فكيف تصبح الورقة حريراً واستبرقاً ولا تصبح الإنسان ملكاً ؟ إن الإنسان يستطيع ان يتحرك في مستوى الملائكة .
بناء على هذا فإن المجموعة الثالثة هم الذين قالوا بحسن اختيار ، وغضوا النظر عن العالم الحيواني والنباتي بموت إرادي . كما ان الإنسان يموت أحياناً بسوء اختياره . وبعض الآيات تعتبر الكافرين أمواتاً . وقال أمير المؤمنين عليه السلام بشأن العالم بلا عمل :
( ذلك ميت الأحياء ) (1) .
هذان الطريقان مفتوحان للجميع سواء الرجال أو النساء ، كل من يختار الطريق الأفضل ويقطعه بصورة أسرع يكون أكثر نجاحاً .
في البحوث السابقة تبين ان المرأة إذا كانت مثلاً ضعيفة في المسائل النظرية والتفكرات العقلية ، فهي أكثر قبولاً للموعظة في المسائل القلبية ، ويؤثر طريق المناجاة فيها أكثر . خاصة ان القرآن الكريم عرّف بوصفه موعظة قال تعالى :
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين ) (2) .

شبهة نقصان ايمان المرأة :
يطرح أحياناً ان المرأة حرمت من بعض المزايا الدينية لأنها لا تستطيع ان تؤدي الفرائض الدينية في بعض أيام السنة . وهذا الأمر يحسب عامل نقص فيها . كما أشير لذلك في الروايات أيضاً ، وفي البلاغة ذكر أمير المؤمنين عليه السلام النساء بسوء :
____________
(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، صبحي الصالح .
(2) سورة يونس ، الآية : 57 .

(318)

( معاشر الناس ، ان النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ، فاما نقصان أيمانهن ، فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد ، وأما نقصان حظوظهن فموارثيهن على الانصاف من مواريث الرجال .... ) (1) .
ومثل هذا المضمون روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً (2) .
للإجابة عن هذه الشبهة من اللازم ذكر مقدمة في مجال المدح والذم الذي ورد في بعض الآيات والروايات .

مدح وذم :
أحياناً يتعرض الاشخاص في حادثة ما ، وتتعرض ظروف وعلل وأسباب تلك الحادثة ، كمكانها وزمانها ، إلى ذم أو مدح بسبب مجموعة وقائع تاريخية ، ان معنى ذم أو مدح بعض الحوادث أو الأمور الجانبية لتلك الحادثة ليس لأن أساس طبيعة ذلك الشيء قابل للذم أو المدح ، بل إن تلك الأرضية الخاصة سبب هذا المدح أو الذم ، أحياناً تمدح قبيلة من القبائل وذلك بسبب ظهور صالحين من هذه القبيلة في ذلك العصر ، ثم لا تمر فترة طويلة حتى يتغير الوضع ، حيث يظهر أشخاص آخرون من هذه القبيلة يتعرضون للذم ، وأحياناً بالعكس .
في إيران كانت هناك بعض المدن التي تعرضت لذم كثير ، ولكن عندما تغير ذلك التفكير ببركة أهل البيت ، أصبحت تلك المدن وتلك المناطق من المناطق النموذجية والبارزة في هذا البلد ، وظهر في تلك المناطق أشخاص كانوا ممتازين من ناحية الفضائل الأخلاقية والعلمية والنبوغ . هذا الذم كانوا ممتازين من ناحية الفضائل الأخلاقية والعلمية والنبوغ . هذا الذم
____________
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الخطبة 80 .
(2) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 259 .

(319)

والتوبيخ ليس ملازماً لتلك المنطقة إلى الأبد ، بل هو مرحلي . ودليله هو أن الرأي السابق يمكن ان يتراجع بتحول فكري ومسألة عقائدية . كما حصل ذلك وإذا كان هناك ذم للمرأة في نهج البلاغة ، فيظهر ان بعض ذلك الذم يعود إلى قضية حرب الجمل ، كما ذمت البصرة والكوفة وغيرهما مع أن البصرة خرجت رجال علم كثيرين ، وقدمت الكوفة رجالاً ثواراص كثيرين للإسلام ، وكثير من الذين قاموا بالمطالبة بدم سيد الشهداء عليه السلام كانوا في الكوفة . والكوفة الآن هي مكان يصلّى فيها بانتظار ظهور الإمام ، فيها مسجد تقع فيه مقامات كثير من الصالحين والصديقين ، ولا يمكن القول : إن البصرة والكوفة سيئتان إلى الأبد وتستحقان الذم لأنهما ذمتا سابقاً . إن قضايا تاريخية في مرحلة حساسة تؤدي إلى الذم أو المدح ثم مع مرور تلك المرحلة ينتفي المدح أو الذم أيضاً .

