(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من زنا بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وإن فارقها زوجها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك والحجة لنا إجماع الطائفة.
وأيضا إن استباحة التمتع بالمرئة لا يجوز إلا بيقين، ولا يقين في استباحة من هذه صفته فيجب العدول عنها إلى من يتيقن استباحة التمتع به بالعقد، فان قالوا الاصل الاباحة ومن ادعى الحظر فعليه دليل يقتضي العلم بالحظر، قلنا: الاجماع الذي أشرنا إليه يخرجنا عن حكم الاصل.
وبعد: فان جميع مخالفينا ينتقلون عن حكم الاصل في العقول بأخبار الآحاد.
وقد ورد من طرق الشيعة في حظر ما ذكرناه أخبار معروفة فيجب على ما يذهبون إليه أن ينتقل عن الاباحة، فان استدلوا بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد ذكر المحرمات، وبقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء).
قلنا: هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالادلة كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، والاجماع الذي ذكرناه يوجب الرجوع لانه مفض إلى العلم، والاخبار التي روتها الشيعة لو انفردت عن الاجماع لوجب عند خصومنا أن يخصوا بها كل هذه الظواهر لانهم يذهبون
إلى تخصيص ظواهر القرآن بأخبار الآحاد وليس لهم أن يقولوا هذه أخبار لا نعرفها ولا رويناها فلا يجب العمل بها.
قلنا: شروط الخبر الذي يوجب العمل عندكم قائمة في هذه الاخبار فابحثوا عن رواتها وطرقها لتعلموا ذلك، وليس كل شئ لم تألفوه وترووه لا حجة فيه، بل الحجة فيما حصلت له شرائط الحجة من الاخبار ولو لم يكن في العدول عن نكاح من ذكرناه إلا الاحتياط للدين لكفى، لان نكاح من هذه حاله مختلف فيه ومشكوك في إباحته فالتجنب له أولى.
وقد رويتهم عن النبي (صلى الله عليه واله) قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من زنا بامرأة وهي في عدة من بعلها له عليها فيها رجعة حرمت عليه بذلك ولم تحل له أبدا، والحجة لاصحابنا في هذه المسألة الحجة في التى قبلها، والكلام في المسألتين واحد فلا معنى لتكراره.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من عقد على امرأة وهي في عدة مع العلم بذلك لم تحل له أبدا وإن لم يدخل بها، والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألتين المتقدمتين.
(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن من عقد على امرأة وهي في عدة وهو لا يعلم فدخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا.
وقد روي وفاق الامامية في ذلك عن مالك والاوزاعي والليث بن سعد، وقال مالك والليث لا تحل له أبدا ولا يملك اليمين.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من تلوط بغلام فأوقب لم تحل له أم الغلام ولا أخته ولا بنته أبدا، وحكي عن الاوزاعي وابن حنبل أن من تلوط بغلام يحرم عليه تزويج بنته، والطريقة في هذه المسألة كالطريقة فيما تقدمها من المسائل.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من طلق امرأته تسع تطليقات للعدة ينكحها بينهن رجلان، ثم تعود إليه حرمت عليه أبدا، وهذه المسألة نظير ما تقدمها.
(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن من زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بناتهما على التأبيد، وأبوحنيفة موافق في ذلك، ويذهب إلى أنه من زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وحرمت المرأة على أبيه وابنه، وهو أيضا قول الثوري والاوزاعي، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يحرموا بالزنا الام والبنت.
دليلنا كل شئ احتججنا به في تحريم المرأة على التأبيد إذا كانت ذات بعل (محرم) على من زنا.
ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)، ولفظ النكاح واقع على الوطئ والعقد معا، فكأنه تعالى قال: لا تعقدوا على ما عقد عليه آباؤكم من النساء ولا تطؤا ما وطؤهن، وكل ما حرم بالوطئ في الزنا امراة على الابن والاب حرم بنتها وأمها عليهما جميعا.
والاحتجاج في هذا الموضع بما يروى عن النبي (صلى الله عليه واله) من قوله الحرام لا يحرم الحلال غير صحيح، لانه خبر واحد، ولانه مخصوص بإجماع ويحمل على مواضع منها أن الوطئ في الحيض وهو حرام لا يحرم ما هو مباح من المرأة ومنها إذا زنا بامرأة فله أن يتزوجها، ومنها إن وطئ الاب لزوجة ابنه التي دخل بها أو وطئ الابن لزوجة أبيه وهو حرام لا يحرم تلك المرأة على زوجها ولا يجعل هذا الحلال ذلك الحرام حراما.
(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن من لاعن امرأة لم تحل له أبدا، وقد وافق الامامية في ذلك الشافعي وزفر وأبويوسف ومالك وقالوا ان فرقة اللعان مؤبدة.
