مسائل الصلاة

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصلاة لا تجزي في الثوب إذا كان من إبريسم محض، لان باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة لنا على ما ذهبنا إليه مضافا إلى إجماع الامامية عليه أنه لا خلاف في تحريم لبس الابريسم المحض على الرجال، وظاهر التحريم يقتضي فساد الاحكام المتعلقة بالمحرم جملة، ومن أحكام هذا اللبس المحرم صحة الصلاة فيجب أن يكون الصلاة به فاسدة لان من حكم المنهي عنه يجب أن يكون فاسدا على ظاهر النهي إلا أن تمنع من ذلك دلالة، ونحن وإن كنا نذهب إلى أن النهي من طريق الوضع اللغوي لا يقتضي ذلك، فإن العرف الشرعي تقتضيه لانه لا شبهة في أن الصحابة ومن تبعهم ما كانوا يحتاجون في الحكم بفساد الشئ وبطلان تعلق الاحكام الشرعية به إلى أكثر من ورود نهي الله تعالى أو رسول الله صلى الله عليه وآله، ولهذا لما عرفوا نهيه صلى الله عليه وآله عن عقد الربا حكموا بفساد العقد، وبأنه غير مجز، ولم يتوقف أحد منهم في ذلك على دليل سوى النهي، ولا قال أحد قط منهم النهي يقتضى قبح الفعل، ويحتاج إلى دلالة أخرى على الفساد وعدم الاجزاء، وهذا عرف لا يمكن جحده.

وأيضا فإن الصلاة في ذمة هذا المكلف بيقين، وينبغي أن يسقطها بيقين مثله، وإذا صلى في الابريسم المحض لا يعلم قطعا أن ذمته قد برئت كما يعلم ذلك في الثوب من القطن والكتان فيجب أن تكون الصلاة فيه غير مجزية لعدم دليل البتة ببرائة الذمة.

[38]

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصلاة لا تجوز في وبر الارانب والثعالب ولا في جلودها وإن ذبحت ودبغت الجلود والوجه في ذلك الاجماع المتردد ذكره.

وما تقدم أيضا من أن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين، ولا يقين في سقوط صلاة من صلى في وبر أرنب أو ثعلب أو جلدهما.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية جواز صلاة من صلى في قلنسوة نجسة أو تكة أو ما جرى مجراهما مما لا يتم الصلاة به على الانفراد، والوجه في ذلك الاتفاق المتقدم ذكره، ويمكن أن يقال أيضا أن التكة لا حظ لها في إجزاء الصلاة ولا تصح الصلاة بها على الانفراد فجرى وجودها مجرى عدمها، وكأنها من حيث لا تأثير لها في إجزاء الصلاة تجري مجرى ما ليس عليه من الثياب، فإذا ألزمنا ذلك في العمامة والرداء، وما جرى مجراهما مما لا حظ له في إجزاء الصلاة أسقطنا ذلك بأن العمامة والرداء يمكن أن يكون لهما حظ في ستر العورة، واستباحة الصلاة فيهما وإن لم يسترا في بعض الاحوال فانهما مما يتأتى فيه ستر العورة، وليس كذلك التكة(1) وما يجرى مجراهما.

(مسألة) ومما إنفردت الامامية به المنع من السجود في الصلاة على غير ما أنبتت الارض والمنع من السجود على الثوب المنسوج من أي جنس كان، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويجوزون السجود على كل طاهر من الاجناس كلها، ومالك خاصة يكره الصلاة على الطنافس والبسط والشعر والادم إلا أن ما أظنه ينتهي إلى أن الصلاة على ذلك غير مجزية، والوجه فيما ذهبنا إليه ما تردد من الاجماع، ثم دليل برائة الذمة.

(مسألة): ومما انفردت به الامامية أن يقول في الاذان والاقامة بعد


___________________

(1) التكة والقلنسوة وما جرى مجراهما خ ل.

[39]

قوله (حي على الفلاح حي على خير العمل)، والوجه في ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه.

وقد روت العامة أن ذلك مما كان يقال في بعض أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما ادعى أن ذلك نسخ ورفع، وعلى من ادعى النسخ الدلالة له، وما يجدها.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به كراهية التثويب في الآذان ومعنى ذلك أن يقال في صلاة الصبح بعد قوله (حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم) وقد وافق على كراهية ذلك غير الامامية من أصحاب أبي حنيفة، وقالوا: التثويب هو أن يقول بعد الفراغ من الاذان حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين.

وإستدلوا على ذلك بأن قالوا التثويب مأخوذ من العود إلى الشئ وإنما يعاد إلى شئ قد تقدم ذكره، وما تقدم(1) أن الصلاة خير من النوم فيكون ذلك عودا إليه.

وكان الشافعي يذهب إلى أن التثويب مسنون في أذان الصبح دون غيره وحكي عنه أنه قال في الجديد أنه غير مسنون.

وقال النخعي: هو مسنون في أذان سائر الصلوات، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من كراهيته، والمنع منه الاجماع الذي تقدم.

وأيضا لو كان مشروعا لوجب أن يقوم دليل شرعي على ذلك ولا دليل(2) فيه وإنما يرجعون إلى أخبار آحاد ضعيفة، ولو كانت قوية لما أوجبت إلا الظن وقد دللنا في غير موضع على أن أخبار الآحاد لا توجب العمل كما لا توجب العلم.

وأيضا فلا خلاف في أن من ترك التثويب لا ذم عليه، لانه إما أن يكون مسنونا على مذهب بعض الفقهاء، أو غير مسنون على مذهب قوم


___________________

(1) وما تقدم ذكره أن الصلاة خ ل.