رؤية الوحي :
وشأن المرأة هكذا أيضاً ، فتأكيد القرآن الكريم بشأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل على رؤية مسبقة للوحي لحادثة تاريخية مرة . ان القرآن يقول باصرار لنساء النبي :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) (1) .
وأمثال ذلك دليل على ان الله تعالى كان لديه رؤية مسبقة لحادثة ، الله تعالى عالم الغيب والشهادة مطلع على المستقبل ، وكان يحذرهن من النتائج المرة لذلك الخروج الذي في غير محله .
لذا قال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ، وبعد ذلك وقعت قضية الجمل وحاربوا ولي الله الإمام علي بن أبي
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 33 .
(320)

طالب عليه السلام . افرزت تلك المرحلة مجموعة من الكلام في الذم ورافقها مجموعة من الكلام في المدح ، فقد مدحت منطقة مرحوم لأنهم عملوا جيداً في تلك الحادثة ، ووبخت مجموعة ومنطقة لأنهم عملوا سيئاً في هذه الحادثة . هذا الذم والمدح يجب أن لا يحسب على جوهر الشيء ، ولهذا السبب ظهر في البصرة رجال ونساء خيرون وصالحون ، ومدحت الكوفة كثيراً وستكون في زمان ظهور الإمام عليه السلام مركز بركة ، فكما أن ذم البصرة والكوفة لا يعود إلى جوهر هاتين المنطقتين ، فإذا ذمت المرأة بعد قضية الحرب فهو لأ، تلك المرأة وقفت في مقابل علي بن أبي طالب ، كما أن هناك رجالاً كثيرين وقفوا في مقابل الإمام . فإذا ورد ذم لطلحة والزبير وغيرهم من الذين أداروا تلك الحرب في مقابل ولي الله فطبيعي ان تتعرض عائشة التي وقفت في مقابل الإمام وغيرها من الأشخاص الذين ساهموا في هذه الحادثة الصعبة ، إلى الذم . بناء على هذا يجب ألا نرجع هذا النوع من الذم أو المدح إلى جوهر الذات بل يبقى تأثيرها المرحلي محفوظاً .

حرب الجمل والذم :
الرواية التي وردت في نهج البلاغة لم تطرح بوصفها قضية حقيقية ، فهي تقريباً تشبه قضية شخصية أو قضية خارجية ، أساس القضية هي أن عائشة شنت هذه الحرب ، كما أن أهل السنة يعتقدون أنها قامت بحرب الجمل ولكنهم يقولون : ( تابت وماتت تائبة ) والآخرون يقولون : ( لم تمت تائبة ) ، ولكن الجميع يؤيد انها كانت السبب والمحرك . حيث ان ابن أبي الحديد أيّد أن عائشة عملت هنا عملاً سيئاص مع أنه من كبار أهل السنة فانه قال : ( قد أخطأب ) ولكن توهم وأمثاله أنها ( تابت وماتت تاثبة ) على أي حال بعد أن ركبت عائشة جملاً في قضية معركة الجمل وحركت طلحة والزبير أيضاً وسقطت دماء كثيرة وأخيراً انكسروا ، كتب أمير المؤمنين عليه السلام رسالة


(321)

