الحديث التاسع

(... وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم)، وهذه النصيحة ليست مختصة بحال الصيام فقط ولا بآداب الصوم، وإن حثت الصائم على حفظ لسانه، وليس شيء أفضل في هذا الشهر المبارك من تعلم العلوم الإلهية وسماع الأحاديث الدينية، فإذا وفق الإنسان لسماع أو حضور جلسة تفسير قرآن، أو حديث أو أحكام، فهي السعادة، وإذا لم يوفق لذلك، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك، وإذا لم يستطع ذلك فلا أقل من الذكر.

من الكتب المهمة في فقه الإمامية كتاب (الجواهر)، وقد ألفه صاحبه في مدة ثلاثين سنة، ولقد أنتهى المؤلف من كتابه هذا السِّفر القيِّم، في اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، ولهذا يقول صاحب الجواهر: أشكر الله تعالى أن قرر أن تكون نهاية هذا الكتاب في اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، فليلة الثالث والعشرين أفضل ليالي شهر رمضان.

لا يوجد أفضل من العلم والمعرفة، فالعلم وسيلة وأرضية للتعقل، والإنسان العاقل إنسان هادئ البال، ولا يعذب الإنسان العاقل لحفظه لسانه، لذا قيل في هذا الشهر: احفظوا ألسنتكم.

ينقل الإمام الصادق (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص): "من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعنا نفسه بالصيام والقيام". [أربعين الشيه البهائي، الحديث 2].

فمن أجل أن يحفظ الإنسان لسانه، ويراقب الكلمات التي تصدر منه، عليه أن يعرف الله سبحانه، فالذي يعرف الله عز وجل ويعظمه في نفسه، لا يتكلم بما لا يرضي الله سبحانه، ولا يلوث بطنه بالحرام.

نقل عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال لفلاح كان يعمل في بستانه: أعندك غذاء؟ فقال البستاني: عندي طعام بسيط لا يليق بك، فقال (ع): أحضره، فقام الإمام فغسل يده المباركة ثم تناول الطعام، ثم أشار إلى بطنه وقال: أسفاً لمن تدخله بطنه النار. [الكنى والألقاب، للمحدث القمي (ج3، ص138)].

إن لذة الطعام هي في اللحظات التي يتناول الإنسان فيها طعامه، فالذي يخاف الله عز وجل لا يملأ بطنه من الحرام، ولا يجلس إلى كل مائدة تنصب للطعام، ويسعى لأن يربي نفسه بالصيام، فيكون مورد عناية ولطف الله عز وجل.

كتب رجل لأبي ذر الغفاري أن أنصحني [إرشاد القلوب للديلمي]. فكتب أبو ذر: لا تظلم أعز أعزائك. ثم كتب مرة ثانية لأبي ذكر الغفاري لإيضاح ما يقصده، فالإنسان لا يظلم عزيزه وصديقه، وقد طلبت منك نصيحة، فكتب له أبو ذر: أعز أعزاء الإنسان نفسه، وليس هناك أعز من النفس، فلا تظلمن نفسك ولا تضرنها، لأن كل ذنب يرتكبه الإنسان هو ثقل يسلطه على روحه.

يقول القرآن الكريم: إن بعض الناس يتعرضون لضرب الملائكة عند اقتراب أجلهم، أي أن الملائكة تضرب وجوههم وظهورهم: (يضربون وجوههم وأدبارهم). (الأنفال: 50)

للمرحوم الشيخ محمد علي شاه آبادي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ وهو أستاذ الإمام ـ قد سره ـ كتب في العرفان، ومنها كتاب (شذرات المعارف) وفيه يقول: تأتي عند الموت ملائكة تضرب وجوه وظهور الناس، فمن هم أولئك الذين تضربهم الملائكة؟ إنهم الذين انقضت أعمارهم في الدنيا ولم يعملوا لله، فجاؤوا بوجوه سوداء وأيد خالية، فالملائكة الموكلون بذلك الأمر يضربونهم على وجوههم ويقولون لهم: لقد أنتهت أعماركم، وجئتمونا بأيد خالية، ولم تنتبهوا إلى أنفسكم.

