الصفحة 735

[ 58 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
إلى أهل الامصار

يقتصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين

وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ(1)، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاِْسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاِْيمَانِ(2) باللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ(صلى الله عليه وآله)، وَلاَ يَسْتَزِيدُونَنَا، الاَْمْرُ وَاحِدٌ، إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ!

فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لاَ يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ(3)، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ،

____________

1. والظاهر أن ربنا واحد: الواوللحال، أي كان التقاؤنا في حال يظهر فيها أننا متحدون في العقيدة لااختلاف بيننا إلا في دم عثمان.

2. لانستزيد هم في الايمان: أي لانطلب منهم زيادة في الايمان لانهم كانوا مؤمنين.

3. النائرَة ـ بالنون الموحدة ـ: بمعنى الثائرة بالتاء المثلثة، وأصلها من ثارت الفتنة إذا اشتعلت وهاجت.

الصفحة 736
حَتَّى يَشْتَدَّ الاَْمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ.

فَقَالُوا: بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ(1)!

فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ(2) وَرَكَدَتْ(3)، وَوَقَدَتْ(4) نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ(5).

فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا(6) وَإِيَّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَفِيهِمْ، أَجَابُوا عِنْدَ ذلِكَ إِلَى الَّذي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا، وَسَارَعْنَاهُمْ(7) إِلَى مَا طَلَبُوا، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ.

فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ(8) الَّذِي رَانَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ(9)، وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.

____________

1. المكابرة: المعاندة.

2. جنحت الحرب: مالت وأقبلت، ومنه قد جنح الليل إذا أقبل.

3. ركدت: استقرت وثَبَتَتْ.

4. وَقَدَتْ ـ كَوَعَدَتْ ـ أي: اتّقدَت والتهَبَت.

5. حَمِشَتْ: استقرّت وشَبّتْ.

6. ضرّستنا: عضتنا أضراسها.

7. سارعناهم: سابقناهم.

8. الراكس: الناكث الذي قلب عهده ونكثه.

9. ران على قلبه: غطى.

الصفحة 737

[ 59 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى الاسود بن قُطْبَةَ صاحب جند حُلوان(1)

أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ(2) مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ، رَاجِياً ثوَابَهُ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّة لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا قَطُّ فِيهَا سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ(3) عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ،أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً، وَمِنَ

____________

1. حلوان: إيالة من إيالات فارس.

2. اختلف هواه: جرى تَبَعاً لمآربه الشخصية.

3. الفَرْغَة: الواحدة من الفراغ، والمراد بها هنا خلوّ الوقت من عمل يرجع بالنفع على الامة.

الصفحة 738
الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ، وَالاْحْتسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ(1) بِجُهْدِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ، وَالسَّلاَمُ.

[ 60 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى العمال الذين يطأ عمَلَهُمْ(2) الجيشُ

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وَعُمَّالِ الْبِلاَدِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَقَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لله عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ الاَْذَى، وَصَرْفِ الشَّذَى(3)، وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ(4)، إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ(5)، لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إلَى شِبَعِهِ.

____________

1. الاحْتِساب على الرعية: مراقبة أعمالها وتقويم ما أعوجّ منها وإصلاح ما فسد.

2. يَطَأ عملَهم: أي يمرّ بأراضيهم.

3. الشّذَى: الضرب والشر.

4. مَعَرَّة الجيش: أذاه.

5. جَوْعَة ـ بفتح الجيم ـ: الواحدة من مصدر جاع، ويُراد بجَوْعة المضطرّ حال الجوع المهلك.

الصفحة 739
فَنَكِّلُوا(1) مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ [شَيْئاً] ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَادَّتِهِمْ، وَالتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيما اسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ، فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ، وَمَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلاَ تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلاَّ بِاللهِ وَبِي، أُغَيِّرْهُ بِمَعُونَةِ اللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.

[ 61 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى كميل بن زياد النخعي

وهو عامله على هيت، يُنكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالباً الغارة

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ مَا وُلِّيَ، وَتَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ، لَعَجْزٌ حَاضِرٌ، وَرَأْيٌ مُتَبَّرٌ(2)، وَإِنَّ تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا(3)، وَتَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ(4) الَّتي وَلَّيْنَاكَ ـ لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنعُهَا، وَلاَ يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا ـ لَرَأْيٌ شَعَاعٌ(5).

____________

1. نَكِّلُوا: أي أوقعوا النكال والعقاب.

2. رأيٌ مُتَبّرٌ ـ كمعظّم ـ: من تبره تتبيراً: إذا أهلَكَه، أي هالك صاحبه.

3. قِرْقِيسيا ـ بكسر القافين بينهما ساكن ـ: بلد على الفرات.

4. المَسالِح: جمع مَسْلحة، وهي موضع الحامية على الحدود.

5. رَأيٌ شَعَاعٌ ـ كسحاب ـ أي: متفرّق.

