[ 137 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في معنى طلحة والزبير]
وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا [عَلَيَّ] مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً(1)، وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً [هُمْ] تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ(2) إِلاَّ قِبَلَهُمْ، وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي، مَا لَبَّسْتُ وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ، وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فِيهَا الْحَمأُ وَالْحُمَةُ(3)وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ(4)، وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ، وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ(5)، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ(6). وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ(7) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ(8)، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ، وَلاَ يَعُبُّونَ(9) بَعْدَهُ فِي حَسْي(10)!
____________
1. النِّصْف ـ بكسر النون ـ: الانصاف.
2. الطَّلِبة ـ بفتح الطاء وكسر اللام ـ: ما يطالب به من الثأر.
3. المراد بالحَمَأ هنا مطلق القريب والنسيب، وهو كناية عن الزبير، فانه من قرابة النبي ابن عمته. والحُمَة ـ بضم ففتح ـ: أصلها الحية أوإبرة اللاسعة من الهوام.
4. أغْدَفَت المرأة قناعها: أرسلته على وجهها، وأغدف الليل: أرخى سدوله. يعني: أن شبهة الطلب بدم عثمان شبهة ساترة للحق.
5. زَاح يزيحُ زَيْحاً وزَيحاناً: بَعُدَ وذهب، كانزاح. والنصاب: الاصل. أي: قد انقلع الباطل عن مَغْرِسه.
6. الشّغَب ـ بالفتح ـ: تهييج الشرّ.
7. أفرطَ الحوضَ: ملاه حتى فاض، والمراد حوض المنية.
8. ماتِحُهُ: أي نازع مائه لاسقيهم.
9. عبّ: شرب بلا تنفّس.
10. الحَسْيُ ـ بفتح الحاء وتكسر ـ: سهل من الارض يستنقع فيه الماء.
منه: [في أمر البيعة]
فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ(1) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا.
اللَّهُمَّ إنَّهُمَا قَطَعَاني وَظَلَمَاني، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا(2) النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ، وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا(3) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ(4)، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ(5)، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.
____________
1. العُوذ ـ بضم العين ـ: جمع عائذة وهي النِّتاج من الظباء والابل، أوكل أُنثى. والمطَافيل: جمع مُطْفِل ـ بضم الميم وكسر الفاء ـ: ذات الطفل من الانس والوحش.
2. التألّب: الافساد.
3. اسْتَثَبْتُهُما: من ثاب (بالثاء) إذا رجع، أي استرجعتهما. وطلبت اليهما الرجوع للبيعة.
4. أَمام الوِقاع ـ ككتاب ـ: قبيل المواقعة بالحرب.
5. غَمَطَ النعمة: جَحَدَها.
[ 138 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
يومىء فيها إلى ذكر الملاحم
يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ.
منها:
حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا(1)، ممْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا(2)، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا.
أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىءِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ(3) كَبِدِهَا، وَتُلْقي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَة
____________
1. النواجذ: أقصى الاضراس أوالانياب. وَبُدُوّ النواجذ: كناية عن شدة الاحتدام.
2. الاخلاف: جمع خلف ـ بالكسر ـ وهو للناقة حلمة الضرع.
3. أفاليذ ـ جمع أفْلاذ، جمع فلذة ـ وهي القطعة من الذهب والفضة.
منها:
كأَنَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ(1) بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ(2)، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ(3)، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوسِ، قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ(4)، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ.
وَاللهِ لِيُشَرِّدَنَّكُمْ(5) فِي أَطْرَافِ الاَْرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاِّ قَلَيلٌ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، فَلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ، حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا(6)! فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ، وَالاْثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي(7) لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ.
____________
1. فحص: بحث.
2. كُوفان: الكوفة.
3. الضّروس: الناقة السيئة الخُلُق تعضّ حالبها.
4. فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ: انفتح فمه، وأكّد الفعل بذكر الفاعل من لفظه.
5. ليشرّدنّكم: ليفرقنكم.
6. عوازب أحلامها: غائبات عقولها. 7. يُسَنِّ: يسهّل.
[ 139 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
في وقت الشورى
لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِم، وَعَائِدَةِ كَرَم.
فَاسْمَعُوا قَوْلي، وَعُوا مَنْطِقِي، عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى(1) فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لاَِهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لاَِهْلِ الْجَهَالَةِ.
يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ; فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.
[ 142 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[المعروف في غير أهله]
وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتى إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الاَْشْرَارِ، وَمَقَالَةُ الْجُهَّالِ، مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ، مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللهِ بَخِيلٌ!
[مواضع المعروف]
فَمَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَ وَالْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مَنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ(1)، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ(2) عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ; فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
____________
1. الغارم: مَنْ عليه الديون.
2. صَبرَ نفسه ـ بالتخفيف ـ: حَبَسها.
[ 143 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
في الاستسقاء
[وفيه تنبيه العباد إلى وجوب استغاثة رحمة الله إذا حبس عنهم رحمة المطر]
أَلاَ وَإِنَّ الاَْرْضَ الَّتِي تَحْمِلُكُم، وَالسَّماءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ(1)، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً(2) إِلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْر تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا.
إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الاَْعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً)، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!
اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الاَْسْتَارِ وَالاَْكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ.
اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ(3)،
____________
1. تُظلّكُم: تعلو فوقكم.
2. الزّلْفة: القُرْبة.
3. السِّنون ـ جمع سَنَة ـ: بمعنى الجدب والقحط.
اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمضَايِقُ الْوَعْرَةُ(1)، وَأَجَاءَتْنَا(2) الْمَقَاحِطُ(3) الْـمُجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ(4) عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ(5)، وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا.
اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ، وَاسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الْحَيَا(6)، كَثِيرَةَ الْـمُجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ(7)، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ(8)، وَتَسْتَوْرِقُ الاَْشْجَارَ(9)، وَتُرْخِصُ الاَْسْعَارَ، إِنَّكَ عَلى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ.
____________
1. المضايق الوَعْرة ـ بالتسكين ولا يجوز التحريك ـ: الصعبة.
2. أجاءته اليه: ألجأته.
3. المَقاحِط: جمع مَقْحَطة، وهي السنة المُمْحِلة.
4. تلاحمت: اتصلت.
5. الواجِم: الذي قد اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
6. الحَيَا: الخِصْب والمطر.
7. القَيعان: جمع قاع، الارض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاكام.
8. البُطْنان: جمع بطن، بمعنى ما انخفض من الارض في ضيق. 9. تستورق الاشجار: تخرج ورقها.
[ 144 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[مبعث الرسل]
بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ.
أَلاَ إِنَّ اللهَ قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ(1) كَشْفَةً، لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونَ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَماَئِرِهمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً(2).
[فضل أهل البيت(عليهم السلام)]
أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ.
____________
1. كشفَ الخلْقَ: علم حالهم في جميع أطوارهم.
2. بَواء: مصدر باء فلان بفلان: أي قُتِلَ به. والعقاب: القصاص.
منها: [في أهل الضلال]
آثَرُوا عَاجِلاً، وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَكُوا صَافِياً، وَشَرِبُوا آجِناً(1)، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِىءَ بِهِ(2) وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ(3)، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ في الْهَشيمِ لاَ يَحْفِلُ(4) مَا حَرَّقَ!
أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاَْبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى؟! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ للهِِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ؟! ازْدَحَمُوا
____________
1. الاجن: الماء المتغير اللون والطعم، واستعارة الامام للذّات الدنيا، تشبيهاً بالماء الذي لا يسوغ شربه لتغير لونه وطعمه.
2. بَسِىء به ـ كفرح ـ: ألِفَهُ واستأنس به.
3. خلائِقُهُ: ملكاته الراسخة في نفسه.
4. لا يَحْفِل ـ كيضرب ـ: لا يبالي.
منها: [في ذمّ البدعة]
وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ، فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، والْزَمُوا الْمَهْيَعَ(1)، إِنَّ عَوَازِمَ الاُْمُورِ(2) أَفْضَلُهَا، وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.
إِنَّ الاَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا: هذا أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ، فَيْكُونُ ذلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ، وَطَمَعِهِمْ فِيكَ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيَما مَضَى بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ!
[الزمان المقبل]
وَإِنَّهُ سَيَأْتي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ أَنْفَقَ مِنْهُ(1) إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ فِي الْبِلاَدِ شَيءٌ أنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ المُنكَرِ!
فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ; فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذ وَأَهْلُهُ مَنْفِيَّانِ طَرِيَدانِ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيق وَاحِد لاَ يُؤْوِيهِمَا مُؤْو; فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُمْ! لاَِنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَى، وَإِنِ اجْتَمَعَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَافْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَةِ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ، وَلاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ(2)، وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا(3)
____________
1. أَنْفَق منه: أروج منه.
2. الزّبْر ـ بالفتح ـ: الكتابة.
3. مثّلوا: نكّلوا وشنّعوا، والاسم منه: المُثْلة ـ بضم الميم ـ.
وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ(2) الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ(3)وَالنِّقْمَةُ.
[عظة الناس]
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ، وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ (لِلَّتَي هِيَ أَقْوَمُ); فَإِنَّ جَارَ اللهِ آمِنٌ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ، وَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ، وَسَلاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ، فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاَْجْرَبِ، وَالْبَارِي(4) مِنْ ذِي السَّقَمِ(5).
____________
1. الفِرْية ـ بكسر الفاء ـ: الكذب.
2. الموعود: هنا الموت الذي لا يقبل فيه عذر ولا تفيد بعده توبة.
3. القارعة: الداهية المهلكة. 4. الباري: المُعَافي من المرض.
5. السّقم: المرض والعلة.
وَاللهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ(1)، يَسْمَعُ النَّاعِيَ، وَيَحْضُرُ الْبَاكِيَ، ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ!
أَنَا بِالاَْمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهُ لي وَلَكُمْ!
إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ(1) فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ(2) فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ(3) فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ(4) أَغْصَان، وَمَهَابِّ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَام، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا(5)، وَعَفَا(6) في الارْضِ مَخَطُّهَا(7).
وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً(8):
____________
1. إن تَثْبُتِ الوَطْأةُ: يريد بثبات الوطأة معافاته من جراحه.
2. المَزَلّة: محلّ الزّلَل.
3. دَحَضَتِ القدَمُ: زلّت وزَلقت.
4. الافْياء ـ جمع فَيْء ـ: وهو الظلّ ينسخ ضوء الشمس عن بعض الامكنة.
5. مُتَلَفّقُها ـ بفتح الفاء ـ: مجتَمَعُها، أي ما اجتمع من الغيوم في الجو، والتلفيق: الجمع.
6. عَفَا: اندَرَس وذهب.
7. مَخَطّها: أثر ما خَطّتْ في الارض.
8. جثة خلاء: خالية من الروح.
وَدَاعِيكُم وَدَاعُ امْرِىء مُرْصِد(3) لِلتَّلاَقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.
ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ(7) فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ(8) تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَيُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ(9)!
____________
1. إبّان ـ بكسر فتشديد ـ: وقت.
2. الدّنُوّ: القرب.
3. الرِّبْق ـ بكسر فسكون ـ: حبل فيه عدة عُرَا، كل عروة رَبْقة ـ بفتح الراء ـ تُشدّ فيه البُهْم.
4. يَصْدَع شَعْباً: يفرّق جمعاً.
5. يَشْعَبُ صَدْعاً: يجمع متفرّقاً.
6. القائف: الذي يعرف الاثار فيتبعها.
7. يَشْحَذ: من شحذَ السكّين إذا حدّدها.
8. القَيْن: الحدّاد. والنّصْل: حديدة السيف والسكين ونحوها.
9. يُغْبَقُون ـ مبني للمجهول ـ: يُسْقَون بالمساء. والصّبُوح: ما يُشرَبُ وقت الصباح.
منها: [في الضلال]
وَطَالَ الاَْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ(1); حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الاَْجَلُ(2)، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا(3) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللهِ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ; حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاَءِ، حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهمْ(4)، وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بَأَمْرِ وَاعِظِهِمْ; حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ(صلى الله عليه وآله)، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الاَْعْقَابَ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ(5)، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهَ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَة، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِب فِي غَمْرَة(6)، قَدْ مَارُوا(7) فِي الْحَيْرَةِ، وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ، عَلَى سُنَّة مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: مِنْ مُنْقَطِع إِلَى الدُّنْيَا رَاكِن، أَوْ مُفَارِق لِلدِّينِ مُبَايِن.
____________
1. الغِيرَ ـ بكسر ففتح ـ: احداث الدهر ونوائبه.
2. اخْلَوْلَقَ الاجَل: من قولهم «اخلولق السحاب» إذا استوى وصار خليقاً أن يمطر. والمراد أن الاجل يشرف على الانقضاء.