وقال أبوحنيفة وأصحابه ومحمد: أن الملاعن إذا أكذب نفسه وجلد الحد له أن يتزوجها، دليلنا الاجماع المتردد، ويعارضون بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
وقوله (صلى الله عليه واله) لعويمر حين فرق بينه وبين زوجته: باللعان لا سبيل لك عليها، وإذا قيل: معنى ذلك لا سبيل لك عليها في هذه الحال، قلنا: هذا تخصيص بلا دليل.
(مسألة) ومما شنع به على الامامية وادعى تفردها به، وليس الامر كذلك إباحة نكاح المتعة وهو النكاح المؤجل، وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الاقوال، منهم أمير المؤمنين " ع " وعبدالله بن عباس رحمة الله عليه، وعبدالله بن مسعود ومجاهد وعطا، وانهم يقرؤن (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن).
وقد روي عن جابر بن عبدالله الانصاري وسلمة بن الاكوع وأبي سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير وابن جريح أنهم كانوا يفتون بها، فادعاؤهم الاتفاق على حضر المتعة باطل.
والحجة لنا سوى إجماع الطائفة على إباحتها أشياء منها انه قد ثبت بالادلة الصحيحة أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا في آجل مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل.
فان قيل: من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك؟ قلنا: أن من ادعى ضررا في الآجل فعليه الدليل، ولا دليل قاطع يدل على ذلك.
ومنها أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي (صلى الله عليه واله) بغير شبهة ثم ادعى تحريمها من بعد ونسخها ولم يثبت النسخ وقد ثبت الاباحة بالاجماع فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة.
فإن ذكروا الاخبار التي رووها في أن النبي صلى الله عليه وآله حرمها ونهى عنها فالجواب عن ذلك: أن كل هذه الاخبار إذا سلمت من المطاعن والتضعيف أخبار آحاد، وقد ثبت أنها لا توجب عملا في الشريعة، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه، على أن هذه الاخبار كلها قد طعن أصحاب الحديث ونقاده على رواتها وضعفوهم، وقالوا في كل واحد منهم ما هو مسطور، ولا معنى للتطويل بإيراده.
وبعد: فهذه الاخبار معارضة بأخبار كثيرة في استمرار إباحتها والعمل بها حتى ظهر من نهي عمر عنها ما ظهر.
ومنها قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فلفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا في الاصل على الالتذاذ والانتفاع فبعرف الشرع قد صار مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء، ولا يفهم من قول القائل متعة النساء إلا هذا العقد المخصوص، دون التلذذ والمنفعة كماأن لفظ الظهار اختص بعرف الشرع بهذا الحكم المخصوص وإن كانت لفظة ظهار في اللغة مشتركة غير مختصة، فكأنه تعالى قال: فإذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فآتوهن أجورهن، وقد كنا قلنا في بعض ما أمليناه قديما أن تعليقه تعالى وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع دلالة على أن هذا العقد المخصوص دون الجماع، لان المهر إنما يجب بالعقد دون الجماع، ويمكن اعتراض ذلك بأن يقال: أن المهر إنما يجب دفعه بالدخول وهو الاستمتاع.
والذي يجب تحقيقه والتعويل عليه أن لفظة استمتعتم لا تعدو وجهين، فاما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع، ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه
الاول لامرين، أحدهما أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا أورد وهو محتمل لامرين، إحدهما وضع أصل اللغة والآخر عرف الشريعة أنه يجب حمله على عرف الشريعة، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون اللغوي.
والامر الآخر أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ، لان رجلا لو وطئ امرأة ولم يلتذذ بوطئها، لان نفسه عافتها وكرهتها، أو لغير ذلك من الاسباب لكان دفع المهر واجبا وإن كان الالتذاذ مرتفعا، فعلمنا أن لفظ الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون غيره.
ومما يبين ما ذكرناه ويقوى به قوله تعالى: (لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) والمعنى على ما أجمع عليه أصحابنا وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم صلوات الله عليهم أن تزيدها في الاجرة وتزيدك في الاجل، وما يقوله مخالفونا من أن المراد بذلك رفع الجناح في الابراء والنقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بمعمول عليه، لانا نعلم أن العفو والابراء مسقط للحقوق بالعقول، ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية، والزيادة في المهر إنما هي كالهبة، والهبة أيضا معلومة لا من هذه الآية، وأن التراضي يؤثر في النفقات وما أشبهها معلوم أيضا، وحمل الآية والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا معلوم هو الاولى، والحكم الذى ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.
ومما يمكن معارضة المخالف به الرواية المشهورة أن عمر بن الخطاب خطب الناس ثم قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج، فاعترف بأنهما كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) حلالا، وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه، فلو كان النبي صلى الله عليه وآله هو الذي نسخهما ونهى عنهما أو أباحهما في وقت مخصوص
دون غيره على ما يدعون لاضاف عمر التحريم إليه صلى الله عليه وآله دون نفسه.
