الحديث الخامس عشر

فضائل ليلة القدر أيضاً ليوم القدر، ومن المحتمل أن تكون ليلة التاسع عشر من شهر رمضان من ليالي القدر، وفيها وقعت فاجعة اغتيال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ.

عندما سئل الإمام أمير المؤمنين (ع): ما الفاصلة بين الأرض والسماء، قال: (مد البصر ودعوة المظلوم)[1]، الفاصلة بين السماء والأرض شيئان الأول نظر العين والثاني دعوة المظلوم، وهذا يعني أن الفاصلة بين السماء والأرض بمقدار نظرة الناظر، ونهاية نظركم إلى السماء، مقدار ما تراه العين، وهذا النظر إلى السماء ظاهري، أما دعاء المظلوم، فهو الفاصلة بين السماء والأرض، ويعني ذلك السر والباطن الذي يقطع السماء.

وكما قلنا في بحوثنا السابقة: إن لكل شيء ظاهراً أو باطناً فالسماء لها ظاهر، والمسافة الظاهرية بين السماء والأرض هي هذه النظرة المجردة، فبالعين يمكن أن تقطع أفق السماء، ولها باطن، والذي يقطع هذه المسافة هو عمل القلب لا البصر، فالفاصلة بين الأرض والسماء هي المسافة التي يقطعها دعاء المظلوم، وتأوه المظلوم يصل إلى باطن السماء وسرها، هناك سماء ظاهرية وهي التي فيها النجوم والشمس والقمر، وسماء باطنية معنوية هي التي فيها الملائكة الذين هم أنوار الغيب، في السماء الظاهرية توجد النجوم التي تعطي النور الظاهري، وفي السماء الباطنية توجد الملائكة الذين يعطون النور المعنوي، يقول القرآن الكريم: إن أبواب السماء مفتوحة للجميع، لكن هذه الأبواب لا تفتح للكفار والمنافقين، (لا تفتح لهم أبواب السماء)[2]، فمسؤولوا السماء هم الملائكة، والله سبحانه يقول (وأوحى في كل سماء أمرها)[3]، لكل سماء أمر تختص به، والله سبحانه يأمر الملائكة بتوسط الوحي.

إذن للسماء ظاهر يعطي النور الظاهري، ولها سر وباطن فيه النور الداخلي المعنوي وآثار الإمام في جوابه للسائل الذي قال ما الفاصلة بين الأرض والسماء؟ إلى السماء الظاهرية وإلى سر السماء الباطني إذ قال: (مد البصر ودعوة المظلوم).

إذا أراد أحد أن يدعو بدعاء يصل إلى باطن السماء ويكون مستجاباً، فعليه أن يقطع كل أمله وعلاقته بغير الله، لا يدعو الإنسان الموحد بدعاء إلا واستجاب الله له. الله سبحانه لا يرد دعاء الموحد، بل يستجيب له بمقدار توحيده، ودعاء الشخص الذي لا يعتمد إلا على الله سبحانه مستجاب يقيناً.

إذا لم ينتظر المظلوم مساعدة من أحد، إلا الله فدعاؤه مستجاب، والمظلوم على قسمين الأول: الذي ظلم وينتظر مساعدة أحد، من قبيلته وأصدقائه، أو يعتمد على مقامه فهو ينتظر من هؤلاء ان يرفعوا الظلم عنه، فالدعاء الصادر من مثل هذا الشخص ليس دعاء موحد.

والقسم الثاني: المظلوم الذي لا يستطيع حيلة ولا تصل يده إلى شيء، ليس له معتمد إلا الله سبحانه، فهذا المظلوم يكون متوجهاً إلى الله بتمام قبله ومتطلعاً إليه سبحانه وحده، فهو في الدعاء موحد مخلص، فدعاؤه مستجاب، ولهذا قال أمير المؤمنين (ع): (الفاصلة بين الأرض والسماء دعاء المظلوم).

ينقل الإمام السجاد عن أبيه الإمام الحسين ـ عليهما السلام ـ في آخر وصيته له أنه قال: (إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)[4]، وهذا المعنى نفسه ورد آخر وصية الإمام السجاد للإمام الباقر ـ عليهما السلام ـ إذ يقول الإمام الباقر (ع) دعاني أبي في آخر لحظات ارتحاله وقال لي: أوصيك بنفس الوصية التي أوصاني بها سيد الشهداء (ع) وهي وإن كان كل أقسام الظلم قبيح، لكن ظلم من ليس له ناصر إلا الله أقبح، لأن دعاءه مستجاب، وتأوهه مسموع.

