القلب ، وفي ظل حركة القلب يحصل الفكر . والقرآن الكريم نصب كلا الطريقين أمامنا . غاية الأمر ان القرآن لأنه كتاب جاء شاملاً للعالم ولكل الناس وكل الرجال والنساء ولكل جيل في كل عصر ومصر وفي كل الظروف ، لذا يعطي قيمة لطريق القلب وطريق الفطرة أكثر من طريق الفكر .
هناك كثير من الأشخاص لم يدخلوا المدرسة والحوزة والجامعة . ولكن طريق القلب مفتوح لهم ، طريق الموعظة والعمل مفتوح لهم . قد تقتضي قراءة كتاب والمشاركة في الدرس والبحث سناً خاصاً ، والإنسان عندما يصل إلى سن أكثر ، لا يكون لديه سعة صدر للتدريس والدراسة ، وقد ينسى مع كبر السن أبسط المسائل ، فلا يكون في مقدوره قراءة صفحة من العبارات بالقوانين الأدبية والقواعد العربية ، مع أنه درس سنوات هذا الفرع أو قام بتأليف وتصنيف ، فطريق المدرسة طريق يبدأ في أواسط العمر أو أوائل العمر وفي أواخر العمر ينغلق ، أما طريق القلب فهو مع الإنسان ، أي ان طريق القلب من المهد إلى اللحد ، أن حديث ( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) قسمه المهم هو طريق القلب وليس طريق الفكر ، إن ما قيل من أن الطفل عندما يولد يقرأ الآذان في أذنه اليمنى ، والإقامة في أذنه اليسرى ، فهذا هو طريق القلب ، وليس طريق الفكر وان ما ورد من توصية لنا بأن نتلفظ بالذكر مرتباً ، فهذا أيضاً يمثل طريق القلب . إن عدم سعة صدر الإنسان للدراسة والبحث في سن الشيخوخة ، وقبوله جيداً للصلاة والدعاء والمناجاة ، فهذا هو طريق القلب ، وإلا فطريق الحوزة ليس من المهد إلى اللحد ، وطريق الجامعة ليس من المهد إلى اللحد ، الطريق الذي يستمر من المهد إلى اللحد هو طريق الموعظة والذكر والمناجاة والعمل الصالح . الإنسان يفهم كثيراً من الأشياء بالعمل ، وفي هذا الطريق إذا لم تكن النساء أنجح من الرجال ، فهن لسن أقل من الرجال نجاحاً ، وأنتم ترون في مسألة


(199)

الأذان أنه ليس هناك طريق بين صنف البنت والولد . في مسألة المناجاة والموعظة أيضاً ، والصيام ثلاثة أيام كل شهر لم يذكر فيه أن الرجل يصوم والمرأة لا تصوم ، فأهم طريق وهو طريق العمل والعبادة مشترك بينهما وكما طرح في البحوث السابقة فان الإنسان يدرس لا من أجل أن يصبح عالماً ، بل يدرس من أجل ان يصبح عاملاً . ولهذا العمل طريقان ، أحدهما عن طريق الدرس الذي يشجع الإنسان على العمل ، والآخر يشجع على العمل عن طريق العاطفة والموعظة . ان قوله تعالى :
( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) (1) .
يدل على أن هذا أساس ، وهذه العبادة مهيئة دائماً ، لكل الإنسان ، في كل سن وفي كل ظرف وفي كل صنف بدون فرق بين المرأة والرجل .

السلامة أم الصلابة :
الشبهة الأخرى الموجودة في هذا الصدد هي انه إذا كان بدن المرأة والرجل غير متساويين من حيث القوة والضعف ، والبدن مركب والروح راكب ، فالمركب إذا كان أقوى فالراكب يقطع الطريق أسرع وأفضل .
لحل هذه الشبهة يجب ألالتفات إلى أن المقصود من القوة ليس المعنى الذي يتصوره البعض ، لأنه يشاهد أن كثيراً من الأشخاص هم أقوياء من الناحية البدنية ولكن الأعمال الصعبة في المجتمع ليست بعهدتهم ، لأنهم ضعفاء من حيث الإدراك . لهذا ليس كل من له بدن وساعد أقوى يفكر أفضل . الكلام هو عن السلامة وليس الصلابة ، أي إذا كان بدن المرأة والرجل سالماً فانهما يستطيعان إدراك المسائل جيداً . اما الصلابة فهي شيء آخر ، أن المعيار في الوصول إلى الكمالات هو سلامة البدن وليس صلابة
____________
(1) سورة الذاريات ، الآية : 56 .
(200)

البدن . والأعمال الشاقة تسلم إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهم أكبر من صلابة البدن ، أما الأعمال في المجتمع فتسلم إلى الأشخاص الذين لديهم حصة أفضل من ظرافة البدن .