فإن قيل: من المستبعد أن يقول: ذلك عمر، ويصرح بأنه حرم ما أحله النبي (صلى الله عليه واله) فلا ينكره عليه منكر، قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في جواب المسائل الطرابلسيات.
وقلنا: أنه لا يمتنع أن يكون السامعون لهذا القول من عمر إنقسموا إلى معتقد للحق، برئ من الشبهة، خارج عن حيز العصبية غير أنه لقلة عدده وضعف بطشه، لم يتمكن من إظهار الانكار بلسانه فاقتصر على إنكار قلبه.
وقسم آخر وهم الاكثرون عددا، دخلت عليهم الشبهة الداخلة على مخالفينا في هذه المسألة واعتقدوا أن عمر إنما أضاف النهي إلى نفسه وإن كان الرسول (صلى الله عليه واله) هو الذي حرمها تغليظا وتشديدا وتكفلا وتحققا، وقسم آخر اعتقدوا أن ما أباحه الله تعالى في بعض الاوقات إذا تغيرت الحال فيه وأشفقوا من ضرر في الدين يلحق في الاستمرار عليه جاز أن ينهى عنه بعض الائمة، وعلى هذا الوجه حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج، وقد تقدم ذكر ذلك على أنه لا خلاف بين الفقهاء في ان المتمتع لا يستحق رجما ولا غيره، ولا عقوبة، وقال عمر في كلامه: لا أوتى بأحد تزوج متعة إلا عذبته بالحجارة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت، وما أنكر مع هذا عليه ذكر الرجم والعقوبة أحد، فاعتذروا في ترك النكير لذلك بما شئتم فهو العذر في ترك النكير للنهي عن المتعة، وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة استمتعتم تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمى العوض عليه أجرا ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقا وفرضا، وهذا غير معتمد لانه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالاجر في قوله تعالى: (ولا جناح عليكم أن
تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن).
وفي قوله عزوجل: (فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن)، فإن قيل: كيف يصح حمل لفظة استمتعتم على النكاح المخصوص وقد أباح الله تعالى بقوله: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) النكاح المؤبد بلا خلاف فمن خصص ذلك بعقد المتعة خارج عن الاجماع.
قلنا: قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) يبيح العقد على النساء والتوصل بالمال إلى استباحتهن، ويعم ذلك العقد المؤبد والمؤجل ثم خص العقد المؤجل بالذكر، فقال تعالى: (فاستمتعتم منهن)، والمعنى فمن نكحتموه منهن نكاح المتعة (فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، لان الزيادة في الاجر والاجل لا يليق إلا بالعقد المؤجل.
فإن قيل: الآية مجملة لقوله تعالى: (محصنين غير مسافحين)، ولفظة الاحصان تقع على أشياء مختلفة من العفة والتزويج وغير ذلك.
قلنا: الاولى أن يكون لفظة محصنين محمولة على العفة والتنزه عن الزنا، لانه في مقابلة قوله تعالى: (غير مسافحين)، و السفاح الزنا بغير شبهة، ولو حملت اللفظة على الامرين من العفة والاحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.
فإن قيل: كيف يحمل لفظة الاحصان في الآية على ما يقتضي الرجم وعندكم أن المتعة لا تحصن.
قلنا: قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنها تحصن وبعد فإذا كانت لفظة محصنين تليق بالنكاح المؤبد رددنا ذلك إليه، كما أنا رددنا لفظة الاستمتاع إلى النكاح المؤجل لما كانت تليق به، فكأنه تعالى أحل النكاح على الاطلاق
وابتغاءه بالاموال ثم فصل منه المؤبد بذكر الاحصان والمؤجل بذكر الاستمتاع وقد استدل المخالفون في حظر المتعة بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)، قالوا: والمنكوحة متعة ليست بزوجة من وجوه، لانها لا ترث ولا تورث، والله تعالى يقول (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن الربع مما تركتم).
وأيضا لو كانت زوجة لوجب أن تعتد عند وفاة المستمتع بها أربعة أشهر وعشرا لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا).
وأيضا لو كانت زوجة لبانت بالطلاق بظاهر الكتاب.
وأيضا لو كانت زوجة للحقها الا يلاء واللعان والظهار ويلحق بها الولد.