(2) ولا دليل لهم فيه خ ل.

[40]

آخرين منهم، وعلى كلا الامرين لا ذم على تاركه، وما لا ذم في تركه ويخشى في فعله أن يكون معصية وبدعة فالاحوط في الشرع تركه.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: باستحباب إفتتاح الصلاة بسبع تكبيرات يفصل بينهن بتسبيح وذكر الله عزوجل مسنون وأنه من السنن المؤكدة وليس أحد من باقي الفقهاء يعرف ذلك، والوجه في ذلك إجماع الطائفة عليه، وأيضا فلا خلاف في أن الله جل ثناؤه قد ندبنا في كل الاحوال إلى تكبيره وتسبيحه وأذكاره الجميلة، وظواهر آيات كثيرة من القرآن تدل على ذلك مثل قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا)، فوقت إفتتاح الصلاة داخل في عموم الاحوال التي أمرنا فيها بالاذكار.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به ومالك يوافقها عليه القول بأن الصلاة لا تنعقد الا بقول المصلى الله اكبر، وان غير هذه اللفظة لا يقوم مقامها لان الشافعى يذهب إلى انها لا تنعقد الا بقوله الله أكبر أو الله الاكبر ولا تنعقد بسوى ذلك من الالفاظ.

وقال أبوحنيفة ومحمد تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم والتفخيم، ويجزئ(1) عندهما الاقتصار على مجرد الاسم وهو أن يقول الله ولايأتى بصفة وقال أبويوسف: تنعقد بألفاظ التكبير مثل قوله الله أكبر والله الاكبر والله الكبير ولا تنعقد بغير لفظ تكبير.

وحكي عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بالنية فقط، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر.

وأيضا فان الصلاة في ذمته بيقين فلا تسقط إلا بيقين مثله ولا يقين في سقوطها عن الذمة إلا باللفظ الذي اخترناه، ومن الظريف أن مخالفينا يروون عن النبي صلى الله عليه وآله بلا خلاف بينهم أنه قال: مفتاح


___________________

(1) ويجوز عندهما خ ل.

[41]

الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

ويروون عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يقبل الله صلاة إمرئ حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر، وذلك كله صريح في أنه لا يجزي إلا ما ذكرناه، وليس لاحد أن يقول من جملة التكبير قولنا: الله أكبر، والله الكبير، وذلك أن هذه اللفظة يجب صرفها إلى ما يسمى في عهد اللغة تكبيرا، ولا يعهد في ذلك إلا قولنا: الله أكبر دون سائر ما اشتق منه.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به المنع من وضع اليمين على الشمال في الصلاة لان غير الامامية يشاركها في كراهية ذلك.

وحكى الطحاوي في إختلاف الفقهاء عن مالك أن وضع اليدين إحداهما على الاخرى إنما يفعل في صلاة النوافل من طول القيام وتركه أحب إلي.

وحكى الطحاوي أيضا عن الليث بن سعد أنه قال: سبل اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطيل القيام فيعيا فلا بأس بوضع اليمنى على اليسرى وحجتنا على صحة ما ذهبنا إليه ما تقدم ذكره من إجماع الطائفة، ودليل سقوط الصلاة عن الذمة بيقين، وأيضا فهو عمل كثير في الصلاة خارج عن الاعمال المكتوبة فيها من الركوع والسجود والقيام، والظاهر أن كل عمل في الصلاة خارج عن أعمالها المفروضة انه لا يجوز.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بوجوب القرائة في الركعتين الاوليين على التضييق وأنه مخير في الركعتين الاخيرتين بين القرائة والتسبيح لان الشافعي وإن وافقنا في إيجاب القرائة في الاوليين فانه يوجبها أيضا على التضييق في الاخيرتين(1) ولا يخير بينهما وبين التسبيح.

وقال مالك تجب القرائة في معظم الصلاة، فان كانت الصلاة ثلاث ركعات قرأ في


___________________

(1) وأنها مجزية في الاخيرتين خ ل.

[42]

اثنتين، وإن كانت أربعا قرأ في ثلاث.

وقال أبوحنيفة: فرض القراء‌ة في ركعتين من الصلاة، فان قرأ في الاوليين وقعت عن فرضه، وإن تركها فيهما لزمه أن يأتى بهما في الاخريين، وقال الحسن البصري: تجب القرائة في ركعة واحدة، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم وطريقة برائة الذمة، ويجوز أن نعارض مخالفينا ونلزمهم على أصولهم أن يرجعوا به على مذاهبهم وإن لم يكن على سبيل الاستدلال منا بالخبر الذي يرويه رفاعة بن مالك أن النبي (صلى الله عليه واله) لما علم رجلا كيف يصلي قال صلى الله عليه وآله: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم إقرأ فاتحة الكتاب ثم اركع واربع حتى تطمئن قائما وهكذا فاصنع في كل ركعة وليس لهم أن يقولوا: فأنتم لا توجبون قرائة فاتحة الكتاب في كل ركعات الصلاة، وظاهر الخبر يقتضي ذلك، قلنا: هذا الخبر ليس بدليل لنا في هذه المسألة فيلزمنا أن يكون مطابقا للمذهب، وإنما أوردناه على سبيل الالزام والمعارضة، ثم لنا أن نقول نحن نوجب الفاتحة في الركعات كلها لكن في الاوليين تضييقا، وفي الاخريين تخييرا، أو دخول التخيير في الاخريين لا يخرج بالفاتحة من أن تكون واجبة فيهما.