فإذا دعونا لمقاتلي الإسلام بالنصر دعاء موحدين، فإن دعاءنا يستجاب حتماً، ولا يلزم من ذلك أن يكون الإنسان محروماً، من كل شيء ليكون موحداً، بل يكون الإنسان موحداً عندما يرى أنه محروم من كل الإمكانات، لا أن يكون محروماً بالفعل منها.

يجب أن يدعو الإنسان بدعاء يصل إلى المكان الذي يصدر منه الأمر وهو عرش الله سبحانه، الذي تصل منه الأوامر الإلهية، إنه مقام مالك يوم الدين والدنيا والآخرة، المقام الذي يخضع له عالم الوجود، هذا المقام هو ما يسمى بالعرش، والذي يقال عنه: إن عرش الله يهتز لبكاء اليتيم، والذي يقال عنه: بعض القلوب هي عرش الله، ذلك لأنها مرتبطة بعرش الله عز وجل.

سألت شخص الإمام الصادق (ع): لماذا سميت الكعبة بالكعبة؟ فقال: لأن لها أربعة جدران فقال: ولماذا لها أربعة جدران؟ فقال: لأن للبيت المعمور في السماء أربعة جدران، فقال: ولماذا للبيت المعمور أربعة جدران؟ فقال: لأن عرش الله له أربعة أضلاع، فقال: ولماذا لعرش الله أربعة أضلاع؟ فقال: لأن كلمات التوحيد أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، الأسماء الحسنى للحق تعالى ترجع إلى كلمات التوحيد الأربع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، إنها ترجع إلى وحدانية الله، وإلى عظمة الله، وإلى مجد وكبرياء الله، وإلى تنزيه الله، والتي هي سبوح قدوس، الإنسان يحمد الله تعالى بهذه الكلمات.

فبعض الناس يذهب إلى مكة لزيارة هذه الجدران الأربعة، فهو ظاهراً قد شارك في الحج، وآخر يذهب إلى مكة ومعرفته تتعلق بالبيت المعمور، وشخص يذهب إلى مكة ومعرفته تتعلق بعرش الله تعالى، وآخر يذهب إلى مكة ومعرفته تتعلق بهذه الكلمات التامات، فهو عارف قد عرف سر الحج، فليس كل من طاف حول الكعبة قد وصل إلى هذه المعاني[5].

كان هذا جواب الإمام (ع)، هذه الكعبة بنيت على أساس البيت المعمور، عرش الله، وعلى أساس التوحيد والتحميد والتكبير والتنزيه للحق سبحانه.

ليس في القيامة أسوأ من فضيحة الشرك، إذا استطعنا ن ننجو من الشرك، فالأمل بالنجاة موجود، الكثير منا دب الشرك في داخله، وخزن وهو لا يعرف طريق تشخيصه، فضلاً عن معالجته، نحن دائماً نعتمد على غير الله، ونؤدي العبادة بحكم العادة، فهل قطعنا في أفعالنا الطمع بغير الله؟ وأن لا نعتمد على أفعالنا أو على أنفسنا؟ لماذا جاء في أواخر سورة يوسف قوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)[6].

سئل الإمام (ع) عن هذه الآية فقال: السر في ذلك هو أن الناس يقولون لولا فلان لما حدث هذا الأمر، أو يقولون: في تعابيرهم الرائجة الله أولاً ثم فلان، هذا التعبير ليس تعبير موحد لأن الله سبحانه (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)[7]، فسئل الإمام (ع): إذن فماذا نقول وكيف نعبر؟ فقال: قولوا ساعدنا الله سبحانه.

انظروا في كل الأمور إلى الفاعل الحقيقي، فالحق سبحانه ظاهر في تمام الفعل لأنه (هو الظاهر) لم يدع مكاناً لغيره، يجب علينا أولاً أن نسأل الله تعالى قلباً طاهراً خالصاً قابلاً للدعاء، ومن ثم ندعو.

قال الصادق (ع): إذا أردتم أن يستجاب دعاؤكم فاقطعوا الأمل بغير الله، اقطعوه لكي لا تعتمد قلوبكم على أي قدرة غير قدرة الله عز وجل، وعند ذاك ادعوا ربكم فسوف يستجاب لكم.

