أيضاً ذكر شواهد قرآنية لذلك ، حيث ان الروح اعتبرت مجردة في القرآن الكريم ، وان الله تعالى يتوفى كل الروح عندما يموت الإنسان (1) ، وإذا فقد الإنسان البدن فإن كل حقيقته تبقى محفوظة ، ونتيجة هذا الكلام هي أن البدن ليس عين الذات ولا جزء من الذات ولا من لوازم الذات ، بل هو أداة الذات ، ورغم ان الإنسان لديه بدن سواء في الدنيا أو في البرزخ أو في القيامة ، ولكن البدن في كل هذه المراحل الثلاث هو أداة عمل . دليل هذا الكلام هو تحليل آيات الشهادة ، قال تعالى في آيات الشهادة :
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ) (2) .
هذا الحي هو الشهيد الذي وقع بدنه في ميدان القتال ، وقوله تعالى بانه حي هل يعني أنه حي مع البدن ؟ هل البدن هو كل الحقيقة أم جزء من الحقيقة أو من لوازم الحقيقة ؟ إنه حي بدون البدن والبدن لم يكن أكثر من أداة عملية ، فإذا لم يصبح مفيداً ، يختار بدناً آخر ، وعلى أي حال هو حي . وقال تعالى في آية أخرى :
( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ) (3) .
لأنهم أحياء بدون بدن ، وفي الجواب على أولئك الذين قالوا :
( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) (4) .
قال تعالى :
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ) (5) .
____________
(1) ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) سورة الزمر ، الآية : 42 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 169 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 154 .
(4) سورة السجدة ، الآية : 10 .
(5) سورة السجدة ، الآية : 11 .

(258)

إن روح الإنسان تشكل كل حقيقته بدلالة آيات الشهادة وأمثالها ـ ولهذا السبب يقول إن الشهيد كالحي . أو بدلالة أمثال هذه الآية الشريفة :
( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) (1) .
وهنا الإنسان حيّ مع أنه فقد بدنه الطبيعي .

امتياز المرأة والرجل حسب العلل والعوامل الداخلية والخارجية :
البرهان العقلي يقدم على ان امتياز شيئين مختلفين ومتمايزين هو إما حسب علل وعوامل خارجية أو طبق علل وعوامل داخلية . وإذا لم يكن هناك أي تمايز بين هذين الأمرين من حيث العلل الخارجية والعوامل الداخلية ، فإن هذين الأمرين ، يكونان صنفين من نوع واحد ، أو فردين من صنف واحد ، ولكن لا يكونان أبداً نوعين من جنس واحد ، لأنهما في هذه الحالة يحصلان على اختلاف جوهري . إن المبدأ الفعلي والغائي للناس سواء النساء أو الرجال هو واحد ، والدين الذي جاء لتربيتهم هو واحد لكلا الصنفين ، والجزاء الذي هو نتيجة العمل ، هو أصل واحد لكليهما ـ هذا الأمر ، أي نفي التمايز الخارجي ، يقع موضع استشهاد المعصومين عليهم السلام في كثير من المسائل . فقد جاء في الرواية :
( إن الربّ واحد والأب واحد وإن الدين واحد ) (2) .
أي ان العرق ليس عامل اختلاف ، والقومية والزمان واللغة لا تهيىء أرضية امتياز ، حيث يستشهد في هذه الرواية بتساوي العلل والعوامل الخارجية ويقول : بما أن الرب واحد ورجوع الجميع إلى مرجع واحد وجزاء الجميع هو في مقابل العمل فالأقوام والشعوب لا تختلف .
____________
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 100 .
(2) معالم الحكومة ، ص 404 .

(259)

وأما في مسألة العلل والعوامل الداخلية فقد أشير أيضاً إلى أنه يمكن ان تكون هناك اختلافات ضئيلة بين المرأة والرجل ولكن في النهاية جبرت ، وإذا كان هناك اختلاف بين المرأة والرجل في قسم من الأجهزة المخية ، لكن هذا الاختلاف ليس دليلاً على أنهما مختلفان في جميع الفضائل . طبعاً لعله من اللازم لبعض الأوصاف النفسانية وجود مقدمات وأداة في مخ الرجل ، ولنيل بعض الكمالات الإنسانية الأخرى من اللازم ان توجد أداة في جهاز مخ المرأة .
بناء على هذا إذا بحث شخص العلاقة بين جميع الفضائل النفسانية وذرات المادة واتضح له بشكل كامل أي قسم من تلك الأقسام المخية لازم للوصول إلى الفضيلة الفلانية ، عند ذلك يستطيع أن يدّعي ، أنه نظراً لوجود اختلاف بين جهاز مخ المرأة والرجل ، ونيل الكمالات ليس متساويا فيهما ، ففي النتيجة يكون مقام المرأة أقل من مقام الرجل ، في حين أن إقامة هذا الدليل صعبة ، وهذا الادعاء بدون دليل ليس قابلاً للقبول .
طبعاً هناك نوع اختلاف في جهاز مخ المرأة ، ولكن هل أن جميع الفضائل النفسانية والكمالات الروحية تتوزع على أساس هذه الاختلافات المخية ، أم لا ؟ هذا يلزمه فحص وتخصص آخر . قد يلزم لقسم آخر من الكمالات ذلك المقدار من الذرات التي لدى المرأة وليس الرجل ، فقد أشير في بحوث سابقة أن نسبة قبول الموعظة لدى المرأة أعلى منها لدى الرجل وقطع طريق القلب أسهل لدى المرأة . وبناء على أنه ليس هناك اختلاف من حيث العلل والعوامل الداخلية أو ان الحكم بالاختلافات صعب ، لا يمكن القول : إن للرجل فضيلة على المرأة .
طبعاً أشير في البحوث السابقة إلى أن البحث هو حول الرجل في


