التمحيص وحل العقدة

وإذا أردنا أن نسير على ضوء الحقائق، ونعطي المسألة حقها من التمحيص والبحث عن سر ذلك الارتباك وبذرته الأولى ـ التي نمت وتأثلت ـ لا نجد حلاً لتلك العقدة إلا: أن الخليفة عمر قد اجتهد برأيه لمصلحة راها بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة منعاً مدنياً لا دينياً، لمصلحة زمنية، ومنفعة وقتية، ولذا تواتر النقل عنه أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا احرمهما واعاقب عليهما(1) . ولم يقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله حرمهما أو نسخهما، بل نسب التحريم إلى نفسه، وجعل العقاب عليهما منه لا من الله سبحانه.

وحيث أن أبا حفص الحريص على نواميس الدين، الخشن على إقامة شرائع الله، أجل مقاماً، وأسمى إسلاماً، من أن يحرم ما أحل الله، أو يدخل في الدين ما ليس من الدين، وهو يعلم أن حلال محمد حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، والله سبحانه يقول في حق نبيه الكريم: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منهُ الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين)(2) فلا بد من أن يكون مراده المنع الزمني، والتحريم المدني، لا الديني، ولكن بعض معاصريه، ومن بعده من المحدثين البسطاء، لما غفلوا عن تلك النكتة الدقيقة، واستكبروا من ذلك الزعيم العظيم ـ القائم على حراسة الدين ـ أن يحرم ما

____________

(1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي 7: 206، زاد المعاد لابن قيم الجوزي 3: 463، المبسوط للسرخسي 27:4.

(2) الحاقة 69: 44 ـ 47.


الصفحة 264

أحل الله، ويجترى على حرمات الله، اضطروا إلى استخراج مصحح، فلم يجدوا إلا دعوى النسخ من النبي بعد الإباحة، فارتبكوا ذلك الارتباك، واضطربت كلماتهم ذلك الاضطراب، ولو أنهم صححوا عمل الخليفة بما ذكرناه لأغناهم عن ذلك التكلف والارتباك.

ويشهد لما ذكرناه ما سبق من رواية مسلم عن جابر: كنا نتمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث(1) الحديث.

فانه يدل دلالة واضحة أن عمر نهى عن المتعة من اجل قضية في واقعة استنكر الخليفة منها، فرأى من الصالح للاُمة النهي عنها، وإن كنا لم نعثر على شيء من شأن القضية، ولكن أبا حفص كان معلوماً حاله في الشدة والتنمر، والغلظة والخشونة في عامة اموره، فربما يكون قد استنكر شيئاً في واقعة خاصة أوجب تأثره وتهيجه الشديد الذي بعثه على المنع المطلق خوف وقوع أمثاله، اجتهاداً منه ورأياً تمكن في ذهنه، وإلا فأمر المتعة وحليتها بعد: نص القران، وعمل النبي، والصحابة طول زمن النبي، ومدة خلافة أبي بكر، وبرهة من خلافة عمر، أوضح من أن يحتاج إلى شيء من تلك المباحث والهنابث(2) ، وتلك المداولات العريضة الطويلة.

____________

(1) في شرح مسلم المسمى باكمال المعلم للوشتاني الآبي قوله في شأن عمرو بن حريث: قيل: كان نهيه عن ذلك في آخر خلافته، وقيل: في أثنائها. وقال [ أي عمر بن الخظاب ]: لا يؤتى برجل تمتع وهو محصن إلا رجمته، ولا برجل تمتع وهو غير محصن إلا جلدته. وقضية عمرو بن حريث: أنه تمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودام ذلك حتى لخلافة عمر، فبلغه ذلك فدعاها فسألها فقالت: نعم، قال: من شهد ؟ قال عطاء: فأراها قالت أمها وأباها، قال: فهلا غيرهما. فنهى عن ذلك. إنتهى «منه قدس سره».

(2) الهنابث: جمع هنبثة، وهي الامر الشديد.

الصحاح 1: 296.


الصفحة 265

كيف والذي يظهر من فلي نواصي التاريخ، والاستطلاع في ثنايا القضايا، أن عقد المتعة كان مستعملاً في زمن الرسالة، حتى عند أشراف الصحابة ورجالات قريش، ونتجت منه الذراري والأولاد الأمجاد.

فهذا الراغب الأصفهاني ـ من عظماء علماء السنة ـ يحدثنا ـ وهو الثقة الثبت ـ في كتابه السابق الذكر ما نصه: أن عبدالله بن الزبير عير ابن عباس بتحليله المتعة، فقال له ابن عباس: سل امّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك.

فسألها فقالت: والله ما ولدتك إلا بالمتعة(1) .