وأيضا لو كانت زوجة لوجب لها السكنى والنفقة وأجرة الرضاع وأنتم تذهبون إلى خلاف ذلك، وأيضا فلو كانت زوجة لاحلت المطلقة ثلاثا للزوج الاول بظاهر قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره)، فيقال لهم في ما تعلقوا به أولا ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية، لان الزوجة الذمية والامة والقاتلة لا يرثن ولا يورثن وهن زوجات على أن مذهبنا ان الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه، ويستثنى المتمتع بها مع شرط نفي الميراث من ظواهر آيات الميراث كما استثنيتم الذمية والمقاتلة و أما ما ذكروه ثانيا فهن يخصون الآية التي تلوها في عدة المتوفي عنها زوجها لان الامة عندهم زوجة وعدتها شهران وخمسة أيام، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل خصصنا المستمتع بها بمثله.
وأما ما ذكروه ثالثا فالجواب عنه أن في الزوجات من تبين بغير طلاق كالملاعنة والمرتدة والامة المبيعة والمالكة لزوجها وظواهر الكتاب غير موجبة
لان كل زوجة يقع بها طلاق وإنما يتضمن ذكر أحكام الطلاق إذا وقع مثل قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن).
وقوله تعالى: (إذا طلقتموا النساء فبلغن أجلهن)، فإن قالوا: الزوجية تقتضي جواز لحوق الطلاق بالزوجة، ومن ذكرتم من الباينات بغير طلاق، وقد كان يجوز أن يلحقهن حكم الطلاق.
قلنا: الطلاق إنما يحتاج إليه في النكاح المؤبد لانه غير موقت، والنكاح الموقت لا يفتقر إلى الطلاق، لانه ينقطع حكمه بمضي الوقت، فإذا قيل: وإن لم يفتقر الموقت إلى الطلاق في وقوع الفرقة، ألا جاز أن تطلق قبل انقضاء الاجل المضروب فيؤثر ذلك فيما بقي من مدة الاجل.
قلنا: قد منعت الشريعة من ذلك، لان كل من أجاز النكاح الموقت وذهب إلى الاستباحة به يمنع من أن يقع فرقة قبله بطلاق، فالقول: بالامرين خلاف الاجماع.
والذي ذكروه رابعا جوابه أن الولد يلحق بعقد المتعة ومن ظن خلاف ذلك علينا فقد أساء بنا الظن والظهار أيضا يقع بالمتمتع بها، وكذلك اللعان على أنهم لا يذهبون إلى وقوع اللعان بكل زوجة، لان أبا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعا غير كافرين ولا عبدين، وعنده أيضا أن الاخرس لا يصح قذفه ولا لعانه.
وعند أبي حنيفة أيضا ان ظهار الذي لا يصح على أنه ليس في ظواهر القرآن ما يقتضي لحوق الظهار واللعان بكل زوجة، وكذلك الايلاء، وإنما في الآيات الواردات بهذه الاحكام بيان حكم من ظاهر أو لا عن أو آلى فلا تعلق للمخالف بذلك.
وأما الايلاء فانما لم يلحق المستمتع بها، لان أجل المتعة ربما كان دون أربعة أشهر وهو الاجل المضروب في الايلاء.
فأما أجل المتعة إن كان زائدا على ذلك فانما لم يدخل على هذا العقد الايلاء، لان الله تعالى قال: (فان فاؤا فان الله غفور رحيم) (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) فعلق حكم من لم يراجع بالطلاق، ولا طلاق بالمتعة فلا إيلاء يصح فيها، وهذا الوجه الاخير يبطل دخول الايلاء في نكاح المتعة طالت مدتها أو قصرت.
والجواب عما ذكروه، خامسا أن الشيعة تذهب إلى أنه لا سكنى للمتمتع بها بعد انقضاء الاجل، ولا نفقة لها في حال حملها، ولها أجرة الرضاع إن لم يشترط عليها في ابتداء العقد رضاع الولد والكفالة به، ويخصصون قوله تعالى: (واسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن).
كما خصصت الجماعة ذلك فيمن خلع زوجته على أن تنفق على نفسها في أحوال حملها، وتتكفل بولدها، واتفقا على ذلك.
والجواب عما ذكروه، سادسا أن المعول عليه والاظهر من المذهب أن المتمتع بها لا تحلل المطلقة ثلاثا للزوج الاول، لانها تحتاج إلى أن تدخل في مثل ما خرجت منه ويخصص بالدليل قوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)، كما خصصنا كلنا هذه الآية، وأخرجنا منها من عقد ولم يقع منه وطئ للمرأة.
وأخرجنا أيضا منها الغلام الذي لم يبلغ الحلم وإن وطئ، ولمن جامع دون الفرج فتخصيص هذه الآية مجمع عليه.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية منه إباحتهم أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها وخالتها بعد أن يستأذنهما وترضيا به، ويجوزون أن يتزوج بالعمة وعنده بنت أخيها وإن لم ترض بنت الاخ.