(260)

مقابل المرأة والمرأة في مقابل الرجل وليس المرأة في مقابل الزوج ، وبعض الاختلاف والأوامر والآيات أيضاً من قبيل :
( الرجال قوّامون على النساء ) (1) أو ( وللرجال عليهن درجة ) (2) .
تتولى بيان مقام المرأة في مقابل الزوج . ومرت نماذج من ذلك أيضاً حيث نلاحظ أحياناً أن للمرأة افضلية على الرجل ، مثل الأم بالنسبة إلى الابن الذي يجب عليه إطاعة أوامرها ، وعقوقها معصية ، وهذه المسائل الداخلية والعائلية لا تدخل بحساب ذلك البحث العام ؛ لأن البحث العام هو بشأن المرأة في مقابل الرجل ، والاختلافات النسبية والأحكام الخاصة تتعلق بداخل الأسرة ، وأحياناً يكون للرجل فضيلة على المرأة أيضاً ، وأحياناً لا يختلفان مثل الأخ والأخت .
إذا لم تختلف العلل والعوامل الخارجية في هذا المجال فليس هناك طريق لتمايز هذين الصنفين ، هناك شواهد كما يستفاد من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام تقوم على أن بني إسحاق وبني إسماعيل متساوون ، عندما دخل شخص على أمير المؤمنين عليه السلام وقال اعطني عطاء أكثر ، فرفع الإمام ـ طبق ما نقله صاحب ( الغارات ) (3) مقداراً من التراب من الأرض وقال بأن جميع الناس هم من التراب وليس في التراب تمايز واختلاف . ثم قال في قسم آخر بأن القرآن الكريم لم يفرق بين بني إسحاق وبني إسماعيل ، لم يفرق القرآن بين الذين هم من أبناء إسحاق وولدوا من أم حرّة . وبين الذين هم أبناء إسماعيل وولدوا من أم أمة .
يتضح من هذه الآية ان العلل والعوامل الخارجية ليس لها دور ( فمن
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 34 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 228 .
(3) الغارات ، ج 1 ، ص 70 .

(261)

حيث العلل والعوامل الخارجية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل والمهم ان يكون هناك اختلاف بينهما في العلل والعوامل الداخلية ، واثبات ذلك صعب أيضاً ) .
على أي حال فان البحث يقع في محور الروح وليس الجسم والعوامل الخارجية ، ومن هنا يتضح خطأ الذي أقاموا شواهد من أجل المساواة المادية بين المرأة والرجل ، وكذلك الذين أرادوا أن يطرحوا المسائل في حد الإختلاف ، فأولئك استعانوا بشواهد مادية أيضاً ، في حين أن البحث ليس في محور المادة والبدن بل هو في محور الروح التي هي منزهة عن الذكورة والأنوثة ، والروح سواء على أساس قاعدة الافلاطونيين أوعلى أساس قاعدة الأرسطوئيين أو على أساس الحكمة المتعالية فمن الواضح أن روح المرأة والرجل لا تختلف من هذه الناحية. طبعاً هناك بين الرجال أشخاص كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تصل امرأة إلى مقامه ، وحتى أنوار أهل البيت أيضاً ـ الذين هم نور واحد ـ في ذلك العالم ـ لم يصل شخص منهم إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هذا لأن الرجل هو أعلى من المرأة ؛ إذ لم يصل إلى هذا المقام حتى الأنبياء والمرسلون . ويجب الالتفات إلى أن هذا البحث هو بحث علم علمي محض وليس له أية ثمرة عملية ؛ لأنه ليس هناك شخص يتوقع نيل هذا المقام الرفيع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . في مجتمع المرأة والرجل لا يمكن القول : إن الرجل لديه مقام لا تناله المرأة ، هل يمكن القول : إن كمالاً من الكمالات النفسانية ممكن للرجال وليس ممكناً للنساء ؟ إن ادعاء هذه المسائل ليس قابلاً للإثبات أبداً .