الصفحة 740
فَقَدْ صِرْتَ جِسرْاً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ، غَيْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ(1)، وَلاَ مَهِيبِ الْجَانِبِ، وَلاَ سَادٍّ ثُغْرَةً(2)، وَلاَ كَاسر لِعَدُوّ شَوْكَةً، وَلاَ مُغْن عَنْ(3) أَهْلِ مِصْرِهِ، وَلاَ مُجْز عَنْ أَميِرِهِ.

[ 62 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
إلى أهل مصر
مع مالك الاشتر لما ولاّه إمارَتَها

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَمُهَيْمِناً(4) عَلَى الْمُرْسَلِينَ.

فلمَّا مَضى(صلى الله عليه وآله) تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي

____________

1. المَنكِب ـ كمسجد ـ: مجتَمَع الكَتِف والعَضُد، وشدته كناية عن القوة والمنعة.

2. الثُغْرة: الفرجة يدخل منها العدو.

3. مُغْن عنه: نائب منابه.

4. المُهَيْمِن: الشاهد، والنبي شاهد برسالة المرسلين الاولين.

الصفحة 741
رُوعِي(1)، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ(صلى الله عليه وآله) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ!

فَمَا رَاعَنِي(2) إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ(3) عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي(4)حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ(5) النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاِْسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الاِْسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً(6) أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاَْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ(7) الْبَاطِلُ وَزَهَقَ(8)، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ(9).

____________

1. الرُوع ـ بضم الراء ـ: القلب، أو موضع الرَوْع منه ـ بفتح الراء ـ أي الفَزَع.

2. راعَني: أَفْزَعَني.

3. انثِيال الناس: انصبابهم.

4. أمْسَكْت يدي: كففتها عن العمل وتركت الناس وشأنهم. 5. رَاجِعَة الناس: الراجعون منهم.

6. ثَلْماً: أي خرقاً.

7. زَاح: ذهب.

8. زَهَقَ: خرجت روحه ومات، مجاز عن الزوال التام.

9. تَنَهْنَهَ: أي كَفّ.

الصفحة 742

ومن هذا الكتاب

إِنِّي وَاللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ(1) الاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ، وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّي.

وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ، وَلِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاج، وَلكِنَّنِي آسَى(2) أَنْ يَلِيَ [أَمْرَ ]هذِهِ الاُْمَّةِ(3) سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً(4)، وَعِبَادَهُ خَوَلاً(5)، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً(6)، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً، فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ

____________

1. الطِلاع ـ ككتاب ـ: مِلْء الشيء.

2. آسى ـ مضارع أسِيت عليه كرَضِيت ـ أي: حزنت.

3. يلي أمْرَ الامّة: يتولاها ويكون عنها مسؤولاً.

4. دُوَلاً ـ بضم ففتح ـ: جمع دُولَة ـ بالضم ـ أي: شيئاً يتداولونه بينهم.

5. الخَوَل ـ محركة ـ: العبيد.

6. حَرْباً: أي محاربين.

الصفحة 743
شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ(1)، وَجُلِدَ حَدّاً فِي الاِْسْلاَمِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الاِْسْلاَمِ الرَّضَائِخُ(2)، فَلَوْلاَ ذلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ(3) وَتَأنِيبَكُمْ، وَجَمْعَكُمْ وَتَحْرِيضَكُمْ، وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَوَنَيْتُمْ(4).

أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ(5) قَدِ انْتَقَصَتْ(6)، وَإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى(7)، وَإِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى!

انْفِرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ، وَلاَ تَثَّاقلُوا إِلَى الاَْرْضِ فَتُقِرُّوا(8) بِالْخَسْفِ(9)، وَتَبُوؤُوا(10) بِالذُّلِّ، وَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الاَْخَسَّ، وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الاَْرِقُ(11)، وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عنْهُ، وَالسَّلاَمُ.

____________

1. شرب الحرام: يريد الخمر.

2. الرَضَائخ: جمع رضية، وهي شيء قليل يعطاه الانسان يُصانِع به عن شيء يطلب منه كالاجر، ورضخت له: أَعطيت له.

3. تَأليبكم: تحريضكم وتحويل قلوبكم عنهم. 4. وَنَيْتم: أي ضَعُفْتم وفَتَرْتُمْ.

5. أطْرَاف البلاد: جوانبها.

6. انتقصت: حصل فيها النقص باستيلاء العدو عليها.

7. تُزْوَى ـ مبني للمجهول ـ: تُقْبَضُ، وهي من زوَاه إذا قبضه عنه.

8. تُقِرّوا: تعترفوا. 9. الخَسْف: أي الضيم.

10. تَبُوؤوا: أي تعودوا بالذل.

11. الارِق ـ بفتح فكسر ـ أي: الساهر.

الصفحة 744

[ 63 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
إلى أبي موسى الاشعري

وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطُه(1) الناسَ عن الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيّ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْس.

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَعَلَيْكَ، فإذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولي فارْفَعْ ذَيْلَكَ، واشْدُدْ مِئْزَرَكَ(2)، واخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ(3)، وَانْدُبْ(4) مَنْ

____________

1. التثبيط: الترغيب في القعود والتخلف.

