قتل الجماعة بواحد كلاما سأل فيه نفسه فقال: إذا كان كل واحد من الجماعة قاتلا فينبغي أن يكون كل واحد منهم قاتلا لنفس غير التي قتلها صاحبه، وأجاب عن هذا الكلام بأن كل واحد من الجماعة قاتل لكنه ليس بقاتل نفس كما أن الجماعة إذا أكلت رغيفا فكل واحد منهم آكل لكنه ليس بآكل رغيف، وهذا غلط من القائل، لان كل واحد من الجماعة إذا إشتركوا في القتل قاتل كما قال، فلا بد أن يكون قاتل نفس فكيف يكون قاتلا وما قتل نفسا، غير أن النفس التي قتلها واحد من الجماعة هي النفس التي قتلها شركاؤه والنفس واحدة والقتل مختلف كما قلناه في الجسم المحمول.
وليس كذلك الرغيف لان الجماعة إذا أكلت رغيفا فكلهم أكلوا، وليس كل واحد منهم آكل رغيف وإنما أكلت الجماعة الرغيف وكل واحد منهم إنما أكل بعضه لان الرغيف يتبعض النفس لا تتبعض، كما أن حمل الجسم الثقيل لا يتبعض فما يحمله كل واحد من الجماعة هو الذي يحمله الآخر، وكذلك يجب أن يكون من قتله واحد من الجماعة إذا إشتركوا في القتل هو الذي قتله كل واحد منهما، وتحقيق هذا الموضع ليس من عمل الفقهاء، ولا مما يهتدون إليه لفقد علمهم بأصوله فلا يجب أن يتعاطوه فيفتضحوا.
فان قيل: قد ثبت أن الجماعة إذا إشتركوا في سرقة النصاب لم يلزم كل واحد منهم القطع وإن كان كل واحد منهم إذا إنفرد بسرقة لزمه القطع وأي فرق بين ذلك وبين القتل مع الاشتراك، قلنا: الذي نذهب إليه وإن خالفنا فيه الجماعة إنه إذا إشترك نفسان في سرقة شئ من حرز وكان قيمة المسروق ربع دينار فصاعدا فانه يجب عليهما القطع معا، فقد سوينا بين القتل والقطع وإنما ينبغي أن يسئل عن الفرق بين الامرين من فرق بينهما فان قالوا: كما لم يجب على كل واحد من الجماعة إذا إشتركوا في قتل الخطأ دية كاملة لم يجب عليهم قصاص كامل، قلنا: الدية تتبعض فيمكن تقسيطها عليهم، والقصاص لا يتبعض.
فأما الكلام على من شاركنا من الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد وإنفرادنا عنه بذلك الترتيب الذى رتبناه فهو أنا نقول هذه الجماعة إنما قتلت نفسا واحدة وإن إشتركوا في قتلها، وإذا أخذت الانفس الكثيرة بتلك النفس على ما ورد به الشرع فلا بد مما ذكرناه من ردالدية على أولياء المقتولين حتى تخلص نفس واحدة بنفس واحدة، ويسلم مع ذلك جواز قتل الجماعة بالواحد، فان قالوا: نرى من مذهبكم هذا عجبا لانكم توجبون قتل الجماعة بواحد
وتذهبون إلى أن هذا القتل مستحق لا محالة.
فإذا كان قتلامستحقا كيف تجوز أن يؤخذ بأزائه دية، أو ليس قتل الواحد بالواحد لما كان مستحقا لم يكن فيه دية تعود إلى أحد؟ قلنا: هذا القتل وإن كان مستحقا بمعنى أنه يحسن من ولي الدم أن يطالب به فغير ممتنع أن يكون الشرط في حسنه ما ذكرناه من إعطاء الدية، وأن يكون المصلحة إقتضت الترتيب الذي ذكرناه، فوجوه المصالح غير مضبوطة ولا محدودة، والزجر والردع عن قتل الجماعة للواحد على سبيل الاشتراك ثابت، لانه لا فرق في زجر الجماعة عن الاشتراك في قتل الواحد بين أن يقتل به، ولادية راجعة على أحد وبين أن يقتل به مع رجوع الدية على الوجه الذي ذكرناه، لانه من علم أنه متى قتل قتل وإستحق القتل مع الانفراد والاشتراك كان ذلك زاجرا له عن القتل.