إلى معاوية في الشام ، نذكر الآن بعض من جمل الرسالة الموجودة في نهج البلاغة حتى بتضح أن هذه المسألة تتعلق بقضية حرب الجمل ، في خطبة نهج البلاغة قال في ذم أهل البصرة بعد رقعة الجمل :
( كنتم جند المرأة واتباع البهيمة ) (1) .
ثم يذكر انهم قاموا يعمل غير مدروس ، وفي الخطبة 14 ذم أيضاً هذه الفئة وذم البصرة .
ان مسألة اتباع البهيمة أي أتباع الجمل ، وذم اتباع الجمل ليس لأن الجمل سيىء ، بل لأن راكبه عمل عملاً سيئاً في هذه الحادثة ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب ناقة وفي قضية الهجرة ، جاء من مكة إلى المدينة ولما دخل المدينة قال :
( خلّوا سبيلها فانها مأمورة ) (2) .
كل شخص اقترح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان ينزل في داره ، النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حسب هذه الرواية ان يخلوا سبيلها فان لديها مأمورية إلهية ، وانه سينزل في المكان الذي تقف وتبرك وتنام فيه تلك الناقة ، ووقفت الناقة في منزل أبي أيوب الأنصاري الذي كان من أفقر أهل المدينة .
هنا توجد نكتتان : أحداهما ان الناقة كانت تحمل النبي وكانت مأمورة والنبي قال : خلوا سبيلها وانه سينزل في المكان الذي تنام فيه تلك الناقة . والنكتة الأخرى هي ان تلك الناقة نزلت عند باب أفقر أهل المدينة وبركت هناك ونزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فالذهاب وراء الجمل أو ركوب الجمل أو العمل على أساس حركة
____________
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 13 ، 14 .
(2) بحار الأنوار ، ج 19 ، ص 108 .

(322)

الجمل ، ليس فيه مذمة ، فلو أن أمير المؤمنين عليه السلام ركب جملاً أو فرساً أو بغلة وتحرك عدد من الأشخاص على أثره ، فهل يمكن القول إن اتباع الجمل مذمومون أو أن اتباع الفرس والبغلة مذمومون ؟ .

امتلاك المال ليس كمالاً :
المسألة الثانية هي ان قول الإمام عليه السلام في هذا الصدد في نهج البلاغة :
( معاشر الناس ، ان النساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ) (1) .
الأدلة التي يذكرها الإمام هي ان حظ النساء قليل لأن القرآن الكريم جعل إرث الرجل صعف المرأة ، فالمرأة تتمتع بمال أقل ولذلك ليست محترمة ، في حين اننا لاحظنا في قضية الهجرة إلى المدينة ان الناقة وقفت عند باب دار شخص كان من أفقر أهل المدينة . فعدم امتلاك المال ليس نقصاً كما ان امتلاكه ليس كمالاً .
في إحدى الخطب في نهج البلاغة بين الإمام علي عليه السلام أن الدليل على أن عدم امتلاك الماس ليس كمالاً ، هو ان جميع الأنبياء ، لم تكن لديهم استفادة من مال الدنيا ـ أما أن نقول ان امتلاك المال ليس كمالاً أو نقول ان الله لم يعط هذا الكمال للأنبياء معاذ الله . ثم يذكر قضية موسى وعيسى وداود ومحمد عليه الصلاة والسلام ويذكر أن وضع حياتهم كا بسيطاً فبهذه الشواهد الكثيرة يتضح ان الكمال ، ليس في المال الكثير .

كسب المال وانفاقه :
بالإضافة إلى أن المرأة والرجل بالتساوي في بعض الحالات من
____________
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 80 .
(323)

قبيل ان والديّ الميت كل منهما يرث 1/6 الشركة وفي حالات أخرى لا يتساوى الأخ والأخت ، فقول الإمام بانه ليس لديهن رشداً لأن حظهن قليل لا يريد القول بانه ليس لديهن رشد ، لأن مالهن قليل بسبب أنهن يكسبن عن طريق المهر . وجميع نفقات المرأة هي بعهدة الرجل ، فإذا لم تكن استفادة المرأة من المال أكثر من الرجل فهي ليست أقل .
المرأة تستمتع باللذائذ والملابس وأدوات الزينة وانتاجها هي وظيفة الرجل أي ان الربح المهم هو للمرأة ، والانتاج المهم يتعلق بالرجل ، ان قوله بان لا تذهبوا وراء قيادة المرأة هو ليس لأنها فقيرة ، بل لأن الدين اعطى المسائل التنفيذية في قسم الاقتصاد بيد الرجل وقال : ان المرأة تستفيد ولكن من انتاج الرجل . والإمام علي عليه السلام يريد الاستدلال على انه لو كانت القيادة بعهدة المرأة لكان الله تعالى قد ساوى إرث المرأة والرجل .
هنا توجد مسألتان دقيقتان ومنفصلتان عن بعضهما بشكل كامل ، الإمام علي عليه السلام لم يرد القول ان المرأة قليلة القيمة لأن سهم ارثها قليل ، بل أراد القول ان الدين يعطي للمرأة هذا المال ولكن بمسؤولية الرجل ، يعطيها بصفة مهر ، بصفة نفقة ، لا يعطيها مالها مباشرة ، حتى لا تكون متولية الدخل والصرف ومشقة الانتاج ، وهذه تعود إلى الأمور التنفيذية ، ولا تعود إلى المسائل المعنوية ، وإلى طريق القلب وقبول الموعظة وأمثالها .