وأنت تعلم من هي ام عبدالله بن الزبير، هي أسماء ذات النطاقين، بنت أبي بكر الصديق، اخت عائشة ام المؤمنين، وزوجها الزبير من حواري رسول الله، وقد تزوجها بالمتعة، فما تقول بعد هذا أيها المكابر المجادل ؟ !

ثم أن الراغب ذكر عقيب هذه الحكاية رواية اخرى فقال: سأل يحيى ابن أكثم شيخاً من أهل البصرة فقال له: بمن اقتديت في جواز المتعة ؟

فقال: بعمر بن الخطاب.

فقال له: كيف وعمر كان من أشد الناس فيها ؟!

قال: نعم، صح الحديث عنه أنه صعد المنبر فقال: يا أيها الناس، متعتان أحلهما الله ورسوله لكم وأنا احرمها عليكم واعاقب عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.انتهى(2) .

وقريب منها ما ينقل عن عبدالله بن عمر(3) .

____________

(1) محاضرات الادباء 3: 214.

(2) محاضرات الادباء 3: 214.

(3) سنن الترمذي 3: 185/824.


الصفحة 266

ولكن في عبارة شيخ أهل البصرة من الشطح والتجاوز ما لا يرتضيه كل مسلم، والعبارة الشائعة عن أبي حفص أخف وألطف من ذلك، وهي قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا احرمهما. وإذا كان مراده ما أوعزنا اليه، وكشفنا حجابه، وحللنا عقدته، يهون الأمر، وتخف الوطأة.

وبعد ما انتهينا في الكتابة إلى هنا، وقفنا على كلام لبعض الأعاظم من علمائنا المتقدمين، وهو المحقق محمد بن إدريس الحلي، من أهل القرن السادس، وجدناه يتفق مع كثير مما قدمناه، فأحببنا نقله هنا ليتأكد البيان، وتتجلى الحجة.

قال في كتابه (السرائر ـ الذي هو من جلائل كتب الفقه والحديث ـ ما نصه: النكاح المؤجل مباح في شريعة الاسلام، مأذون فيه، مشروع في الكتاب والسنة المتواترة بإجماع المسلمين، إلا أن بعضهم ادعى نسخه، فيحتاج في دعواه الى تصحيحها، ودون ذلك خرط القتاد. وأيضا فقد ثبت بالأدلة الصحيحة: أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا في اجل مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة، فيجب إباحته بأصل العقل.

فإن قيل: من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل، والخلاف في ذلك ؟

قلنا: من ادعى ضرراً في الاجل فعليه الدليل.

وأيضاً فقد قلنا: إنه لا خلاف في إباحتها من حيث أنه قد ثبت بإجماع المسلمين: أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي صلى الله عليه واله بغير شبهة، ثم ادعي تحريمها من بعد ونسخها، ولم يثبت النسخ، وقد ثبتت الإباحة بالإجماع، فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة.

فإن ذكروا الأخبار التي رووها في أن النبي صلى الله عليه وآله حرمها


الصفحة 267

ونهى عنها.

فالجواب عن ذلك:

إن جميع ما يروونه من هذه الأخبار ـ إذا سلمت من المطاعن والضعف ـ أخبارآحاد، وقد ثبت أنها لا توجب علماً ولا عملاً في الشريعة، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه.

وأيضا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)(1) .

ولفظة (استمتعتم) لا تعدو وجهين: إما أن يراد بهما الانتفاع أو الالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللفظة، أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع.

ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأول لأمرين:

أحدهما:

إنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في اصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل الأمرين: أحدهما: وضع اللغة، والاخر: عرف الشريعة، فإنه يجب حمله على عرف الشريعة، ولهذا حملوا كلهم لفظ: صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، على العرف الشرعي دون الوضع اللغوي...

وأيضاً فقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال من الصحابة والتابعين: كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وابن عباس، ومناظراته لابن الزبير معروفة رواها الناس كلهم، ونظم الشعراء فيها الأشعار فقال بعضهم:

____________

(1) النساء 4: 24.


الصفحة 268

أقول للشيخ لما طال مجلسه ياصاح هل لك في فتوى ابن عباس
وعبدالله بن مسعود، ومجاهد، وعطاء، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وسلمة بن الأكوع، وأبي سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة، وسعيد بن جبير، وابن جريح، وأنهم كانوا يفتون بها. فادعاء الخصم الاتفاق على حضر النكاح المؤجل باطل. انتهى كلامه(1) .

وكل ذي بصيرة يعرف ما فيه من المتانة والرصانة، وقوة الحجة والمعارضة.

هذا كله في البحث عن المسألة من وجهتها الدينية والتاريخية، والنظر اليها من حيث الدليل حسب القواعد الأصولية، والطرق الشرعية....