الاختلاف العقلي في المرأة والرجل :
يقال أحياناً : إن جانب عقل الرجل هو أكثر من عقل المرأة ، والتجارب الماضية والحالية مؤيدة لهذه المسألة . وقد ذكر المرحوم العلامة


(262)

الطباطبائي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ هذا الموضوع في تفسير الميزان وذكر ان العقل الذي هو في الرجل اكثر من المرأة هو فضيلة زائدة وليس معيار فضل .
أما بيان السند فهو ان العقل في الإسلام هو معيار الكمال الإنساني ، أي أن كمل شخص اعقل هو أقرب إلى الكمال الإنساني وأكثر قرباً عند الله ، وكل شخص أبعد عن العقل هو أقل استفادة من الكمال الإنساني وأكثر حرماناً من مقام القرب الإلهي ، ولكن تقع أحياناً مغالطة من أثر الاشتراك اللفظي الموجود ، ويستدل على أن الرجال أقرب إلى الله من النساء بأن معيار الاختلاف ومعيار الكمال الإنساني هو العقل ، وهذا العقل عند الرجل أكثر من المرأة ، في حين ان هذا الاستدلال ليس كاملاً ، بل إنه مغالطة تقع من أثر اشتراك اللفظ .
نظراً لأن العقل يطلق على معاني متنوعة بصورة اشتراك ، لذا يجب اولاً أن يتضح أي عقل هو معيار الكمال الإنساني والقرب الإلهي ، وثانياً أي عقل تختلف فيه المرأة والرجل عن بعضهما .

دفع مغالطة :
منشأ هذه المغالطة هو ان الحد الوسط في هذا القياس لم يتكرر ، وعندما لا يتكرر الحد الوسط في القياس لا يكون القياس منتجاً ، ورغم ان لفظ العقل يتكرر في الحد الوسط ظاهراً ، ولكن ذلك المعنى والمقصود في المقدمتين مختلف ، أي رغم انه يقال : إن الرجل والمرأة يختلفان في العقل ، والعقل هو معيار القرب إلى الله ، وكل من كان عقله أكثر فهو أقرب إلى الله ، ولكن العقل الذي يذكر في المقدمة الثانية هو غير العقل الذي ورد في المقدمة الأولى ، بعبارة أخرى إن العقل الذي يختلف فيه الرجل والمرأة


(263)

هو غير العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله .
إذاً يجب أن نفصل هذين المعنيين للعقل عن بعضهما ، وحينئذ لا يتكرر الحد الأوسط ، فلا يمكن أبداً ترتيب قياس يستنتج منه فضيلة الرجل على المرأة ؛ لأن العقل الذي يختلف بين المرأة والرجل هي العقول الاجتماعية ، أي في كيفية الإدارة ، في المسائل السياسية ، الاقتصادية ، العلمية ، التجريبية ، الرياضية ، وعلى فرض انه ثبت أن عقل الرجل هو أكثر من عقل المرأة في هذا النوع من العلوم والمسائل التنفيذية ـ ( وإثبات هذه المسألة ليس أمراً سهلاً ) ـ فهل أن العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله هو هذا العقل الذي هو موضع ميزة بين المرأة والرجل ؟ هل يمكن القول إن كل شخص يفهم أفضل في مسائل الفيزياء ، والطب ، والمسائل الرياضية وأمثال ذلك هو أقرب إلى الله ؟ هل أن هذا العقل هو سبب التقرب أم أن العقل الذي ( عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ) هو سبب التقرب ؟
إن العقل الذي هو سبب تقرب إلى الله ، ( وكل إنسان لديه استفادة أكثر من ذلك العقل يكو أقرب إلى الله وله في القيامة نصيب أكثر وأفضل ) ذلك العقل هو الذي ذكر في هذه الرواية المعروفة بوصفه وسيلة عبادة وكسب الجنة .
ذلك العقل هو الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن تسميته بهذا الاسم أن الإنسان العاقل يعقل بواسطة تلك القوة الغرائز والميول ـ العقال هو حبل تربط به ركبة البعير الهائج حتى لا يرفس ولا يذهب خارج المكان . إن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل لم يعقل ناقته ودخل المسجد فاخذوا تلك الناقة :


(264)

( اعقلها وتوكل ) (1) .
ليسى بمعنى أن يتعقل ثم يتوكل ، بل يعني اعقل وتوكل ، أي أحفظ هذه الوسائل العادية ، وتوكل على الله في تلك الوسائل التي هي خارج استطاعتك . ( اعقلها وتوكل ) طبق تلك الرواية الأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن العقل يسمى عقلاً لأنه يمنع الميول والغرائز ويعقل ركبة الجهل والشهوة المحرمة .
في هذا العقال كلما استطاع الإنسان ان يربط هذه الغرائز بشكل أفضل وأكثر يصبح أكمل ، ومعنى ربط الغرائز هو توازنها لا تعطيلها . بناء على هذا فان ما يؤدي إلى التقرب إلى الله ، هو العقل الذي ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) والعقل الذي يمكن ان يكون لدى الرجل أكثر من المرأة هو عقل العلوم وعقل السياسة وعقل الأعمال التنفيذية . وإذا كان شخص اعقل في المسائل السياسية أو في سائر المسائل التنفيذية . وإذا كان شخص اعقل في المسائل السياسية أو في سائر المسائل التنفيذية . فهذا ليس دليلاً على أنه أقرب إلى الله ، ولعل ذكاءه السياسي أو ذكاءه العلمي هذا يجره إلى جهنم ، وقد يكون الرجل أفهم من المرأة في العلوم التنفيذية ، ولكن ليس لديه استطاعة عقال غرائزه .
بناء على هذا ، إذا كان لشخص فكر افضل في المسائل العلمية أو في المسائل السياسية والتفيذية فهذا ليس دليلاً على التقرب إلى الله ، الشخص الذي يستطيع ان يكبح جماع هذه الغرائز أفضل من غيره والذي يوازن هذه الميول ويكسب الجنة ، فهو أعقل .
عندما اتضح ان العقل يطلق على عدة معان ، عند ذلك يتضح ان الحد الوسط لم يتكرر في هذه الاستدلالات والقياسات . وإذا كانت المقدمة
____________
(1) نهج الفصاحة ، الحديث 359 .
(265)