أنجح طريق لرقي الإنسان :
اتضح في البحوث السابقة ان الإنسان يستطيع الرقي من عدة طرق ، أحدها طريق الفكر والآخر طريق الذكر ، والنساء إذا لم تكن انجح من الرجال في طريق الذكر والمناجاة وهو طريق القلب والعاطفة والرغبة والمحبة . فبالتأكيد هن بمستوى الرجال ، وذلك الطريق هو طريق أساسي . أما طريق الفكر فهو طريق فرعي ، لأنه ثبت حتى الآن أن طريق الفكر ليس طريقاً واسعاً كثير من أفراد المجتمع وان كانوا من سكان المدن ولكنهم لم يوفقوا للتعلم والدرس والبحث ، أما طريق الموعظة وطريق القلب والمناجاة فهو مفتوح للجميع . طريق المدرسة ليس مفتوحاً للجميع ، ( علم الدراسة ) ليس ممكناً للجميع ، ولكن ( علم الوراثة ) ممكن للجميع ( وعلم الفراسة ) ممكن للجميع .
علم الدارسة هو ان يشترك الإنسان في المجامع العلمية ، يدرس ويصبح فاضلاً وعالماً ، يتعلم اصطلاحات وبعد مدة يدخل في مرحلة الشيخوخة وينسى بالتدريج كل ما قرأه في المدرسة . في مرحلة الفتوة يتعلم شيئاً فشيئاً ، وفي مرحلة الشباب يحفظ هذه المعلومات في عدة أيام وبعد أن يدخل مرحلة الشيخوخة ينسى بالتدريج . هذه المراحل الثلاث هي المقاطع الثلاثة التي نظمت للجميع في القرآن الكريم . قال تعالى :
( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ) (1) .
____________
(1) سورة الروم ، الآية : 54 .
(201)

( ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة ) (1) .
الإنسان يكون أحياناً في أسفل الجبل وأحياناً يصعد إلى قمة الجبل وأحياناً يعود من قمة الجبل إلى مكان آخر في أسفل الجبل ، هذه المقاطع الثلاثة نظمت في القرآن لكل امرأة ورجل ، الأول هو ضعف ثم قوة ثم ضعف آخر ، الأول مرحلة التعلم ، ثم مرحلة الحفظ ثم مرحلة فقدان جميع المعلومات . ( كل ما قرأته ذهب عن ذاكرتي ) هذه العبارة هي حقيقة علم الدراسة ولكن هل ان علم الوراثة وعلم الفراسة هكذا أيضاً ؟
( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ـ عزّ وجلّ ) (2) .
هل تذهب عن ذاكرة الإنسان في مرحلة الشيخوخة كذلك ؟ أم أنها تصبح أكثر تفتحاً في طريق الشيخوخة ؟ إن قولهم :
( العلماء ورثة الأنبياء ) (3) .
هل هو بمعنى أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام في علم الدراسة الذي ينسونه في مرحلة الشيخوخة ؟ أم ان لديهم علم الوراثة الذي يصبح في مرحلة الشيخوخة أكثر تفتحاً ؟ إن علم الوراثة هو الذي يظل .

عدم الفرق بين الرجل والمرأة في علم الوراثة
هل هناك فرق بين المرأة والرجل في علم الفراسة وعلم الوراثة ؟ وهل الكلام هناك هو عن البدن القوي والمتصلب أم عن القلب السليم ؟ يلزم ان نقطع ثلاث مراحل الواحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى نتيجة مطلوبة . بيان هذه المراحل الثلاث أنه يجب أن نصل من الصلابة إلى سلامة البدن ونصل
____________
(1) سورة الروم ، الآية : 54 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ص 218 .
(3) أصول الكافي ، ج 1 ص 32 .

(202)

من سلامة البدن إلى سلامة القلب لنحصل على نتيجة . جاء في القرآن الكريم :
( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من اتى الله بقلب سليم ) (1) .
لم يقل في الآية ( ببدن سليم ) فضلاً عن أن يقول : ( ببدن صلب ) ، يجب أن نبعد عن الأذهان الكلام عن الصلابة . بعض العمال البسطاء الذين يعملون في قطع الخشب وقلع الحجر وأمثال ذلك يتولون أمور المجتمع القوية ، ولكنهم عاجزون عن إدراك أبسط المسائل .