أما النظر فيها من الوجهة الأخلاقية والاجتماعية:

فأقول: أليس دين الإسلام هو الصوت الإلهي، والنغمة الربوبية الشجية التي هبت على البشر بنسائم الرحمة، وعطرت مشام الوجود بلطائف السعود، وجاءت لسعادة الانسان لا لشقائه، ولنعمته لا لبلائه، هو الدين الذي يتمشى مع الزمان في كل أطواره، ويدور مع الدهر في جميع أدواره، ويسد حاجات البشر في نظم معاشهم ومعادهم، وجلب صلاحهم، ودرء فسادهم. ما جاء دين الاسلام ليشق على البشر، ويلقيهم في حظيرة المشقة، وعصارة البلاء والمحنة، وكلفة الشقاء والتعاسة، كلا ! بل جاء رحمة للعالمين، وبركة على الخلق جميع، ممهداً سبل الهناء والراحة، ووسائل الرخاء والنعمة، ولذا كان أكمل الأديان، وخاتمة الشرائع، إذ لم يدع نقصاً في نواميس سعادة البشر يأتي دين بعده فيكمله، أو ثلمة في ناحية من نواحي الحياة فتأتي شريعة اخرى فتسدها.

____________

(1) السرائر2: 618ـ 620.


الصفحة 269

ثم أوليس من ضرورات البشر، منذ عرف الانسان نفسه، وأدرك حسه، ومن المهن التي لا ينفك عن مزاولتها، والإندفاع اليها بدواع شتى وأغراض مختلفة هو السفر والتغرب عن الأوطان، بداعي التجارة والكسب، في طلب علم أو مال، أو سياحة أو ملاحة، أو غير ذلك من جهاد وحروب وغزوات ونحوها ؟

ثم أوليس الغالب في اولئك المسافرين لتلك الأغراض هم الشبان، وما يقاربهم من أصحاء الأبدان، وأقوياء الأجساد، الراتعين بنعيم الصحة والعافية ؟

ثم أليس الصانع الحكيم ـ بباهر حكمته، وقاهر قدرته ـ قد أودع في هذا الهيكل الانساني غريزة الشهوة، وشدة الشوق والشبق إلى الأزواج، لحكمة سامية، وغاية شريفة، وهي بقاء النسل، وحفض النوع، ولو خلي من تلك الغريزة، وبلت أو ضعفت فيه تلك الجبلة لم يبق للبشر على مر الأحقاب عين ولا أثر.

ومن المعلوم أن حالة المسافرين المقوين لا تساعد على القران الباقي، والزواج الدائم، لما له غالباً من التبعات واللوازم، التي لا تتمشى مع حالة المسافر، فاذا امتنع هذا النحو من الزواج حسب مجاري العادات، وعلى الغالب والمتعارف من أمر الناس، وملك اليمين، والتسري بالاماء والجواري المملوكة بأحد الأسباب، قد بطل اليوم بتاتاً، وكان متعذراً أو متعسراً من ذي قبل، فالمسافر لا سيما من تطول أسفارهم في طلب علم أو تجارة، أو جهاد أو مرابطة ثغر، وهم في ميعة الشباب وريعان العمر، وتأجج سعير الشهوة، لا يخلو حالهم من أمرين: إما الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة التي تنجر إلى الوقوع في أمراض مزمنة، وعلل مهلكة، مضافا الى ما فيه من قطع النسل، وتضييع ذراري الحياة المودعة فيهم، وفي


الصفحة 270

هذا نقض للحكمة، وتفويت للغرض، وإلقاء في العسر والحرج وعظيم المشقة التي تأباه شريعة الاسلام، الشريعة السمحة السهلة (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(1) (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (2)

وأما الوقوع في الزنا والعهار، الذي ملأ الممالك والأقطار، بالمفاسد والمضار.

ولعمر الله، وقسماً بشرف الحق، لو أن المسلمين أخذوا بقواعد الاسلام، ورجعوا إلى نواميس دينهم الحنيف، وشرائعه الصحيحة (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)(3) ولعاد إليهم عزهم الداثر، ومجدهم الغابر.

ومن تلك الشرائع: مشروعية المتعة، فلوأن المسلمين عملوا بها على اصولها الصحيحة من: العقد، والعدة، والضبط، وحفظ النسل منها، لانسدت بيوت المواخير، وأوصدت أبواب الزنا والعهار، ولارتفعت ـ أو قلت ـ ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من تلك المومسات المتهتكات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل، وكثرت المواليد الطاهرة، واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق، وطهارة الأعراق، إلى كثير من الفوائد والمنافع التي لا تعد ولا تحصى.

ولله در عالم بني هاشم، وحبر الأمة عبدالله بن عباس (رض) في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في (النهاية) والزمخشري في (الفائق) وغيرهما حيث قال: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها اُمّة محمد

____________

(1) البقرة 2:185.

(2) الحج 2: 78.

(3) الاعراف 7: 96.