2. رفع الذيل وشدّ المِئْزر: كناية عن التشمير للجهاد.

3. اخْرج من جُحْرِك: كنى بجحره عن مقرّه.

4. انْدُب: أي ادْعُ من معك.

الصفحة 745
مَعَكَ، فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ(1)، وَإِنْ تَفَشَّلْتَ(2) فَابْعُدْ!

وَايْمُ اللهِ لَتُؤْتَيَنَّ حَيْثُ أَنْتَ، وَلاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ(3)، وَذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ، وَحَتَّى تُعْجَلَ عَنْ قِعْدَتِكَ(4)، وَتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ، وَمَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى(5) الَّتِي تَرْجُو، وَلكِنَّهَا الدَّاهِيةُ الْكُبْرَى، يُرْكَبُ جَمَلُهَا، وَيُذَلُّ صَعْبُهَا، وَيُسَهَّلُ جَبَلُهَا.

فَاعْقِلْ عَقْلَكَ(6)، وَامْلِكْ أَمْرَكَ، وَخُذْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ، فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ

____________

1. إن حقّقْت: أي أخذت بالحق والعزيمة. فانْفُذ: أي امْضِ الينا.

2. تفشّلت: أي جبنت.

3. الخاثِر: الغليظ، والكلام تمثيل لاختلاط الامر عليه من الحيرة، وأصل المثل "لايدري أيخثر أم يذيب". قالوا: إن المرأة تملا السمن فيختلط خاثره برقيقه فتقع في حيرة، إن أو قدت النار حتى يصفو احترق، وإن تركته بقي كَدِراً.

4. تُعْجَل عن قِعْدَتِك، القِعْدة ـ بالكسر ـ: هيئة القعود، وأعجله عن الامر: حال دون إدراكه، أي يحال بينك وبين جلستك في الولاية.

5. الهُوَيْني: تصغير الهُوني ـ بالضم ـ مؤنث أهون.

6. اعْقِل عقلك: قيّدْه بالعزيمة، ولا تدعه يذهب مذاهب التردد من الخوف.

الصفحة 746
إِلَى غَيْرِ رَحْب وَلاَ فِي نَجَاة، فَبِالْحَرِيِّ(1) لَتُكْفَيَنَّ(2) وَأَنْتَ نَائِم، حَتَّى لاَ يُقَالَ: أَيْنَ فُلاَنٌ؟ وَاللهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقّ، وَمَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ، وَالسَّلاَمُ.

[ 64 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
كتبه إلى معاوية، جواباً عن كتاب منه

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الاُْلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَفَرَّقَ بيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَكَفَرْتُمْ، وَالْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَفُتِنْتُمْ، وَمَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلاَّ كَرْهاً(3)، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الاِْسْلاَمِ(4) كُلُّهُ لِرَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)حرباً(5).

____________

1. بالحرىّ: أي بالوجه الجدير بك.

2. لَتُكْفَيَنّ ـ بلام التأكيد ونونه ـ أي: إنا لنكفيك القتال ونظفر فيه.

3. كَرْهاً: أي من غير رغبة، فإن أباسفيان إنما أسلم قبل فتح مكة بليلة، خوف القتل، وخشية من جيش النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) البالغ عشرة آلاف ونيف.

4. أنْفُ الاسلام: كناية عن أشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح.

5. في بعض النسخ: "حزباً".

الصفحة 747
وَذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ(1)، وَنَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ(2)! وَذلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ، فَلاَ عَلَيْكَ، وَلاَ الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ.

وَذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ، فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ(3)، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ! وَإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَد:

مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ * بِحَاصِب(4) بَيْنَ أَغْوَار(5) وَجُلْمُودِ(6)

وَعِنْدِيَ السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ(7) بِجَدِّكَ وَخَالِكَ وَأَخِيكَ فِي مَقَام

____________

1. شَرّدَ به: طرده وفرق أمره.

2. المِصْرَانِ: الكوفة والبصرة.

3. فاسْتَرْفِهْ: فعل أمر، أي استحِ ولا تستعْجلْ.

4. الحاصِب: ريح تحمل التراب والحصى.

5. الاغْوَار: جمع غَوْر بالفتح، وهو الغبار.

6. الجُلْمُود ـ بالضم ـ: الصخر.

7. أَعْضَضْتُه به: جعلته يَعَضّه، والباء زائدة.

الصفحة 748
وَاحِد، وَإِنَّكَ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ الاَْغْلَفُ الْقَلْبِ(1)، الْمُقارِبُ الْعَقْلِ(2)، وَالاَْوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ: إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوء عَلَيْكَ لاَ لَكَ، لاَِنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ(3)، وَرَعَيْتَ غَيْرَ سَائِـمَتِكَ(4)، وَطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلاَ فِي مَعْدِنِهِ، فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ!! وَقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَام وَأَخْوَال! حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ، وَتَمَنِّي الْبَاطِلِ، عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ(5) حَيْثُ عَلِمْتَ، لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً، وَلَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً، بِوَقْعِ سُيُوف مَا خَلاَ مِنْهَا الْوَغَى(6)، وَلَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى(7).

وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمانَ، فَادْخُلْ فِيَما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقُوْمَ إِلَيَّ، أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ.

وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ(8) الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ(9)، وَالسَّلاَمُ لاَِهْلِهِ.

____________

1. أَغْلَف القلب: الذي لا يدرك، كأن قلبه في غلاف لا تنفذ اليه المعاني.

2. مُقَارِب العقل: ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلاً وليس به عقل.

3. الضَالّة: ما فقدته من مال ونحوه، ونشد الضالة: طلبها ليردها، مثل يضرب لطالب غير حقه.

4. السَائِمَة: الماشية من الحيوان.

5. صُرِعُوا مَصَارعَهُمْ: سقطوا قتلى في مطارحهم.

6. الوَغَى: الحرب.

7. لم تُمَاشِها الهُوَيْنى: أي لم ترافقها المُسَاهَلَة.

8. الخُدْعَة ـ مثلّثة الخاء ـ: ما تصرف به الصبي عن اللبن وطلبه أول فطامه، ما تصرف به عدوّك عن قصدك به في الحروب ونحوها.

9. الفِصَال: الفِطَام.

الصفحة 749

[ 65 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إليه أيضاً

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِالَّلمْحِ الْبَاصِرِ(1) مِنْ عِيَانِ الاُْمُورِ(2)، فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلاَفِكَ بِادِّعَائِكَ الاَْباطِيلَ، وَإقْحَامِكَ(3) غُرُورَ الْمَيْنِ(4) وَالاَْكَاذِيبِ، وَبِانْتِحَالِكَ(5) مَا قَدْ عَلاَ عَنْكَ(6)، وَابْتِزَازِكَ(7) لِمَا قَدِ

____________

1. اللّمح الباصر: الامر الواضح.

2. عِيان الامُور: مشاهدتها ومعاينتها.

3. اقحامك: إدخالك في أذهان العامة غرور المين.

4. المَيْن: الكَذِب. 5. انتحالك: ادعاؤك لنفسك.

6. ما قَدْ عَلاَ عنك: ما هو أرفع من مقامك.

7. ابتزازك أي: سلبك.

الصفحة 750
اخْتُزِنَ(1) دُونَكَ، فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ، وَجُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ(2)، مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُكَ، وَمُلِىءَ بِهِ صَدْرُكَ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ، وَبَعْدَ الْبَيَانِ إِلاَّ الَّلبْسُ(3)؟

فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَاشْتَِمالَهَا عَلَى لَبْسَتِهَا(4)، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلاَبِيبَهَا(5)، وَأَغْشَتِ الاَْبْصَارَ(6) ظُلْمَتُهَا.

____________

1. اخْتُزِنَ أي: مُنِعَ دون الوصول اليك.

2. المراد بالذي هو ألزم له من لحمه ودمه: البَيْعة بالخلافة لاميرالمؤمنين.

3. اللَبْس ـ بالفتح ـ: مصدر لبس عليه الامر يلبس ـ كضرب يضرب ـ: أي خلطه، وفي التنزيل: (وَلَلَبَسْنَا عَلَيهم ما يَلْبِسون)

4. اللُبْسَة ـ بالضم ـ: الاشكال.

5. أَغْدَفَت المرأة قِنَاعَها: أرسلته على وجهها فسترته، وأَغْدَف الليل: أرخى سدوله ـ أي أغطيته ـ من الظلام. والجلابيب: جمع جلباب، وهو الثوب الاعلى يغطي ما تحته، أي طالما أسْدَلَت الفتنة أَغطية الباطل فأخفت الحقيقة.

6. أغشت الابصار: أَضعفتها ومنعتها النفوذ إلى المرئيات الحقيقية.

الصفحة 751
وَقدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفانِينَ مِنَ الْقَوْلِ(1) ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ(2)، وَأَسَاطِيرَ(3) لَمْ يَحُكْهَا(4) مِنْكَ عِلْمٌ وَلاَ حِلْمٌ(5)، أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ(6)، وَالخَابِطِ(7) فِي الدِّيمَاسِ(8)، وَتَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَة(9) بَعِيدَةِ الْمَرَامِ، نَازِحَةِ الاَْعْلاَمِ(10)، تَقْصُرُ دوُنَهَا الاَْنُوقُ(11)، وَيُحَاذَى

____________

1. أفَانِينُ القول: ضروبه وطرائقه.

2. السِّلْم: ضد الحرب.

3. الاساطير: جمع أُسْطُورة، بمعنى الخرافة لا يعرف لها منشأ.

4. حاكَه يحوكه: نسجه، ونسج الكلام: تأليفه.

5. الحِلْم ـ بالكسر ـ: العقل.

6. الدَهاس ـ كسَحَاب ـ: أَرض رِخْوَة لا هي تراب ولا رمل، ولكن منهما، يعسر فيها السير.