قوة سلامة القلب في المرأة :
إن صلابة البدن ليس لها تأثير في الوصول إلى كمال الروح ، بل ان القول السديد مؤثر وليس القول الشديد ( عليكم بالسديد لا بالشديد ) .
قال تعالى في القرآن :
( وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ) (2) .
اتضح لنا انه يجب عدم توقع فكر متين من صلابة البدن بل ان سلامة البدن تثمر الفكر ، وعليه فان الفكر ليس وحده ، يستطيع حل مشكلة ، بل ان القلب يحل المشكلة ايضاً . وسلامة القلب مهمة ، والله تعالى عرف بعض الرجال بعبارة مريض القلب . ولكنه لم يذكر مرض قلب المرأة .
في البحوث السابقة وضمن بيان آيات من سورة الأحزاب أشير إلى أن الله تعالى يخاطب نساء النبي :
( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً
____________
(1) سورة الشعراء ، الآيتين : 88 ـ 89 .
(2) سورة الإحزاب ، الآيتين : 70 ـ 71 .

(203)

معروفاً ) (1) .
أمر النساء ان يتكلمن بأسلوب جيد وبمضمون جيد ، لكي لا يطمع الرجال الذين قلوبهم مريضة . هذا المرض هو في قلب الرجل حيث ان المرأة لا تطمع عندما تسمع صوت الرجل ، المرأة تتمتع بسلامة القلب ، إلا ان يظهر فيها مرض التبرج .
صغرى القياس هي أن النساء يتمتعن من حيث النوع بسلامة القلب . كبرى القياس هي أن أصحاب القلوب السليمة سالمين ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) النتيجة هي ان النساء انجح . ان قوله :
هذا الكتاب ( وشفاء لما في الصدور ) (2) ، ثم قوله إن الطمع في غير المحرم هو مرض ثم قوله : إن هذا المرض هو في الرجل ولم يأت في هذا السياق كلام عن مرض المرأة يتضح منه أن النساء سليمات القلوب من هذا المرض الخاص .
إذا عرفنا واقعنا وأننا في أي حد ، لم نطرح أساساً كثيراً من هذه الإشكالات والأسئلة حول أنفسنا ، لأن جميع المشكلة هي تكمن في أن ما هو أساس خافٍ علينا ، ولم ندرك من هو الأساس حقيقة وما هي الوظائف ولماذا خلقنا ، وما هو معيار القيمة ، عند ذلك أصبح من الممكن ان نتوهم أن من هو أكثر صلابة هو أكثر نجاحاً ؟ في حين أن حقيقة الأمر ليست هكذا .

ملائكة الرحمة والغضب :
ان الله تعالى عرف نفسه بالأوصاف القوية وبالأوصاف اللينة والرأفة والرحمة أيضاً ، والملائكة التي خلقها مجموعتان : مجموعة هم مظهر
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
(2) سورة يونس ، الآية : 57 .

(204)

الصفات الشديد لله ، كم يفهم من هذه الآية الشريفة :
( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) (1) .
كما قال تعالى في مقام تعريف هذه المجموعة من الملائكة :
( عليها ملائكة غلاظ شداد ) (2) .
هذه المجموعة من الملائكة هم مشعل غضب الله ومظهر غضب الله ومجموعة أخرى من الملائكة هم مظهر رأفة الله ، هؤلاء رؤوفون ، رحماء ، ومتواضعون بحيث انهم ليسوا فقط مثلاً أعلى لرحمة الله ، بل في الدنيا يضعون أجنحتهم حتى يجلس طلاب العلم عليها لا على الأرض (3) ، وعندما تضع الملائكة اجتحتها حتى يجلس طلاب العلم ، هنا لا يكون الكلام على المرأة أو الرجل .
( وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ) (4) .
هذه الأجنحة هي التي ذكرت في القرآن الكريم في أول سورة فاطر :
( الحمد الله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع ) (5) .
عندما يمدح الإمام علي عليه السلام أجنحة الملائكة يقول :
____________
(1) سورة الحاقة ، الآيات : 30 ـ 32 .
(2) سورة التحريم ، الآية : 6 .
(3) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الخطبة 183 .
(4) أصول الكافي ، ج 1 ص 34 .
(5) سورة فاطر ، الآية : 1 .