وكذلك يجوز عندهم أن يعقدوا على الخالة وعنده بنت أختها من غير
رضى بنت الاخت، وحكى عن الخوارج إباحة تزويج المرأة على عمتها وخالتها، والحجة بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وكل ظاهر في القرآن يبيح العقد على النساء بالاطلاق، فإن احتجوا بما يروى عنه " ع " من قوله لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها، فالجواب أنه خبر واحد ونحمله على الحظر إذا لم يكن منهما رضى وهو معارض بأخبار كثيرة في الاباحة مع الاستيذان والرضى.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية حظر نكاح الكتابيات، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك، دليلنا بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، ولا شبهة في أن النصرانية مشركة، وقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)، وبين الزوجين عصمة لا محالة، وقوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)، والظاهر من ذلك نفي التساوي في سائر الاحكام ا لتي من جملتها المناكحة، فان عارضونا بقوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، فالجواب إنا نشترط في ذلك الاسلام بالادلة المتقدمة.
فإذا قيل: لا معنى لذلك، وقد أغنى عنه قوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات)، قلنا: قد يجوز قبل ورود هذا أن يفرق الشرع بين المؤمنة التي لم تكن قط كافرة وبين من كانت كافرة ثم آمنت، ففي بيان ذلك والجمع بين الامرين في الاباحة فائدة.
فان قيل: إذا شرطتم في آية الاباحة ما ليس في الظاهر وصارت مجازا فأي فرق بينكم في ذلك وبيننا إذا عدلنا عن ظواهر الآيات التي إحتججتم بها، وخصصناها بالكافرات المرتدات والحربيات.
قلنا: الفرق بيننا وبينكم أنكم تعدلون عن ظواهر الآيات كثيرة، ونحن نعدل عن ظاهر آية واحدة، فمذهبنا أولى.
(مسألة) ومما شنع به على الامامية تجويز إعارة الفروج، وإن الفرج يستباح بلفظ العارية وتحقيق هذه المسألة إنا ما وجدنا فقيها منهم أفتى بذلك ولا أودعه مصنفا له ولا كتابا، وإنما يوجد في أحاديثهم أخبار نادرة تتضمن لاعارة الفروج في المماليك.
وقد يجوز إذا صحت تلك الاخبار وسلمت من القدح والتضعيف أن يكون عبر بلفظ العارية عن النكاح، لان في النكاح معنى العارية من حيث كانت إباحة للمنافع مع بقاء العين على ملك مالكها، ونكاح الامة يجري هذا المجرى، لان الرجل إذا أنكح أمته غيره فانما أباحه الانتفاع بها مع بقاء ملك الجارية عليه.
فان قيل: أفتجوزون إستباحة الفرج بلفظ العارية؟ قلنا: ليس في الاخبار التي أشرنا إليها أن لفظة العارية من الالفاظ التي ينعقد بها النكاح، وإنما تضمنت أنه يجوز للرجل أن يعير فرج مملوكته لغيره فيحمل لفظ العارية هاهنا على أن المراد بها النكاح من حيث الاشتراك في المعنى، كما قال يجوز للرجل أن يبيح مملوكته لغيره على معنى أنه يعقد عليها عقد النكاح الذي فيه معنى الاباحة، ولا يقتضي ذلك ان النكاح ينعقد بلفظ الاباحة على أن أبا حنيفة وأصحابه لا يجب أن يشنعوا بذلك وهم يجيزون أن ينعقد النكاح بلفظ الهبة والبيع، وليس الشناعة في العدول عن زوجيني نفسك إلى بيعيني نفسك أو هبي لي نفسك بأدون في الشناعة من أعيريني نفسك.
(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به وشنع عليهم لاجله القول بأن الشهادة ليس بشرط في النكاح، وقد وافق داود في ذلك.
وقال مالك: إذا لم يتواصوا بالكتمان صح النكاح وإن لم يحضروا الشهود.
وباقي الفقهاء جعلوا الشهادة في النكاح شرطا، والحجة لقولنا إجماع الطائفة.
وأيضا فإن الله تعالى أمر بالنكاح في مواضع كثيرة من الكتاب ولم يشرطه
بالشهادة، ولو كانت شرطا لذكرت على أن أبا حنيفة عنده أن كل زيادة في القرآن توجب النسخ، فلو زادت الشهادة لكان ذلك نسخا للكتاب، والكتاب لا ينسخ بأخبار الآحاد.
ومما يمكن أن يعارض المخالف به ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله أن النساء عندكم عواري أخذتموهن بأمانة الله تعالى، واستحللتهم فروجهن بكلمة الله، وليس هاهنا كلام يستباح به فرج المرأة غير قول المزوج قد زوجت وقول المتزوج قدتزوجت، وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الاستباحة حصلت بهذا الكلام بلا شرط زائد من شهادة ولا غيرها.
فان قيل: إنما أراد بكلمة الله قوله تعالى: (وأنكحوا الايامى منكم) وما جرى مجراه من الالفاظ المبيحة للعقد على النساء.