الأولى هي ان نقول ان الشخص الفلاني أكمل من الآخرين في العقل بمعنى ( ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) ، عند ذلك تكون المقدمة الثانية التي هي كبرى القياس هكذا : ان كل شخص كان أكمل في العقل بمعنى ( ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) فهو أقرب إلى الله وهذا قياس منطقي وصحيح .
ولكن إذا قلنا ان الشخص الفلاني اعقل في المسائل الرياضية ، الفلسفة ، الفقه ، أو الفيزياء ، ثم نقول : ان كل من هو اعقل هو أقرب إلى الله ، هنا لم يتكرر الحد الوسط ، لأنه في الكبرى حيث نقول ان كل من هو اعقل ، أي كل من كانت تلك الجنبة النورانية ( ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) فيه أقوى هو أقرب إلى الله ، وليس كل من كان أفقه أو أفهم في الفلسفة ، لأنه يمكن ان يكون الشخص أقوى في المسائل العقلية ، ولكن حين العمل ينحرف عندما تص يده ورجله إلى الذنب ، عندما لم يتكرر الحد الوسط فهذا القياس يصبح مغالطة بدون نتيجة .
إذا أراد شخص أن يدعي أن عقل الرجل في تلك الجنبة ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) هو أقوى من المرأة فليس بمقدوره إثباته أبداً ، لأنه لا التجربة تدل على ذلك ولا البرهان يؤيده وفي البحوث السابقة اتضح ان المرأة إن لم تكن بمستوى الرجل من حيث المسائل الفكرية ، فهي من حيث المسائل القلبية أما بمستوى الرجل أو أقوى منه ، أي أن الموعظة تؤثر في المرأة أكثر من الرجل ، او جلست عدة نساء وعدة رجال واستمعوا إلى موعظة نبي لأثرت موعظة النبي في النساء أكثر من الرجل ، لأن طريق القلب ، طريق الجذب ، طريق الانعطاف ، طريق القبول ، طريق الموعظة يكون في النساء أقوى منه في الرجال ، لأن الطريق إلى الجنة ليس الفكر والبرهان فقط ، بل هناك القلب والموعظة أيضاً ، وإذا لم تكن النساء أقوى


( 266)

من الرجل في قبول الموعظة فعلى الأقل هن بمستوى الرجال . فلا يمكن القول : ان عقل الرجل أكثر من عقل المرأة ، لأن العقل الذي هو بمعنى ( ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) ليس أقوى في الرجل أبداً .
ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في تفسير الميزان ضمن قبول هذه المسألة ـ بنحو الغلبة ، وليس بنحو دائم ـ انه إذا كان عقل الرجل كثيراً في المسائل العلمية ، فهذه فضيلة زائدة وليست بمعنى فضل وكمال مثل حديث الثلاثة المعروف .
( إنما العلم ثلاثة : آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة ، وما خلاهن فهو فضل (1) .
أي أن الزائد على هذه الفروع الثلاثة هو فضيلة إذا كانت لدى شخص فهي فضيلة زائدة وإذا لم تكن لديه لا يتضرر لأنه :
( ذاك علم لا يضرّ من جهلة ) (2) .
أي أنه إذا كان هناك فرق فهو في مجموعة من المسائل التي لا تضر ولا تنفع ، لأن الإنسان له سير أبدي ، وهذا السير الأبدي ، والحياة الأبدية لها ممر للدخول هو عمر الإنسان في الدنيا ، وعندما يدخل نشأة أخرى فام مثل هذه المسائل الاعتبارية والذكاء السياسي أو التنفيذي ليس له سرق . الإنسان يستفيد من تلك الأداة الفكرية ما دام في الدنيا وعندما يدخل إلى عالم البرزخ عند ذلك تنتفي هذه العلوم بل إن هذه العلوم الحصولية تتبدل إلى علوم شهودية .
____________
(1) أصول الكافي ، ج 1 الباب 2 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، الباب 2 .