يقول (ص) في هذه الخطبة الشريفة: إن الذي يعرف الله ـ عز وجل ـ ويعرف عظمته يصوم لله سبحانه، أما الذي لا يصوم فهو شخص لم ينتبه لنفسه بخلاف الصائم فهو قد عرف نفسه ويريد خلاصها من الصفات الحيوانية، وعندما سمعوا هذا من رسول الله (ص) قالوا: (بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، هؤلاء أولياء الله؟ قال: إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكراً، وتكلموا فكان كلامهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرةً، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، ولوا الآجال التي قد كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب).

يقول المرحوم العلامة الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ: لقد عايش الرسول (ص) عدة آلاف، ويقدرهم صاحب كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) بحدود أثني عشر ألف شخص، كل أولئك كانوا في طرف، وكان أمير المؤمنين (ع) في طرف آخر أولئك شاهدوا النبي (ص) وصلوا خلفه لسنوات عديدة، وحضروا مجلسه واستمعوا حديثه، لكن لم يصدر منهم كلام ككلام أمير المؤمنين (ع) أولئك كانوا يستمعون لكلام النبي (ص) ويلتذون به، لكن سرعان ما كانت تمضي هذه اللذة.

قال أحد الصحابة للنبي (ص): إننا نجد لحديثك نفعاً كثيراً ولذة خاصة، ولكن تلك اللذة تذهب بعد خروجنا من مجلسك، فقال (ص) إستعن بيمينك، وأومأ بيده، أي خط ما تسمعه، دون كل الأحاديث التي تسمعها في سجل خاص واكتب اليوم الذي قيلت فيه، ثم راجع ما كتبته بعد رجوعك إلى البيت لتلتذ بالعلم، فليس من المفيد أن تأتي المجلس وتجلس إلى المتحدث كالخشبة، ثم تخرج من المجلس دون جدوى.

يقول أمير المؤمنين (ع): عندما أرجع من السفر، أذهب إلى رسول الله (ص) مباشرة وأسأله عن الآيات التي نزلت ومعانيها والمناسبات التي نزلت فيها، وقد يأتيني النبي (ص) فيبين لي ما فاتني من الآيات ومعانيها وأسباب نزلوها.

يقول القرآن الكريم: بعض الناس نورانيون: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس)، (الأنعام: 122) فعندما يمشون في أوساط الناس فإن نورهم يشع، وكلامهم نور، وعملهم نور، لا يسمع جليسهم منهم إلا ذكر لله، فليس كلامهم في الدنيا وزخارفها من أكل وشرب ولباس، إن كل كلامهم في آيات الله وأحاديث أوليائه إنهم يتكلمون دائماً بما ينفع الناس، ولا يسكتون إلا عندما يختلون مع أنفسهم للتفكير والاعتبار والتذكر، وإذا كانوا في المجتمع، توجهوا للإجابة عن أسئلة السائلين بتوجيه الأسئلة للناس، فمجالسهم عامرة بالبركة، وهكذا كان مجلس النبي (ص) فلم يكن (ص) ليسكت أو يتردد في الإجابة عن سؤال أحد، وإذا لم يسأله أحد ابتدأ هو بالسؤال.

قال رجل وقد رأى النبي (ص) وأصحابه جالسين تحت ظل الشجرة، ليستريحوا من عناء السفر، سوف آتي مجلس النبي (ص) وأستمع إلى جوابه عما يسأله أصحابه، وإلى حديثه إذا ابتدأهم بالكلام ـ فليس من طبيعة النبي (ص) أن يجلس ولا يتكلم، يقول هذا الرجل: جلست فرأيت النبي (ص) يتحدث عن فرق المؤمن عن غيره فقال: إذا مرض المؤمن ثم شفى، كان ذلك زيادة دينه وعقيدته، لأنه يعلم أن ليس له يد في سلامته أو مرضه، وهما ليسا دائمين، هو يعلم أن السلامة يجب أن تستغل لصالح الناس والدين، لكن غير المؤمن ليس كذلك، فإذا مرض فإنه يعرف من الذي أمرضه، وإذا شفى لا يعرف من الذي شافاه، ولا يعرف ماذا يجب عليه فعله في حال السلامة، فهو كالناقة عندما يربطها صاحبها لا تعرف لماذا ربطت، ولأي غرض، وإذا حلت من رباطها فلا تعرف ماذا تعمل أو إلى أي مكان تذهب.