(205)

( أولي أجنحة تسبح جلال عزّته ) (1) .
طبعاً ليس ذلك التسبيح العام الذي لدى جناح كل طائر . فحتى الطير الذي يحرم لحمه يسبح جناحاه بحمد الله .
( وان من شيء إلا يسبح بحمده ) (2) .
وحتى الحيوان نجس العين يسبح لله .
( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) (3) .
ولكن علة أنه ذكر في نهج البلاغة خصوصية لتسبيح اجنحة الملائكة وقال : إنها أولي أجنحة تسبح جلال عزته هي كونه تسبيحاً خاصاً ، هذا النوع من الملائكة هم مثل رحمة الله . الناس على نوعين أيضاً ، بعضهم مظهر الصلابة ، وبعضهم مظهر الرحمة . هل الملائكة الذين هم مظهر الصلابة أرقى ام الملائكة الذين هم مظهر الرأفة والرحمة ؟ واضح ان للملائكة درجات أيضاً ، لأنه قال في القرآن ( أصحاب النار ) (4) أي الملائكة الذين يتولون مسؤولية جهنم ، وفي محل آخر :
( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) (5) .
هؤلاء في نفس الوقت الذي هم في جهنم ويتولون مسؤولية جهنم وأهل جهنم ولكنهم ( في روضة من رياض الجنة ) ومجموعة أخرى الملائكة الذين هم مثل رحمة ورأفة الله . وهؤلاء في الجنة .
____________
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الخطبة 90 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 44 .
(3) سورة النور ، الآية : 41 .
(4) سورة المدثر ، الآية : 31 .
(5) سورة المدثر ، الآية : 31 .

(206)

المرأة مظهر رأفة الله :
الناس كذلك بعضهم مظهر صلابة الله . مشغولون بالحرب مع الكفار في ميدان الحرب ، والبعض الآخر هم مظهر الرأفة يعملون خلف الجبهة . أي أن كل صنف يقوم بعمله الخاص به . لأن الذي يشحذ السلاح له وظيفة ، والذي يتولى معالجة مجروح الحرب له مسؤولية أخرى .
هناك فريق يدخلون صحراء المحشر يوم القيامة راكبين ـ منهم فاطمة الزهراء عليها السلام . ولا يأتي الجميع راكبين ، فما هو هذا المركب ؟ ما هو هذا الركوب ، ما هي ميزة ذلك الذي يأتي راكباً ؟ مجموعة من الناس يأتون راكبين ، ولكن هل هو مثل ركوب البعير الظاهري أو مثل ركوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ليلة المعراج ( خطوها مدّ البصر ) (1) . على آية حال كثير من مسائل المعراج وكثير من مسائل القيامة يجب أن يعترف الإنسان أنه لا يعرفها ، ليس كل هذه تكون شبيهة بالمسائل الدنيوية ، كثير من الأشياء قابلة للفهم والإدراك ، وكثير من الأشياء غير واضحة .
بناء على هذا مع إدراك هذه الحقائق فانه لا تطرح هذه الأسئلة وهي انه لماذا لم يعط المقام التنفيذي الفلاني للمرأة ، والمقام التنفيذي الفلاني للرجال ؟ وغير ذلك . إن ما هو معيار الفضيلة ليس المقام التنفيذي ، فأي مقام دنيوي يكون أرقى من الخلافة الظاهرية ؟

وجوه الخلافة :
للخلافة وجهان ، الوجه الصادق لها مر في البحوث السابقة انه ليس قابلاً للنصب ولا قابلاً للغضب ، لا الناس يستطيعون ان ينصبوا شخصاً بعنوان خليفة ، ولا يستطيع متجبر ، ان يغصب هذا المقام باستخدام القوة .
____________
(1) بحار الأنوار ، ج 18 ، ص 333 .
(207)

والذي شكا من غصبه أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية كان مقاماً تنفيذياً ومسؤولية وخلافة ظاهرية ، ولم يكن مقصود الإمام غصب تلك الخلافة التي هي محتوى ( إني جاعل في الأرض خليفة ) (1) حيث ان هذه الخلافة ليست قابلة للغصب أساساً ، كما انها ليست قابلة للنصب . بل أن هذا المقام والخلافة يجب أن يعطيها الله .
أما الوجه الآخر للخلافة ، فهي الخلافة الظاهرية ( أي الحكومة والعمل التنفيذي ) . هذا العمل من بين الأعمال التنفيذية هو في صدر الأعمال ، بأن يصبح شخص خليفة المسلمين ، ولأنه ليس هناك مقام أعلى من هذا من حيث التنفيذ ـ فإذا تولى أمثال مالك الأشتر منصباً فهو بعنوان نيابة ـ فالخلافة هي أرقى مقام من حيث المناصب التنفيذية . وقد بين أمير المؤمنين عليه السلام جيداً موقعها وقيمتها وقال : إن نفس هذا المقام بمعزل عن مسألة إحقاق الحق وإبطال الباطل يعد من الدنيا ، والدنيا ليست إلا ( عراق خنزير في يد مجذوم ) (2) كما قال بشأن هذا المقام ( كعفطة عنز ) (3) . فيلزم أولاً توضيح أن الأعمال التنفيذية لا تأتي بالجنة ، حتى يقال لماذا ليس للمرأة سهم في هذا القسم وللرجل سهم أكثر . ان قولهم ( لو كان العلم منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس ) (4) هو علم الفراسة ، البعض احتمل انه إشارة إلى أهل الفراسة وليس فارس التي تقع في جنوب إيران ، ان الذين هم أهل الفراسة ( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله عز وجل ) (5) هم الذين يصلون إلى الثريا . في علم الفراسة وعلم الوراثة ليست هناك أية ميزة لصنف
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .
(2) نهج البلاغة . فيض الإسلام ، الخطبة 228 .
(3) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الخطبة 3 .
(4) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 195 .
(5) الكافي ، ج 1 ، الباب 28 .