فان إحتج من نفى قتل الجماعة بالواحد بما يروونه عن جويبر عن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يقتل إثنان بواحد وهذا الخبر إذا سلم من كل قدح وتضعيف لا يرجع بمثله عن الادلة الموجبة للعلم، وقد ضعفه أهل النقل وطعنوا على رواته، مع أن خبر الضحاك عن النبي صلى الله عليه وآله مرسل، وقد تأوله قوم على أن المراد به أنه لا يقتل إثنان بواحد إذا كان أحدهما خاطئا.
ومما يقوي هذا المذهب الذي إختصصنا به أنه لا خلاف في أن الواحد إذا قتل جماعة لم يكاف دمه دماؤهم حتى يكتفي بقتله عن جماعتهم بل يقتل بواحد منهم وتجب الدية للباقين فيجب في الجماعة إذا قتلت واحدا مثل هذا الاعتبار حتى يكونوا متى قتلوا به عادوا على أولياء المقتولين الدية المأخوذة من قاتل الجماعة بالواحد، لان دم الواحد لا يكافى دم الجماعة ولا ينوب منا بها فكذلك يجب في دم الجماعة والواحد.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية أن الرجل إذا قتل إمرأة عمدا وإختار أولياؤها الدية كان على القاتل أن يؤديها إليهم وهي نصف دية الرجل فان إختار الاولياء لقود وقتل الرجل بها كان لهم ذلك على أن يؤدوا إلى ورثة الرجل المقتول نصف الدية ولا يجوز لهم أن يقتلوه إلا على هذا الشرط، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا على من قتل الرجل بالامرأة شيئا من الدية، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولان نفس المرأة تساوي نفس الرجل بل هي على النصف منها فيجب إذا أخذت النفس الكاملة بالناقصة أن يرد فضل ما بينهما.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الثلاثة إذا قتل أحدهم وأمسك الآخر وكان الثالث عينا لهم حتى فرغوا أنه يقتل القاتل ويحبس الممسك أبدا حتى يموت وتسمل عين الناظر لهم.
وقد روي عن ربيعة الرأي أنه يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت وهذه موافقة للامامية، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه فيمن أمسك رجلا حتى قتله آخر أن القود على القاتل دون الممسك ويعزر الممسك، وقال ابن وهب عن مالك إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فقتله، فان كان العبد أعجميا قتل السيد، وإن كان غير أعجمي قتل العبد، وقال ابن القاسم عن مالك في الممسك للرجل حتى يقتله غيره أن عليهما جميعا القصاص لان الماسك قد أراد قتله.
وقال الليث بمثل قول مالك، وقال الليث فان أمسكه ليضربه فقتله قتل القاتل وعوقب الآخر، وقال الليث: لو أمر غلامه أن يقتل رجلا فقتله قتلا به جميعا، وحكى المزني عن الشافعي أنه يقتل الذابح دون الممسك، كما يجلد الزاني دون الممسك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا فانا نرجع في
الترتيب الذي ذكرناه إلى نص وتوقيف ومخالفنا يرجع إلى رأي وظن وحسبان فكيف يجوز أن يقتل الممسك وليس بقاتل، ومما يمكن أن يعارضوا به ما رووه وهو موجود في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: فيمن قتل غيره وأمسك الآخر أنه يقتل القاتل ويصبر الصابر، وقال أبوعبيدة القاسم بن سلام معناه يحبس الممسك، لان الصبر في اللغة الحبس.
فان إحتجوا بما يروى عن عمر بن الخطاب أنه قتل تسعة بواحد ثم قال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم أي يتعاونون، والامساك معاونة للقتل لا محالة فينبغي أن يستحق به القتل، قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يرجع بمثله عن الادلة الموجبة للعلم، ومعنى المتمالي في الخبر هو المشاركة في القتل والتعاون عليه، وإذا كان الممسك ليس بشريك في القتل فلا يجوز أن يستحق القتل.
فان قيل: إن الممسك والذابح تعاونا على القتل فلزمهما القود، كما لو جرحاه جميعا فمات، قلنا: الممسك غير معاون على القتل ولا شريك فيه.
وإنما هو ممكن من الفعل والتمكين لا يتعلق به حكم الفعل الممكن منه، ألا ترى أن من أمسك إمرأة حتى زنى بها غيره لا يلزمه حكم الزنا الذي هو الحد، على أن الجارحين لو إنفرد كل واحد منهما بالفعل لم يلزمه القود كذلك إذا شاركا، والممسك لو إنفرد بالامساك لم يلزمه القود، فلم يلزم مع المشاركة.