لقد كان الرسول (ص) يستغل كل فترة للتكلم بما ينفع الناس وبما يذكر بالله سبحانه حتى في السفر.

فإذا نظر أولياء الله إلى الكون كانت نظرتهم نظرة توحيدية، يأخذون منها العبرة، أي أنهم تجاوزوا الصفات الرديئة إلى الصفات الحسنة، فالذي يشاهد حوادث الدهر ولا يتحول إلى الأحسن لا يقال له أنه اعتبر من الحوادث واتعظ بها بل بالعكس، لكنه إذا تجاوز الصفات القبيحة إلى الصفات الحميدة، فإنه يكون قد اعتبر واتعظ، فنظر الأولياء نظر اعتبار، وكلامهم ذكر الله سبحانه، وكل حكم القرآن الكريم باسم (الذكر)، فارشاداتهم وتعاليماتهم حكيمة، وحركاتهم في أوساط الناس بركة، يعلمون الناس الحياة الكريمة الهانئة، فهم وسائط الفيض الإلهي، وبواسطتهم تنزل البركة على الأمة الإسلامية، وهم في مقابل الذي وصفهم القرآن: (فمنهم من يمشي على بطنه)، (النور: 45) فبعض الناس كالزواحف، كل سعيهم لأجل بطونهم أما مشي أولياء الله، فإنه حافل بالخير والبركة للآخرين.

كان بعض أصحاب الإمام الرضا (ع) ساكنين في قم ومنهم زكريا بن آدم المدفون في مقبرة (شيخان) بقم المقدسة كتب زكريا رسالة إلى الإمام يطلب فيها السماح له بمغادرة قم، والسبب كما ذكره في الرسالة هو أن كبار العلماء والرجال قد ماتوا ولست مأنوساً مع من بقي، فقال له الإمام جواباً عن رسالته: لا تخرج، فإن بقاءك في قم بركة لأهلها، والله سبحانه يدفع عنها البلاء ببركة وجودك مثلما يدفع البلاء عن مدينة أبي (الكاظمية) ببركة وجوده، وهذا واحد من أولياء الله الذين تكون حياتهم ومماتهم بركة للآخرين.

قلنا أن الوصول لمقام الأئمة (ع) غير ممكن، لكن الوصول لمقام تلامذتهم أمر ميسور، لأن أفراداً عاديين وصلوا إلى ذلك المقام، فأولئك لم يكونوا أئمة ولا أولاد أئمة، لكنهم أصبحوا أولياء لله بسعيهم وتعلمهم، فهذا الطريق ميسر لكل أحد، ولو لم يكن كذلك، لما جاء كل هذا التأكيد والترغيب فيه من قبلهم (ع).

قال الإمام الصادق (ع): "نعم الشفيع أنا وأبي لحمران بن أعين نأخذه بيده ولا نتركه، ونزاوله حتى يدخل معنا الجنة"، [الاختصاص للشيخ المفيد ص191 ـ 192]. وكان حمران بن أعين من تلامذة الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وقد كان شاباً عادياً ثم أصبح من العلماء، ووصل إلى هذا المقام، فلا يقول أحد إن الوصول إلى مقام أولياء الله صعب، وسوف نعلم يوم القيامة أن الطريق للوصول إلى هذا المقام كان مفتوحاً لكننا لم نسع له، فلولا القضاء والقدر الإلهي، وأن للإنسان عمراً وزماناً معينين، لما استقر أولئك الأولياء في هذه الدنيا طرفة عين.

فلو امتلكت الأمة هذه المعنويات، فسوف لا تخاف من تهديد قوى الشرق والغرب، لقد وجدت هذه المعنويات العالية في الأمة الإسلامية بلطف الله، وإلا فأي أمة تستطيع الصبر والتحمل تحت قصف هذه الصواريخ، وكل هذا التشريد والتهجير؟ فما هو إلا الإسلام والثورة الإسلامية التي أوصلت الناس إلى هذا المقام، إنها العقيدة الإلهية التي جعلت الناس يتحملون كل هذا العناء والتهديد، إذ لا يرضى بالظلم إلا الذليل قال أمير المؤمنين (ع): "لا يحتمل الضيم إلا الذليل"، [نهج البلاغة الخطبة 29]. فالشخص الكريم لا يقبل بالظلم والجور، فالذي يبقى تحت الأنقاض بسبب القصف الصاروخي لا يصاب بعذاب خروج الروح من البدن، وإذا أصابت رصاصة جنديّا من جنود الإسلام أو حارساً من حراس الثورة أو أحد أفراد التعبئة الشعبية، وبقي ينزف دماً، فهو مع ذلك يشعر باللذة، ولا يحس بألم سلّ الروح من البدن، أما إذا أصيب المنافق أو الكافر بسكتة قلبية، فإنه يعذب بسل روحه من بدنه.