(267)

شبهات في البقاء على تقليد الميت :
إن ما يقال من أنه هل يجوز البقاء على تقليد الميت أم لا ؟ الاشكال المهم في هذه المسألة ليس هو أن فقيهاً أو مرجع تقليد إذا مات تموت أفكاره وآراؤه ؛ لأن الموت ليس عبارة من فناء الروح ، الموت هو عبارة عن انفصال الروح عن البدن ، البدن هو الذي يموت ، لأنه فقد متوليه ، لا أن الروح تموت . والأفكار والآراء تتعلق بالروح ، فمن هو صاحب رأي لم يمت ، ومن مات لم يكن صاحب رأي .
بناء على هذا ليس هناك بحث في إمكان البقاء على فتوى المرجع الذي كان يقلده في زمان الحياة .

تبديل العلم الحصولي إلى حضوري بعد الموت :
الاشكال الأساسي هو أنه إذا تبدلت فتوى ورأي مرجع التقليد لا يمكن العمل بفتواه السابقة بل يجب العمل بفتواه الجديدة . وعندما كان مرجع التقليد هذا في الدنيا كانت له مجموعة من الآراء والأفكار ، ولكن بعد رحلته من الدنيا لا نعلم هل أن مرجع التقليد السابق ظل على الرأي الأولي أم أن فتواه تبدلت بعد الموت وكشف الحقائق له : لأنه بعد الموت يتضح أي من الآراء كاان حقاً ، قبل الموت كان يستلم الفتوى من كتاب ولكن بعد الموت ليس الكلام عن كتاب ومدرسة وحوزة بل إن الواقع نفسه يتضح له وعليه فهل تبقى فتوى ورأي هذا الشخص بعد الموت على نفس الرأي السابق أم أن مسائل جديدة اتضحت له ؟ هذا هو الاشكال الأساسي رغم ان البعض قالوا : إننا نستصحب ، لأننا لا نعلم هل تبدلت فتواه أم لا .
شبهة أخرى هي ان العلم المعتبر في مرجع التقليد ، والمقلدون يقلدون مراجع التقليد من أثر ذلك العلم الخاص ، هو معارف حصولية


(268)

واستدلالية تهيأت على أساس الاستنباط من ظواهر الكتاب والسنة أو الاجماع أو البراهين الحصولية للعقل . هناك مجموعة أسس لمرجع التقليد ومجموعة مصادر ، حيث يستنبط هذه الأسس والقواعد من تلك المصادر ويفتي بالاستناد إلى هذه الأسس والقواعد الأصولية والفقهية المستنبطة من تلك المصادر ، ولكن عندما يرحل من هذه الدنيا عند ذلك لا يستعين بالأسس والقواعد الفقهية عند ذلك لا يستعين بظواهر الكتاب والسنة أو الاجماع ، بل تتبدل كل هذه العلوم الحصولية إلى علوم شهودية وحضورية ، ويرحل علم المدرسة ويظهر العلم القلبي . والاشكال الموجود هو أن الفقيه إذا حلت له مسألة بالكشف والشهود يمكن أن تكون حجة له ، ولكن هل يستطيع الآخرون أيضاً أن يقلدوا فتوى هذا الفقيه أم لا ؟ قيل : أن فتوى الفقيه المعتبرة هي المستنبطة من الأسس والمصادر الحوزية والمصطلحة ولكن إذا ثبتت الأحكام لشخص في ظل تهذيب النفس وتزكية الباطن بدون طريق المدرسة وطريق الفقه والأصول لا يمكن تقليده فيها .
وغاية الأمر بالنظر لأنه يرى عين الواقع فهو مجاز في ان يعمل بفتواه ولكن العلم المتعلق بالكشف والشهود وليس بالاستدلال والأسس والمصادر ليس موضع ثقة للتقليد . نعم هناك فرق بين العلم الذي ينشأ من البداية بواسطة الكشف والشهود مع العلم الذي يستنبط من الأسس والمبادىء الحوزوية في زمن الحياة ويتبدل بعد الموت إلى علم حضوري ، والاختلاف هو في أنه بعد رحلة المجتهد أو المرجع وتبديل علمه الحصولي إلى علم حضوري وكشف وشهود هل يمكن أيضاً العمل بفتواه أو البقاء على هذه الفتوى لا ؟ وهل في مثل هذه الحالات يكون هناك محل للاستصحبا وأمثال ذلك أم لا ؟ .
الفرض هو انه إذا كان هناك كلام بشأن البقاء على تقليد الميت وأمثال


(269)