توهم تفكير المعتزلي :
هناك عدة نكات في الخطبة 80 : أحداها انه قال :
( معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ) .


(324)

فاستنبط ابن أبي الحديد من هذه الجملة تفكيراً أعتزالياً لأن المعتزلة يقولون : ان الإيمان ليس الاعتقاد فقط بل العمل أيضاً سهيم في متن الايمان ، لذا قال : إذا أقرّ الشخص بالله والنبي ، ولم يعمل فهو ليس مؤمناً ، لأن الإمام قال : إن المرأة محرومة من الايمان لأنها محرومة من الصلاة والصوم في حال ترك الصوم والصلاة في أيام العادة ، فيتضح ان العمل جزء من الايمان ، ولم ينتبه إلى أن هذا الدليل هو عكس تصور المعتزلة ، المعتزلي يقول : إن الشخص إذا لم يعمل فليس مؤمناً ، والإمام يقول بأنهن مؤمنات في الوقت الذي ليس لديهن عمل ، ولكن إيمانهن قليل ، وهذه القلة قابلة للجبران كما ذكرنا .

شهادة المرأة والنسيان :
تعليل الإمام عليه السلام في مسألة نقصان العقل هو ان شهادة امرأتين هي في حكم شهادة رجل واحد ، جاء في القرآن : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (1) .
ولكن هذا لا يعود إلى مسألة التفكير والعقل ، فالقرآن يذكر نكتة ذلك ويقول :
( أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (2) .
امرأتان من أجل ان يكون لكليهما حضور في الحادثة وهذا يعود إلى ضعف الذاكرة وليس إلى ضعف العقل ، لأن المرأة مشغولة بأعمال البيت وتربية الطفل ، ومشكلات الأمومة ، لذا من الممكن ان تنسى تلك الحادثة التي رأتها . بناء على هذا تحضر امرأتان في هذه القضية حتى تذكر أحداهما
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 282 .
(2) المصدر السابق .

(325)

الأخرى .
في بعض الحالات شهادة المرأة مسموعة ومقبولة كاملاً .
يتضح بملاحظة الاقسام الثلاثة انها إذا بينت فان أي منها ليس علامة نقص .

ذم حب المرأة وحب الدنيا :
إذا ورد في الكلمات القصار ان :
( المرأة عقرب حلوة اللسبة ) (1) .
ليس من أجل ان يذم المرأة ، بل هذا إنذار للرجل ان لا تخدعه المرأة كما ورد مثل هذه التعبير بشأن الدنيا أيضاً . ليس من أجل أن يقول ان المرأة عقرب ، بل يقول لا تعطوا أنفسكم إلى النار بواسطة النظر إلى غير المحرم . رؤية غير المحرم حلوة ، ولكن هذا الذنب باطنه عقرب لا أن المرأة عقرب وهذا التعبير ذكر بشأن الدنيا أيضاً ، في رسالة كتبها أمير المؤمنين عليه السلام إلى سلمان ، قال :
( فإنما مثل الدنيا مثل الحية ، لين مسّها قاتل سمّها ) (2) .
لماذا كانت المصافحة مع المرأة معصية ؟ لأنه لين مسها قاتل سمها ، هذا ليس ذماً للمرأة ، ذم للنظر إلى غير المحرم ، كما أن ذلك ليس دليلاً على ذم الدنيا ، بل ذم حب الدنيا والانجذاب إلى الدنيا ، وإلاّ فان الإسلام علياً عليه السلام قال : إن الدنيا محل جيد .
كل الأنبياء والأولياء والحكماء والعارفين والصالحين والصديقين
____________
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الكلمات القصار 61 .
(2) نهج البلاغة ، الرسالة 68 .