الصفحة 271

صلى الله عليه وآله، ولولا نهيه عنها ما زنى إلا شفا(1) . وقد أخذها من عين صافية، من استاذه ومعلمه ومربيه أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي الحق إنها رحمة واسعة، وبركة عظيمة، ولكن المسلمون فوتوها على أنفسهم، وحرموا من ثمراتها وخيراتها، ووقع الكثير في حماة الخنا والفساد، والعار والنار، والخزي والبوار (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)(2) فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ولكن مع هذا كله ألا تعجب حين ترى ما نشر في (الاعتدال) أيضاً (161) من المجلد الأول بعنوان: (لم يبق إلا أن نتخذ من القلم إبرة تطعيم، ونجعل المعاني مصلاً).

وذكر صورة كتاب ورد إليه من بغداد بتوقيع (خادم العلماء) ! ! على الجواب الذي تقدم في مبادئ هذه النسخة، بتوقيع (ابن ماء السماء) يعيد فيه اشكال اختلاط الأنساب، وضياع النسل، وعقد عابر الطريق والمجهول، ويقول: إن ابن ماء السماء لم يتعرض للمجهول الذي هو محل النظر ـ إلى أن قال: ـ فما يقول في تحليل المتعة الدورية التي يتناوبها ويتعاقبها ثلاثة أو أربعة بل وعشرة بحسب الساعات ! ! فما يقول في الولد إذا جاء من هذه الجهة، فمن يتبع، وبمن يلحق.

نعم، من المعلوم حلية المتعة بجميع طرقها عند الشيعة، ولكن تراهم يتحاشون ويتحاشى أشرافهم وسراتهم من تعاطيها بينهم، فلم يسمع من يقول: حضرنا تمتع السيد الفلاني أو الفاضل الفلاني بالآنسة بنت السيد الفلاني، كما يقال: حضرنا عقد نكاح الفاضل الفلاني بآنسة الفاضل، بل

____________

(1) النهاية 2: 488، الفائق 2: 255.

(2) البقرة 2: 61.


الصفحة 272

أكثر جريانها وتعاطيها في الساقطات والسافلات ! ! فهل ذلك إلا لقضاء الوطر وإن حصل منه النسل قهراً. وجدير من العلامة كاشف الغطاء ـ الذي قام بتهذيب أصل الشيعة وأصولها ـ أن يهذب أخلاق أهلها ! ! وينهض بهم إلى مراتب النزاهة ! ! وفقه الله لذلك.

بغداد: خادم العلماء

ونشر في جواب هذا الكتاب ما نصه:

ورد على إدارة مجلة الإعتدال كتاب من بغداد، من كاتب مجهول يقول: إنه قرأ في العدد الثالث من المجلة جواباً لابن ماء السماء، فوجده لا يناسب السؤال، ولا يلائم المقال، ثم أعاد الكاتب ما ذكره السيد الراوي من إختلاط الأنساب، وضياع النسل، الذي دفعه ابن ماء السماء بأقوى حجة، وأجلى بيان، وقد أوضح له: أن حكمة تشريع العدة هو حفظ النسل، ومنع اختلاط المياه، وهي كما أنها لازمة في الدائم، كذلك تلزم في المنقطع، فلا يجوز لأحد أن يتمتع بإمرأة تمتع بها غيره حتى تخرج من عدة ذلك الغير، وإلا كان زانياً، ومع اعتبار العدة، فأين يكون إختلاط الأنساب وضياع النسل ؟!

ثم قال الكاتب: ولم يتعرض ابن ماء السماء للمجهول الذي هو محل النظر، فما حال الولد إذا تمتع بها عابر الطريق والمجهول وأتت بعد فراقه بالولد ؟ فقول ابن ماء السماء (والولد يتبع والده) فليت شعري أين يجده وهو مجهول. انتهى.

وما أدري أن هذا الخادم لم ينظر إلى تمام كلام ابن ماء السماء، أو نظر فيه ولم يفهمه، وإلا فأي بيان أوضح في دفع هذا الاشكال من قوله (صفحه 112): ويجب على الزوج أن يتعرف حالها، ويعرفها بنفسه، حتى


الصفحة 273

إذا ولدت ولداً ألحق به، كي لا تضيع الأنساب، كذلك المتمتع بها إذا انتهى أجلها يجب عليها أن تعتد وأن يتعرف حالها وتعرف حاله ونسبه كي تلحق الولد به بعد فصاله أينما كان.

فاين المجهول الذي لم يتعرض له ابن ماء السماء أيها الكاتب المجهول ؟ !

وإذا كنت لا تفهم هذا البيان ـ مع هذا الوضوح والجلاء ـ فلم يبق إلا أن نتخذ من القلم إبرة تطعيم، ونجعل المعاني مصلاً نحقن بها دماغك، عساك تحس بها وتفهمها.