عزم رجلان على الذهاب إلى مكة والمدينة، فخرجا مع قافلة كانت تريد الذهاب إلى الحج، فجاء شخص ولعله أمير القافلة وقال لهم: يبدو أنكما من أهل العراق؟ فقالا: نعم نحن من أهل الكوفة، فقال: ومن أي قبيلة؟ فقالا: من قبيلة كنانة ثم عرفا نفسيهما، فرحب بهما أمير القافلة، فسألاه: من أنت؟ فقال: أنا سعد بن أبي وقاص.

ثم قال للرجلين: لقد سمعت أربع كلمات بحق علي بن أبي طالب، فلو كانت واحدة منهما صدرت بحقي لكانت خيراً لي من الدنيا وما فيها، ولو كانت الدنيا طوع أمري، وكان لي عمر كعمر نوح (ع) لم يكن ذلك أحب لي مما لو صدرت بحقي كلمة واحدة من الكلمات التي صدرت بحق علي بن أبي طالب. فقالا: وما هذه الكلمات؟

قال: أولها عندما نزلت سورة التوبة تعلن عن براءة المسلمين من الكفار فاعطى النبّي (ص) هذه السورة لأبي بكر لكي يبلغها لأهل مكة، وعندما قطع مقداراً من الطريق أرسل خلفه علي بن أبي طالب وقال له، خذ السورة منه لأرسل بها من هو أحق بهذا العمل، فذهب أمير المؤمنين (ع) وأخذ سورة براءة منه وجاء بها، فقالوا: لماذا لا يبلغ أبو بكر هذه السورة لأهل مكة؟ فقال رسول الله (ص): جاءني جبرائيل عن الله عز وجل وقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك[8].

(وعلي مني وأنا من علي)[9]، فعلي وحده يستطيع أني يبلغ هذه السورة عني للمشركين.

ويلاحظ ان هذا المعنى ورد أيضاً في حق الإمام الحسين (ع) إذ قال الرسول (ص): "حسين مني وأنا من حسين".

وقال عبد الله بن جعفر لأبيه الإمام الصادق (ع): أنا وأخي موسى متساويان أبونا وجدنا واحد "أليس أصلي وأصله واحداً وأبي وأبوه واحداً"[10].

فلماذا تحب أخي موسى بهذه الدرجة؟ وأبونا وجدنا واحد؟ فقال الصادق (ع) لابنه عبد الله: أنت ابني وهو من نفسي، يوجد فرق بينك وبين أخيك، أنت ابني أما أخوك فهو من روحي، يظهر فيك أثر من بدني، ويظهر في أخيك أثر من روحي: فلا تقل أنا ابن الإمام الصادق، الابن معنى، ووارث المقام معنى آخر.

والخلاصة أن هذا هو نفس المعنى الذي ذكره الرسول (ص) في حق الحسين بن علي (ع) (حسين مني وأنا من حسين) ونفس البيان ورد في حق أمير المؤمنين (ع) (علي مني وأنا من علي).

والفضيلة الثانية التي ينقلها سعد بن أبي وقاص: كان مسجد المدينة يحوينا جميعاً، بدون سقف، وكان للبيوت المجاورة للمسجد أبواب تتصل بالمسجد وكانوا يستطيعون النوم في المسجد وفي ليلة جاء أمر أن اخرجوا من المسجد باستثناء آل الرسول وآل علي فلهم الحق أن يبقوا فيه.

خرجنا جميعاً من المسجد، وعند الصباح جاء حمزة عم النبّي ـ رضوان الله عليه ـ فقال: (يا رسول الله اخرجتنا وأسكنت هذا الغلام)[11]، (يعني علي بن أبي طالب)، ونحن أعمامك ومن كبار أهل بيتك، فقال رسول الله (ص): لست أنا الذي أخرجتكم من المسجد، ولست أنا الذي سمحت له بالبقاء فيه، ولكن الله أمر بذلك.د

إن علي بن أبي طالب له الحق أن يبقى في المسجد ويستعمل باب بيته الذي يؤدي إلى المسجد فأي مقام هذا؟

جاء أمر لمريم (ع) حين الولادة أن أخرجي من بيت الله[12]، ومركز القدس، ولكنه سبحانه لم يأمر فامة بنت أسد أم أمير المؤمنين بالخروج من الكعبة ساعة ولادته، ومثل هذا الأمر لم يبلغه غير أمير المؤمنين (ع)، وما جاء في دعاء الندبة: (وسد الأبواب إلا بابه) فقد سدت جميع الأبواب التي كانت مطلة على المسجد إلا باب الأمير علي (ع) وهذا هو سرها.