7. الخابط في السير: الذي لايهتدي.

8. الدِيماس ـ بالكسر ـ: المكان المظلم تحت الارض.

9. المَرْقبة ـ بفتح فسكون ـ: مكان الارتقاب، و هو العلو و الاشراف، أي رفعت نفسك إلى منزلة بعيد عنك مَطْلبها.

10. نازحة أي: بعيدة، والاعلام: جمع عَلَم، وهو ما يُنْصَب ليُهْتَدى به، أي خَفيّة المسالك.

11. الانوق ـ كصَبُور ـ: طير أصلع الرأسِ، أصفر المِنْقار، يقال: أعزّ من بيض الانُوق، إذْ تحرزه فلا تكاد تظفر به، لان أو كارها في القُلَل الصعبة، ولهذا الطائر خصال عدّها صاحب القاموس.

الصفحة 752
بَهَا الْعَيُّوقُ(1).

وَحَاشَ لله أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً(2)، أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً!! فَمِنَ الاْنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ، وَانْظُرْ لَهَا، فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ(3) إِلَيْكَ عِبَادُ اللهِ أُرْتِجَتْ(4) عَلَيْكَ الاُْمُورُ،مُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ.

[ 66 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
إلى عبدالله بن العباس رحمه الله
وقد مضى هذا الكتاب فيما تقدّم بخلاف هذه الرواية

أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّ العَبْدَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، فَلاَ يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ في نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّة أَوْ شِفَاءُ غَيْظ، وَلكِنْ إطْفَاءُ بِاطِل أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ.

[وَلْيَكُنْ سُرورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ(5)، وَهَمُّكَ فِيَما بَعْدَ الْموْتِ].

____________

1. العَيّوق ـ بفتح فضم مشدّد ـ: نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الايمن يتلو الثريا لا يتقدمها.

2. الصَّدَر ـ بالتحريك ـ: الرجوع بعد الشرب. والوِرْد ـ بالكسر ـ: الاشراف على الماء.

3. ينهَد: ينهض لحربك.

4. أُرْتِجَتْ: أُغْلِقَتْ، وتقول: أرْتَجَ الباب كَرَتَجَهُ، أي أغلقه.

1. خَلّفت: تركت.

الصفحة 753

[ 67 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
إلى قُثَمِ بن العباس(رحمه الله)
وهو عامله على مكة

أَمَّا بَعْدُ، فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ(1)، وَاجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ(2)، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ، وَذَاكِرِ الْعَالِمَ، وَلاَ يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلاَّ لِسَانُكَ، وَلاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ، وَلاَ تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَة عَنْ لِقَائِكَ بِهَا، فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ(3) عَنْ أَبْوَابِكَ في أَوَّلِ وِرْدِهَا(4) لَمْ تُحْمَدْ فيَِما بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا.

____________

1. أيّام الله: هي التي عاقب فيها الماضين على سوء أعمالهم.

2. العَصْرَان: هما الغَداة والعشيّ على سبيل التغليب.

3. ذِيدَتْ أي: دُفِعَت ومُنِعَت، مبني للمجهول من ذاده يذوده: إذا طرده ودفعه.

4. وِرْدَها ـ بالكسر ـ: ورودها.

الصفحة 754
وَانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ(1) مِنْ ذَوِي(2) الْعِيَالِ وَالْـمَجَاعَةِ، مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ المَفَاقِرِ وَالْخَلاَّتِ(3)، وَمَا فَضَلَ عَنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا.

وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلاَّ يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِن أَجْراً، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) فَالْعَاكِفُ: الْمُقيِمُ بِهِ، وَالْبَادِي: الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ.

وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ لَِمحَابِّهِ(4)، وَالسَّلاَمُ.

[ 68 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى سلمان الفارسي(رحمه الله)
قبل أيام خلافته

أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ: لَيِّنٌ مَسُّهَا، قَاتِلٌ سُمُّهَا، فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا، لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا، وَضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا، لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ

____________

1. قِبَلَكَ ـ بكسر ففتح ـ أي: عِندك.

2. في المخطوطتين: "ذي" وما اتثبناه من المطبوع.

3. الخَلّة ـ بالفتح ـ: الحاجة.

4. مَحَابّ ـ بفتح الميم ـ: مواضع محبته من الاعمال الصالحة.

الصفحة 755
فِرَاقِهَا، وَكُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا، أَحْذَرَ مَا تَكُونَ مِنْهَا(1)، فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُور أشْخْصَتْهُ(2) عَنْهُ إِلىَ مَحْذُور، [أ] وْ إِلَى إِينَاس أَزالَهُ عَنْهُ إِيحَاشٌ!