(326)

والشهداء بلغو الكمال في هذه الدنيا ، فلو لم يولدوا في الدنيا لكانوا تراباً ، او لكانوا نطفاً يدفنون مع آبائهم . ولدوا في هذه الدنيا ، جاؤوا إلى سوق الدنيا وتاجروا وربحوا الدنيا متجر الأولياء . لذا قال : إن الدنيا متجر الأولياء . فإذا عرض شخص نفسه لإغراء زخارف الدنيا فهو مثل الطفل الذي يلمس ظهر الحية الناعم ، وهذه النعومة هي سم وإذا عرف شخص الدنيا لا يبيع نفسه لها .
فإذا ورد في الكلمات القصار ان المرأة عقرب أي أن الغرائز الجسمية عقرب . الإنسان لا يبع نفسه إلى يبيع نفسه إلى عقرب .

مدح الدنيا والمال الصالح :
ورد في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مشغولاً بالكلام ، فعبرت امرأة أجنبية من جانب ذلك الجمع ، فنظر بعض الحاضرين ـ لم يكن جميع الحاضرين تلاميذ للإمام علي عليه السلام ـ أو أرادوا النظر ، فقال الإمام بانهم إذا رأوا امرأة فلا ينخدعوا ولا يحرقوا أنفسهم بالنار ، فالله تعالى هيأ لهم من طريق الحلال وأكثر من هذا المقدار لا يحتاجون وان ما هو لازم لهم أعطاهم الله إياه وما لم يعطهم فليس لازماً ، فالإمام لم يذم المراة كما أنه لم يذم الدنيا ، هل أن الدنيا أي هذا الهواء والماء هي سيئة ؟ هل رأيتم مكاناً أفضل من الدنيا وأصدق من الدنيا .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) (1) .
كم هو جيد المال الحلال ، للشخص الصالح ، لأنكم تستطيعون تأمين مسائل الحرب والجبهات بمالكم . ويلاحظ كلام كثير مثل هذا الكلام . من
____________
(1) جامع السعادات ، ج 2 ، ص 38 .
(327)

ناحية أخرى قال تعالى :
( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) (1) .
إن تلك المذمة المتعلقة بعمل الإنسان يجب أن لا يسندها إلى نفس الشيء ، وهذا التعبير الذي ورد بشأن الدنيا ورد أيضا بشأن المرأة ، لا أن المرأة عقرب ، بل حب المرأة عقرب ، لا أن الدنيا حية ، بل حب الدنيا حية .
كذلك إذا وقعت امرأة في شباك رجل ، فحب الرجل يصبح عقرباً ، وليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، ولكن لأن الجاذبة أكثر في ذلك الطرف فقد أشار الإمام علي عليه السلام إليه .
هذه المسائل إذا توضحت يتبين عند ذلك ان المرأة لم تذم من ناحية أنها مرأة ، ومسألة ذم عائشة بعد حرب الجمل لها حساب خاص . كما أن ذم البصرة في حرب الجمل له حساب منفصل ، ان قضية ذم حب المرأة ، وقضية ان المرأة والرجل كليهما عباد الله الخاصين ، وكل شخص يستطيع قطع طريق بقابليته الخاصة ، لكل منهما حساب خاص . وقد بين قسم مفصل من هذه البحوث في فصل العرفان بالاستعانة بشواهد قرآنية ورغم ان القرآن وكذلك الروايات يؤكد ان نظام الخلق نظام علّي ومعلولي وأن علاقة السبب والمسبب قائمة ، ولكن طريق العرفان ، هو طريق خاص ، أي ان الله لديه طريقان للعلاقة مع الإنسان ، وكل شخص يستطيع الوصول إلى الله عن طريقين ، أحدهما الأسباب والعلل ، وهو طريق الحكمة ، والآخر طريق المعرفة وطريق القلب ، وهو أن الله أقرب إلى الإنسان من كل شيء ، ومن كل سبب ومن كل علة . وطريق القلب ان لم يكن أقرب عند النساء ، فهو
____________
(1) سورة التوبة ، الآية : 35 .
(328)

على الأقل في حدود الطريق الذي يستطيع الرجال قطعه .