ومما يمكن الاستدلال به في هذه المسألة قوله تعالى: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) فظاهر هذا القول يقتضي عموم الاحوال كلها التي من جملتها أحوال الصلاة، ولو تركنا وظاهر الآية لقلنا أن القرائة واجبة في الركعات كلها تضييقا، لكن لما دل الدليل على جواز التسبيح في الاخريين قلنا بالتضييق في الاوليين والتخيير في الاخريين، والوجوب يعم الكل.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية إيثار ترك لفظة آمين بعد قرائة الفاتحة لان باقي الفقهاء يذهبون إلى أنها سنة.

دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة على أن هذه اللفظة بدعة وقاطعة للصلاة، وطريقة الاحتياط أيضا

[43]

لانه لا خلاف في أنه من ترك هذه اللفظة لا يكون عاصيا، ولا مفسدا لصلاته، وقد اختلفوا في من فعلها، فذهبت الامامية إلى أنه قاطع لصلاته والاحوط تركها.

وأيضا فلا خلاف في أن هذه اللفظة ليست من جملة القرآن ولا مستقلة بنفسها في كونها دعاء وتسبيحا فجرى التلفظ بها مجرى كل كلام خارج عن القرآن والتسبيح، فإذا قيل هي تأمين على كل دعاء سابق لها وهو قوله عزوجل: (اهدنا الصراط المستقيم).

قلنا: الدعاء إنما يكون دعاء بالقصد، ومن يقرأ الفاتحة إنما قصده التلاوة دون الدعاء، وقد يجوز أن يقرأ من قصد الدعاء ومخالفنا يذهب إلى أنها مسنونة لكل فصل من غير اعتبار من قصده إلى الدعاء، وإذا ثبت بطلان إستعمالها فيمن لم يقصد إلى الدعاء ثبت ذلك في الجميع، لان أحدا لم يفرق بين الامرين.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية المنع في صلاة الفريضة خاصة من القرائة بعزائم السجود وهي سجدة لقمان وسجدة الحواميم، وسجدة النجم وإقرأ باسم ربك الذي خلق.

وروى عن مالك أنه كان يكره ذلك، وأجاز أبوحنيفة قراء‌ة السجدات فيما يجهر فيه بالقرائة من الصلاة دون ما لا يجهر فيه، وأجازه الشافعي في كل صلاة.

والوجه في المنع من ذلك مع الاجماع المتكرر أن في كل واحدة من هذه السور سجودا واجبا محتوما، فإن سجد كان زائدا في الصلاة، وإن تركه كان مخلا بواجب.

فإن قيل السجود إنما يجب عند قراء‌ة الموضع المخصوص من السور الذي فيه ذكر السجود، وأنتم تمنعون من قرائة كل شئ من السور، قلنا إنما منع أصحابنا من قرائة السورة وذلك إسم يقع على الجميع ويدخل فيه موضع

[44]

السجود، وليس يمنع أن يقرأ البعض الذي لا ذكر فيه للسجود إلا أن قرائة بعض سورة في الفرائض عندنا لا يجوز فامتنع ذلك لوجه آخر.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بوجوب قراء‌ة سورة تضم إلى الفاتحة في الفرائض خاصة على من لم يكن عليلا ولا معجلا بشغل أو غيره وأنه لا يجوز قراء‌ة بعض سورة في الفريضة ولا سورتين مضافتين إلى الحمد في الفريضة وإن جاز ذلك في السنة، ولا إفراد كل واحدة من سورة الضحى وسورة ألم نشرح عن صاحبتها، وكذلك مع انفراد سورة الفيل عن لايلاف قريش، فالوجه في ذلك مع الاجماع المتردد طريقة اليقين ببرائة الذمة، فأما قرائة بعض سورة فانما لا تجزي من لم يكن له عذر في ترك قرائة السورة الثانية بكمالها.

فأما صاحب العذر فكما يجوز له أن يترك قرائة جميع السورة الثانية فيجوز أن يترك بعضها، لانه ليس ترك البعض بأكثر من ترك الكل، والوجه في المنع من إفراد السورة التي ذكرناها أنهم يذهبون إلى أن سورة الضحى وألم نشرح سورة واحد، وكذلك الفيل ولايلاف قريش فإذا اقتصر على واحدة كان قارئا بعض سورة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية حظر الرجوع عن سورة الاخلاص وروى قل يا أيها الكافرون أيضا إذا ابتدأ بها، وإن كان له أن يرجع عن كل سورة إلى غيرها، والوجه في ذلك مع الاجماع الذي مضى أن شرف هاتين السورتين وعظم ثواب فاعلهما لا يمنع أن يجعل لهما هذه المزية وهي المنع عن الرجوع عن كل واحدة بغير الابتداء بها.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصلاة، إلا أن أبا حنيفة وأصحابه والثوري لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلا في الافتتاح للصلاة.

[45]

وروى عن مالك أنه قال: لا أعرف رفع اليدين في شئ من تكبيرات الصلاة، وروى عنه خلاف ذلك، وقال الشافعي يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه منه، ولا يرفع بعد ذلك في سجوده ولا في قيامه منه.

والحجة فيما ذهبنا إليه طريقة الاجماع وبراء‌ة الذمة، وقد روى مخالفونا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه رفع في كل خفض، ورفع في السجود وادعوا أن ذلك نسخ ولا حجة لهم على صحة هذه الدعوى، فإن استدلوا بما يروونه عن النبي (صلى الله عليه واله) قوله: كفوا أيديكم في الصلاة.