[ 69 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى الحارث الهَمْدَاني

وَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرآنِ، وَانْتَصِحْهُ، وَأَحِلَّ حَلاَلَهُ، وَحَرِّمْ حَرَامَهُ، وَصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ، وَاعْتَبِرْ(3) بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا [لِـ] مَا بَقِي مِنْهَا، فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً، وَآخِرَهَا لاَحِقٌ بِأَوَّلِهَا! وَكُلُّهَا حَائِلٌ(4) مُفَارِقٌ.

وَعَظِّمِ اسْمَ اللهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ عَلَى حَقّ.

____________

1. كُنْ آنَسَ ما تكون بها أحْذَرَ ما تكون منها، آنس: أفْعَل تفضيل من الانس، أي أشدّ أُنساً، وهي هنا حال من اسم "كن"، وأحْذَر: خبر، والمراد: فليكن أشدّ حذرك منها في حال شدة أنسك بها.

2. أشْخَصَتْه أي: أذْهَبَتْه.

3. اعْتبِر: قِسْ.

4. حائل أي: زائل.

الصفحة 756
وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَ الْمَوتِ، وَلاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلاَّ بِشَرْط وَثِيق(1).

وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَل يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلِ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ، وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ، واحْذَرْ كُلَّ عَمَل إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ أَوِ اعتَذَرَ مِنْهُ.

وَلاَ تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْلِ، وَلاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ، فَكَفَى بِذلِكَ كَذِباً، وَلاَ تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ، فَكَفَى بِذلِكَ جَهْلاً.

وَاكْظِمِ الْغَيْظَ، وَاحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَتَجاوَزْ عِنْدَ المَقْدِرَةِ، وَاصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ(2)، تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ.

وَاسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَة أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْكَ، وَلاَ تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللهِ عِنْدَكَ، وَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً(3)

مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْر يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ، وَمَا

____________

1. وثيق: مُحْكَمٌ قوِيّ.

2. اصْفَحْ مع الدَوْلَة أي: عندما تكون لك السلطة.

3. تَقْدِمَة ـ كتَجْرِبة ـ: مصدر قدّم بالتشديد أي بذلاً وإنفاقاً.

الصفحة 757
تُؤخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ.

وَاحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ(1) رَأْيهُ، وَيُنْكَرُ عَمَلُهُ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ مَعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ.

وَاسْكُنِ الاَْمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَالْجَفَاءِ وَقِلَّةَ الاَْعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَاقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ، وَإِيَّاكَ وَمَقَاعِدَ الاَْسْوَاقِ، فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَمَعَارِيضُ(2) الْفِتَنِ.

وَأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ(3)، فإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ.

وَلاَ تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَة حَتّى تَشْهَدَ الصَّلاَةَ إِلاَّ فَاصِلاً(4) فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ فِي أَمْر تُعْذَرُ بِهِ.

وَأَطِعِ اللهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا.

وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَارْفُقْ بِهَا وَلاَ تَقْهَرْهَا، وَخُذْ عَفْوَهَا(5)

____________

1. فَال الرَأي يَفِيلُ أي: ضَعُفَ.

2. المَعَارِيض: جمع مِعْرَاض كمِحْرَاب، وهو سهم بلا ريش رقيق الطرفين، غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه.

3. من فُضِّلْت عليه أي: مَن دونك ممن فضلك الله عليه.

4. فاصلاً في سبيل الله أي: خارجاً ذاهباً.

5. خُذْ عَفْوَها أي: وقت فراغها وارتياحها إلى الطاعة وأصله العفو، بمعنى ما لا أثر فيه لاحد بملك، عبر به عن الوقت الذي لا شاغل للنفس فيه.

الصفحة 758
وَنَشَاطَهَا، إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّها.

وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ آبِقٌ(1) مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ.

وَوَقِّرِ اللهَ، وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ، وَاحْذَرِ الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ، وَالسَّلاَمُ.

[ 70 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى سهل بن حُنَيف الانصاري

وهو عامله على المدينه، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَكَ(2) يَتَسَلَّلُونَ(3) إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلاَ تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ، وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ، فَكَفى لَهُمْ غَيّاً(4)، وَلَكَ مِنْهُمْ شَافِياً، فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى والْحَقِّ، وَإِيضَاعُهُمْ(5) إِلَى

____________

1. آبق أي: هارب منه متحوّل عنه.

2. قِبَلك ـ بكسر ففتح ـ أي: عندك.

3. يتسلّلون: يذهبون واحداً بعد واحد.

4. غَيّاً: ضلالاً.

5. الايضاع: الاسراع.

الصفحة 759
الْعَمَى وَالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا، وَمُهْطِعُونَ(1) إِلَيْهَا، قَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَرَأَوْهُ، وَسَمِعُوهُوَعَوْهُ، وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ، فَهَرَبُوا إِلَى الاَْثَرَةِ، فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً(2)!!

إِنَّهُمْ ـ وَاللهِ ـ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْر، وَلَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْل، وَإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هذَا الاَْمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللهُ لَنَا صَعْبَهُ،يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ(3)، إِنْ شَاءَ اللهُ، وَالسَّلاَمُ علَيْكَ.

____________

1. مُهْطِعُون: مسرعون.