قلنا: تحليل الفرج لم يحصل بهذا القول، ولو كان حاصلا به لاستغنى عن العقد في الايجاب والقبول في الاباحة، وإنما آيات القرآن استفيد(1) منها الاذن فيما يقع به التحليل والاباحة وهو العقد والايجاب والقبول فان احتجوا بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل، فالجواب عنه أن هذا الخبر واحد وهو مع ذلك مطعون في طريقه.
والزهري قد أنكره ومداره عليه وفي تضعيفه وجوه كثيرة لانطول بذكرها ومع ذلك فان النفي داخل في اللفظ على النكاح، والمراد حكمه وليس لهم بأن يحملوه على نفي الصحة والاجزاء بأولى منا إذا حملناه على نفي الفضل والكمال، وأجريناه مجرى قوله عليه السلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، ولا صدقة وذو رحم محتاج.
(مسألة) ومما يقدر من الاختيار له انفراد الامامية به، وما انفردوا جواز عقد المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي، وهذه المسألة يوافق
___________________
(1) يستفاد خ ل.
فيها أبوحنيفة ويقول: أن المرأة إذا عقلت وكملت زالت من الاب الولاية عليها في بضعها، ولها أن تزوج نفسها، وليس لوليها الاعتراض عليها إلا إذا وضعت نفسها في غير كفو.
وقال أبويوسف ومحمد يفتقر في النكاح إلى الولي لكنه ليس بشرط فيه، فإذا زوجت المرأة نفسها فعلى الولي إجازة ذلك.
وقال مالك: المرأة المقبحة الذميمة لا يفتقر نكاحها إلى الولي، ومن كان بخلاف هذه الصفة افتقر إلى الولي.
وقال داود: إن كانت بكرا افتقر نكاحها إلى الولي وإن كانت ثيبا لم يفتقر، دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة، قوله تعالى: (ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فأضاف عقد النكاح إليها والظاهر أنها تتولاه، وأيضا قوله تعالى: (فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) فأضاف تعالى التراجع وهو عقد مستقل إليهما، والظاهر أنهما يتوليانه.
وأيضا قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط الولي، ولا يجوز للمخالف أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها، وذلك أنه تعالى إنما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف، وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها.
وأيضا فقوله تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) فأضاف العقد إليهن، ونهى الاولياء عن معارضتهن، والظاهر أنهن يتولينه.
ويمكن أن يعارض المخالف أيضا بما يروونه عن ابن عباس رحمة الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس للولي مع الثيب أمر.
وأيضا بما رواه ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: الايم أحق بنفسها من وليها، فمن يخالفنا في هذه المسألة يدعي أن وليها أحق بها في نفسها.
وأيضا ما روي من أن النبي (صلى الله عليه واله) خطب إلى أم سلمة رحمة الله عليها فقالت ليس أحد من أوليائي حاضرا، فقال: ليس أحد من أوليائك حاضرا وغائبا إلا ويرضى بي، ثم قال لعمر بن أبي سلمة وكان صغيرا قم فزوجها.
فتزوجها النبي صلى الله عليه وآله بغير ولي.
فان احتج المخالف بما رووه عن النبي (صلى الله عليه واله) من قوله: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فالجواب عنه أن هذا الخبر مطعون عليه مقدوح فيه بما هو مذكور في الكتب، ويمكن حمله إذا كان صحيحا على الامة إذا تزوجت بغير إذن مولاها، فان لفظة الولي والمولى بمعنى واحد في اللغة، وقد ورد في بعض الروايات في هذا الخبر أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها، فان قيل: في هذا الخبر ما يمنع من حمله على الامة وهو فان دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها، والمهر لا يكون للامة بل للمولى.
قلنا: يجوز أن يضاف إليها، وإن كانت لا تملك للعلقة التي بينه وبينها، وإن كانت ملكا للمولى، كما قال صلوات الله عليه وآله: من باع عبدا وله مال فأضاف المال إلى العبد، وإن كان للمولى، وليس لهم أن يحتجوا بما روي من أنه لا نكاح إلا بولي، لان المرأة إذا زوجت نفسها فذلك نكاح بولي، لان الولي هو الذى يملك الولاية للعقد، ومن ادعى أن لفظة ولي لا تقع إلا على ذكر مبعد، لانها تقع على الذكر والانثى فيقال رجل ولي وامرأة ولي كما يقال فيهما وصي.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن لولاية الجد من قبل الاب على الصغير رجحانا على ولاية الاب عليها، فإذا حضر أب وجد فاختار كل واحد
منهما رجلا لنكاحها كان اختيارا الجد مقدما على اختيار الاب، فان سبق الاب إلى العقد لم يكن للجد اعتراض عليه، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا فيه إجماع الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن الجد قد كانت له ولاية على الاب لما كان صغيرا، ولم يكن للاب ولاية على الجد قط.