إن الموت برأي الدين غير الموت برأي الطب يقول الطب: إن الإنسان يموت عندما يبرد، لكن الدين يقول: إن الإنسان يموت عند انتقاله من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، فأي عذاب واذى يواجه الإنسان عند انتقاله إلى عالم البرزخ؟ (يضربون وجوههم وادبارهم)، (الأنفال: 50) هذه هي حالة الانتقال إلى عالم البرزخ، للكافرين والمنافقين.

يقول الإمام الباقر (ع) في جواب لسائل يسأله: هل كان شهداء كربلاء يحسون بألم الحديث والسيف والخنجر؟ فقال (ع): نعم بمقدار الألم الذي يحسه أحدكم لو قرص صاحبه إصبعه، [معاني الأخبار، للشيخ الصدوق، باب معنى الموت، الحديث 4 و5]. كان شهداء كربلاء يحسون الأم بهذا المقدار من جراء الطعن والضرب بالسيف والخنجر، لأن الروح إذا كانت متطلعة إلى العالم الآخر، فإنها لا تحس بالألم، أما إذا كانت الروح متعلقة بالبدن فإنها تحس بالألم، وفي ساحة الحرب يكون الأمر كذلك والأمر كذلك في حال الصلاة أيضاً، لأن الصلاة محراب وحرب مع الشيطان ـ فالمجاهدون والمصلون مشتاقون للقاء الحق سبحانه، فلولا القضاء والقدر الإلهي، لما مكثوا في الدنيا لحظة واحدة.

وفي خطبة الإمام أمير المؤمنين (ع) لهمام يقول: (المتقون مشتاقون للذهاب إلى ذلك العالم)، [نهج البلاغة، الخطبة 193]. وهذه المعاني موجودة في حديث للرسول (ص) إذ يقول: (أولئك أولياء الله) معلوم أن هؤلاء وصلوا إلى الولاية، وصلوا إلى سر الصيام، وعرفوا آداب الصيام فكانوا مراقبين لأنفسهم، حافظين لألسنتهم، يعملون بأحكام الصيام وآدابه لقد عرفوا الطريق الموصل لسر الصيام وهذا ما بينه الرسول (ص) في الخطبة الشعبانية إذ قال: (واحفظوا ألسنتكم)، أي راقبوها تأدباً، سواءً في حالة الصيام أم في حالة الافطار ليلاً، لأن الإنسان يصل من مرحلة الآداب إلى مرحلة الأسرار.

(وغضوا أبصاركم عما لا يحل النظر إليه)، فلا تنظروا إلى ما حرم الله عز وجل، ينظر الإنسان أحياناً إلى غير محارمه، أي إلى المرأة الأجنبية، (النظرة سهم من سهام ابليس)، [بحار الأنوار، (ج 104، ص38) من لا يحضره الفقيه (ج4، ص11)]. لكن الإنسان يستطيع بالتمرن وتهذيب النفس أن يتخلص من هذا الخطر، كذلك النظر إلى أسرار الناس فهو محرم أيضاً، قال: لا تنظروا في هذا الشهر إلى ما حرم الله النظر إليه.

(وتحنّنوا على أيتام الناس، كما يتحنن على أيتامكم) فلو أحببتم أطفال الآخرين وتحننتم عليهم وخصوصاً أولاد الشهداء، فانهم سوف يعطفون ويتحننون على أطفالكم، فاعطفوا على أولاد الآخرين خصوصاً أولئك الذين فقدوا آباءهم، لأن العاطفة هي أكثر ما يحتاجون إليها، هذه العاطفة كالملاط الذي يحكم الجدران والبناء، فالطابوق والصخور الصلبة ترتبط وتستحكم، فيصبح البناء قصراً محكماً، وكذلك العاطفة تربط بين الأفراد وتجعلهم كجسد واحد، يقول تبارك وتعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)، (النساء: 9) فلا تظلموا أطفال الآخرين، وإلا فإن أولادكم سوف يتعرضون للظلم ويطلع الإنسان بعد الموت على أحوال وأخبار أهله وذويه وهم يأتون كل يوم خصوصاً عند الظهر، ليروا ماذا يفعل أولادهم وأهلهم هل يصلون؟ بأي عمل هم مشغولون؟

أما الأحرار بعد الموت، فلهم إمكانات أفضل، فهم يأتون كل يوم لزيارة بيوتهم، أما أولئك المقيدون فيأتون مرة واحدة في الأسبوع، ويأتي بعضهم مرة واحدة في الشهر، وهؤلاء أكثر تقييداً أما الذين يكونون في قيد شديد، فأنهم يأتون لأهل مرة واحدة في السنة، ولا تنقطع العلاقة مع منازلهم بالكامل.

(وتوبوا إلى الله من ذنوبكم)، إسألوا الله عز وجل في هذا الشهر المبارك، أن يغفر ذنوبكم.

(وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم)، إذا قرأ الإنسان الدعاء بهدوء وطمأنينة فهو قد راعى آداب الدعاء بشكل أفضل، وعليه ن لا يدعو لنفسه فقط بل يدعو للجميع، وأن لا يقترح على الله عز وجل فيقول: ربي أعطني هذا أو ذاك.

يطلب الإنسان في كثير من الحالات من الله عز وجل أشياءً على وجه السرعة والعجلة، وقد يكون الخطر كامناً فيها ويعلمنا الله عز وجل الدعاء قائلاً: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة)، (البقرة: 201) إلهي أعطني خير الدنيا فأني لا أعرف أين يكون الخير، ويعتقد الكثير من الناس أن خيره في المال، في حين أن هلاكه فيه. فعلى الإنسان أن يطلب من الله عز وجل الخير ولا يقترح على الله، فمن الممكن أن يجعل الله سبحانه المؤمن ضعيفاً من الناحية المالية ولكنه لا يسكب ماء وجهه ولا يجعله ذليلاً.

جاء في الحديث: المؤمن من الناحية المالية ضعيف ولكنه محفوظ ماء وجهه، الضعف المالي ليس ذلة، بل الذلة في عدم حفظ ماء الوجه.

قد يملك الإنسان مالاً ولكن ذلك ليس كرامةً، والله عز وجل لا يهين المؤمن فإذا طلب الإنسان الخير من الله، فلا يقترح عليه شيئاً، لأن المال قد يشغله عن ذكر الله سبحانه، فالقليل من الناس ممن عندهم المال ويؤدون كامل حقوقه.

هناك مناظرة بين قول الإمام علي (ع) وقول الخضر (ع)، حيث قال الخضر: "ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله"، [نهج البلاغة، كلمات الحكمة]. بينما قال علي (ع): وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالاً على ما عند الله، فأعلى من تواضع الأغنياء للفقراء هو عدم اعتناء الفقراء بما عند الأغنياء اتكالاً واعتماداً على ما عند الله عز وجل.

فالفضيلة والكرامة أن يتواضع الأغنياء للفقراء، لكن كرامة الفقراء في عدم اعتنائهم بمال الأغنياء أفضل.

يوصي الإسلام بأن يكون الناس مؤدبين مع بعضهم البعض ـ سواء كان الآخرون مسلمين أو غير مسلمين، قال (ع): صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمن وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته، [الاختصاص للشيخ المفيد ص225]. فإذا جالست اليهودي فليكن جلوسك وأدابك معه حسناً، وعليك أن تراعي الآداب الإسلامية في كلامك معه، فإذا أصبحت آداب ومعنويات المجتمع كما يريده الإسلام، فلن يبقى هناك من يسعى لجمع المال وخزنه، لأنهم إذا شاهدوا أن الغني لا يهتم بالفقير ولا يمد له يد المساعدة، يقل احترامهم له وإذا دخل الغني إلى مجلس فلا يقابل بذلك الاحترام الذي يقابل به الفقير، لأنه لا يهتم بالفقراء بل يهتم بماله.

يقول الإسلام: إذا بنى شخص بيتاً وجعله عدة طبقات قال الملائكة له: يا أفسق الفاسقين أين تريد؟، لأن هذا البناء إنما ارتفع لأجل التفاخر والخيلاء.