2. الاثَرَة ـ بالتحريك ـ: اختصاص النفس بالمننفعة وتفضيلها على غيرها بالفائدة.

والسُحْق ـ بضم السين ـ: البُعْد.

3. حَزْنُهُ ـ بفتح فسكون ـ أي: خَشِنُه.

الصفحة 760

[ 71 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى المنذر بن الجارود العَبْدي
وقد خان في بعض ما ولاّه من أعماله

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ(1)، وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ، فَإِذَا أَنْتَ فِيَما رُقِّيَ إِلَيَّ(2) عَنْكَ لاَتَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً، وَلاَ تُبْقِي لاِخِرَتِكَ عَتَاداً(3)، تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بَخَرَابِ آخِرَتِكَ، وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ.

وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً، لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ(4) نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْل أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ، أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ، أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ، أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَة، أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى خِيَانَة(5).

فَأقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هذَا إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَالمنذر هذا هو الذي قال فيه أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنه لنظّارٌ في عِطْفَيْهِ(6)، مُختالٌ في بُرْدَيْه(7)، تَفّالٌ في شِرَاكَيْهِ(8).

____________

1. الهَدْي ـ بفتح فسكون ـ: الطريقة والسيرة.

2. رُقيَ إليّ: رُفع وأُنهي إليّ.

3. العَتاد ـ بالفتح ـ: الذَخِيرة المُعَدة لوقت الحاجة.

4. الشِسْع ـ بالكسر ـ: سِيرٌ بين الاصبع الوسطى والتي تليها في النعل العربي، كأنه زمام ويسمى قِبالاً ككتاب.

5. أي: على دفع خيانة.

6. نَظّار: كثير النظر.والعِطْف ـ بالكسر ـ: الجانب، أي كثير النظر في جانبيه عُجْباً وخُيلاء.

7. البُرْدَانِ: تثنية بُرْد بضم الباء، وهو ثوب مخطّط، والمُختال: المُعجَب.

8. الشِرَاكانِ: تثنية شِراك ككتاب، وهو سِير النعْل كله، وتَفّال: كثير التَفَل، والتّفَلُ ـ بالتحريك ـ: البُصاق، وإنما يفعله المعجب بشراكيه ليذهب عنهما الغبارالوسخ، يتفل فيهما ثم يمسحهما ليعودا كالجديدين.

الصفحة 761

[ 72 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى عبدالله بن العباس

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِق أَجَلَكَ، وَلاَ مَرْزوُق مَا لَيْسَ لَكَ.

وَاعْلَمْ بِأنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَل(1)، فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بقُوَّتِكَ.

[ 73 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ، وَالاسْتَِماعِ إِلَى كِتَابِكَ، لَمُوَهِّنٌ(2) رَأْيِي، وَمُخَطِّىءٌ فِرَاسَتي(3).

وَإِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الاُْمُورَ(4) وَتُرَاجِعُنِي السُّطُورَ(5)، كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ

____________

1. دُوَل ـ جمع دُولة بالضم ـ: ما يُتَداول من السعادة في الدنيا.

2. مُوَهِّن: مضعف. 3. فِراستي ـ بالكسر ـ أي: صدق ظني.

4. حَاوَل الامر: طلبه ورَامَهُ، أي تطالبني ببعض غاياتك كولاية الشام ونحوها.

5. تراجعني السطور أي: تطلب مني أن أرجع إلى جوابك بالسطور.

الصفحة 762
تَكْذِبُهُ أَحَلاَمُهُ(1)، وَالْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ(2) مَقَامُهُ، لاَ يَدْرِي أَلَهُ مَا يَأَتِي أَمْ عَلَيْهِ، وَلَسْتَ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ.

وَأُقْسِمُ بِاللهِ لَوْ لاَ بَعْضُ الاِْسْتِبْقَاءِ(3) لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ(4)، تَقْرَعُ الْعَظْم(5)، وَتَهْلِسُ اللَّحْمَ(6)!

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ(7) عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ، وَتَأْذَنَ(8)لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ، وَالسَّلاَمُ [لاَِهْلِهِ].

____________

1. كالمُسْتَثْقِل النائم: يقول أنت في محاولتك كالنائم الثقيل نومه: يحلم أنه نال شيئاً، فإذا انتبه وجد الرؤيا كذبت، أي عليه، فأمانيك فيما تطلب شبيهة بالاحلام، إنْ هي إلاّ خيالات باطلة.

2. يُبْهِظه: أي يُثْقِله ويشقّ عليه مقامه.

3. الاستبقاء: الابقاء، والمراد إبقائي لك وعدم إرادتي لاهلا كك.

4. القَوَارِع أي: الدواهي.

5. تَقْرَع العظم أي: تصْدِمه فتكسره.

6. تَهْلِسُ اللحمَ أي: تذيبه وتنهكه.

7. ثَبّطَكَ أي: أقعدك.

8. تَأذَن ـ بفتح الذال ـ أي: تسمع.