وأما قولك: فما قولكم في المتعة الدورية التي يتناوبها ويتعاقبها الثلاثة وإلأربعة بل والعشرة بحسب الساعات ! ! فمن يتبع الولد وبمن يلحق ؟

فاللازم (أولاً) أن تدلنا على كتاب جاهل من الشيعة ذكر فيه تحليل هذا النحو من المتعة، فضلاً عن عالم من علمائهم، وإذا لم تدلنا على كتابة منهم أو كتاب، فاللازم أن تحد حد المفتري الكذاب... كيف وإجماع الإمامية على لزوم العدة في المتعة، وهي على الأقل خمسة وأربعون يوماً، فأين التناوب والتعاقب عليها حسب الساعات ؟ !

وإن كنت تريد أن بعض العوام والجهلاء، الذين لا يبالون بمقارفة المعاصي، وانتهاك الحرمات، قد يقع منهم ذلك، فهذا مع أنه لا يختص بعوام الشيعة، بل لعله في غيرهم أكثر، ولكن لا يصح أن يسمى هذا تحليلاً، إذ التحليل ما يستند إلى فتوى علماء المذهب، لا ما يرتكبه عصاتهم وقساتهم، وهذا النحومن المتعة عند علماء الشيعة من الزنا المحض الذي يجب فيه الحد، ولا يلحق الولد بواحد، كيف وقد قال سيد


الصفحة 274

البشر: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»(1) .

أما تحاشي أشراف الشيعة وسراتهم من تعاطيها فهو عفة وترفع، واستغناء واكتفاء بما أحل الله من تعدد الزوجات الدائمة مثنى وثلاث ورباع، فإن أرادوا الزيادة على ذلك جاز لهم التمتع باكثر من ذلك، كما يفعله بعض أهل الثروة والبذخ من رؤساء القبائل وغيرهم.

وعلى كل فإن تحاشي الأشراف والسراة لا يدل على الكراهة الشرعية، فضلاً عن عدم المشروعية، ألا ترى أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا كثيراً ما يتسرون بالإماء، ويتمتعون بملك اليمين، ويلدن لهم الأولاد الأفاضل... ؟ أما اليوم فالأشراف والسراة يأنفون من ذلك، مع أنه حلال بنص القرآن العزيز.

كما أن تحاشي الأشراف والسراة من الطلاق، بحيث لم نسمع أن شريفاً طلق زوجة له، لا يدل على عدم مشروعية الطلاق.

أما قولك: وجدير من العلامة كاشف الغطاء ـ الذي قام بتهذيب أصل الشيعة واصولها ـ أن يهذب أخلاق أهلها وينهض بهم الى مراتب النزاهة.

فهو حق، وما في الحق مغضبة، وهو ـ دامت بركاته ـ لا يزال قائماً بوظيفته من التهذيب والإرشاد، ليس للشيعة فقط، بل لعامة المسلمين، والجميع في نظره على حد سواء. ولكن لا تختص هذه الوظيفة به ـ أيده الله ـ بل تعم سائر علماء المسلمين، ولعل وجوبها على علماء العواصم التي تكثر فيها المنكرات، ويجاهر فيها بالكبائر أشد وأأكد، والمسؤولية عليهم ألزم وأعظم.

ولولا أننا لا نريد أن نحيد عن خطة هذه الصحيفة (الاعتدال) لسردنا

____________

(1) صحيح البخاري 5: 192، سنن ابي داود 2: 282/2273، سنن ابن ماجة 2: 647/ 2006و 2007، سنن الترمذي 3: 463/1157.


الصفحة 275

من أحوال سائر الطوائف ما يتجلى لكل أحد أن عوام الشيعة الإمامية ـ فضلاً عن خواصهم ـ أعف وأنزه، وأتقى وأبر، بيد أننا ـ حسب تعاليم استاذنا العلامة الأكبر كاشف الغطاء ـ نتباعد عن كل ما يشم منه رائحة النعرات الطائفية، والنزعات المذهبية، ونسعى ـ حسب إرشاده ـ الى توحيد الكلمة، ورفض الفواصل والفوارق بين الأمم الاسلامية.

ولا يزال يعلمنا ـ وهو العلامة المصلح ـ أن دين الاسلام دين التوحيد لا دين التفريق، وشريعته شريعة الوصل لا التمزيق، وأن صالح المسلمين أجمعين قلع شجرة التشاجر والخلاف فيما بينهم من أصلها.

ولا يزال يوصينا ويقول: أيها المسلمون، نزهوا قلوبكم عن نية السوء وألسنتكم عن بذيء القول والهمز واللمز، وأقلامكم عن طعن بعضكم في بعض.. إذاً تسعدون وتعيشون كمسلمين حقاً، وكما كان آباؤكم من قبل، رجال صدق في القول، وإخلاص في العمل.