جواب آخر على شبهة نقصان الايمان :
في مقابل توهم الذين لا يعتبرون المرأة مثل الرجل ويستدلون لتبرير رأيهم بخطبة نهج البلاغة ويستشهدون برواية مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعتبرون مستند هذا الاستشهاد والاستنباط حرمان المرأة من الصلاة والصوم و .. في بعض أيام السنة ، لا بد من تحقيق أساسي حتى يتبين ان المرأة إن لم تكن أنجح من الرجل فهي على الأقل بمستواه . و من اللازم مقدمة قصيرة لتبيين هذا الموضوع وهي انه :
أولاً : إن الأوامر الدينية هي سند جيد ومرشد ضروري ـ ( السالكين إلى الله ) . الشخص الذي من أهل الطريق ، أو ليس في الطريق ، أو لا يستطيع الذهاب ، لا يقدم له الدين برنامجاً ، على عكس الذين هم أهل طريق ويستطيعون طي الصراط المستقيم حيث يضع الدين لهم برنامج ومقررات .
ثانياً : كل من يكون استعداده لقطع هذا الطريق أقرب وأسرع وأكثر تكون البرامج الدينية له أنسب وأكثر .

تكاليف خاصة لأولياء الله :
مثال هذا البحث ان هناك مجموعة تكاليف للأنبياء حرم منها الآخرون . فمثلاً هناك تكاليف خاصة الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم في مجال العبادات مثل صلاة الليل حيث لا يصل الآخرون إلى هذا الفيض . ورغم ان صلاة الليل جائزة للجميع وفضيلة ولكن الالتزام بها يختص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع انه ورد الأمر بالصلوات الخمس إلى جانب مسألة صلاة الليل .


(329)

( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) (1) .
أشير في هذا القسم من آيات سورة الإسراء ، إلى الصلوات الخمس الظهرين والمغربين وصلاة الصبح ، وهذا ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن في قسم آخر من هذه السورة إلى جانب هذه الآيات قال :
( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا ) (2) .
أي أن هذا أمر خاص ونافلة لك فقط ، الصلوات الخمس هي فريضة وواجب عمومي ، ولكن صلاة الليل هذه هي فريضة خاصة ، ويجب أن لا يستفاد من قرينة نافلة أن صلاة الليل كانت مستحبة للنبي ، بل أن كلمة نافلة هي صفة لموصوف محذوف أي ( ومن الليل فتهجد به فريضة نافلة لك ) نافلة أي زائدة أي فريضة خاصة ، مثل ما جاء بشأن يعقوب حيث قال تعالى : إن إبراهيم طلب من الله ذرية فاعطاه الله حفيداً أيضاً ، هذا الحفيد يصبح نافلة .
( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين ) (3) .
و ( نافلة ) في هذه الآية من الناحية الأدبية جعلت صفة لهبة يعقوب وهو حفيد وليس صفة إسحاق ، الغرض هو ان صلاة الليل ، كانت واجبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلة وجوب صلاة الليل هي أنه أكثر استعداداً من الآخرين لقبول هذا التكليف . كل روح تكون أكثر استعداداً وكل نفس تكون
____________
(1) سورة الإسراء . الآية : 78 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 79 .
(3) سورة الأنبياء ، الآية : 72 .

(330)

أكثر لياقة تتوجه إليها تكاليف وأوامر أكثر .

تقدم المرأة في التشرف بالتكليف :
يمكن القول على أساس تلك المقدمة وهذا المثال ان نجاح المرأة أكثر من الرجل ، وإذا تنزلنا يجب أن القول على الأقل : إن المرأة مثل الرجل . وإلاّ بحسب الظاهر يجب أن يعطى هذا الرأي وهو ان المرأة أعلى وأكمل من الرجل ، لأن الله تعالى استقبل المراة ست سنوات تقريباً قبل أن يصبح الرجل مكلفاً ، لأن الله تعالى استقبل المراة ست سنوات تقريباً قبل أن يصبح الرجل مكلفاً . فأوجب عليها الصلاة التي هي عمود الدين والصوم الذي هو حصن الدين ، والحج الذي هو وفد إلى الله هذه كلها دليل على أن المرأة هي أليق من الرجل لتلقي الفضائل . ولو ان هذا المنطق يبيّن وينفذ بشكل صحيح يتضح بالنتيجة أن المرأة أعلى من الرجل أو على الأقل بمستوى الرجل . ورغم انها تحرم من بعض العبادات خلال فترة العادة ، ولكن كحما ورد توضيحة فان جميع التكاليف التي تسلب من المرأة في هذه الحالة ، قابلة للجبران ، فالصوم يقضى وأما الصلاة فليس فيها قضاء ، وتقبل الجبران بهذا الشكل وهو أن المرأة إذا توضأت في أيام العادة وجلست نحو القبلة في مصلاها وقرأت ذكراً بمقدار الصلاة تحصل على ثواب الصلاة . كما أن المسافر إذا أراد الحصول على ثواب الركعتين اللتين فقدهما ، يكرر بدلاً عنهما بعد صلاة الركعتين الواجبتين ، ثلاثين أو أربعين مرة التسبيحات الأربع ، فيعمل على جبران الركعتين الساقطتين . فمثل هذه الفضائل قابلة للجبران .
المهم أن الرجل عندما يتم سن الخمس عشرة سنة ويدخل في سن الست عشرة سنة عند ذلك يكسب لياقة الخطاب الإلهي ، وقبل ذلك ليس لديه هذه اللياقة .