(208)

على آخر . وإذا كان هناك امتياز في حيث علم الدراسة فان بعض الأقسام تفهمها النساء أفضل وتعمل أفضل . وقسم آخر ، يفهمه الرجال أفضل ويعملون أفضل ، وهذا الفرق هو من أجل إيجاد نظام أحسن .

دور الدعاء في الوصول الى التكامل :
ان الكمالات الإنسانية تحصل في ظل عبادة واطاعة الله ، والإطاعة والعبادة مشتركة بين المرأة والرجل فقطع طريق التكامل يكون مشتركاً .
كمثال ، الدعاء والمناجاة هي من أفضل طريق التكامل الإنساني ، لأن كمال الإنسان هو في أن يتقرب إلى الله وهو العلم المحض والوجود الصرف والقدرة الصرفة ، ويتخلق بأخلاق الكامل المحض ، وطريق التخلق بالأخلاق الإلهية والتقرب إلى ذلك الكمال ، هو بعهدة العبادات والأدعية .
في هذه الأدعية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، وقد جوزوا وعلموا أهم المناجاة والأدعية للنساء والرجال بالتساوي لم يقل للرجال : إقرأوا دعاء كميل أو المناجاة الشعبانية ولا يحق للنساء مثل هذه الأدعية .
إذا كانت أمرأة انجح من رجل في قراءة المناجاة الشعبانية او الجوشن الكبير يكون تجاهها في التكامل أكثر من الرجل أيضاً ، وفي البحوث السابقة اتضح أن نصيب النساء من مسألة المناجاة والموعظة إذا لم يكن أكثر من الرجال فليس أقل ، لأنها كائن عاطفي أرق قلباً ، ورقة القلب والعاطفة والشعور لها دور مؤثر في طريق الله . بناء على هذا فالنساء تستطيع ان تكون أنجح من الرجال في هذا الطريق .

التقوى معيار الكمال وحصن المؤمن :
في القرآن الكريم هناك أساس هو معيار الكمال ، وتوزن سائر


(209)

الكمالات في ضوء ذلك الاساس وهو ، التقرب إلى الله ، الذي ذكر بعنوان التقوى .
الإنسان المتقي لديه وقاية ، الإنسان المتقي مسلح بدرع ، التقوى التي تعطي الإنسان رؤية عرفانية ، الإنسان المتقي لا يذنب ، والرؤية الكونية للإنسان المتقي تحفظ هذا الدرع كاملاً في المحل المناسب في اتجاهه الخاص ، فإذا رآى خيراً في العالم يوجه الدرع فوراً لنفسه لكي لا يسند الخير إليه بل يرتبط بالله مباشرة ، حتى يتضح أن هذا العمل ، هو عمل الله ، وإذا ظهر شر وآفة وضرر في العالم هذا يوجه الدرع مباشرة نحو الله لئلا يسند هذا الشر والسوء والقبح والضرر والآفة إلى الله .

