[كتاب الزكاة]

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن الزكاة لا تجب إلا في تسعة أصناف: الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم، ولا زكاة فيما عدا ذلك.

وباقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك، وحكى عن ابن أبي ليلى والثوري وإبن حى أنه ليس في شئ من المزروع زكاة إلا الحنطة والشعير والتمر والزبيب وهذه موافقة للامامية.

وأبوحنيفة وزفر يوجبان العشر في جميع ما أنبتت الارض إلا الحطب والقصب والحشيش.

وأبويوسف ومحمد يقولان لا يجب العشر إلا في ماله ثمرة باقية ولا شئ في الخضروات.

وقال مالك: الحبوب كلها فيها الزكاة وفي الزيتون.

وقال الشافعي إنما تجب فيما يبس ويقتات ويذخر مأكولا، ولا شئ في الزيتون.

والذي يدل على صحة مذهبنا مضافا إلى الاجماع أن الاصل برائة الذمة من الزكوات وإنما يرجع إلى الادلة الشرعية في وجوب ما يجب منها، ولا خلاف فيما أوجبت الامامية الزكاة فيه وما عداه فلم يقم دليل قاطع على وجوب الزكاة فيه فهو باق على الاصل وهو قوله تعالى: (ولا يسئلكم أموالكم) والمعنى أنه لا يوجب حقوقا في أموالكم لانه تعالى لا يسئلنا أموالنا إلا على هذا الوجه وهذا الظاهر يمنع من وجوب حق في الاموال فما أخرجناه منه فهو بالدليل القاطع وما عداه باق تحت الظاهر، فإن تعلقوا بقوله تعالى: (وآتوا

[76]

حقه يوم حصاده) وأنه عام في جميع الزروع وغيرها مما ذكره في الآية، فالجواب عنه انا لا نسلم أن قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) يتناول العشر أو نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة، فمن ادعى تناوله لذلك فعليه الدلالة.

وعند أصحابنا أن ذلك يتناول ما يعطي المسكين والفقير والمجتاز وقت الحصاد من الحفنة والضغث، فقد رووا ذلك عن أئمتهم عليهم السلام فمنه ما روى عن ابى جعفر " ع " في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: ليس ذلك الزكاة ألا ترى أنه تعالى قال: (ولا تسرفوا أنه لا يحب المسرفين) وهذه نكتة منه عليه السلام مليحة لان النهي عن السرف لا يكون إلا فيما ليس بمقدر، والزكاة مقدرة.

وروي عن أبي عبدالله " ع " أنه قيل له: يا ابن رسول الله وما حقه؟ قال: تناول منه المسكين والسائل، والاحاديث بذلك كثيرة، ويكفي احتمال اللفظ، وإن كان يقوى هذا التأويل أن الاية يقتضي أن يكون العطاء في وقت الحصاد، والعشر المفروض في الزكاة لا يكون في تلك الحال لان العشر مكيل ولا يؤخذ إلا من مكيل، وفي وقت الحصاد لا يكون مكيلا ولا يمكن كيله، وإنما يكال بعد جفافه وتذريته وتصفيته، فتعليق العطاء بتلك الحال لا يليق إلا بما ذكرناه.

ويقوي أيضا هذا التأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من النهي عن الحصاد والجذاذ بالليل، فالجذاذ هو صرام النخل وإنما نهى " ع " عن ذلك لما فيه من حرمان المساكين عما ينبذ إليهم من ذلك.

وما يقوله قوم في هذه الآية من أنها مجملة فلا دليل لهم فيها ليس بصحيح لان الاجمال هو مقدار الواجب لا الموجب فيه، فإن قيل قد سماه الله تعالى حقا وذلك لا يليق إلا بالواجب.

[77]

قلنا: قد يطلق اسم الحق على الواجب والمندوب إليه، وقد روى جابر أن رجلا قال: يا رسول الله هل علي حق في إبلي سوى الزكاة؟ فقال عليه السلام: نعم تحمل عليها وتسقي من لبنها، فإن قالوا ظاهر قوله تعالى: (وآتوا حقه) يقتضي الوجوب وما ذكرتموه ليس بواجب.