فان قيل: قد إتفقنا على أن المحرم إذا أمسك صيدا فقتله آخر أن الضمان يلزم كل واحد منهما وأي فرق بين ذلك وبين إمساك الآدمي للقتل؟ قلنا: إنما لزمه ضمان الصيد بالامساك، لان الصيد مضمون باليد، ألا ترى أنه لو أمسكه فمات في يده لزمه ضمانه وبالامساك قد حصلت له عليه يد، والآدمي لايضمن باليد، لانه لو أمسكه حتى مات في يده لم يلزمه ضمانه، وكذلك إذا أمسكه فقتله آخر.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من قطع رأس ميت فعليه مائة دينار لبيت المال.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وإذا قيل: كيف يلزم دية وغرامة، وهو ما أتلف عضو الحي، قلنا: لا يمتنع أن يلزمه ذلك على سبيل العقوبة لانه قد مثل بالميت بقطع رأسه فاستحق العقوبة بلا خلاف، فغير ممتنع أن تكون هذه الغرامة من حيث كانت مؤلمة له، وتألمه يجري مجرى العقوبة من جملتها.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من كان معتادا لقتل أهل الذمة مدمنا لذلك، فللسلطان أن يقتله بمن قتله منهم إذا إختار ذلك ولي الدم ويلزم أولياء الدم فضل ما بين دية المسلم والذمي، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يعرفوه.
دليلنا على صحته الاجماع المتردد، ولان ولي دم الذمي إذا إختار قتل المسلم فقد أخذ نفسا كاملة بنفس ناقصة فلا بد إذا من أداء الفضل بين القيمتين كما قلنا في المرأة والرجل، فاذا قيل: فأنتم تمنعون أن يقتل المسلم بالكافر وقد أجزتموه ها هنا، قلنا: نحن نمنع من ذلك فيمن لم يكن معتادا للقتل فأما المعتاد له والمصر عليه فغير ممتنع أن يختلف حكمه، وأن يستحق ما لا يستحقه من لم يكن لذلك معتادا.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من وجد مقتولا فجاء رجلان فقال: أحدهما أنا قتلته عمدا، وقال الآخر: أنا قتلته خطأ، ان أولياء المقتول مخيرون بين الاخذ للمقر بالعمد وبين الاخذ للمقر بالخطأ، وليس لهم أن يقتلوهما جميعا، ولا أن يلزموهما جميعا الدية، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والذي يدل على صحة ما قلناه: الطريقة
المتكررة، ولاننا نسند ما ذهبنا إليه في هذه المسألة إلى نص وتوقيف، ويرجع المخالف لنا إلى الظن والحسبان.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأنه إذا وجد مقتول فجاء رجل وإعترف بقتله عمدا، ثم جاء الآخر فتحقق بقتله ودفع الاول عن إعترافه ولم تقم بينة على أحدهما أن القتل يدرأ عنهما معا، ودية هذا المقتول تكون من بيت المال.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وطريقنا في نصرة هذه المسألة هي الطريقة في نصرة المسألة التي قبلها بلا فصل.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بأن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة بعد الاجماع المتردد أنا قد بينا أن مذهب هذه الطائفة أن ولد الزنا لا يكون قط طاهرا ولا مؤمنا بإيثاره وإختياره وأن أظهر الايمان، وهم على ذلك قاطعون وبه عاملون، وإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب أن تكون ديته دية الكفار من أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم.
فان قيل: كيف يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار وفي ذلك منافاة للتكليف، وولد الزنا إذا علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من أهل النار فكيف يصح تكليفه، قلنا: لا سبيل لاحد إلى القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنا، لانه يجوز أن يكون هناك عقد أو شبهة عقد أو أمر يخرج به من أن يكون زانيا فلا يقطع أحد على أنه على الحقيقة ولد الزنا، فأما غيره فانه إذا علم أن أمه وقع عليها هذا الوطئ من غير عقد ولا ملك يمين ولا شبهة، فالظاهر في الولد أنه ولد الزنا.
والدية معمول فيها على ظاهر الامور دون باطنها.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن دية أهل الكتاب
والمجوس الذكر منهم ثمانمائة درهم والانثى أربعمائة درهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه وعثمان البستي والثوري والحسن ابن حي وداود، دية الكافر مثل دية المسلم واليهودي والنصراني والمجوسي من المعاهد والذمي سواء.
وقال مالك دية أهل الكتاب على النصف من دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وديات نسائهم على النصف من ذلك، وقال الشافعي دية اليهودي والنصراني ثلث الدية، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، و المرأة على النصف وهذه موافقة من مالك والشافعي للامامية في المجوسي خاصة وإنما إنفردوا بغير ذلك.