ذلك فهو ليس لأن البدن له دور بل لأن الروح لها دور ، وهذه العلوم الحصولية تتبدل بعد الموت إلى علوم حضورية وهذه العلوم الحضورية ترتبط بالكشف والشهود وتهذيب النفس .
طبعاً إذا لم يك الشخص من أهل نزاهة الروح فان الحق لا يتضح له بعد الموت بهذه السهولة ، لأن هناك بعض الناس لا يعلمون بعد الموت أنهم ماتوا ، فهم يرون أن النشأة تغيرت ولكن لا يعلمون ماذا حصل . إن تلقين الموتى في القبور ، والقول للميت اعلم أن الموت حق ، ليفهم أنه ميت ، طبعاً الخواص يفهمون أنهم ماتوا ، ولكن كثيراً من الأفراد المتوسطين والضعفاء يرون فقط أن النشأة تغيرت ، يرون مجيء عدد من الأشخاص فيحشرون مع آخرين ، ولكن ماذا حصل ؟ أين هم ؟ ما هي الحادثة التي وقعت ؟ فلا يعلمون . بعد ذلك يفهمون شيئاً فشيئاً أنهم ماتوا ، لأن مسألة الموت من أعقد المسائل . الإنسان الذي يدخل في نشأة أخرى هو كالطفل المولود لا يفهم في البداية أنه انتقل من رحم الأم إلى عالم الطبيعة ، وبعد ذلك يفهم أنه قد ولد وحصل على حياة جديدة .

معيار الأفضلية :
الخلاصة انه إذا كان هناك فرق بين المرأة والرجل من الناحية العقلية ففي العقل بمعنى كونه أداة القيام بأعمال الدنيا ، أي العقل الذي يستطيع الإنسان به تهيئة العلوم الحوزوية والجامعية حتى تدور عجلة الدنيا ، لذا لا تعثرون في أي مكان على شخص يقول إن الأعلم هو أقرب إلى الله ، ولكن يقولون : إن الأتقى هو أقرب إلى الله . لو كان هناك مرجعان أحدهما أعلم أو أفقه أو أعرف أو أحكم والآخر أقل منه ، ففي كل هذه الفروع ليس الأفضل أقرب إلى الله ، فالأفضل في الفقه والأصول ، والأفضل في الفلسفة والعرفان ، والأفضل في السياسة والأفضل في الأعمال التنفيذية الأخرى ،


(270)

أي من هذه ليس دليلاً على التقرب إلى الله ، أما الشخص الذي يصبح أتقى فهو أقرب إلى الله . وهذه التقوى تعود إلى العقل العملي .
اتضح في البحوث السابقة أن هناك شأنين أساسيين لهما ظهور في الإنسان حيث يفهم بشأن ويقوم بالعمل بشأن آخر . اليقين ، الجزم ، المظنة ، الوهم ، الخيال ، وأمثال ذلك هي من شؤون وشعب العقل النظري ، أما النية والعزم ، والاخلاص ، والإرادة ، والمحبة ، والتولي ، والتبري ، والتقوى والعدل وأمثالها فهي جزء من العقل العملي ، هذا هو معيار الفضيلة ، لذا فالأعلم ، ليس أفضل عند الله ، ولكن الأتقى ، هو أفضل عند الله ، وإذا كان شخص أعقل في المسائل العلمية فرغم أنه مكرم ومحترم أكثر في المسألة التنفيذية ، والشؤون الدنيوية ويجب تسليمه الأعمال ، ويجب تقليدة حتى تدور عجلة الدنيا بانتظام ولكن لا يعني ذلك أن هذا الشخص يكون أقرب عند الله .

السفاهة في قاموس القرآن :
القرآن الكريم يعتبر بعض الأشخاص الذين يمكن ان يكونوا اقوياء في المسائل العلمية ولكنهم ضعفاء في المسائل العملية ، يعتبرهم سفهاء ، فمثلاً إذا كان شخص قوياً في المسائل الرياضية ، أو في مسائل العلوم التجريبية وأمثالها ولكن يده وقدمه تزلان في ما يتعلق بالذنب ، ويرتكب بعض الذنوب الواردة في النصوص الإسلامية ، فان الروايات التي وردت في آخر الآية :
( ولا تؤتوا السفهاء أموالهم ) (1) .
تعتبر هؤلاء الأشخاص سفهاء ، وقد ورد أنكم إذا أردتم أن تزوجوا
____________
(1) سورة النساء ، الآية 5 .
(271)

امرأة لشخص فانظروا ان لا يكون هذا الصهر سفيهاً ، إذا كان الشخص الفلاني أو الصهر الفلاني مبتلى بالذنب الفلاني ، معاذ الله ، فهو سفيه ولا تزوجوه .
إن السفاهة في مدرسة القرآن وقاموس الدين غير السفاهة في المسائل العادية ، إذا كان شخص متخصصاً في فرع علمي ولكن يده ترتجف عند الامتحان العملي فهذا سفيه ، وان هو متخصصاً في الفيزياء . هناك علماء في الفيزياء في البلدان الملحدة يطلقون سفناً فضائية تحير العقول ، ولكن عندما تصل أيديهم إلى الذنب تزل وليس لديهم قدرة ضبط ، أوانهم يعتقدون بالمبادىء الإلحادية ، هؤلاء يعتبرهم القاموس القرآني سفهاء ، قال الله تعالى في القرآن :
( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) (1) .
الشخص الذي يعرض عن أسلوب إبراهيم عليه السلام هو سفيه رغم انه مخترع أم مبتكر ، القرآن يعتبره سفيهاً لماذا ؟ لأن هذا السفه هو في مقابل ذلك العقل الذي ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) فالشخص إذا ( لم يعبد الرحمن ولم يكتسب الجنان ) فهو ليس بعاقل أي هو سفيه .
بناء على هذا إذا أراد شخص الحكم بين المرأة والرجل وأن يرى هل المرأة أقرب عند الله أم الرجل ، لا يجعل العقل بمعنى العلم المصطلح معياراً فتلك فضيلة زائدة نظمت لإدارة عجلة الحياة ، وجميع هذه العلوم الحوزوية والجامعية يفقدها الإنسان بموته ، لأن الإنسان يبقى بعد الموت إلى الأبد ، لذا يجب ان تأخذ معه شيئاً يكون أبدياً ، والشخص الذي هو خطيب جيد أو كاتب ، مدرس ، مؤلف أو صنف جيد ، كل هذه الصناعات والحرف ترحل
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 130 .
(272)