الفضيلة الثالثة: التي كانت لعلي بن أبي طالب ولم تكن للآخرين، هي حادثة فتح خيبر، حيث أرسل الرسول (ص) البعض لفتح خيبر فلم ينتصروا، فغضب النبّي (ص) وقال (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرار غير فرار)[13]، رجلاً من أهل الهجوم والزحف وليس من أهل الهزيمة والخوف من الحرب والموت.

قال علي: "لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت علي"[14]، فلم يفر من ساحة الحرب أبداً، وكان درع أمير المؤمنين على صدره فقط، أما ظهره فكان خالياً من الدرع، وقد قال: (لا أحتاج إلى تأمين ظهري بالدرع أو لباس الحرب، لأني لا أدبر أمام العدو حتى يهجم علي من الخلف)[15]، وهذه من الكلمات العالية للإمام علي (ع)، وقال (ع): في المسائل العسكرية والحربية لا تتعاملوا بالعاطفة.

في إحدى حروب الإمام (ع) وقع بعض الجند أسرى بيد العدو، فقال البعض للإمام (ع): أعطنا إجازة لنأخذ المال من بيت المال ونطلق الأسرى من أيدي العدو، فقال (ع): اطلاق الأسرى في نفسه عمل جيد، ولكن إذا أردتم اطلاقهم فانظروا أولاً إلى المجروحين منهم فافدوهم[16]، فالذي يرفع يديه ويسلم نفسه وليس في جسده جرح فهو فاقد الشهامة، أما أولئك الذين جرحوا فهم يستحقون التحرر من الأسر، إذ أنهم قاوموا إلى آخر لحظة ثم وقعوا أسرى بيد العدو أما الأسرى الذين جروحهم في ظهورهم فهذا دليل أنهم أصيبوا بها وهم في حال الهزيمة.

إن الذي يترك ساحة المعركة لا ينفعنا بشيء، وهو لم يعرف الشهادة، فهو يتصور أن الموت فناء ويعتقد أن البقاء أفضل له، هو لا يعرف أن (ما الموت إلا قنطرة تعبر بكم)[17].

ما أجمل هذا البيان الذي نقل عن الإمام الحسين بن علي (ع): الموت جسر طرفه الدنيا والطرف الآخر الجنة، هذا الجسد يوصلكم إلى الجنة، يأمر الإمام (ع) ويقول: لا تطلقوا سراح الأسير المجروح من ظهره، ولا تصرفوا المال عليه من بيت المال، لأنه انهزم وترك ساحة المعركة وراءه، ونحن لا نحب مثل هذا الشخص، إنه يعتقد ان الحياة أفضل من الدين، ولا يعرف أن الشهادة هي الجنة، والسعادة هي هذه، لهذا قال الرسول (ص) في حق الإمام (ع): كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فهو لا يرجع بدون الانتصار وفتح باب خيبر.

جاء في رسالة كتبها الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى سهل بن حنيف الأنصاري: (ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية أو قوة غذائية بل بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة)[18]، فقلع باب خيبر لم يكن بقوة الغذاء والجسد، بل بقوة ملكوتية من الله سبحانه وتعالى.

وكان الجميع يرغبون أن يعرفوا من هو المقصود بهذا الخطاب ومن هو الذي عرفه الرسول ذلك التعريف، وعند الصباح قال الرسول (ص): احضروا لي علي بن أبي طالب، فحضر الإمام (ع) وكان (ع) يشكو من عينه، فوضع رسول الله (ص) مقداراً من لعاب فمه الشريف في عينه فبرئت ثم أعطاه الراية فذهب الإمام ورجع منتصراً.

الفضيلة الرابعة: يقول سعد بن أبي وقاص: في معركة تبوك عندما ذهب رسول الله (ص) إلى ساحة الحرب وترك الإمام في المدينة خليفة عليها لحفظها من الاعداء استغل البعض هذه الفرصة بدافع الحسد، واعتبروها نقطة ضعف، وقالوا إن رسول الله لا يريد أن يشرك علياً في هذه المعركة، فلما سمع الإمام بذلك تبع الرسول (ص) وقال له: أنا لا أتركك، وبكى الإمام، فقال الرسول (ص) لماذا جئت؟ فقال: إن قريشاً تقول: إن الرسول (ص) لم يأخذ علياً معه لأنه لا يحب أن يشركه في القتال، فقال (ص): اجمعوا الناس، فنادى منادي الرسول (ص) فاجتمع الناس، فقال (ص): (أيها الناس أفيكم أحد إلا وله من أهله خاصة، إن علي بن أبي طالب خاصة أهلي وحبيبي إلى قلبي)[19].