قلنا: إذا سلمنا أن ظاهر الامر في الشرع يقتضي الوجوب كان لنا طريقان من الكلام، أحدهما أن نقول أن ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر آخر له كترك ذلك الظاهر ليسلم هذا.

وأنتم إذا حملتم الامر على الوجوب ها هنا تركتم تعليق العطاء بوقت الحصاد، ونحن إذا حملنا الامر في الآية على الندب يسلم لنا ظاهر تعلق العطاء بوقت الحصاد، وليس أحد الامرين إلا كصاحبه وأنتم المستدلون بالآية فخرجت من أن تكون دليلا لكم.

والطريق الآخر: انا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد وإن لم يكن مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطى لم تكن بعيدا من الصواب فإن تعلقوا بقوله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) فإن المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) يعني لا يخرجون زكاتها، فالجواب عن ذلك ان اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلا مجازا، ولا يعقل من إطلاق لفظ الانفاق إلا ما كان في المباحات وما جرى مجراها.

ثم لو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الادلة التي ذكرناها.

فإن قيل: كيف تدعون إجماع الامامية وابن الجنيد يخالف في ذلك ويذهب إلى أن الزكاة واجبة في جميع الحبوب التي تخرجها الارض وإن زادت على التسعة الاصناف التي ذكرتموها.

وروي في ذلك أخبارا كثيرة عن أئمتهم " ع " وذكر أن يونس كان يذهب إلى ذلك.

قلنا: لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد ولا يونس وإن كان يوافقه، والظاهر

[78]

من مذهب الامامية ما حكيناه.

وقد تقدم إجماع الامامية وتأخر عن ابن الجنيد ويونس، والاخبار التي تعلق ابن الجنيد بها الواردة من طريق الشيعة الامامية معارضة بأظهر وأكثر وأقوى منها من رواياتهم المعروفة المشهورة، ويمكن حملها بعد ذلك على أنها خرجت مخرج التقية، فإن الاكثر من مخالفي الامامية يذهبون إلى أن الزكاة واجبة في الاصناف كلها، وإنما يوافق الامامية منهم الشاذ النادر، ومما يقوي مذهبنا في هذه المسألة: أن الذرة والعدس وكثيرا من الحبوب الخارجة عن الحنطة والشعير كانت معروفة بالمدينة وأكنافها، وما نقل أحد من أهل السير عن أحد ممن بعثه النبي صلى الله عليه وآله لاخذ الصدقة أنه أخذ في جملة ما أخذ عدسا ولا ذرة، كما رووا، وعينوا الحنطة والشعير والتمر فدل ذلك على أنه خارج عن أصناف ما يؤخذ منه الزكاة.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به نفي الزكاة عن عروض التجارة وقد وافقهم في ذلك داود بن علي وهو قول ابن عباس رحمة الله عليه فيما رواه الحراني عنه.

وأبوحنيفة وأصحابه يوجبون في عروض التجارة الزكاة إذا بلغت قيمتها النصاب وهو قول الثوري والاوزاعي وابن حي والشافعي.

وقال مالك: إن كان إنما يبيع العرض بالعرض فلا زكاة حتى يقبض ماله وإن كان يبيع بالعين والعرض فإنه يزكي.

وقال الليث: إذا ابتاع متاعا للتجارة فيبقى عنده أحوالا فليس عليه إلا زكاة واحدة.

دليلنا على صحة هذه المسألة كل شئ دللنا به على أن الزكاة لا تجب فيما عدا الاصناف التسعة التي عيناها، وعروض التجارة خارجة عن تلك الاصناف فالطريقة تتناولها، ويمكن أن يعارضوا بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله

[79]

من قوله ليس على المسلم في عبده ولا على فرسه صدقة.

وعموم هذا القول يقتضي نفي الصدقة عما هو معرض للتجارة وعما ليس بمعرض لها، لانه عليه السلام لم يفصل بينهما، وإذا ثبت نفي الصدقة عن العبد والفرس وإن كان للتجارة ثبت فيما عداهما من العروض لان أحدا لم يفصل بين الامرين.

وأيضا فإن أصول الشريعة تقتضي أن الزكاة إنما تجب في الاعيان لاالاثمان، وعروض التجارة عندهم إنما تجب في أثمانها لا أعيانها، وذلك مخالف لاصول الشريعة، فإن تعلقوا بقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وإن عموم الآية بقوله يتناول عروض التجارة.

فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما والعموم معرض للتخصيص، ونحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا على أن مخالفينا لا بد لهم من ترك الظاهر في عروض التجارة لانهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة، وهذا ترك للظاهر وخروج عنه ولا فرق بينهم فيه وبيننا إذا حملنا اللفظة في الآية على الاصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها، وإذا قمنا في ذلك مقامهم وهم المستدلون بالآية بطل استدلالهم بمثل هذا الكلام ويبطل تعلقهم بقوله تعالى: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) ويمكن في هذه الآية أن يقال أنها خرجت مخرج المدح لهم فيما فعلوه لا على سبيل إيجاب الحق في أموالهم لانه تعالى قال: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبا لاسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) فأخرج الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه، وليس في إيجاب الله تعالى في أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم مدحا لهم ولا ما يوجب الثناء عليهم، فعلم أن المعنى ويعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا

[80]

بل قد يكون نفلا وتطوعا، فقد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه، ولا تعلق لهم بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) لان اسم الزكاة اسم شرعي ونحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم فعلى من ادعى ذلك أن يدل عليه ولا تعلق لهم بما روي عنه عليه السلام من قوله: حصنوا أموالكم بالصدقة، وأن لفظة الاموال يدخل تحتها عروض التجارة، وذلك أنه ليس في الظاهر إنما يحصن كل مال بصدقة منه، وليس يمتنع أن تحصن أموال التجارة وما لا يجب فيه الزكاة بالصدقة مما يجب فيه الزكاة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية نفي الزكاة عن الذهب والفضة على اختلاف أحوالهما إلا أن يكون درهما أو دينارا مضروبا منقوشا وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون الزكاة في جميع الاحوال إلا الشافعي فانه لا يوجب الزكاة في الحلي والحلل المباح على أظهر قوليه.

دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة ما قدمنا ذكره أيضا من أن الاصل براء‌ة الذمة، ولم يقم دليل قاطع على أن ما عدا الدراهم والدنانير من المصوغات وغيرها يجب فيه الزكاة ونحن على حكم الاصل فإن تعلقوا بالاخبار التى وردت في ايجاب الزكاة على الذهب والفضة على الاطلاق فهذه أولا كلها أخبار آحاد تعارضها الاخبار الواردة بأنه لا زكاة إلا في الدراهم والدنانير على إنا نحمل تلك الاخبار العامة على أن المراد بها الدراهم والدنانير لانهما من فضة وذهب.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الابل إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس شياة، لان باقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون في خمس وعشرين ابنة مخاض، دليلنا الاجماع المتقدم.

فإن قيل قد خالف أبوعلي ابن الجنيد في ذلك وقال: ان في خمس وعشرين ابنة

[81]

مخاض، فإن لم تكن في الابل فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياة، فإن زادت على خمس وعشرين واحدة ففيها ابنة مخاض.

قلنا إجماع الامامية قدتقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد في هذا المذهب على بعض الاخبار المروية عن أئمتنا عليهم السلام ومثل هذه الاخبار لا يعول عليها ويمكن أن نحمل ذكر بنت المخاض وابن اللبون في خمس وعشرين على أن ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياة وعندنا أن القيم يجوز أخذها في الصدقات.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به وقد وافقها غيرها من الفقهاء فيه قولهم أن الابل إذا بلغت مائة وعشرين ثم زادت فلا شئ عليهم في زيادتها حتى تبلغ مائة وثلاثين، فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة وابنتا لبون، وأنه لا شئ في الزيادة مابين العشرين والثلاثين وهذا مذهب مالك بعينه والشافعي يذهب إلى أنها إذا زادت واحدة على مائة وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون.

وعند أبي حنيفة وأصحابه فيما زاد على مائة وعشرين أنه يستقبل الفريضة ويخرج من كل خمسة زائدة على العشرين شاة، فإذا بلغت الزيادة خمسا وعشرين أخرج ابنة مخاض.

والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الاصل هو برائة الذمة من الزكاة، وقد اتفقنا على ما يخرج من الابل إذا كانت مائة وعشرين واختلفت الامة فيما زاد على العشرين في ما بينها وبين الثلاثين، ولم يقم دليل قاطع على وجوب شئ ما بينها وبين العشرين إلى أن تبلغ الزيادة ثلاثين فيجب فيها حقة وابنتا لبون عندنا وعند الشافعى ومالك وعند أبي حنيفة يجب حقتان وشاتان، وقد أجمعنا على وجوب الزكاة في مائة وثلاثين، ولم يجمع على وجوب شئ في الزيادة في ما بين العشرين والثلاثين، ولم يقم دليل

[82]

قاطع فيجب أن يكون على الاصل، فإذا ذكرت الاخبار المتضمنة أن الفريضة إذا زادت على العشرين ومائة تعاد الفريضة إلى أولها في كل خمس شاة أو الخبر المتضمن أنها إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، فجوابنا عن ذلك أن هذه كلها أخبار آحاد لا توجب علما ولا تقتضي قطعا ويعارضها ما رووه عن طرقهم ووجد في كتبهم انه وجد في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله أن الابل إذا زادت على عشرين ومائة فليس في ما زاد شئ دون ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون وحقة فأما ما يعارض ما رووه من روايات أصحابنا عن أئمتنا عليهم السلام فأكثر من أن تحصى وإنما عارضناهم بما يعرفونه ويألفونه.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بأن الزكاة لا تجزي إلا إذا انصرفت إلى إمامي ولا تسقط عن الذمة بدفعها إلى مخالف، والحجة في ذلك مضافا إلى الاجماع أن الدليل قد دل على أن خلاف الامامية في أصولهم كفر وجار مجري الردة، ولا خلاف بين المسلمين في أن المرتد لا تخرج إليه الزكاة.

(مسالة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الزكاة لا تخرج إلى الفساق وإن كانوا معتقدين، الحق وأجاز باقي الفقهاء أن تخرج إلى الفساق وأصحاب الكبائر.

دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط واليقين ببرائة الذمة أيضا، لان إخراجها إلى من ليس بفاسق مجزي بلا خلاف، وإذا أخرجها إلى الفاسق فلا يقين ببرائة الذمة منها ويمكن أن يستدل على ذلك بكل ظاهر من قرآن أو سنة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معونة الفساق والعصاة وتقويتهم وذلك كثير.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأنه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم.

وروي أن الاقل درهم واحد،

[83]

وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، ويجيزون إعطاء القليل والكثير من غير تحديد.

وحجتنا على ماذهبنا إليه إجماع الطائفة، وطريقة الاحتياط وبرائة الذمة أيضا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من فر بدراهم أو دنانير من الزكاة فسبكها أو أبدل في الحول جنسا بغيره هربا من وجوب الزكاة فإن الزكاة تجب عليه إذا كان قصد بما فعله الهرب منها، وإن كان له غرض آخر سوى الفرار من الزكاة فلا زكاة عليه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يوجبون على من ذكرنا الزكاة وإن كان قصده الهرب منها.

وروى عن مالك وبعض التابعين أن عليه الزكاة.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة.

فإن قيل: قد ذكر أبوعلي ابن الجنيد أن الزكاة لا تلزم الفار منها ببعض ما ذكرناه.

قلنا ان الاجماع قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد على اخبار رويت عن أئمتنا عليهم السلام وتتضمن أنه لا زكاة عليه وإن فر بماله، وبازاء تلك الاخبار مما هو أظهر منه وأقوى وأولى وأوضح طرقا تتضمن أن الزكاة يلزمه ويمكن حمل ما تضمن من الاخبار أنها لا تلزمه على التقية، فإن ذلك مذهب جميع المخالفين، ولا تأويل للاخبار التي وردت بان الزكاة تلزمه إذا فر منها إلا إيجاب الزكاة، فالعمل بهذه الاخبار أولى.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأن السخال والفصال والعجاجيل لا تضم إلى أمهاتها في الزكاة وإن بلغ عدد الامهات النصاب، وسواء كانت هذه السخال متولدة عن هذه الامهات التي في ملك صاحبها أو كانت مستفادة من جهة أخرى، لان النخعي والحسن البصري يذهبان إلى مثل ما تذهب إليه الامامية، ولا يجعلان حول الكبار حولا للصغار.

وأبوحنيفة

[84]

وأصحابه يضمون المستفاد إلى الاصل على كل حال ويزكونه بحول الاصل.

والشافعي يضم إلى الاصل ما تولد منه خاصة بعد أن يبلغ الاصل النصاب والحجة لمذهبنا الاجماع المتردد.

وأيضا فإن الاصل برائة الذمة من الحقوق ولم يثبت بيقين وعلم قاطع ان في السخال زكاة مع الامهات وإنما يضم إليها في الحول، ويمكن أن يعارض المخالف بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

فظاهر هذاالخبر يوجب أن المستفاد لا يضم إلى الاصل ويجعل أصل الحول حولا له، بل لا بد من المستفاد إذا كان من الجنس الذي يجب فيه الزكاة أن يستأنف له حول على استقلاله بحصوله في الملك، وليس لهم أن يحتجوا بما روي عن النبي (صلى الله عليه واله) من قوله ويعد صغيرها وكبيرها، ولم يفرق بين أحوالها، وذلك أن المراد بهذا الخبر أنه يعد الصغير والكبير إذا حال عليهما الحول لانه لا خلاف في أن الحول معتبر، ومعنى الصغير والكبير ها هنا ليس المراد به ما ينقص في سنه عن الحد الذي يجب فيه الزكاة، وإنما المراد الصغير والكبير مما بلغ سن الزكاة، ويجوز أن يراد بالصغير والكبير ها هنا العالي المنزلة والمنخفض المنزلة والكريم وغير الكريم فقد يكون في المواشي الكرايم وغير الكرايم.

(مسأله) ومما ظن إنفراد الامامية به القول: بأنه يجوز أن يأخذ الهاشمي من زكاة الهاشمي، وإنما حرم على بني هاشم زكاة من عداهم من الناس، وقد وافقهم في ذلك أبويوسف صاحب أبي حنيفة فيما رواه عنه ابن سماعة.

وحكى عنه أن الزكاة من بني هاشم تحل لبني هاشم ولا يحل لهم ذلك من غيرهم.

والحجة فيما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ويمكن أن يقوى ذلك بأن

[85]

الصدقة إنما حرمت عليهم تنزيها وتعظيما.

وفي الاخبار الواردة بحظر الصدقة عليهم ما يقتضي التنزيه والصيانة عما فيه مذلة وغضاضة، وهذا المعنى مفقود في بعضهم مع بعض.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل الله لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلت لهم الصدقة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ويقوي هذا المذهب بظاهر الاخبار بأن الله تعالى حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم بالخمس عنها فإذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم الصدقة.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به اجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق، ويقولون: أنه متى استفاد المعتق مالا ثم مات فماله لاهل الزكاة لانه اشترى من مالهم.

وقد روي عن مالك وأحمد بن حنبل مثل هذا القول الذي حكيناه.

وروي عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال: اعتق من زكاتك.

فأما باقي الفقهاء من أبي حنيفة والشافعي وغيرهما فعندهم أنه لا يجوز العتق من الزكاة دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) إلى قوله تعالى: (وفي الرقاب) وهذا نص صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة.

فإن قيل المراد بقوله تعالى: (وفي الرقاب) المكاتبون، فإن الفقهاء كلهم يجيزون أن يعطى المكاتب من مال الزكاة إلا مالكا، فانا نحمله على المكاتب وعلى من يبتاع فيعتق، لانه لا تنافي بين الامرين، وظاهر القول يقتضي الكل.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الزكاة يجوز أن

[86]

يكفن منها الموتى ويقضى بها الدين عن الميت، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك كله والحجة لاصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله تعالى في آية وجوه الصدقات: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والغارمين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثوابه والوصلة إلى التقرب إليه، ولما كان ما ذكرناه متقربا إلى الله تعالى وموصلا إلى الثواب جاز صرفه فيه، فإذا قيل أن المراد بقوله تعالى: (وفي سبيل الله) ما ينفق في جهاد العدو.

قلنا: كل هذا مما يوصف بأنه في سبيل الله تعالى وإرادة بعضه لا تمنع من إرادة بعض آخر.

وقد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله، فقال ابن عمر: ان الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الحج والعمرة من سبيل الله تعالى.

وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بماله في سبيل الله تعالى أنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به وكل هذا يدل على أن هذا الاسم لا يختص بجهاد العدو.