فرق الخير والشر في الانتساب إلى الله :
سورة النساء تبين أمر المتقين :
( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً * ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلتك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ) (1) .
أي : رغم ان الخيرات والشرور كلها من عند الله ، وجذورها التكوينية من الله ، ولكن فرق الخير والشر هو أن الخير ( من عند الله ) وكذلك ( من الله ) ، أما المصيبة والشر فهي ( من عند الله ) ولكن ليست ( من الله ) .
إذا كان الشخص متقياً يعطيه بيده وقاية ودرع نظرة كونية جيدة مثل بستاني ماهر يسعى ويجهد من أجل تنمية الورود وفي يده حاجز حديدي كلما
____________
(1) سورة النساء ، الآيتين : 78 ـ 79 .
(210)
وجد ماء عذباً ومناسباً لا يسمح للأوساخ ان تذهب ويسد الطريق حتى يسقي الورد هذا الماء العذب والشفاف والزلال ، وكلما جاء ماء مالح ومر ومضر يضع الحاجز الحديدي باتجاه الورود ولا يسمح بأن يصل الماء المالح أو الماء الملوث والطيني إلى بستانه ، المتقون لهم في رعاية مزارعهم نفس هذا العمل الذي للبستاني الماهر في رعاية الورود ، أي أن البستاني المتقي في يده قفل الماء ، وعندما يصله ماء حلال هو سهمه يحفظه من التوسخ والتلوث ، ولا يسمح أن يصرف الماء الحلال والمباح بلا فائدة ويضع الحاجز حتى لا يذهب إلى محل آخر ويصب في مزرعته ومرتعه فقط ، وإذا وصله ماء هو سهم الآخرين وليس مباحاً وحلالاً له ، يضع قفل الماء هذا حاجزاً ولا يسمح بان يجري في بستانه ، ويسعى ان يذهب هذا الماء الذي هو سهم الآخرين إلى مزارعهم .
الإنسان ، سواء في تغذية الورود ـ في المسائل الطبيعية ـ أو في تغذية مزرعته ؛ في مسائل الحلال والحرام ـ في يده قفل ماء وهذا القفل هو الوقاية الذي هو درعه ، والإنسان صاحب الرؤية الكونية مسلح بهذا الدرع التوحيدي ، وعندما يرى خيراً . فضيلة ، بركة ، رحمة ، نعمة ، ونجاحاً يجعل هذا الدرع فوراً حائلاً ؛ لئلا تعتبر هذه الخيرات والبركات ناجمة من نفسه ولئلا يصبح مغروراً ويقول إنني أصبحت مصدر حدوث هذه الخيرات والبركات ، أو أنني الذي صمت في شهر رمضان وقمت بالعبادات في النهار والأدعية في الليل وأمثال ذلك ؛ لأنه ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) .
وإذا تعرض إلى ضرر ، آفة ، معصية ، فشل ، حرمان وأمثال ذلك يوجه هذا الدرع فوراً نحو الله لئلا تسند هذه المصيبة والآفة إلى الله ، بل ينسبها إلى نفسه ويقول : أنا الذي لم أكن أهلاً للنجاح . وهذه تسمى التقوى ، التقوى ليست في أن لا يذنب الإنسان ، لا يكذب ، هذه أعمال ابتدائية ويقال للمسلم


(211)

في الصف الأول والثاني : لا تنظر إلى غير المحرم ، لا تكذب لا تغتب ، والتي هي من المسائل الابتدائية والأولية في الدين ، ويجب أن لا يقال للشخص الذي ارتفع سنه وتعرف على هذه المسائل الإسلامية عدة سنوات ، لا تكذب ، لا تغتب لا تنظر إلى غير المحرم وأمثال ذلك .
إن هذه صغيرة للشخص الذي هو من أهل الطريق ، يجب أن يصل إلى حد يصبح فيه من أهل التقوى أي أن يمتلك وقاية ودرعاً في اليد ، وتكون رؤيته الكونية رؤية كونية واعية ، وهذا المعنى تعلمه للناس الأدعية وخاصة أدعية شهر رمضان المبارك وفي هذا التدرع الذي هو رؤية كونية عرفانية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، بل إن المناجاة والدموع والأنين التي هي رأسمال وسلاح هذا الطريق لدى النساء أقوى من الرجال .

سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر :
اتضح في بحوث أخرى ان الشخص إذا أراد ان يحارب عدواً خارجياً يجب أن يستفيد من الحديد ، من الدبابة ، ولكن إذا أراد ان يحارب العدو الداخلي يجب ان يستفيد من ( الآه ) وليس من الحديد . يجب الاستفادة من ( الآه ) في مكافحة الهوى ؛ لأن الحديد لا يستطيع ان يعمل في ذلك المكان . الإنسان الذي يجلس على دبابة أو مقاتلة أخرى حديدية الهيكل لا يستطيع ان يحارب الهوى ، بل إن الشخص الذي يعيش إلى جانب الدعاء والمناجاة ، هو مسلح حيث ورد في دعاء كميل :
« وسلاحة البكاء » (1) .
أي ان أسلحة الإنسان في محاربة العدو الداخلي ، في جبهة الجهاد الأكبر هي الآه وليس الحديد ، البكاء وليس السيف ، والسلاح الحاد والمفيد
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء كميل .
(212)