3. أشَالَتِ النّاقَة ذَنَبَها: رفعته، أي رفعوا أيديهم بسيوفهم ليلحقوا حروبهم على غيرهم، أي يسعّروها عليهم.
4. حملوا بصائرهم على أسيافهم: من ألطف أنواع التمثيل، يريد أشهروا عقيدتهم داعين اليها غيرهم.
5. الولائج ـ جمع وليجة ـ: وهي البِطانة وخاصة الرجل من أهله وعشيرته، ويراد بها دخائل المكر والخديعة.
6. الغَمْرة: الشدّة.
7. مارُوا: تحركوا واضطربوا.
[ 151 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[يحذر من الفتن]
[الله ورسوله]
[وَأَحْمَدُ اللهَ] وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ(1) الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ، وَالاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ(2).
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة(3)، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!
[التحذير من الفتن]
ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بِوَائِقَ(4) النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ(5)، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ
____________
1. الدَحْر ـ بفتح الدال ـ: الطرد، والمَدَاحرِ والمَزاجِر بها يُدْحَر ويُزْجَر.
2. مخاتل الشيطان: مكائده.
3. على فَتْرة: خلوّ من الشرائع الالهية لا يعرفون منها شيئاً.
4. البوائق: جمع بائقة وهي الداهية.
5. القَتَام ـ كسحاب ـ: الغبار. والعِشْوة ـ بالكسر وبضم وبفتح ـ: ركوب الامر على غير بيان.
ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ(5)، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ(6)، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة، وَتَخْتَلِفُ الاَهْوَاءُ عِنْدَ
____________
1. شِبابها ـ بكسر الشين ـ: أي بداياتها في عنفوان وشدة كشباب الغلام وفتوّته.
2. السِّلام ـ بكسر السين ـ: الحجارة الصمّ، واحدها سِلَمة ـ بكسر السين أيضاً ـ وآثارها في الابدان الرّضّ والحَطْم.
3. اراح اللحم فهو مُريح: أنْتَنَ.
4. يتزايلون: يتفارقون.
5. الرَجُوف: شديدة الرجفان والاضطراب.
6. القاصمة: الكاسرة. والزّحوف: الشديدة الزحف.
____________
1. نُجومها: ظهورها. وهي من نجم ينجم إذا ظهر.
2. يتكادمون: يعضّ بعضهم بعضاً.
3. العانة: الجماعة من حُمُر الوحش.
4. تَغِيض ـ بالغين المعجمة ـ: تنقص وتغور.
5. تَدُقّ: تُفَتّتُ.
6. المِسْحَل ـ كمنبر ـ: المِبْرَد أوِ المِنْحَت. والمِسْحَل أيضاً: حَلْقة تكون في طريف شكيمة اللّجام مُدْخلة في مثلها.
7. الرّضّ: التهشيم.
8. الكَلْكَل: الصدر.
9. الوُحْدان: جمع واحد، أي المتفرّدون.
منها:
بَيْنَ قَتِيل مَطْلُول(5)، وَخَائِف مُسْتَجِير، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الاَيمَانِ(6) وَبِغُرُورِ الاِْيمَانِ; فَلاَ تَكُونُوا أَنْصَابَ(7) الْفِتَنِ، وَأَعْلاَمَ الْبِدَعِ، وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ، وَاقْدَمُوا عَلَى اللهِ مَظْلُومِينَ، وَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ، وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ، وَلاَ تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ(8) الْحَرَامِ، فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ(9) مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُم الْمَعْصِيَةَ، وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ.
____________
1. عَبيط الدماء: الطريّ الخالص منها.
2. تَثْلِمُ مَنَارَ الدين: تكسره. وأصله من «ثلم الاناءَ أوالسيف ونحوه»: كسر حرفه. ومنار الدين: أعلامه، وهم علماؤه. وثَلْمها: قتل العلماء وهدم قواعد الدين.
3. الاكياس: جمع كيس، الحاذق العاقل.
4. الارجاس: جمع رجس وهوالقذر والنجس، والمراد الاشرار.
5. مَطْلُول: من «طَلَلْت دَمَه» هَدَرْته.
6. يختلون بعقد الايمان: أي يخدعون الناس بحلف الايمان.
7. الانْصاب: كل ما يُنْصَبُ لِيُقْصَدَ.
8. اللُعَق: جمع لُعْقة ـ بضم اللام ـ وهي ما تأخذه في المِلْعقة.
9. إنّكم بِعَيْنِهِ: أي إنه يراكم.
[ 152 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في صفات الله جل جلاله، وصفات أئمة الدين]
الْحَمْدُ للهِِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّته، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ.
لاَ تَسْتَلِمُهُ(1) الْمَشَاعِرُ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لاِفْتِرَاِق الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ، وَالْحَادِّ وَالْـمَحْدُودِ، وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ.
الاَْحَدُ لاَ بِتَأْوِيلِ عَدَد، وَالْخَالِقُ لاَ بِمَعْنَى حَرَكَة وَنَصَب(2)، وَالسَّمِيعُ لاَ بِأَدَاة(3)، وَالْبَصِيرُ لاَ بِتَفْرِيقِ آلَة(4)، وَالشَّاهِدُ لاَبِمُمَاسَّه، وَالْبَائِنُ(5)
____________
1. لا تستلمه المشاعر: أي لا تصل اليه الحواس.
2. النَصَب ـ محرّكة ـ: التعب.
3. الاداة: الالة.
4. تفريق الالة: تفريق الاجفان وفتح بعضها عن بعض.
5. البائن: المنفصل عن خلقه.
بَانَ مِنَ الاَْشْيَاءِ بَالْقَهْرِ لَهَا، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَبَانَتِ الاَْشْيَاءُ مِنْهُ بَالْخُضُوعِ لَهُ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ.
مَنْ وَصَفَهُ(1) فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ: كَيْفَ، فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ: أَيْنَ، فَقَدْ حَيَّزَهُ. عَالِمٌ إِذْ لاَ مَعْلُومٌ، وَرَبٌّ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ، وَقَادِرٌ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ.
منها: [في أئمّة الدين]
فَقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَلَمَعَ لاَ مِعٌ، وَلاَحَ(2) لاَئِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ، وَاسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْم قَوْماً، وَبِيَوم يَوْماً، وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ(3) انْتِظَارَ الْـمُجْدِبِ الْمَطَرَ.
وَإِنَّمَا الاَئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ، لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ منْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ.
إِنَّ اللهَ خَصَّكُمْ بَالاِْسْلاَمِ، وَاسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ، وَذلِكَ لاَِنَّهُ اسْمُ سَلاَمَة،
____________
1. من وصفه: أيّ مَنْ كيفه بكيفيات المحدثين.
2. لاح: بدا.
3. الغِيرَ ـ بكسر ففتح ـ: صُروف الحوادث وتقلباتها.
[عظة الناس]
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، وَاسْتَيْقِظْ مَنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ(صلى الله عليه وآله) مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ، وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ، وَضَعْ فَخْرَكَ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ، وَاذكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً، فَامْهَد(2) لِقَدَمِكَ، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ.
فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ! وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ! (وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير).
إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَة مِنْ هذِهِ الْخِصَال لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِالله فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَكِ نَفْسِهِ، أَوْ
____________
1. المَغَاوِي: جمع مِغْواة، وهي الشّبْهة يذهب معها الانسان إلى ما يخالف الحق.
2. مَهَدَ ـ كمَنَعَ ـ: بَسَطَ.
إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا، وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا; إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ(2)، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ مُشْفِقُونَ، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ خَائِفُونَ.
نَحْنُ الشِّعَارُ(1) وَالاَْصْحَابُ، وَالْخَزَنَةُ وَالاَْبْوَابُ، [وَلاَ] تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.
منها:
فِيهِمْ كَرَائِمُ(2) الْقُرْآنِ، وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا. فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ.
وَالنّاظِرُ بِالْقَلْبِ، الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ، يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ: أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ؟! فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَليْهِ وَقَفَ عِنْدَهُ.
فَإِنَّ الْعَامِلَ بَغَيْرِ عِلْم كَالسَّائِرِ عَلَى غيْرِ طَرِيق، فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، وَالْعَامِلُ بالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ: أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ؟!
وَاعْلَمْ أَنِّ لِكُلِّ ظَاهِر بَاطِناً عَلى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ(صلى الله عليه وآله): «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
____________
1. الشِّعار: ما يلي البدن من الثياب، والمراد بِطانَة النبي الكريم.
2. الكرائم: جمع كريمة، والمراد آيات في مدحهم كريمات.
فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَل نَبَاتٌ، وَكُلَّ نَبَات لاَ غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.