الصفحة 763

[ 74 ]
وَمن حلْف كتبه(عليه السلام)
بين اليمن وربيعة
نُقل من خط هشام بن الكلبي

هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْـيَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا، وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا(1) وَبَادِيهَا(2): أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُونَ بِهِ، وَيُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً، وَلاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً، وَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَتَرَكَهُ، أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْض، دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، لاَيَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ(3) عَاتِب، وَلاَ لِغَضَبِ غَاضِب، وَلاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْم قَوْماً، وَلاَ لِمَسَبَّة ِ قَوْم قَوْماً!

عَلَى ذلِكَ شَاهِدُهُمْ وَغَائِبُهُمْ، [وَسَفِيهُهُمْ وَعَالِمُهُمْ، ]وَحَلِيمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذلِكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ، إنَّ عَهْدَ اللهِ كَانَ مسْؤولاً.

و كتب: علي بن أبي طالب.

____________

1. الحاضر: ساكن المدينة. 2. البادي: المتردّد في البادية.

3. المِعْتَبَة ـ كالمِصْطَبَة ـ: الغيْظ.

الصفحة 764

[ 75 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى معاوية في أول ما بويع له بالخلافه
ذكره الواقدي في كتاب الجمل

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيّ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ:

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي(1) فِيكُمْ، وَإِعْرَاضِي عَنْكُمْ، حَتَّى كَانَ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ دَفْعَ لَهُ، وَالْحَدِيثُ طَوِيلٌ، وَالْكَلاَمُ كَثِرٌ، وَقَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ، وَأَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ، فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ(2)، وَأَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْد(3) مِنْ أَصْحَابِكَ، وَالسَّلاَمُ.

[ 76 ]
ومن وصية له (عليه السلام)
لعبد الله بن العباس
عند استخلافه إياه على البصرة

سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ، وإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ(4).

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللهِ يُبَاعِدُكَ مِنْ النَّارِ، وَمَا بَاعَدَكَ مِنَ اللهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ.

____________

1. إعْذَارِي أي: إقامتي على العذر.

2. قِبَلَك أي: عندك.

3. الوَفْد ـ بفتح فسكون ـ: الجماعة الوافدون، أي القادمون.

4. طَيْرة من الشيطان ـ بفتح الطاء وسكون الياء ـ أي خِفّة وطيش.

الصفحة 765

[ 77 ]
ومن وصيته (عليه السلام) لَهُ
لما بعثه للا حتجاج على الخوارج

لاَ تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ(1) ذُو وُجُوه، تَقُولُ وَيَقُولُونَ، وَلكِنْ حاجّهُمْ بالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً(2).

[ 78 ]
ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى أبي موسى الاشعري
جواباً في أمر الحكمين

ذكره سعيد بن يحيى الاموي في كتاب المغازي

فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِير مِنْ حَظِّهِمْ، فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا، وَنَطَقُوا بِالْهَوى، وَإِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هذَا الاَْمْزِ مَنْزِلاً مُعْجِباً(3)، اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ

____________

1. القرآن حَمّال أي: يحمل معاني كثيرة.

2. مَحِيصاً أي: مَهْرَباً.

3. مُعْجِباً أي: مُوجباً للتعجّب.

الصفحة 766
أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، فإنِّي أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً(1) أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً(2).

وَلَيْسَ رَجُلٌ ـ فَاعْلَمْ ـ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّد ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ ]وَسَلَّمَ ـ وَأُلْفَتِهَا مِنِّي، أَبْتَغِي بِذلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ، وَكَرَمَ الْمَآبِ(3)، وَسَأَفِي بِالَّذِي وَأيْتُ(4) عَلَى نَفْسِي، وَإِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَإِنِّي لاََعْبَدُ(5) أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِل،أَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللهُ، فَدَعْ مَا لاَ تَعْرِفُ، فَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاويِلِ السُّوءِ، وَالسَّلاَمُ.

____________

1. القَرْح: في الاصل الجرح، وهو ـ هنا ـ مجاز عن فساد بواطنها.

2. العَلَق ـ بالتحريك ـ: الدم الغليظ الجامد.

3. المَآب: المَرْجِع.

4. وَأيْتُ: وَعَدْتُ وأخذت على نفسي.

5. إني لاعْبَدُ: أي آنَفُ، فهو من عَبِد يَعْبَدُ، كَغَضِب يَغْضَبُ، عَبَداً، وَالمراد: إني لانف أن يقول غيري قولاً باطلاً، فكيف لا آنف أنا من ذلك لنفسي.

الصفحة 767

[ 79 ]
ومن كتاب كتبه(عليه السلام)
لما استُخْلِف
إلى أمراء الاجناد

أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ، وَأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ(1).

تمّ الباب بحمدالله.

____________

1. أخَذُوهم بالباطِل فاقْتَدَوْه: كلّفو هم بإتيان الباطل فأتوه، وصار قُدْوة يتبعها الابناء بعد الاباء.