وحكي عن أحمد بن حنبل أنه ذهب إلى أن المسلم إذا قتل يهوديا أو نصرانيا خطأ لزمه نصف الدية وإن قتله عمدا لزمه كمال الدية، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وأنه قد ثبت أن المؤمن لا يقتل بالكافر وكل من قال من الامة: بأن المؤمن لا يقتل بالكافر، قال: بأن ديته دون ديته، وإن إختلفوا في المبلغ، وإذا ثبت أن ديته ناقصة عن دية المسلم، فالكلام بيننا في مبلغ هذا النقصان وبين من وافقنا في جملة النقصان على ما قيل وإن خالف في التفصيل، وإذا كنا نرجع في أن النقصان على ما ذكرناه إلى طرق توجب العلم، فقولنا: أولى ممن عول في هذا النقصان على ما يوجب الظن من قياس أو خبر واحد.
فان إحتج المخالف بقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله)، ثم قال: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وظاهر الكلام يقتضي أن الدية واحدة، قلنا: لا شبهة في أن ظاهر الكلام لا يقتضي التسوية في مبلغ الدية وإنما يقتضي التساوي في وجوب الدية على سبيل الجملة، ودية الذمي عندنا وإن نقصت عن
دية المسلم يسمى في الشريعة دية، ألا ترى أنه غير ممتنع أن يقول القائل من قتل مسلما فعليه دية، ومن قتل مسلمة فعليه دية، وإن إختلفت الديتان في المبلغ إذا تساويا في كونهما ديتين.
ومما يمكن أن يحتج به لصحة ما نذهب به أن الاصل في العقول برائة الذمة من الدية وسائر الحقوق، وقد ثبت إنا إذا ألزمنا المسلم في قتله لليهودي ثمانمائة درهم فقد ألزمناه ما لا شك في لزومه له وما زاد على ذلك من ثلث أو نصف أو مساواة لدية المسلم وهو بغير يقين مع الخلاف فيجب أن يثبت ما ذكرناه من المبلغ، لانه اليقين دون ما عداه، وإن إحتجوا بما رواه عمر وابن حزم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في النفس مائة من الابل وهذا يقتضي أن يكون ذلك في كل نفس، قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يجوز أن يرجع به عما ذكرناه من الادلة الموجبة للعلم وهو أيضا معارض بأخبار يرويها كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله يتضمن بعضها أن الدية النصف وبعضها أن الدية الثلث، وإذا تعارضت الاخبار سقطت على أن ظاهر هذا الخبر يقتضي أن المرأة مساوية للرجل في الدية، وقد خالفنا بينهما بالدليل، وكذلك الذمي عندنا.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الذمي إذا قتل مسلما عمدا دفع الذمي إلى أولياء المقتول، فان إختاروا قتله تولى ذلك السلطان منه، وإن إختاروا إسترقاقه كان رقا لهم، وإن كان له مال فهو لهم كما يكون مال العبد لمولاه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يعرفوا شيئا منه دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم.
وأيضا أن قتل الذمي للمسلم غليظ شديد قد هتك به حرمة الذمة فلا يجوز أن يكون عقوبته كعقوبة من لم ينته إلى ذلك، وإذا كان لا بد من التغليظ في جزائه فغير منكر أن ينتهي التغليظ إلى الحد الذي ذكرناه إذا تظافرت به
الرواية وإجتمعت الطائفة عليه.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن في الشجاج التي هي دون الموضحة مثل الخارصة والدامية والباضعة والسمحاق دية مقدرة، ففي الخارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد بعير واحد، وفي الدامية وهي التي تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم بعيران.
وفي الباضعة وهي التي تقطع اللحم وتزيد في الجناية على الدامية ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم أربعة أبعرة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه ومالك والاوزاعي والشافعي ليس في ما دون الموضحة من الشجاج أرش مقدر وإنما فيه حكومة وقال الحسن بن حي في السمحاق أربع من الابل، وهذه موافقة للامامية، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولانا نرجع في هذه التقديرات إلى روايات وطريق العلم ويرجع المخالف إلى الرأي والظن.
(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن في لطمة الوجه، إذا إحمر موضعها دينارا واحدا ونصفا، فان إخضر أو إسود ففيها لاثة دنانير وأرشها في الجسد النصف من أرشها في الوجه بحساب ما ذكرناه، وما أعرف موافقا من باقي الفقهاء على ذلك، والوجه في نصرة هذه المسألة ماتقدم في أمثالها.