هذه هي (مراتب النزاهة) يا خادم العلماء، لا ما جئتنا به منذ اليوم، وكنا نظن أن هذه المباراة والمناظرات في قضية المتعة قد انتهى دورانها، وغسلت أدرانها، باجوبة ابن ماء السماء، ولكن المسمي نفسه بـ (خادم العلماء) قد شاء ـ أو شاءت له الجهالة ـ أن يثير غبارها، ويعيد شرارها، ويستدل على الحقيقة أستارها، والحقيقة نور تمزق الحجب والستور، وتأبى إلا الجلاء والظهور، حتى من معلم (الجهلاء). انتهى.

الصفحة 276

الفذلكة

وفذلكة تلك الأبحاث: أن الزواج ـ الذي هو علقة بين المرء والمرأة، وربط خاص له آثار خاصة ـ يحدث بالعقد الخاص من الإيجاب والقبول بشرائط معلومة.

فان وقع العقد مرسلاً مطلقاً، غيرمقيد بمدة، حدثت الزوجية بطبيعتها المرسلة المطلقة الدائمة المؤبدة، التي لا ترتفع إلا برافع من طلاق ونحوه.

وإن قيد العقد بأجل معين، من يوم أو شهر أو نحوهما، حدثت الزوجية الخاصة المحدودة، وطبيعة الزوجية فيهما سواء، لا يختلفان إلا في الضيق والسعة، والطول والقصر، ويشتركان في كثير من الاثار، ويمتاز كل منهما عن الآخر في بعضها. وليس الاختلاف من اختلاف الحقيقة، بل من اختلاف النوع أو التشخص، كاختلاف الزنجي والرومي في كثير من اللوازم مع وحدة الحقيقة.

ونظير الزوجية المطلقة والمقيدة في الشرع: الملكية التي تحدث بعقد البيع، وهي عبارة عن علقة تحدث بين الإنسان وعين ذات مالية من الأعيان، فإن أطلق العقد حدثت الملكية المطلقة اللازمة الدائمة المؤبدة، التي لا ترتفع إلا برافع اختياري كبيع أو هبة، أو صلح أو اضطراري، كفلس أو موت.

وإن قيدت بخيار فسخ أو الإنفساخ حدثت الملكية المقيدة الجائزة المحدودة إلى زمن الفسخ أو الإنفساخ، وكل هذه المعاني والاعتبارات امور يتطابق عليها العقل والشرع، والعرف والإعتبار.

فما هذا النكير والنفير، والنبز والتعبير على الشيعة في أمر المتعة يا علماء الاسلام، ويا حملة الأقلام !


الصفحة 277

لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل(1) .
أفهل في هذا مقنع مع اختصاره لكم في كف الخصام، وحصول الوئام، والإنقياد للحق والاستسلام.

فوعزة الحق، وشرف الحقيقة، إني لم أتعصب فيما كتبت إلا للحق، ولم أتحامل إلا على الباطل، وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

ولنكتف من مباحث عقود النكاح وأحكامه بهذا القدر. أما نكاح الإماء، وأحكام الأولاد، وا لنفقات، والعدد، والنشوز، وأمثالها من المباحث العريضة الطويلة، فهي موكولة إلى محالها من كتب الإمامية التي برعوا وأبدعوا فيها، بين مختصر حوى تمام الفقه من الطهارة إلى الحدود والديات في خمسين ورقة بقطع الربع، وبين مطول (كالجوامع) و (الحدائق) الذي جمع الفقه في عشرين مجلداً مثل (البخاري) و (صحيح مسلم). وبين الطرفين أوساط ومتوسطات لا تعد ولا تحصى.

____________

(1) صدر بيت شعري ذهب مثلاً، وهو:

لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
ويضرب مثلاً لمن ناصره من ورائه.

والهيجاء: الحرب. وحمل: اسم رجل شجاع كان يستظهر به في الحرب، ولعله ـ كما قيل ـ حمل بن بدر، صاحب الغبراء.

انظر المستقصى في أمثال العرب 2: 278 / 969، جمهرة الأمثال 2: 206/1546.

الصفحة 278

الطلاق

لقد استجليت من كلماتنا التي مرت عليك قريباً: أن حقيقة الزواج هي عبارة عن علقة وربط خاص يحدث بين الرجل والمرأة، يصير ما هو فرد من كل منهما ـ بلحاظ نفسه ـ زوجاً بلحاظ انضمام الأخر اليه، وارتباطه به، وملابسته معه ملابسة صيرت كلاً منهما قريناً للآخر، وعدلاً له، ومتكافئاً معه، مثل اقتران العينين واليدين، بل السمعين والبصرين. وبعد أن كان كل منهما مبايناً للآخر ومنفصلاً عنه، أحدث العقد الخاص ذلك الربط، وتلك الملابسة التي لا ملابسة فوقها، ولا يعقل ـ بل لا يمكن ـ أن توجد عبارة تشير الى حقيقة ذلك الربط وعميق آثاره أعلى من قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)(1) وهي من آيات الإعجاز والبلاغة، وفوائد القرآن ومخترعاته، ولا يتسع المقام لتعداد ما تضمنته من دقائق المعاني، وأسرار البيان، وعجيب الصنعة.