بالموت ؛ لأن سوق العلم الحصولي هناك معطل ، وعين الواقع واضح للأفراد ، هناك لا يقال للشخص ان يدرس ؛ لأن كل شخص يرى كل ما موجود ، والشيء الذي يفيد هناك هو الذي له سهم من البقاء والأبدية وهو إخلاص العمل الله .
بناء على هذا فإن ما له زبون هنا ليس له زبون هناك وسوقه راكد ، وما له سوق هناك لا فرق بين المرأة والرجل فيه .

جمال الإنسان بالعقل :
إذا ورد في بعض الروايات أن :
( عقول النساء في جمالهن ، وجمال الرجال في عقولهم ) (1) .
فهذا ليس أمراً دستوراً ، بل هو أمر تعريفي وهو العقل النظري وليس العقل الذي ( يعبد به الرحمن ) ، قال ان عقول النساء في جمالهن ، وجمال الرجال في عقولهم ، وليس المراد أن المرأة يجب أن يكون عقلها في الجمال ، والرجل يجب أن يكون جماله في العقل ، بل جمال كل شخص بعقله . هذا دعاء السحر يقرأه الرجل والمرأة ، والجمال الذي يسأله الإنسان في الأسحار هو الجمال العقلي .
( اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل . اللهم إني أسألك بجمالك كله ) (2) .
إن جمال الرجل وجمال المرأة هو في العقل الذي ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) وفي هذا العقل أيضاً ( جمال الرجال في عقولهم ) وكذلك ( جمال النساء في عقولهن ) .
____________
(1) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 224 .
(2) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .

(273)

معنى العقل في قاموس القرآن :
فسر القرآن الكريم وكذلك روايات المعصومين عليهم السلام ـ ، العقل بالشيء الذي يفهم الإنسان بواسطته الحق ويعمل به ، فمجموعة الإدراك والعمل تسمى ( العقل ) في قاموس الدين ، والذي لا يدرك صحيحاً ليس عاقلاً ، والذي يدرك وهو عالم ولكنه لا يعمل بعلمه فهو ليس عاقلاً أيضاً . مجموعة هاتين الفضيلتين التي بينت في الآيات بصورة العقل ذكرت في الحديث المعروف بصورة ( العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ) (1) ، الشخص الذي لا يعلم لا يستطيع كسب الجنة ، والشخص الذي يعلم ولكنه لا يعمل لا يستطيع كسب الجنة . حقيقة ( العقل ما عبد به الرحمن ) هي خلاصة الجزم والعزم أي إذا وصل الإنسان إلى مقام الجزم بالبرهان النظري ووصل إلى مقام العزم من أثر قوة العقل يصبح ذلك العزم بإضافة هذا الجزم العقل المصطلح الذي عبر منه بـ ( يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ) .
قال تعالى :
( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) (2) .
هذا اللسان هو علامة على أن الواعظ غير المتعظ ليس عاقلاً ، وإن كان عالماً . الذين يدعون الناس إلى البر ، أو يدرسون ، أو يؤلفون ، أو يخطبون أو يرشدون ويعظون هم علماء ولكنهم ليسوا عاقلين ، لذا يقول تعالى :
إن الشخض الذي يفكر بإصلاح الآخرين وينسى نفسه ليس عاقلاً ،
____________
(1) أصول الكافي ، ج 1 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 44 .

(274)


لأنه لا هو يصبح صالحاً ولا ينجح في اصلاح الآخرين ، لأن إصلاح الآخرين ليس مجرد الأمر بالمعروف اللفظي ، بل ورد في هذا الحديث :
( كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ) (1) .
أي كونوا أسوة ، أي عندما تعيشون في المجتمع بوصفكم علماء صالحين ، فأنتم أسوة للمتقين ، بسيرتكم ادعوا الناس إلى الأقتداء بكم ، وليس مراد الحديث الشريف أن ادعوا الناس إلى أنفسكم واكسبوا قلوبهم إليكم حتى يحبوكم . يجب دعوة الناس إلى الله ، وواضح أن الشخص الذي لا ينبض قلبه من أجل حب الناس لا ينجح أبداً في أن يكون أسوة للآخرين .
بناء على هذا إن القرآن الكريم لا يعتبر الواعظ غير المتعظ عاقلاً ، فالعقل في رأي القرآن الكريم هو مجموع العلم والعمل الذي يعبر عنه ( الإيمان والجامع ) ، والشخص إذا كان فاقداً لكليهما أو أحدهما فهو ليس عاقلاً في قاموس القرآن بل هو سفيه . كما جاء في القرآن :
( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) (2) .
فمعيار العقل هو ان يتخلص الإنسان من الوهم والخيال في المسائل النظرية ويتخلص من سائر الشبهات والشهوات بالعزم العملي .