وفي خبر آخر اسكنوا في الصلاة، أو بما يروونه عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان إذا افتتح الصلاة يرفع يديه ثم لم يعد، فالجواب أن هذه كلها أخبار آحاد لا توجب علما، وقد بينا أن العمل في الشريعة بما لا يوجب العلم غير جائز، وبعد فيجوز أن يريد بالامر بكف الايدي قبضها عن الافعال الخارجة عن أعمال الصلاة ويحمل قوله لم يعد إلى رفع يديه في ابتداء الركعة فان ذلك مما لا ينكره أحد بلا خلاف.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بإيجاب التسبيح في الركوع والسجود، لان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي يوجبون ذلك، وإنما يسقط وجوبه باقي الفقهاء المشهورين كأبي حنيفة والشافعي ومالك، والذي يدل على وجوبه بعد إجماع الطائفة كل آية من القرآن اقتضت بظاهرها الامر بالتسبيح وعموم الظاهر يقتضي دخول أحوال الركوع والسجود فيه، ومن اخرج هذه الاحوال منه فيحتاج إلى دليل، وأيضا فطريقة برائة الذمة التي تكرر ذكرها.

ومخالفونا يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما نزل فسبح باسم ربك العظيم، قال صلى الله عليه وآله: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها

[46]

في سجودكم فظاهر الامر على الوجوب.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به، والشافعي يوافقهم فيه إيجابهم على من رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى أن يجلس جلسة قبل نهوضه إلى الثانية، وإنما لا يوجب هذه الجلسة باقي الفقهاء كأبي حنيفة ومالك(1) ومن عداهما.

والحجة لنا بعد إجماع الطائفة طريقة برائة الذمة وإن لم يفعل ذلك لم يتيقن سقوط الصلاة عن ذمته، وقد روى مخالفونا كلهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يجلس هذه الجلسة.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به إيجاب التشهد الاول في الصلاة وقد وافقنا على ذلك الليث بن سعد وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقال أبوحنيفة: التشهدان معا غير واجبين، وقال الشافعي الثاني واجب والاول غير واجب، دليلنا الاجماع المتردد، وطريقة برائة الذمة، وأيضا فهذه حال هو فيها مندوب إلى ذكر الله جل ثناؤه وتعظيمه، والصلاة على النبي وآله لدخولها في عموم الآيات المقتضية لذلك مثل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وكل من أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله في هذه الحال أوجب التشهد الاول، ومما نلزمهم أنهم يروون عن النبي أنه كان يتشهد التشهدين جميعا، ورووا كلهم عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول بأن القنوت في كل صلاة والدعاء فيه بما أحب الداعي مستحب وهو قول الشافعي، لان الطحاوي حكى عنه في كتاب الاختلاف أن له أن يقنت في الصلاة كلها عند حاجة المسلمين إلى الدعاء، والحجة لنا مضافا إلى الاجماع قوله جل ثناؤه: (وقوموا لله قانتين)


___________________

(1) ومالك وما عداهما.

[47]

فإذا قيل: القنوت ها هنا هو القيام الطويل، قلنا: المعروف في الشريعة أن هذا الاسم يختص بالدعاء، ولا يعرف من إطلاقه سواه، وبعد فانا نحمله على الامرين.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به وهو مذهب مالك جواز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين شاء المصلي منها.

وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: لابس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أولها ووسطها وآخرها.

وقال ابن القسم: كان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأسا في السجود.

والحجة لنا إجماع طائفتنا وظواهر أمر الله تعالى بالدعاء مثل قوله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) وقوله تعالى (ادعوني أستجب لكم).

(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به رد السلام في الصلاة بالكلام وقد وافق في ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري إلا أن الشيعة تقول يجب أن يقول المصلي في رد السلام مثل ما قاله المسلم سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام.

وذهب الشافعي إلى أن المصلي يرد السلام بالاشارة دون الكلام.

وقال أبوحنيفة وأصحابه: إن رد السلام بكلام فسدت صلاته، وإن رد باشارة أساء.

وقال الثوري: لا يرد السلام حتى يفرغ من الصلاة.

والحجة لنا إجماع الطائفة، فإذا قيل هو كلام في الصلاة قلنا: وليس كل كلام في الصلاة خارج عن القرآن محظورا، لان الدعاء كلام ولم يدخل تحت الحظر، ويمكن أن يقال أن لفظة سلام عليكم من ألفاظ القرآن، ويجوز للمصلي أن يتلفظ بها تاليا للقرآن وناويا لرد السلام إذ لا تنافي بين الامرين.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن المنفرد والامام يسلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة وينحرف بوجهه قليلا إلى الميمنة، وإن كان

[48]

مأموما يسلم تسليمتين واحدة عن يمينه والاخرى عن شماله إلا أن يكون جهة شماله خالية من أحد فيقتصر على التسليم عن يمينه ولا يترك التسليم على جهة يمينه على كل حال وإن لم يكن في تلك الجهة أحد، وهذا الترتيب لا يذهب إلى مثله أحد من الفقهاء، لان مالك يذهب إلى أن الامام يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه والمنفرد والمأموم يسلمان يمينا وشمالا، وأبوحنيفة وأصحابه والشافعي يذهبون إلى أن التسليم على كل حال يمينا وشمالا، والانفراد من الامامية بذلك الترتيب ثابت والحجة لنا الاجماع المتكرر ذكره.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأنه لا سهو في الركعتين الاوليين من كل صلاة فرض، ولا سهو في صلاة الفجر والمغرب وصلاة السفر لان باقي الفقهاء يخالف في ذلك.

والحجة على ذلك إجماع الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه فيه تأكد الاوليين من كل صلاة، وكذلك المغرب والفجر لان التقصير لا يلحق الاوليين، وإنما يلحق الاخيرتين والمغرب والفجر لا يلحقهما أيضا قصر فلذلك وجب عن كل سهو يعرض في الاوليين وفي الصلاتين المذكورتين الاعادة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من شك فلم يدر كم صلى اثنين أم ثلاثا واعتدل في ذلك ظنه فانه يبني على الاكثر وهي الثلاث فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مقام ركعة واحدة، فإن كان الذي بنى عليه هو الصحيح كان ما صلاه نافلة، وإن كان الذي أتى بالثلاث كانت الركعة جبرانا لصلاته.

وكذلك القول في من شك لا يدري أصلى ثلاثا أم أربعا.

ومن شك بين اثنتين وثلاث وأربع بنى أيضا على الاكثر، فإذا سلم صلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس حتى إن كان بناؤه على الصحيح فالذي فعله نافلة له، وإن كان الذي صلاه اثنتين كانت الركعتان من قيام جبرانا لصلاته، وإن كان

[49]

الذي صلى ثلاثا فالركعتان من جلوس هي مقام واحدة جبران لصلاته، وباقي الفقهاء يوجبون البناء على اليقين وهو النقصان، ويوجبون في هذا الموضع سجدتي السهو، ويقولون: إن كان ما بنى عليه من النقصان هو الصحيح، فالذي أتى به تمام لصلاته، وإن كان بنى على الاقل وقد صلى على الحقيقة الاكثر كان ذلك له نافلة.

والحجة فيما ذهبنا اليه إجماع الطائفة، ولان الاحتياط أيضا فيه، لانه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلى على الحقيقة الازيد فيكون ما أتى به زيادة في صلاته، فإذا قيل: فإذا بنى على الاكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الاقل فلا ينفع ما فعله من الجبران لانه منفصل من الصلاة وبعد التسليم.

قلنا: ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال، لان الاشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الاشفاق من تقديم السلام في غير موضعه، لان العلم في الزيادة في الصلاة مبطل لها على كل حال.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به منعهم من الايتمام في الصلاة بالفاسق، ومالك يوافقهم في هذه المسألة، وباقي الفقهاء يجيزون الايتمام في الصلاة بفاسق، دليلنا الاجماع المتكرر، وطريقة اليقين ببراء‌ة الذمة، وأيضا قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) وتقديم الامام في الصلاة ركون إليه(1) لان إمامة الصلاة معتبر فيها الفضل والتقديم في ما يعود إلى الدين، ولهذا رتب فيها من هو أقرأ وأفقه وأعلم، والفاسق ناقص فلا يجوز تقديمه على من خلا من نقصه.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به كراهية إمامة ولد الزنا في الصلاة وقد شارك الامامية غيرهم في ذلك.


___________________

(1) ركون إليه في الصلاة، لان إمامة خ ل.

[50]

وذكر الطحاوي في كتاب الاختلاف بين الفقهاء ان مالكا كان يكره إمامة ولد الزنا.

وحكى عن الشافعي أنه قال: أكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إماما.

وحكى عن أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا غيره أحب إلينا إلا أنهم وإن كرهوا ذلك فإن الصلاة خلفه عندهم مجزية.

والظاهر من مذهب الامامية أن الصلاة خلفه غير مجزية، والوجه في ذلك والحجة الاجماع المتقدم وطريقة برائة الذمة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية كراهية إمامة الابرص والمجذوم والمفلوج، والحجة فيه إجماع الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه في منعه نفار النفوس عمن هذه حاله والعزوف عن مقاربته.

ولان المفلوج ومن أشبهه من ذوي العاهات ربما لم يتمكنوا من إستيفاء(1) أركان الصلاة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية كراهية صلاة الضحى وإن التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة، والوجه في ذلك الاجماع المتقدم وطريقة الاحتياط فإن صلاة الضحى غير واجبة عند أحد ولا حرج في تركها.

وفي فعلها خلاف بل تكون بدعة قد يلحق به إثم فالاحوط العدول عنها.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية ترتيب صلاة الاحدى والخمسين في اليوم والليلة على الوجه الذي رتبوه وبينوه، لان باقي الفقهاء لايعرف ذلك الترتيب، والحجة فيه إجماع الطائفة عليه، وليس يمكن أن يدعى عليهم انهم أبدعوا فيما يزيدونه من هذه النوافل، لان الصلاة خير موضوع والزيادة فيه مستحسنة غير منكرة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية تحديدهم السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة ببريدين والبريد أربع فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال فكأن


___________________

(1) من استيفاء أصل أركان الصلاة خ ل.

[51]

المسافة أربعة وعشرين ميلا.

وقال أبوحنيفة وأصحابه مسير ثلاثة أيام بلياليها، وهو قول الثوري وابن حي وقال مالك: ثمانية وأربعون ميلا، فإن لم تكن أميال فمسيرة يوم وليلة للبغل وهو قول الليث.

وقال الاوزاعي يوم تام.

وقال الشافعي ستة وأربعون ميلا بالهاشمي، والحجة في ذلك إجماع الطائفة.

وأيضا فإن الله تعالى علق سقوط فرض الصيام على المسافر بكونه مسافرا في قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، ولا خلاف بين الامة في أن كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الافطار (فيه) فهو بعينه يوجب تقصير الصلاة، وإذا كان الله تعالى قد علق ذلك في الاية باسم السفر فلا شبهة في ان اسم السفر يتناول المسافة التي حددنا السفر بها فيجب أن يكون الحكم تابعا لها، ولا يلزم على ذلك أدنى ما يقع عليه هذا الاسم من فرسخ أو ميل لان الظاهر يقتضي ذلك لو تركنا معه الدليل لكن الدليل والاجماع أسقطا إعتبار ذلك ولم يسقطاه فيما اعتبرناه من المسافة وهو داخل تحت الاسم.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بأن المسافر يلزمه التقصير ما لم ينو المقام في البلد الذي يدخله عشرة أيام فصاعدا، وإذا نوى ذلك وجب عليه الاتمام لان من عداهم من الفقهاء يخالفون في ذلك.

وأبوحنيفة وأصحابه والثوري يقولون: انه إذا نوى المقام خمسة عشر يوما أتم وإن نوى أقل من ذلك قصر.

وقال الشافعي ومالك وهو قول سعيد بن المسيب والليث إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم.

وقال الاوزاعي: إذا نوى إقامة ثلاثة عشر يوما أتم.

وروي عن ابن حي أنه إذا مرالمسافر بمصره الذي فيه أهله وهو منطلق ماض في سفره قصر فيه الصلاة ما لم يقم به عشرا، فإن أقام به عشرا أو بعده من

[52]

سفره أتم الصلاة، وهذه موافقة من ابن حي لنا على بعض الوجوه لانه اعتبر العشر في ما نقوله وفيما لا نقول به، فكيف يجوز أن يعتبر العشر في دخول المسافر إلى مصره الذي فيه أهله ووطنه، وهو بدخوله إليه قد خرج من أن يكون مسافرا، وإنما يعتبر مدة الاقامة في من هو مسافر، والمشقة التي يتبعها التقصير زائلة عمن عاد إلى وطنه وحصل بين أهله.

فأما الحجة في أن التحديد الذي ذكرنا أولى من غيره فهو الاجماع المتكرر.

(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن من أتم الصلاة في السفر يجب عليه الاعادة إن كان متعمدا على كل حال وإن كان أتم ناسيا أعاد ما دام في الوقت، وإن كان بعد خروج الوقت لا إعادة عليه، وأكثر الفقهاء يخالفون في ذلك لان أبا حنيفة وأصحابه يقولون أن قعد في الاثنين قدر التشهد مضى في صلاته، وإن لم يقعد فصلاته فاسدة.

وقال الثوري: إذا قعد في الاثنين لم يعد.

وقال ابن حي إذا صلى أربعا متعمدا اعاده إذا كان منه الشئ اليسير، فإذا طال ذلك في سفره وكثر لم يعد وهذه موافقة منه للشيعة على بعض الوجوه.

وقال حماد بن أبي سليمان: إذا صلى أربعا أعاد، وهذا وفاق للشيعة لان ظاهر قوله يقتضي التعمد دون النسيان.

وقال الحسن البصري: إذا افتتح الصلاة على أنه يصلي أربعا أعاد، وإن نوى أن يصلي أربعا بعد أن افتتح الصلاة بنية أن يصلي ركعتين ثم بدا له فسلم في الركعتين أجزأته صلاته.

وقال مالك إذا صلى المسافر أربعا فإنه يعيد ما دام في الوقت، فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه.

وقال: ولو أن مسافرا إفتتح المكتوبة فنوى أربعا، فلما صلى ركعتين بدا له فسلم أنه لا يجزي، فإن كان مالك أراد بإيجاب الاعادة ما دام في

[53]

الوقت وإسقاطها مع خروجه حال النسيان فهو موافق للامامية وما أظنه أراد ذلك، وظاهر الكلام يقتضي التعمد، والحجة في مذهبنا هذا الاجماع المتقدم وأيضا فإن فرض السفر الركعتان فيما كان في الحضر أربعا، وليس ذلك برخصة، وإذا كان الفرض كذلك فمن لم يأت به على ما فرض وجبت عليه الاعادة.

فإن قيل: القرآن يمنع مما ذكرتم، لانه تعالى قال: (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وإن خفتم) ورفع الجناح يدل على الاباحة لا على الوجوب.

قلنا: هذه الآية غير متناولة لقصر الصلاة في عدد الركعات، وإنما المستفاد منها التقصير في الافعال من الايماء وغيره، لانه تعالى علق القصر بالخوف، ولا خلاف في أنه ليس من شروط القصر في عدد ركعات الصلاة الخوف، وإنما الخوف شرط في الوجه الآخر وهو الافعال في الصلاة لان صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس مباحا مع الامن.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن من سفره أكثر من حضره كالملاحين والجمالين ومن جرى مجراهم لا تقصير عليهم، لان باقي الفقهاء لا يراعون ذلك.

والحجة على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.

وأيضا فإن المشقة التي تلحق المسافر هي الموجبة للتقصير في الصوم والصلاة، ومن ذكرنا حاله ممن سفره أكثر من حضره لا مشقة عليه في السفر، بل ربما كانت المشقة في الحضر لانه خلاف العادة، وإذا لم يكن عليه مشقة فلا تقصير.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الجمعة لا تنعقد إلا بحضور خمسة الامام أحدهم، لان أبا حنيفة وأصحابه والليث يقولون: إنما تنعقد بثلاثة سوى الامام.

وروي عن أبي يوسف إثنان سوى الامام، وبه قال الثوري.

وقال ابن حي إن لم يحضر الامام إلا رجل واحد فخطب

[54]

عليه فصلى به الجمعة أجزأتهما.

واعتبر الشافعي أربعين رجلا، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره، واعتبار أبي حنيفة ومن وافقه أقل ما يقع عليه إسم جماعة وأنه ثلاثة، وأن الجمعة مشتقة من الاجتماع والجماعة ليس بشئ لانه يلزم عليه أن يكون الامام في الثلاثة، لان اسم الجماعة حاصل، ويلزم عليه أيضا ما قاله أبويوسف، لان الاثنين في الشريعة جماعة مثل الثلاثة، فيلزم عليه قول ابن حي، لان الواحد مع الامام جماعة، وبعد فإن الجمعة وإن اشتقت من الاجتماع فالمعول في عدد الجماعة وحصرها على دليل مقطوع به دون الاشتقاق وقد بينا ذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية إستحباب أن يقرأ ليلة الجمعة سورة الجمعة، وسبح في المغرب، وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الغداة بالجمعة والمنافقين، وكذلك في صلاة الجمعة المقصورة وفي الظهر والعصر إذا صلاهما من غير قصر.

وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك إلا أن الشافعي يوافق الامامية في استحباب السورتين في صلاة الجمعة خاصة.

والحجة في ذلك إجماع الطائفة، ولانه أحوط، من حيث أنه لا خلاف في أنه إذا قرأ ما ذكرناه أجزأه، ولم يفعل مكروها، وليس كذلك إذا عدل عنه.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به المنع من الاجتماع في صلاة نوافل شهر رمضان وكراهية ذلك، وأكثر الفقهاء يوافقهم على ذلك، لان المعلى روى عن أبي يوسف أنه قال: من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الامام في شهر رمضان فأحب إلي أن يصلي في بيته.

وكذلك قال مالك قال وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون، ولا يقومون مع الناس.

وقال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام النبي صلى الله عليه وآله إلا في بيته.

[55]

وقال الشافعي: صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أحب إلي، وهذا كله حكاه الطحاوي في كتاب الاختلاف، فالموافق للامامية في هذه المسألة أكثر من المخالف.

والحجة لنا الاجماع المتقدم، وطريقة الاحتياط، فان المصلي للنوافل في بيته غير مبدع ولا عاص بإجماع، وليس كذلك إذا صلاها في جماعة ويمكن أن يعارضوا في ذلك بما يروونه عن عمر بن الخطاب من قوله، وقد رأى اجتماع الناس في صلاة نوافل شهر رمضان بدعة ونعمة البدعة هي فاعترف بأنها بدعة وخلاف السنة وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية ترتيب نوافل شهر رمضان على أن يصلي في كل ليلة منه عشرين ركعة، منها ثمان بعد صلاة المغرب وإثني عشر ركعة بعد العشاء الآخرة، فإذا كان في ليلة تسع عشرة صلى مائة ركعة ويعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي تقدم.

ويصلي في ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة.

وفي ليلة اثنتين وعشرين ثلاثين ركعة، منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد صلاة العشاء الآخرة.

ويصلي في ليلة ثلاثة وعشرين مائة ركعة وفيما بقى من الشهر في كل ليلة ثلاثين ركعة على الترتيب الذي ذكرناه، ويصلي في كل جمعة من الشهر عشر ركعات، أربع منها صلاة أمير المؤمنين " ع " وصفتها أن يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة واحدة وسورة الاخلاص خمسين مرة، وركعتين من صلاة فاطمة " عليها السلام " وصفتها أن يقرأ في أول ركعة الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة وسورة الاخلاص مائة مرة.

ثم يصلي أربع ركعات صلاة التسبيح، وتعرف بصلاة جعفر الطيار عليه السلام وصفتها معروفة، ويصلي في ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين

[56]

ركعة من صلاة أمير المؤمنين " ع " المتقدم وصفها.

وفي ليلة آخر سبت من الشهر عشرين ركعة من صلاة فاطمة " ع " وقد مضى صفتها ليكمل له بذلك ألف ركعة.

فهذا الترتيب لا يعرفه باقي الفقهاء، لان أبا حنيفة وأصحابه والشافعي يذهبون إلى أن نوافل شهر رمضان عشرون ركعة في كل ليلة سوى الوتيرة.

وقال مالك: تسعة وثلاثون ركعة بالوتر، والوتر ثلاث ركعات.

وحجتنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولان الذي اعتبرناه زيادة على عددهم والزيادة تقضي الخير والاحتياط فيه.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول بأن

[ ركعتي ]

صلاة العيدين واجبتان على كل من وجبت عليه صلاة الجمعة بتلك الشروط، لان أبا حنيفة يذهب إلى وجوبهما كما تقول الامامية.

والشافعي يقول أنهما ليسا بواجبتين، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم وطريقة الاحتياط أيضا.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن تكبير صلاة العيدين في الاولى سبع وفي الثانية خمس من جملتهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، لان أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنها خمس في الاولى وأربع في الثانية من جملتهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع.

وقال مالك: والشافعي سبع في الاولى وخمس في الاخرى.

وقال الشافعي: لا يعتد بتكبيرة الافتتاح والركوع.

وروى عن مالك أنه يعتد في الركعة الاولى بتكبيرة الافتتاح من جملة التكبيرات السبع، فإن كان مالك يعتد بتكبيرة الركوع أيضا فهو موافق، أيضا للامامية، وإلا فالانفراد ثابت، دليلنا على ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية إيجاب القراء‌ة في كل ركعة من

[57]

صلاة العيد(1) قبل التكبيرات الزوائد لان أبا حنيفة وأصحابه يوجبون القراء‌ة في الاولى بعد التكبير، وفي الثانية قبل التكبير فكأنه يوالي بين القراء‌تين، وقال مالك والشافعي يبدأ في الركعتين معا بالتكبيرات فانفراد الامامية واضح.