(مسألة) ومما ظن أن الامامية تنفرد به وله تحقيق نحن نوضحه أن الرجل إذا تزوج امرأة على صداق تقرر بينهما، ثم قدم منه إليها شيئا وقد دخل بها فانه لا شئ للمرأة سوى ما قبضته، وليس لها أن تطالب بزيادة عليه، وهذا توهم علينا، لان المهر المتقرر الذي ينعقد به النكاح بينهما متى دخل بها فقد وجب كاملا، وإذا كانت قد قبضت بعضه فلها أن تطالب بالباقي، إلا أنه ليس لها أن تمنع نفسها حتى توفى المهر، وإن كان ذلك لها قبل الدخول.
والاخبار الواردة في كتب أصحابنا التي أوهمت ما قدمنا ذكره محمولة على أحد أمرين، أحدهما ما ذكرناه من أنه لا شئ بقي لها يجوز أن تمنع نفسها حتى تستوفيه.
والامر الآخر أن تكون امرأة قررت لنفسها مع زوجها مهرا ودفع الزوج إليها شيئا فرضيت به، ومكنته من الدخول فلا شئ لها بعد ذلك لانها لو لم ترض بما قبضت لما مكنته من الدخول وهذا هو الوجه في المسألة.
(مسألة) ومما ظن قبل الاختبار أن الامامية تنفرد به القول بأنه ليس للاب أن يزوج بنته الباكرة البالغة إلا بإذنها وأبوحنيفة يوافق في ذلك.
وقال مالك والشافعي: للاب أن يزوجها بغير إذنها.
وقال الليث بن سعد: لا يزوجها بغير رضاها إلا الاب وحده دون الجد وغيره.
وقال الشافعي: ويزوجها الجد أيضا بغير إذنها، دليلنا الاجماع المتردد.
ومما يجوز أن يعارض به المخالفون ما يروونه عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله) قوله: لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها فان سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها، فالمراد باليتيمة هاهنا البكر البالغة لوقوع الاتفاق على أن السكوت لا يكون إذنا من غيرها، والصغيرة لا اعتبار بإذنها.
فان قيل: المراد باليتيمة في الخبرالتي لا أب لها فيزوجها غير الاب، قلنا: لا تسمى الكبيرة يتيمة من حيث فقدت أباها لقوله عليه السلام: لايتم بعد الحلم وإنما تسمى يتيمة لانفرادها عن الازواج.
قال الشاعر:
ان القبور تنكح الايامى * النسوة الارامل اليتامى
فسماهن يتامى بعد البلوغ لانفرادهن عن الازواج، وبعد فإذا كانت اليتيمة من لا أب لها فينبغي أن لا يزوج من لا أب لها جدها بلا إذنها بموجب الخبر، وقد أجاز الشافعي تزويج الجد لها بغير إذنها، فإذا منع الخبر من ذلك في الجد منع في الاب، لان أحدا من الامة لم يفصل بين الامرين.
وأيضا ما رووه عنه عليه السلام من قوله الايم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها.
(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به ولها فيه موافق القول بأنه لا حد لاقل الصداق، وأنه يجوز بالقليل والكثير، والشافعي يقول بذلك.
وقال مالك وأبوحنيفة أقل الصداق ما تقطع فيه اليد، والذي تقطع فيه اليد هو عند مالك ثلاثة دراهم، وعند أبي حنيفة عشرة دراهم فإن أصدقها أقل من عشرة دراهم كمل لها عشرة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند زفر يسقط المسمى ويجب لها مهر المثل.
وقال النخعي: أقل الصداق أربعون درهما.
وقال سعيد بن جبير: خمسون درهما.
دليلنا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: (وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة).
وقوله في مواضع آخر: (فآتوهن أجورهن) والقليل يقع عليه الاسم كالكثير فيجب إجزاؤه.
ومما يعارضون به ما يروونه عنه عليه السلام من استحل بدرهمين فقد استحل، وقال: لا جناح على امرئ أصدق امرأة صداقا قليلا كان أم كثيرا.
(مسألة) ومما يجري مجرى المسألة المتقدمة قول الامامية أنه يجوز أن يكون المهر تعليم شئ من القرآن، والشافعي يوافق في ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون فيه والحجة فيه إجماع الطائفة.
وأيضا قد بينا أن الصداق يجوز أن يكون قليل المنفعة وكثيرها، والتعليم له قيمة فهو نفع وإن قل، ويعارضون بما يروونه من أن امرأة جائت إلى النبي صلى الله عليه وآله فوهبت نفسها له، فقال صلى الله عليه وآله: ما لي في النساء من حاجة، فقال رجل من أصحابه: زوجنيها يا رسول الله، فقال أمعك شئ؟ فقال: لا، إلى أن قال: أمعك شئ من القرآن؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه وآله: زوجتكها بما معك من القرآن، فقال: نعم، والمعنى لتعلمها شيئا مما معك من القرآن.