(331)

حفل التشرف بالبلوغ :
على هذا الأساس فالبلوغ شرف . أهل السلوك يقولون : تشرفنا لا كلفنا ، لأنه ليس في الأمر كلفة ، بل شرف لذا نقرأ في مناجاة الذاكرين للإمام السجاد عليه السلام ( يا من ذكره شرف ) .
لو وصل الشخص إلى درجة يذكر الله فيها ، وفي ظل هذا الذكر يكون الله ذاكرة فانه يحصل على شرف . على هذا الأساس فالبلوغ شرف ، والمرأة تصل إلى هذا الشرف قبل الرجل بست سنوات . وإذا نفذت هذه البرامج بشكل صحيح فان المرأة تقطع قسمباً كثيراً من الطريق قبل ان يدخل الرجل إلى الطريق ويسير في الصراط المستقيم . بناء على هذا فان الحرمان الذين لدى المرأة فترة العادة قابل للجبران مضافاً لتمتعها بجميع المزايا قبل الرجل بستة أعوام .
في نهاية العمر ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، لأن النساء غير السادات عندما يصلن إلى سن الخمسين سنة عند ذلك ليس هناك كلام عن أيام حرمان وأمثال ذلك وفي هذه الفترة التي هي مثلاً م سن العاشرة حتى الخمسين سنة نلاحظ : أولاً أن رؤية العادة عدة أيام في الشهر خلال الأربعين سنة هذه لا يشمل بجميع النساء رغم انه الغالب . وثانياً ؛ النساء الحوامل واللواتي لديهن توفيق حمل أمانة لا يشملهن الحرمان من العبادة أيضاً ، لأن العادة لا تجتمع مع الحمل غالباً . وثالثاً مدة الست سنوات التي تصبح المرأة فيها بالغة قبل بلوغ الرجل ترمم جميع هذه النواقص . عند ذلك سيتضح أنه إذا قيل : إن المرأة إيمانها ناقص ، هو فمن ناحية أنها لا تجبر نقص عبادتها . أما إذا جبرته فايمانها سيكون كثيراً ، وإذا فكرت في اغتنام فترة الست سنوات هذه عند ذلك لا تكون ناقصة .


(332)

معنى أن المرأة ريحانه :
يتضح مما قيل سر بيان أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في وصف المرأة :
( فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ) (1) .
أي ان المرأة هي ريحانة يجب جعلها تحت التربية والتكليف قبل الرجل ، وفي غير هذه الحالة تضيع . وتؤيد هذه المسألة رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول :
( من اتخذ امرأة فليكرمها فإنما امرأة أحدكم لعبة فمن اتخذها فلا يضيعها ) (2) .
ليس المراد من اللعب في الرواية هي أداة اللعب بل يعني أن المرأة ريحانة . هذه الريحانة لا تضيعوها ولا تتركوها بلا تكليف . الإسلام يأمر أولياء المدرسة ، يأمر أولياء المنزل أن يهتموا بالبنات أكثر من البنين ، إذا كان التكليف على البنت يبدأ ستة أعوام قبل الفتى ، وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً ، فبناءً على هذا فإن أولياء المنزل والمدرسة تكون مسؤوليتهم عن البنات أكثر من البنين .
من هنا يتضح ان المرأة ليست لعبة ، وهي ريحانة والريحانة يجب تربيتها أفضل وأسرع من الاجرام الثقيلة . على أساس هذا التحليل يتضح أن المرأة تحصل على استعداد للصلاة والمناجاة أسرع من الرجل ، وإذا كانت الطرق العاطفية في المرأة أكثر أحياناً ، فان هذه التكاليف توازن تلك الطرق لئلا تذهب هدراً .
____________
(1) نهج البلاغة ، الرسالة : 31 .
(2) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 224 .