في الجهاد الأكبر هو تهذيب النفس والأنين ، وهذه الأسلحة لدى النساء أكثر من الرجال .
في طريق تهذيب النفس سلح الله سبحانه النساء أكثر من الرجال ، لأن البكاء له مبادىء ، الأنين و البكاء ليس في كل شخص ، كثير يجلسون في مجالس عزاء سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام ، ولكن ليس لديهم ذلك الفن والإدراك في أن يبكوا ، وعلى فرض ان لديهم إدراكاً ، فان رقة القلب ليست فيهم ، حيث أن تحصيل رقة القلب ، ليس عمل كل شخص وليست الفضيلة التي يحظى بها كل شخص ، على هذا فرأسمال الجهاد الأكبر هو البكاء . ( وسلاحه البكاء ) وهذا السلاح المفيد أعطاه الله تعالى للجميع ، ولكن النساء اكثر تسلحاً من الرجال ، الشخص الذي ينكسر قلبه بسرعة ويبكي ، لماذا لا يئن في طريق تهذيب النفس .
في دعاء ابي حمزة الثمالي الذي هو من أكثر أدعية شهر رمضان المبارك تفضيلاً ، يدعو الإمام السجاد عليه السلام الله تعالى ( وأعني بالبكاء على نفسي ) (1) .
أعني أن أفهم أفضل وأئن أفضل ، أعني أذا انتهت دموعي بأن تخرج الدموع مرة ثانية ؛ لأن الأنين هو السلاح الوحيد في الجهاد الأكبر ، وهذا الأنين لدى النساء أفضل من الرجال ، في أية آية قرآنية وفي أية رواية جاء أن الرئاسة أو قيادة القوات المسلحة وأمثال ذلك يؤدي إلى الدخول إلى الجنة ، هذه هي أعمال تنفيذية هي وظيفة ، هي أمانة وليست طعمة ، فإذا لم تكن المرأة متواجدة في الأقسام المختلفة للأعمال التنفيذية أو مسائل الجبهة والجهاد والأقسام العسكرية ، لم يدل ذل على أن يكون سهماً أقل من
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .

(213)

الرجل في التقرب إلى الله .
بناء على هذا يجب أن تكون النساء عارفات بالحق ؛ لأن الله أعطى هذا السلاح لهن أكثر من الرجال ، كل ما في الأمر أنه يجب عليهن صرف هذا في محله .

البكاء في محلة :
أحياناً يحمل شخص سيفاً في يده ولكنه يضرب به صخرة ، في حين أن هذا السيف الحاد يجب أن يضرب به العدو ، أحياناً أيضاً يبكي شخص ، ولكنه يبكي من أجل الدنيا ، قلبه رقيق ومن أهل الأنين والبكاء ، ولكنه يئن في غير محله ، التعاليم الدينية من أجل أن يستعمل الإنسان هذا السلاح في محله .
يقول للرجال : هيئوا أسلحة واستعملوا الأسلحة في محلها ، ويقول للنساء : إن الله اعطاكن أسلحة ، غاية ما في الأمر استعملنها في محلها . يجب أن يتحمل الرجال مشقتين والمرأة مشقة واحدة ، مثل بلد غير مسلح في الحرب ويقال له اكتفي وهيّىء أسلحة ، ثم استعلمها في محلها ، ولكن لا يقال للبلدان التي وصلت حد الاكتفاء الذاتي في انتاج السلاح أن تتسلح ، بل يقال لديك سلاح ولكن استعمليه في محله .
من هنا يقول الإمام السجاد عليه السلام : ( فما لي لا أبكي ، أبكي لخروج نفسي ، أبكي لظلمة قبري ، أبكي لضيق لحدي » (1) .
فيتضح ان الإنسان ما لم يبك لا ينجو ، وهذا البكاء هو سلاح الإنسان أيضاً ، وهذا السلاح اعطاه الله للجميع ، ولكن اعطاه النساء أكثر من الرجال ، وقال لهن ان يستعملن هذا السلاح في محله .
____________
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .
(214)