وعرفت أن من شأن ذلك الربط وطبيعته ـ مع إرسال العقد وإطلاقه ـ أن يبقى ويدوم إلى الموت، بل وما بعد الموت، إلا أن يحصل له رافع يرفعه، وعامل يزيله، ولما كانت الحاجة والضرورة، والظروف والأحوال قد تستوجب حل ذلك الربط، وفك تلك العقدة، ويكون من صالح الطرفين أو أحدهما ذلك، لذلك جعل الشارع الحكيم أسباباً رافعة، وعوامل قاطعة، تقطع ذلك الحبل، وتفصل ذلك الوصل.

فإن كانت النفرة والكراهة من الزوج، فالطلاق بيده، وإن كانت من الزوجة فالخلع بيدها، وإن كان منهما فالمباراة بيدهما. ولكل واحد منها

____________

(1) البقرة 2: 187.


الصفحة 279
أحكام وشروط، ومواقع خاصة لا تتعداها، ولا يقوم سواها مقامها.

ولكن لما كان دين الاسلام ديناً اجتماعياً، وأساسه التوحيد والوحدة، وأهم مقاصده الاتفاق والإلفة، وأبغض الأشياء اليه التقاطع والفرقة، لذلك ورد في كثير من الأحاديث ما يدل على كراهة الطلاق والردع عنه، ففي بعض الأخبار (ما من حلال أبغض إلى الله من الطلاق)(1) .

فكانت الحاجة والسعة على العباد، وجعلهم في فسحة من الأمر تقتضي بتشريعه، والرحمة والحكمة، وإرشاد العباد إلى مواضع جهلهم بالعاقبة (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)(2) كل ذلك يقتضي التحذير منه، والردع عنه، والأمر بالتروي والتبصر فيه.

ونظراً لهذه الغاية، جعل الشارع الحكيم للطلاق قيوداً كثيرة، وشرط فيه شروطاً عديدة، حرصاً على تقليله وندرته (والشيء إذا كثرت قيوده، عز وجوده).

فكان من أهم شرائطه ـ عند الإمامية ـ: حضور شاهدين عدلين (وأشهدوا ذوي عدل منكم)(3) فلو وقع الطلاق بدون حضورهما كان باطلاً، وفي هذا أبدع ذريعة، وأنفع وسيلة، إلى تحصيل الوئام، وقطع مواد الخصام بين الزوجين، فإن للعدول وأهل الصلاح مكانة وتاثيراً في النفوس، كما أن من واجبهم الإصلاح والموعظة، وإعادة مياه صفاء الزوجين المتخاصمين إلى مجاريها، فاذا لم تنجع نصائحهم ومساعيهم في كل حادثة، فلا أقل من التخفيف والتلطيف، والتأثير في عدد كثير.

____________

(1) أنظر: الكافي 6: 54/2 و 3.

(2) النساء 4: 19.

(3) الطلاق 65: 2.


الصفحة 280

وقد ضاعت هذه الفلسفة الشرعية على إخواننا من علماء السنة، فلم يشترطوا حضور العدلين، فاتسعت دائرة الطلاق عندهم، وعظمت المصيبة فيه، وقد غفل الكثير منا ومنهم عن تلك الحكم العالية، والمقاصد السامية، في أحكام الشريعة الإسلإمية، والأسرار الإجتماعية، التي لو عمل المسلمون بها لأخذوا بالسّعادة من جميع أطرافها، ولما وقعوا في هذا الشقاء التعيس، والعيش الخسيس، واختلال النظام العائلي في أكثر البيوت.

ومن أهم شرائط الطلاق أيضاً: أن لا يكون الزوج مكرهاً ومتهيجاً، أو في حال غضب وانزعاج، وأن تكون الزوجة طاهرة من الحيض، وفي طهر لم يواقعها فيه.

وقد اتفقت الإمامية أيضاً على أن طلاق الثلاث واحدة، فلو طلقها ثلاثاً لم تحرم عليه، ويجوز له مراجعتها، ولاتحتاج إلى محلل. نعم، لو راجعها ثم طلقها وهكذا ثلاثاً حرمت عليه في الطلاق الثالث، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولو طلقها ثم راجعها تسع مرات مع تخلل المحلل حرمت عليه في التاسعة حرمة مؤبدة.