والحجة لها الاجماع المتقدم، وأيضا طريقة الاحتياط، فإن الذي تذهب إليه الامامية يجوز عند الجماعة إذا أدى إليه الاجتهاد وما يقوله مخالفوها لا يجوز عند الامامية على حال من الاحوال.

فالاحتياط فيما يذهب إليه الامامية واضح.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية إيجابهم القنوت بين كل تكبيرتين من تكبيرات العيد(2) لان باقي الفقهاء لاتراعي ذلك، والحجة فيه إجماعها، ولانه أيضا لا يوقن ببرائة الذمة من صلاة العيد إلا بما ذهبنا إليه من القنوت ولا بد من يقين ببرائة الذمة من الواجب.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن على المصلي التكبير في ليلة الفطر وابتداؤه من دبر صلاة المغرب إلى أن يرجع الامام من صلاة العيد، فكأنه عقيب أربع صلوات أولهن المغرب من ليلة الفطر، وآخرهن صلاة العيد.

وفي(3) الاضحى يجب التكبير على كل من كان بمنى عقيب خمس عشر صلاة، أولهن صلاة الظهر من يوم العيد.

ومن كان في غير منى من أهل سائر الامصار يكبر عقيب عشر صلوات، أولهن صلاة الظهر من يوم العيد، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

أما التكبير في عيد الفطر عقيب الصلوات فلا يعرفونه، وإنما اختلفوا


___________________

(1) من صلاة العيدين خ ل.

(2) من تكبيرات صلاة العيد خ ل.

(3) وفى عيد الاضحى خ ل.

[58]

في التكبير في طريق المصلي إلى الصلاة.

فروي عن أبي حنيفة أنه يكبر يوم الاضحى ويجهر في ذهابه إلى المصلى ولا يكبر يوم الفطر.

وقال مالك والاوزاعي يكبر في خروجه إلى المصلى في العيدين جميعا وقال مالك: يكبر في المصلى إلى أن يخرج الامام، فإذا خرج الامام قطع التكبير، ولا يكبر إذا رجع.

وقال الشافعي: أحب إظهار التكبير ليلة الفطر وليلة النحر، وإذا غدوا إلى المصلى حتى يخرج الامام، وفي موضع آخر حتى يفتتح الامام الصلاة واختلفوا في تكبيرة الاضحى فقال أبوحنيفة من صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر.

وقال أبويوسف ومحمد والثوري إلى آخر أيام التشريق.

وقال مالك والشافعي من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق والحجة ما تقدم من الاجماع وطريقة الاحتياط.

وقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) يدل على أن التكبير أيضا واجب في الفطر.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بوجوب صلاة كسوف الشمس والقمر ويذهبون إلى أن من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ويمكن أن يعارض المخالفين بما يروونه عن النبي (صلى الله عليه واله) من قوله إن الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة، وأمره عليه السلام على الوجوب.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن صلاة الكسوف عشر ركعات وأربع سجدات.

وقال أبوحنيفة وأصحابه أنها ركعتان على هيئة الصلاة المعروفة.

[59]

وقال مالك والليث والشافعي أربع ركعات في أربع سجدات، دليلنا إجماع الطائفة، ولان ما ذهبنا إليه يحتوى على ما قالوه ويزيد عليه، وما ذهبوا إليه بخلاف ذالك.

(مسالة) ومما انفردت به الامامية القول: بان الاطفال ومن جرى مجراهم ممن لم يكلف في نفسه الصلاة، ولا يكلف غيره تمرينه عليها لايجب لصلاة عليه إذا مات، وحدوا من يصلي عليه من الصغار بأن يبلغ ست سنين فصاعدا.

والحجة في ذلك إجماع الطائفة، ولان الصلاة على الاموات حكم شرعى، وقد ثبت بيقين فيمن توجب الصلاة عليه، ولا يقين ولا دليل فيمن يخالف فيه.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول بخمس تكبيرات في صلاة الجنازة، وكان ابن أبي ليلى يوافق الامامية على ذلك.

وروي عن حذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم أن تكبيرات الجنازة خمس، ولعمري أن باقي الفقهاء تخالف الامامية في ذلك.

والحجة فيما ذهبنا إليه الاجماع وطريقة الاحتياط فإن الذي تذهب الامامية إليه يدخل فيه ما ذهب إليه مخالفوها وهو أحوط، وقد روى مخالفونا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كبر خمسا، فإذا قيل بازاء ذلك انه عليه السلام كبر أربعا.

قلنا: هذه الرواية تحتمل أنه كبر أربعا سمعن وجهر بهن وأخفى الخامسة، وجهر الخامسة غير محتمل على أنه لا تنافي بين الخبرين لانه من روى أنه كبر أربعا لم يفصح بأنه ما زاد عليها، ومن كبر خمسا فقد كبر أربعا.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية إسقاط السلام من صلاة الجنازة وأنه إذا كبر الخامسة خرج من الصلاة بغير تسليم.

وباقي الفقهاء يخالف في ذلك، لان أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنه يسلم عن يمينه وعن يساره وقال مالك: يسلم الامام واحدة ويسمع من يليه، ويسلم من وراه واحدة

[60]

في أنفسهم وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس.

وقال الثوري: يسلم عن يمينه تسليمة خفيفة، وقال ابن حي: يسلم عن يمينه وعن شماله تسليما خفيفا ولا يجهر به، وقال الشافعي مثل قول ابن حي في العدد والمنع من الجهر.

والحجة على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا أن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف لانه قد حذف منها الركوع والسجود وهما أوكد من التسليم فغير منكر أن يحذف التسليم.