فنحن عندما نلاحظ ان الإمام السجاد عليه السلام يسأل من الله توفيق البكاء ويدعو الله أن يعينه بالبكاء على نفسه ، فسر ذلك هو أننا نواجه عدواً أقوى ، عدواً في نفس الدار ، وهو الهوى ، ومن أجل أن يتضح هل ننتصر في هذه الحرب أم نخسر ، يجب أن يكون كل كلام يقوله الناطق باسمنا معياراً لنا ، الفم هو ناطق باسمنا ، إذا قال شخص انني اعمل ما أريد ، وأقول كل ما أريد ، يتضح أنه فشل وأسر ، كيف يكون الإنسان عبد الله ، ثم يقول : انني اعمل ما أريد ، وأقول ما أريد ، هذا الذي يتكلم هو الشيطان وهو ناطق باسم الشيطان .
ولكن الإنسان إذا وصل إلى درجة بحيث يقول : كل ما أراده الله ، أقوله ، واطيع كل ما أراد الله . يجب أن يكون شاكراً ؛ لأنه ناطق باسم الملائكة والأنين لازم من أجل الانتصار في جبهة الجهاد الأكبر ، القوة لا تفيد شخصاً ، فهي خارج حدود القلب والحرب ، هي في داخل القلب ، والقبضة القوية والأموال والمقام ليست لها علاقة بميدان القلب والنفس ، في مكان تقع حرب ، وهو لديه مقام في مكان آخر ، هذا ليس قابلاً للطرح أساساً ، الحرب في القلب يلزمها سلاح واحد وهو انكسار القلب في محضر الله ، وفي هذا السلاح ، النساء أنجح من الرجال ؛ يجب أن تجرب النساء عدة أيام ويقطعن هذا الطريق حتى ترى ان بأمكانهن ان يكن أسوة للمجتمع .
وفي البحوث السابقة اتضح أيضاً ان منطق القرآن هو ان المرأة الجيدة هي نموذج للناس الجيدين وليس فقط نموذجاً للنساء .

التقرب إلى الله أساس سائر الكمالات :
كل كمال يذكره الله تعالى في القرآن ، يعتبره فرع تقرب إلى الله . حتى العلم ، حتى الفقه والأصول ، التفسير ، الفلسفة والعرفان التي هي من أفضل


(215)

العلوم الإسلامية ، يعتبرها فرع تقرب إلى الله .
هل العلم نفسه هو كمال وهل القرآن الكريم الذي يعتبر العالم أفضل من الجاهل ويقول : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (1) .
يبين أصلاً من أصول دستور الدين أم هو ملحق لأصل لآخر ؟ في الجواب يجب القول : إن هذا ليس أصلاً ، بل هو ملحق ، الفرق بين الأصل والملحق هو أن الأصل مستقل والملحق يكتب في آخر الأصل .
في إحدى آيات سورة الزمر هناك أصل وملحق الأصل هو الأنين والضجة والتقوى والبكاء والعبودية في محضر الله تعالى ، وذيل هذا الأصل ، هي مسألة العلم .
( أمنّ هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) (2) .
والقرآن يطرح أولاً أصلاً ويقول : هل إن الذين يعبدون في الليل يستوون مع الآخرين ؟ هل أن الذين هم من أهل الركوع والقنوت والخشوع والتواضع والعبودية في ساحة الله تعالى . يستوون مع الآخرين ؟ الذين يرجون رحمة الله ويقلقون على مستقبلهم هل يستوون مع الآخرين ؟ ثم يقول في آخر هذا الأصل بعنوان ملحق : هل يستوي العالم وغير العالم ؟
يتضح أن المقصود هو العلم الذي يكون ملحق ذلك الأصل ، أي القنوت والخضوع والعبودية في ساحة الله ، والأنين ليلاً ، رجاء رحمة الله وخشية عقابه . هذا أولاّ ، ثم مسألة العلم ثانياً ، ولو لم يكن ذلك الأصل فهذا
____________
(1) سورة الزمر ، الآية : 9 .
(2) سورة الزمر ، الآية : 9 .

(216)

العلم ليس أكثر من وبال .
( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه )(1).
أمير المؤمنين عليه السلام يبين أنه رب عالم قد قتله جهله ، عالم ولكنه ليس عاقلاً ، ولأنه ليس عاقلاً ، فهو جاهل ـ أي الجهل مقابل العقل وليس الجهل في مقابل العلم ـ فرغم انه عالم ، لكنه خسر في جبهة جهاد الداخل وهلك . ( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه ) العلم ليس بتلك الاستطاعة ، بل العقل والعقل يظهر بالأنين .
فإذا اعتبر القرآن ، العلم بوصفه ميزة وفضيلة ، يعتبر هذا ملحق ذلك الأصل .
يمكن ان يكون هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل العلمية ، ولكن في مسألة الأنين والبكاء ، إن لم تكن المرأة اكثر نجاحاً ، فهي ليست أكثر حرماناً ، ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) . ثم ( قل هل يستوي الذين يعلمون ) هذه الآية الكريمة تشخص التقوى وتعطي للإنسان العارف درعاً ، لم يقل : إن الذي يعبد آناء الليل يخاف من الله ، بل ينسب الرجاء إلى الله والخوف إلى عاقبة عمله لم يقل : ( يحذر ربه ويرجو رحمة ربه ) ؛ لأن الله كمال محض والكمال المحض ليس لديه خوف .
ورد في دعاء السحر :
( اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ) (2) .
كل هذا الدعاء هو جمال ، وبما أن الله تعالى كله جمال ، فلا محل
____________
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 104 .
(2) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .