الحديث الخامس

ليس للعبادات فقط أسرار، بل لكل شيء في الدنيا باطن، لأن عالم الدنيا قد تنزّل من عالم أعلى منه، وكل شيء في عالم الدنيا شبيه بعالم المعنى، وقد ظهرت الأحكام الإلهية في عالم الدنيا بصورة دين وأحكام عبادية، فهي لها أسرار وبواطن وللعبادات سلسلة أحكام وآداب وأسرار، وقد تناول علماء الإسلام كل قسم من هذه الأحكام بالشرح والتوضيح.

ألف المرحوم الشهيد الأول ـ رضوان الله عليه ـ كتاباً في أحكام الصلاة أسماه (الألفية)، أما مستحبات الصلاة والتي تقدر بثلاثة آلاف، فقد جمعها في كتاب أسماه (النفلية)، وقد كتب المرحوم القاضي سعيد القمي وآخرون، منهم الإمام الخميني (قده) في "أسرار الصلاة"، وأسرار الصلاة غير آدابها فكل عمل في دنيا الطبيعة له باطن يسمونه سر العمل، وكذلك للصلاة باطن يسمى سر الصلاة، فمثلاً لألقاب الأئمة (ع) وأوصافهم أسرار غير هذه المعاني الظاهرية، نحن مجبولون على التلفظ بهذه الأسماء، لكن علينا أن نعرف باطن وأسرار هذه الكلمات.

جاء شخص إلى الإمام الصادق (ع) وقال له: لماذا سمي الرسول (ص) أبا القاسم؟ فقال: لأنه كان أبا القاسم، ولهذا قيل له أبو القاسم، فقال أنا أعرف هذا المعنى ولكني أريد معنى أوضح، فقال (ع): لأن علياً (ع) قسيم الجنة والنار يوم القيامة، ويدعو بإذن الله عز وجل أهل النار إلى النار، وأهل الجنة إلى الجنة، يأمر النار: أن لا تأخذي شيعتي ومحبي، فهو إذن قاسم، ولأن الله ـ عز وجل ـ أوكل تربيته إلى النبي الأكرم (ص) في مرحلة الطفولة، فالنبي (ص) معلم ومربي الإمام وهو (ع) تلميذه، وقد تعلم منه (ص) علوماً جمة، وإن للاستاذ على تلميذه الفضل وحقه الأبوة، ولهذا فالإمام علي (ع) قاسم الجنة والنار بمنزلة ابن الرسول (ص)، ورسول الله (ص) بمنزلة الأب له، ولهذا سمي أبا القاسم.

هذا هو تفسير معنى أبي القاسم، وهو جزء من أسرار هذه الكنية وليس كل واحد يفهم هذا المطلب، وقد عقب أستاذنا المرحوم آية الله الحاج الشيخ محمد تقي الآملي ـ (قدس الله نفسه الزكية) والذي كان كاملاً في العلم والعمل ـ على هذا الحديث، يوماً بعد أن أنهى درسه قائلاً: لو لم يقتنع تلميذ الإمام بهذا الجواب وطلب توضيحاً أكثر، كأن قال ـ زدني بياناً ـ لكان من الممكن أن يشرح الإمام هذه الكنية بشكل آخر.

وعلى هذا الأساس تكلم المعصومون (ع) بهذه الأسرار من العبادات التي تتناسب مع عقولنا، فليست حقيقة الصلاة وأسرارها هي هذه الصلاة التي نصليها، بل وراء هذه الألفاظ معان ومفاهيم وحقائق، ولكن المعصومين (ع) كانوا يتكلمون بما يناسب عقل البشر، ولو وسّعنا مداركنا العقلية لاستطعنا أن نعرف شيئاً عما وراء هذه الألفاظ، لأن الرسول (ص) قال:

"إنا معاشر الأنبياء اُمرنا أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم". [أصول الكافي ج1 كتاب العقل والجهل، ح15].

نقل الإمام الصادق (ع):

أن الرسول (ص) لم يكلم الناس إلا بمقدار عقولهم، لا بمقدار سر عقله، قال (ع) "ما كلم رسول الله (ص) العباد بكنه عقله قط". [أصول الكافي ج1 كتاب العقل والجهل، ح15].