ميزة القصص القرآنية :
وبعد ان اتضح العقل في قاموس القرآن نذهب الآن إلى هذه المسألة وهي هل ان المرأة اعقل أم الرجل ، أم متساويان ، ويجب أن نحلل الشواهد والقصص التاريخية من منظار القرآن الكريم من أجل هذا الفرض . ولكن قبل دراسة قصص القرآن يجب أن نلتفت إلى ان هناك فاصلة غير قليلة بين
____________
(1) أصول الكافي ، ج 2 ، ص 77 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 130 .

(275)

نقل القصة في قاموس القرآن وبيان القصص التاريخية للبشر ، حيث أن القصص التاريخية ليست غالباً سنداً قطعياً لأحد الطرفين ، لأنها قضايا شخصية ولكن من تقرير عدة قضايا شخصية يمكن استنباط قاعدة عامة ، والاستنباط أحياناً قطعي وأحياناً ظني ، ولكن يمكن استنباط مسألة جامعة من مجموع عدة قضايا شخصية ، وهذه أيضاً يعدها القرآن فلسفة القصة ، حين يذكر قصص الأنبياء وأممهم ويقول :
( وكذلك نجزي المحسنين ) (1) .
أي أننا نقوم بهذا العمل أو حين يقول :
( إنه من يتق وبصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) (2) .
ورغم ان قضية يوسف عليه السلام هي قضية شخصية ولكن القضية الشخصية التي يبينها الوحي تفرق عن القضايا التاريخية التي يعرضها الآخرون ، عندما يعرض كتاب التاريخ القضايا التاريخية يتكلمون من منطلق ظني ، ولكن عندما يعرض الوحي قضية تاريخية يعرض ويعلن قاعدة عامة بوصفها تقريراً عينياً مع ذكر نموذج جزئي .
قضية يوسف عليه السلام هي من هذا القبيل ، عندما وصل يوسف عليه السلام إلى المقصد ورأى أخاه إلى جانبه ، بين ان التوفيق لا يختص به ، وان فيض الله تعالى لا يختص به ، بل هو لجميع المتقين بوصفه قاعدة عامة ( من ينق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
ان الاستنباطات من القرآن الكريم إذا كانت شواهدها ملحوظة كاملاً فإنها تعبر حد المظنة وتصل إلى حد الجزم بشرط ان يلاحظ ذلك المستنبط
____________
(1) سورة الأنعام ، الآية : 84 .
(2) سورة يوسف ، الآية : 90 .

(276)

جميع المسائل . أما الأخبار التي ينقلها المخبرون البشر . فيرافقها الظن أحياناً لأنها تكون غالباً في حد الاستقراء ، وإذا حصلت أحياناً بصورة تجربة فهي قليلة جداً ، ولكن القصص القرآنية بالنظر لأن الله تعالى يعرض إلى جانبها قاعدة عامة ، فيتضح أنه حتى ولو كان هناك نموذج واحد فهو من تلك القاعدة العامة ، وليست القضية تصادفية ، بل هي مصداق لجامع حقيقي وفرد لذاتي وهذا هو الفرق بين قصة القرآن مع غير القرآن .
ان القرآن الكريم يبين في القصص التي يذكرها أحوال الأنبياء وقضاياهم مع الطواغيت ، كثير من الأنبياء جاؤوا ووعدوا طواغيت عصورهم فلم يؤثر فيهم فهددوهم فلم يؤثر حتى :
( فغشيهم من اليم ماغشيهم ) (1) .
ولكن عندما أرسل إلى امرأة كتاب دعوة كانت تتضمن وعداً مع وعيد وتهديد مع بشرى ، نرى أنها تؤثر . فهل ان هذا هو بسبب أن هذه المرأة خافت أم أنها كانت أعقل من أولئك الرجال ، كل هذه البيانات الحضورية بينها موسى وهارون عليه السلام لرجال حكومة آل فرعون ولم تؤثر أي أثر ، كل تلك المعجزات الحسية الكثيرة بينوها لأولئك ، ولم تؤثر حتى أنهم قتلوا وأسروا كثيراً من قوم بني إسرائيل وكان فخرهم أنهم ذبحوا أبناء هؤلاء القوم واستحيوا نساءهم ، كي يعملن لهم كما أشير إلى هذه القضية في القرآن :
( يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) (2) .
وقد تكررت هذه القضايا بصورة متنوعة في مسألة المسيح والخليل وكثير من الأنبياء بعد إبراهيم عليهم السلام .
____________
(1) سورة طه ، الآية : 78 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 49 .