وعند ذاك قال أمام جميع الناس لعلي (ع) (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبّي بعدي)[20]، أنت يا علي وزيري وخليفتي، والفرق بيني وبين موسى أنه جاء بعده نبّي، أما أنا فليس بعدي نبّي، عند ذاك قال علي بن أبي طالب (رضيت بالله ورسوله).

نحن عندما نسلم على بقية الله ـ أرواحنا فداه ـ نقول (السلام عليك يا شريك القرآن)، واصل هذه الكلمة هو هذا الحديث استناداً إلى آية من القرآن الكريم، وشريك، كلمة عربية تطلق على قطعة قصيرة من حبل يربط به مصراعاً الباب، ومقام الإمامة وحقيقة القرآن ثقلان، والإمام يوصل القرآن بالإمامة، وكذلك يوصل الإمامة بالقرآن، ولهذا يصبح شريكاً جاء في القرآن الكريم عن موسى الكليم (ع)، أنه خاطب الله سبحانه وقال: إلهي جعلت على ظهري حملاً ثقيلاً، أن أحارب فرعون، ولكي أوفق في هذا العمل أشرك معي أخي هارون.

قال رسول الله (ص) للإمام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، كما أن هارون شريك موسى، فأنت أيضاً شريكي في الرسالة، ولأن الرسالة ومنهج الرسول هو القرآن، واخلاقه أخلاق القرآن، فالذي يكون شريك الرسول (ص) فهو شريك القرآن، وهو مثل الحبل الذي يربط الإمامة بحقيقة الوحي، ولهذا نقول في محضر الإمام المعصوم: أنت شريك القرآن، سواء أكان الإمام صاحب الزمان أو غيره من المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ فجميعهم شركاء القرآن.

قال (ع): (أنا القرآن الناطق)، القرآن لا يتكلم معكم لكن أنا أطلعكم على أخبار القرآن، إذن فهو شريك القرآن.

لابد أن ننظر للإمام نظرة عالية ونعرفه معرفة دقيقة، وفي أثر هذه الكلمات الطيبة الأربع يقول سعد بن أبي وقاص: أنا أقول الكلمة الخامسة قال النبّي (ص) في حجة الوداع عند وصوله غدير خم:

"من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله"[21]، لم يقل الرسول (ص) علي مولاه لكي لا يقال: إن علياً في الدنيا وفي المدينة كثيرون، بل قال: فهذا علي مولاه إلهي كل من يدخل تحت ولاية علي فأدخله تحت ولايتك، وكل من يعادي علياً فعاده، إلهي كل من نصر علياً فانصره، وكل من خذل علياً فاخذله.



[1]  بحار الأنوار (ج10، ص88).

[2]  سورة الأعراف، الآية: 40.

[3]  سورة فصلت، الآية: 12.

[4]  سفينة البحار مادة وصى (ج2، ص462)، أصول الكافي (ج2) باب الظلم الحديث 5.

[5]  علل الشرائع، للشيخ الصدوق، الباب (138، الحديث 2، ص398).

[6] سورة يوسف، الآية: 106.

[7]  سورة الحديد، الآية: 3.

[8]  الأمالي للشيخ المفيد، المجلس السابع.

[9]  الأمالي للشيخ المفيد، المجلس السابع.

[10]  ارشاد القلوب، الديلمي (ص269).

[11]  الارشاد للشيخ المفيد، سفينة البحار، كلمة عبد.

[12]  الأمالي، للشيخ المفيد، المجلس السابع.

[13]  الكافي، باب مولد علي (ع) (ج1، ص453).

[14]  الأمالي، للشيخ المفيد، المجلس السابع.

[15] نهج البلاغة، الخطبة (55).

[16] وسائل الشيعية (ج11، باب 28) من أبواب جهاد العدو (ص65، الحديث 3).

[17] معاني الأخبار باب معنى الموت (ص288).

[18]  بحار الانوار، (ج41، ج42، ص58).

[19]  ارشاد القلوب، للديلمي، غزوة خيبر، (ص245).

[20] الأمالي، للشيخ المفيد، المجلس السابع.

[21]  الأمالي، الشيخ المفيد، المجلس السابع.