إذن فليس ما فهمناه هو كل أسرار العبادات، وإنما هو قشور هذه العبادات، وإذا أردنا رفع الحجاب فإن أمامنا طريقين، إما طريق الدرس والبحث، أو طريق تهذيب النفس وتصفية الباطن.

لو كان أمام أعيننا ستار، فعندئذ لا نستطيع أن ننظر إلى ما وراء الستار، إلا أن نسلك أحد طريقين، إما طريق العقل أو طريق تهذيب النفس، فإذا استطاع الإنسان أن يزيل الحواجز الداخلية من نفسه الواحدة تلو الأخرى، عندها يهب عليه النسيم الإلهي، ويرتفع الحجاب، فيرى شيئاً مما وراء عالم الطبيعة، ويمكن للإنسان أن يجمع بين الطريقين معاً، وهما طريق أهل الدرس والبحث وطريق تهذيب النفس أما إذا لم يتيسر له جمع الطريقين، فلا أقل من سلوك أحدهما.

ليس هناك شيء ألد من مشاهدة ما وراء الطبيعة، وليس هناك من شيء يشغل فكر الإنسان أكثر من عالم الغيب، إذا شاهد الإنسان باطن هذا العالم ـ ولو بمقدار قليل ـ فعندئذٍ لا تشغله نفسه ولا أي شيء آخر عن هذا الشهود.

هل سمعتم عمن يتعامل مع الأنبياء على أنهم سياسيون؟ يُقدَر العالم الآن بأكثر من أربعة مليارات إنسان، بل هو على أعتاب الخمسة مليارات، وثلاثة أرباع البشرية تدار من قبل عدة من الأنبياء، كحضرة النبي إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ومحمد (ص) وإذا رفع الضغط عن البقية الباقية، فسيصبح الجميع موحدين مؤمنين بيوم القيامة والوحي، وفي النتيجة يصبح مجموع اليهود والنصارى والمسلمين أكثر من ثلاث مليارات إنسان، هؤلاء جميعاً يقرون بوجود الله ـ عز وجل ـ وبالقيامة والوحي والنبوة والرسالة والدين.

وعلى الرغم من سلطة الطواغيت، فالأكثرية مؤمنة بالله سبحانه، فلقد جاء السلاطين والقياصرة والخواقين (جمع خاقان وهم ملوك العين) وذهبوا، ولم يخرجوا الناس عن إيمانهم.

وإذا رفعت الضغوط الآن عن شعوب الاتحاد السوفياتي، ورفعت دعايات الشيطان الأكبر ـ أمريكا ـ عن الشعوب، فستتوجه القلوب نحو المساجد والمعابد، ويصبح الناس مؤمنين موحدين.

ليس الأنبياء مثل السياسيين، لقد أُخرج السياسيون من الساحة بطريقين الأول: طريق التطميع والاغراء، والثاني: طريق التهديد: فبعضهم تأثر بالمال الذي قدم له، وبعضهم الآخر انتهى بالتهديد، وقسم ثالث، تأثر بالترغيب والتهديد، لكن التاريخ لم ينقل أن نبياً من الأنبياء تأثر بمال قدم له، أو تخلى عن رسالته بسبب التهديد، نعم، الأنبياء هددوا ولكن، ليس، بطريق الاغراء، فلم يقل لنبي من الأنبياء: خذ هذا المال، أو يغرى بالجنس ليتخلى عن رسالته ويخرج من الساحة لماذا؟ لأن الأنبياء عاشوا عمراً طويلاً مع الناس ووصلوا في عمر الأربعين إلى مقام النبوة، فالناس تعرفهم حق المعرفة ولا يخطر على بالهم أن الأنبياء يخدعون بالمال أو بالاغراء، لأنهم لا يبغضون الحرام فحسب، بل لأن أيديهم تفيض بما عندهم من الحلال على غيرهم.

أما قضية عرض المال والمنصب على الرسول (ص) في بداية الدعوة الإسلامية بواسطة عمه أبي طالب، فقد كانت في حدود الاحتمال، إذ طلبوا من أبي طالب أن يسأل ابن اخيه عن مطلبه ليترك هذا الأمر فقال (ص):

"والله يا عماه! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، [سيرة ابن هشام ج1، ص265].

فلو جعلوني سيد الحجاز لا أترك هذا الأمر، بل لو كانت لهم القدرة على أن يجعلوني سيد الكائنات ما تركته، وإن كنت سيد الكائنات.

لقد تزوج الرسول (ص) امرأة في الأربعين من عمرها، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ولهذا فهم لم يطمعوا باغراء النبي (ص) عن طريق الجنس، وهكذا كان جميع الأنبياء (ع).

قائد الثورة الإسلامية هو أحد أبناء هذا الخط، وهو لم يطرح عليه الطريق الأول، طريق التطميع، نعم هدد الإمام بالقتل والسجن، لكن الترغيب لم يطرح عليه، لقد عرفوا هذا الشخص الذي هو موج من بحر الإمامة والنبوة الزاخر، لقد عاش حياة الزهد بحيث لم يحتمل سياسيو الشرق والغرب إغراءه، هكذا تكون تربية الأنبياء (ع) للإنسان، بحيث لا يطمع أحد في إغرائه، ولهذا كان كل اقتراح من أعدائهم يحمل صيغة التهديد والانذار ـ القتل والتعذيب ـ ثم إنكار الجريمة.

(لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله). (النمل: 49)

لقد شاهد الأنبياء (ع) باطن الدنيا وعرفوا أنها حياة لا روح فيها.

فالذي يتعبد وفق أحكام الشريعة وآدابها من الناس، تنكشف له بعض أسرار العبادة فيرى أسرار الدنيا، ويعلم أنها ليست إلا جيفة، ليست الدنيا إلا هذه الأرض والسماء والبحار، وهي آيات إلهية، الدنيا أكل وشرب ولبس ونوم واستراحة، وهي جزء من نظام الخلقة، فالاعتقاد بأن المقام والمال يحصلان بقدرة الإنسان، وأن الأكثر قدرة ينبغي أن ينال منها أكثر، هو اعتقاد ميت الباطن، لأن باطن الدنيا ميت.

يقول الإمام علي (ع):

"الدنيا جيفة طلابها كلاب". [شجرة طوبى ص66].

الدنيا فانية، والمناصب والرئاسة والأموال الحرام كلها زائلة، فجدير بالذي يأكل الموتى أن يتحمل هجوم الكلاب عليه، الدنيا تعني الشيء الذي يشغل عن ذكر الله ـ عز وجل ـ ويمنع من الوصول إليه.

هذه هي الدنيا التي يقول أمير المؤمنين (ع): إنه طلقها ثلاثاً لا رجعة فيها، فهل يعني ذلك أنه طلق الأكل والشرب والنوم ثلاث مرات؟ هل يعني ذلك أنه طلق الزراعة وإدارة المسلمين على منهج العدل ثلاثاً، فقد أصبحت حراماً عليه؟ أي شيء طلقه الإمام ثلاثاً؟ إنه حب الرئاسة والحرام والتجاوز والتعدي على حقوق الآخرين وأمثالها، هذه هي التي طلقها الإمام (ع)، ولهذه الأمور جذور تأريخية، فأول عمل قام به طلحة والزبير عندما اعتقدا أنهما فتحا البصرة، هو فتح باب بيت مال المسلمين، وعندما وقعت أعينهم على سبائك الذهب ومسكوكاته من النقود، قالا: لقد وصلنا إلى هدفنا.

ولما استرجع حراس جيش الإمام البصرة بعد الدفاع عنها، دخل الإمام بيت المال ووقف أمام ذلك الجبل من الذهب والفضة وقال:

"يا صفراء يا بيضاء غري غيري". [كتاب الغارات: ج1، ص54].

أيها الجبل من النقود الذهبية! أيها الجبل من الفضة! يا بيضاء! يا صفراء! لا تخدعيني فأنا لا أخدع بك، لأني طلقت الدنيا ثلاثاً، فكيف بك؟ فهل كان الحكم هو المقصود بطلاقه للدنيا؟

إنه كان يسعى للوصول إلى الحكم، والوصول إلى الحكم من أجل تنفيذ العدالة وإقامة حكم الله في الأرض ليس طمعاً في الدنيا فالدنيا ليست في إصلاح الأراضي، وحفر القنوات وإحداث الآبار وإرواء المزروعات، الدنيا أن يقول الإنسان هذا المال ملكي، وهنا يكمن الخطر، فامتلاك المال أمر اعتباري، والقرآن الكريم يصف الكفار بأنهم في غرور.

(إن الكافرون إلا في غرور). (الملك: 20)

لأنهم يعملون للدنيا فقط، وفي المقابل يقف أولياء الله وكأنهم ليسوا في الدنيا.

والقسم الثالث من الناس، هم الذين يعملون للدنيا والآخرة معاً، فكل شيء يشغل الإنسان عن ذكر الله عز وجل فهو من الدنيا.

جاء أحد عمال بيت المال إلى أمير المؤمنين يوماً وقال له: لقد سألك محتاج فأمرت له بألف قطعة من النقود، ولكنك لم تبين ذهباً هي أم فضة؟ فقال (ع): "كلاهما عندي حجر أعطه أنفعهما لحاله". فالذهب والفضة عند الإمام (ع) كلاهما حجر، الذهب حجر أصفر، والفضة حجر أبيض، وهو يعطي أنفعهما للمحتاجين.

وخلاصة القول إن الإمام علياً (ع)، عاش حياة لم يطمع أحد من أعدائه فيها باغرائه، لأنه عرف أن الدنيا جيفة.

وفي حادثة عقيل يقول (ع): "وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة في شنئتها، كأنما عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟ محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذاك ولا ذاك ولكنها هدية، فقلت هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أم ذو جنة أم تهجر؟ وهذه الواقعة مرتبطة بشخص يدعى (الأشعث بن قيس).

لا يوجد شخص يأكل قيء الأفعى، فإذا أكلت الأفعى طعاماً ثم تقيأته كان عجيناً، فهل يمكن لعاقل أن يأكله؟ فالمال الحرام كالعجين الذي تقيأته الأفعى.

بهذا الكلام يريد الإمام (ع) أن يعرفنا جانباً من باطن هذا العالم، وفي مقابل هذا الحرام، باطن العبادات والتي هي روح وريحان وجنة نعيم، فإذا استطعنا أن نكشف هذا الحجاب، وننظر إلى ما وراءه، عرفنا الشيء الخفي، وإذا كان طريق الدرس والبحث مغلقاً، فطريق تهذيب النفس مفتوح، فمن الخسارة أن يموت الإنسان دون أن ينظر إلى هذه الأسرار، إنها من اللطافة واللذة بحيث لا يمكن وصفها.

لقد وضحنا من قبل أن مشاهدة هذه الأسرار ليست منحصرة بالدرس والبحث فلو هذبنا أنفسنا لهبّ علينا نسيم إلهي يرفع الستار المضروب بيننا وبين تلك الأسرار، وعندها نرى ما أخفي علينا، ومن يشاهد ما وراء الستار لن يشغله طمع ولا تهديد، ولهذا لم يستطع أعداء الأنبياء أن يغروهم أو يخدعوهم، لأن الأنبياء (ع) يقولون: إن روح الإنسان لا تفنى، والذي يفنى هو جسمه فقط، فالروح لا تموت، والموت عبارة عن مفارقة الروح للبدن وليس هو انعدام الروح.

جاء مرة مجموعة من المستشارين الروس إلى إيران، وكانوا ثلاثة، جاؤوا بأعضاء من وزارة الخارجية، وطلبوا منهم اللقاء ببعض العلماء، فجاؤوا بهم إلى مجلس القضاء الأعلى مع مترجم، وكانوا يريدون القول بأن الحزب الشيوعي يتفق مع الإسلام فقلنا لهم: إن الإسلام لا يشترك مع الاشتراكية بأي وجه من الوجوه.

إن عقيدتكم مبنية على أساس أن الإنسان مثل ثمرة على شجرة، فإذا انتهت حياتها سقطت على الأرض ثم تتعفن وتصبح تراباً، لكننا نرى أن الإنسان مثل طائر في قفص، فإذا انتهت حياته كسر القفص وطار إلى عالم أبدي خالد، فأي اشتراك بين هذين الاعتقادين؟ وعندها نظر كل منهم في وجه الآخر عجباً مما يقوله الإسلام، فالذي يعرف هذا المعنى لا يُذل ولا يخاف شيئاً.

كان المقاتلون في صدر الإسلام يخافون الحرب غير المتكافئة، ولكن نظرتهم تغيرت بعد نزول آيات الشهادة، وبقاء الروح، والتحليق من هذا العالم إلى عالم الغيب، فباتوا لا يخافون الحرب غير المتكافئة، وليس في قلوبهم تردد ولا مكان للهواجس، كقوة العدو، وعدم محاربته والهجوم عليه.

عندما يسير الإنسان في طريق ترابي، فإن الغبار يتصاعد من الطريق، وهذا الغبار يمنع الرؤية الواضحة، أما إذا كان الطريق خالياً من الغبار، فإن الرؤية ستكون واضحة للناظر.

نحن نعلم أن السير في الطريق المعبد لا يسبب تصاعد الغبار، فيكون الطريق أمام السائر واضحاً، ويستطيع النظر إلى المحيط بكل سهولة، أما إذا سار في مكان به غبار أو أحدث هو غباراً، فعندئذ ستختفي الكثير من المناظر.

يقول الكثير: افتح عينيك لترى، أما أهل المعنى فيقولون: اغلق عينيك لترى فعلى الإنسان أن يغمض عينه أمام كثير من الأشياء وذلك لتفتح عين قلبه.

يقول الإمام علي (ع): "راقبوا أنفسكم، لأن الخطيب في الجنة هو داود (ع) فإذا اردتم أن تسمعوا صوت نبي الله داود (ع)، فيجب أن تحفظوا آذانكم، جاء في نهج البلاغة:

"خطيب أهل الجنة وقارئ أهل الجنة داود". [نهج البلاغة، الخطبة 160].

فإذا أرادوا أن يقرأوا شيئاً لأهل الجنة يأتون بداود (ع) لكن أي أذن تستطيع أن تسمع ذلك الصوت؟

إن شهر رمضان المبارك سبب للوصول إلى أسرار عالم الغيب، فيجب الاستفادة منه بأفضل صورة، فعلينا أن نراقب أقوالنا وافعالنا، وأن لا ندخر الطعام أكثر من حاجتنا، لأن الشبع لا يصل بالإنسان إلى أي درجة، إن أسوأ شيء يسبب عدم الفهم هو كثرة الطعام، وقد جاءت الأحاديث تحث على الاقلال من الطعام:

"ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من البطن". [بحار الأنوار ج2، ص147].

فليس شيء أسوأ من ملء البطن بالطعام، فالإنسان الذي يملأ حقيبته بالحاجيات يؤدي إلى تمزيقها، أما إذا ملأ الإنسان بطنه، فسوف يتعطل فهمه، إذ أن الإنسان الممتلئ البطن لا يفهم شيئاً وإذا كان يفكر بالنوم فلا يمكنه أن يعرف الأسرار ولا باطن عالم ما وراء الطبيعة.

لقد عمر كثير من الناس طويلاً، والسبب هو أنهم كانوا مراقبين لطعامهم، فالطعام الزائد عن حاجة الإنسان حمل إضافي يتعب القلب والمعدة في عملية الهضم، ويجبر الأمعاء على زيادة عملية الاحتراق وتمثيل الطعام، وفي العادة لا يعمر الإنسان الكثير الطعام طويلاً.

وإذا اجتاز الإنسان هذه الأمور، عرف أن الدنيا ليست إلا ميتة، وذلك قبل موته ويعرف الموتى أن الدنيا ميتة، وسوف نموت نحن أيضاً، يقول الإمام علي (ع):

"نهاية الإنسان الموت".

"صار جيفة بين أهله وأسلموه إلى عمله"، فجميع أسرة الميت يستعجلون دفنه عند موته، حتى لا تخرج رائحته، وإذا تأخر قليلاً اصابهم القلق.

من الخسارة أن يموت الإنسان وهو لا يعرف أن الدنيا ميتة، يقول الإمام علي (ع):

"يموت منا من مات وليس بميت، ويبلى منا من بلي وليس ببالٍ". [نهج البلاغة، الخطبة87].

الذين ماتوا كثيرون، ولكننا نحن الأحياء عند الموت، لماذا يموت الإنسان؟ وهل يمكن أن يعيش الإنسان دون موت؟

يقول الإمام (ع): حياتنا وموتنا سواء، فحياتنا نور، وموتنا نور، ونحن نستطيع أن نصل، وأن نعرف أن الدنيا ميتة فلا نبيع حياتنا بالموت ونظل أحياءَ دائماً.