وقد خالف في طلاق الثلاث الأكثر من علماء السنة، فجعلوا قول الزوج لزوجته: أنت طالق (ثلاثاً) يوجب تحريمها، ولا تحل إلا بالمحلل، مع أنه قد ورد في الصحاح عندهم ما هو صريح في أن الثلاث واحدة، مثل ما في البخاري بسنده عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم(1) .

____________

(1) لم أجده في صحيح البخاري، بل في صحيح مسلم 2: 15/1099، وفي مسند أحمد 1: 314.


الصفحة 281

والكتاب الكريم أيضاً صريح في ذلك لمن تأمله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى أن قال جل شأنه: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)(1) وفي هذا كفاية.

هذا مجمل من أسباب الفراق، والتفصيل موكول إلى محله.

وهناك أسباب اخرى للفرقة: كالعيوب الموجبة للفسخ في الزوج مثل: العنن، والجنون، والجذام، ونحوها. وفي الزوجة: كالرتق، والقرن، ونحوهما، وكالظهار، والإيلاء، مما تجده مستوفى في كتب الفقه، كما تجد فيها تفاصيل العدد وأقسامها، من عدة الوفاة، وعدة الطلاق، ووطء الشبهة، وملك اليمين.

والعدة تجب على الزوجة في وفاة الزوج مطلقاً، حتى اليائسة والصغيرة وغير المدخول بها.

أما في الطلاق، فتجب على ما عدا هذه الثلاث، فموت الزوج مطلقا، والوطء الغير المحرم مطلقاً يوجبان العدة مطلقاً، إلا في اليائسة والصغيرة.

أما الوطء المحرم ـ كالزنا ـ فلا عدة فيه، لأن الزاني لا حرمة لمائه.

وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وفي الحامل أبعد الأجلين.

وعدة الطلاق ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر، وفي الحامل وضع الحمل، وللأمة نصف الحرة.

والطلاق إذا لم يكن ثلاثاً ولا خلعياً فللزوج أن يرجع بها مادامت في العدة، فاذا خرجت من العدة فقد ملكت أمرها، ولا سبيل له عليها إلا بعقد

____________

(1) البقرة 2: 9 2 2 ـ 0 23.


الصفحة 282

جديد.

ولا يعتبر عندنا في الرجعة حضور الشاهدين كما يعتبر ان في الطلاق، وأن استحب ذلك(1) .ولا يعتبر فيها لفظ مخصوص، بل يكفي كل ما دل عليها حتى الاشارة، وتعود زوجته له كما كانت.

____________

(1) أهدى الينا هذا العام العلامة المتبحر الاستاذ أحمد محمد شاكر، القاضي الشرعي بمصر ـ إيده الله ـ مؤلفه الجليل: (نظام الطلاق في الاسلام) فراقني وأعجبني، ووجدته من أنفس ما أخرجه هذا العصر من المؤلفات، فكتبت اليه كتابا نشره هو ـ حفظه الله ـ في مجلة (الرسالة) الغراء (عدد 157) بعد تمهيد مقدمة قال فيها:

ومن أشرف ما وصل إلي وأعلاه، كتاب كريم من صديقي الكبير، واستاذي الجليل، شيخ الشريعة، وإمام مجتهدي الشيعة بالنجف الأشرف، العلامة الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء، فقد تفضل ـ حفظه الله ـ بمناقشة رأيي في مسألة من مسائل الكتاب، وهي (مسألة اشتراط الشهود في صحة مراجعة الرجل مطلقته) فإنني ذهبت إلى: اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، وأنه اذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً، ولم يعتد به. وهذا القول وإن كان مخالفاً للمذاهب الأربعة المعروفة، إلا أنه يؤيده الدليل، ويوافق مذهب الأئمة من أهل البيت والشيعة الامامية.

وذهبت أيضاً إلى اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة، وهو يوافق أحد قولين للامام الشافعي يخالف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربت من قولهم أن يفرقوا بينهما، والدليل واحد فيهما، فرأى الاستاذ ـ بارك الله فيه ـ أن يشرح لي وجهة نظرهم في التفريق بينهما فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد والمجد

من النجف الأشرف (8 صفر1355) الى مصر.

لفضيلة الاستاذ العلامة، المتبحر النبيل، الشيخ أحمد محمد شاكر المحترم أيده الله.

سلامة لك وسلام عليك.

وصلتني هديتك الثمينة (رسالة نظام الطلاق في الاسلام) فامعنت النظر فيها مرة، بل مرتين، إعجاباً وتقديراً لما حوته من غور النظر، ودقة البحث، وحرية الفكر، وإصابة هدف الحق والصواب، وقد استخرجت لباب الأحاديث الشريفة، وأزحت عن محيا الشريعة الوضاء أغشية الأوهام، وحطمت قيود التقليد الذميمة، وهياكل الجمود بالأدلة القاطعة،

=>