فان قيل: أراد زوجتك لفضيلتك بما معك من القرآن، قلنا: نبطل ذلك من وجهين، أحدهما أنه صلى الله عليه وآله لم يطلب في الحال الشرف والفضل، وإنما طلب(1) ما يكون مهرا، وكلامه (صلى الله عليه واله) لا يليق إلا بالمهر، والآخر أنه قال: زوجتك بما معك، وهذه الباء تقتضي البدل والعوض، ولو أراد الفضيلة لقال لما معك من القرآن.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
___________________
(1) طلب منها ما يكون خ ل.
والحجة بعد إجماع الطائفة أن قولنا مهر يتبعه أحكام شرعية وقد أجمعنا على أن الاحكام الشرعية تتبع ما قلنا به إذا وقع العقد عليه، وما زاد عليه لا إجماع على أن يكون مهرا، ولا دليل شرعيا فيجب نفي الزيادة.
(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع في عقد المتعة، وأنه لا حد في ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون ذلك.
والحجة فيه إجماع الطائفة ونبني ذلك على القول بإباحة المتعة فنقول كل من أباح نكاح المتعة جوز الجمع بين أكثر من أربع في هذا النكاح فالتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين.
ويمكن أن يكون الوجه فيه أن نكاح الدوام يلزم فيه السكنى والنفقة ويشق التزام ذلك فيما لا حصر له من العدد، فحصر بعدد مخصوص ولا نفقة ولا سكنى للمتمتع بها فجاز أن لا ينحصر عدد من يجمع في هذا العقد.
(مسألة) ومما يشنع به على الامامية وتنسب إلى التفرد به وقد وافقها فيه غيرها القول بإباحة وطئ النساء في غير فروجهن المعتادة للوطي، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك.
وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا اقتدي به في ديني يشك في أن وطي المرأة في دبرها حلال، ثم قرأ: (نساؤكم حرث لكم) الآية.
وقال الطحاوي في كتابه هكذا: حكى لنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله في تحريمه ولا تحليله شئ، والقياس أنه حلال.
والحجة في إباحة ذلك إجماع الطائفة.
وأيضا قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) ومعنى أنى شئتم كيف شئتم، وفي أي موضع آثرتم(1) ولا يجوز حمل لفظة
___________________
(1) وفى أى موضع أردتم خ ل.
أنى هاهنا على الوقت، لان لفظة أنى تختص الاماكن وقلما تستعمل في الاوقات، واللفظة المختصة بالوقت أيان(1) شئتم، ولا فرق بين قولهم ألف زيدا أنى كان وأين كان في عموم الاماكن، على أنا لو سلمنا أن الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الامرين معا من الاوقات والاماكن.
وأما من ادعى أن المراد بذلك إباحة وطي المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك فهو تخصيص لظاهر القرآن(2) بغير دليل، والظاهر متناول لما قالوه ولما قلناه.
وأما الطعن على هذه الدلالة بأن الحرث لا يكون إلا بحيث النسل وقد سمى الله تعالى النساء حرثا فيجب أن يكون الوطئ حيث يكون النسل فليس بشئ، لان النساء وإن كن لنا حرثا فقد أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث كالوطئ دون الفرج وما أشبهه، ولو كان ذكر الحرث يقتضي ما ذكروه لتنافى أن يقول لنا: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) من قبل أو دبر، وقد علمنا أن ذلك صحيح غير متناف، ولا يمكن الاستدلال على إباحة ما ذكرناه بما تعلق به قوم فيها من قوله تعالى (أتأتون الذكر ان من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون)، وقالوا: لا يجوز أن يدعو إلى التعويض عن الذكران بالازواج إلا وقد أباح منهن في الوطئ مثل ما يلتمس من الذكران.
وكذلك قالوا في قوله تعالى (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)، فإن القول يقتضي أن في بناته المعنى المطلوب من الذكران، وذلك لانه لا حجة في هذا الضرب من الكلام، لانه غير ممتنع أن يذمهم بأتيان الذكران من حيث لهم عنه عوض بوطئ النساء وإن كان في الفروج المعهودة لاشتراك الامرين في
___________________
(1) بالاوقات أيان شئتم خ ل.
(2) لظاهر الكلام بغير دليل خ ل.
الاستمتاع واللذة، وقد يغني الشئ عن غيره وإن لم يشاركه في جميع صفاته إذا إشتركا في الامر المقصود، ولو صرح بما قلناه حتى يقول: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) من الوطي في القبل لكان صحيحا، لانه عوض ومغن عما يلتمس من الذكران.