(333)

علة عدم إلزام المرأة ببعض التكاليف :
نعم إذا وصلت المرأة إلى مرحلة يكون فيها الرجل مكلفاً ، فان جميع المسائل لديها كالرجل . ولكن الأعمال الصعبة لم توجب عليها من ناحية انها ريحانة و ( ليست بقهرمانة ) ، ولكن في حد الرخصة وليس العزيمة ، وبديهي ان هناك فرقاً بين الرخصة والعزيمة ، فالعزيمة تعني أن نهياً أن نهياً عن شيء ورد لا يحق لأحد القيام به مثل أن المسافر يجب أن لا يصوم ، يجب أن لا يصلي صلاة الظهر أو العصر أو العشاء أربع ركعات . وهذه تسمى إصطلاحاً ( العزيمة ) أي يجب الإطاعة . أما ( الرخصة ) فهي رفع الوجوب عن عمل ، بدون أن يكون قد حرّم ، إذا قيل إن صلاة الجمعة ليست واجبة على المرأة ، أي ليس واجباً أن تحضر لا انها إذا حضرت فان حضورها لن يكون مقبولاً أو ليس لها فضيلة وأمثال ذلك .
أحياناً يقال إن المرأة محرومة من كثير من المزايا الدينية مثل المشاركة في صلاة الجمعة ، والمشاركة في صلاة الجماعة وتشييع الجنازة وأمثال ذلك ، بدليل الروايات التي وردت في هذا المجال .
( فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذن ولا إقامة ) (1) .
في جواب هذا الإشكال يجب القول : إن هذا الحرمان في حد الرخصة وليس العزيمة ، أي أن الإلزام دفع عن المرأة لا أنها لا يحق لها المشاركة في الجمعة والجماعات ، لأنه ذكر في أحكام صلاة الجمعة انه في حال تعين وجوب صلاة الجمعة ، على المكلفين حتى مسافة فرسخين يجب أن يحضروا في صلاة الجمعة ولا يحق لهم في مسافة فرسخ واحد تشكيل
____________
(1) بحار الأنوار ، ج 81 ، الباب 35 ، ص 115 .
(334)

صلاتي جمعة ، وبعبارة أخرى أن المسالة بين الصلاتين يجب أن لا يكون أقل من فرسخ واحد .
بناء على هذا إذا كانت صلاة الجمعة مهمة إلى هذا الحد ، وأنه في حالة الوجوب التعييني يجب أن يشترك الموجودون في حدود فرسخين حتماً ، فهذا العمل صعب على المرأة لأن المرأة ( ريحانة ليست بقهرمانة ) ، من هذه الناحية سلب الالزام والعزيمة عن المرأة ، أي ليس لازماً على المرأة ان تقطع هذه المسافة البعيدة حتماً . لا بمعنى أنه لا يحق للمراة المشاركة أو انها إذا تحملت هذا العناء وحضرت في صلاة الجمعة فصلاتها لا تكون مقبولة ، أو لا تكفي عن صلاة الظهر ، أو تكون فاقدة لفضيلة صلاة الجمعة .
وبشأن الجماعة كذلك أيضاً ، صلاة الجماعة مهمة ومعتبرة في الإسلام إلى حد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر لمنع نفاق المنافقين في صدر الإسلام بتعزير الذين لا يشتركون في صلاة الجماعة ويعتزمون تدريجاً التآمر وإضعاف الإسلام ، وكذلك الذين يستطيعون الحضور إلى صلاة الجماعة ولكن لا يعدون صلاة الجماعة مكرمة ولا يشتركون فيها ، أمر بتخريب بيوتهم على رؤوسهم . ففي رواية عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : اشترط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جيران المسجد شهود الصلاة ، وقال : لينتهن أقوام لا يشهدون الصلاة أو الآمرنّ مؤذناً يؤذن ثم يقيم آمر رجلاً من أهل بيتي وهو على عليه السلام فليحرفنّ على أقوام بيوتهم بجزم الحطب ، لأنهم لا يأتون الصلاة (1) .
هذا التهديد كان لمنع نفوذ المنافق ، على هذا الأساس فامشاركة في صلاة جماعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لازمة بدون عذر ، وعدم الحضور بدون عذر
____________
(1) وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 376 ، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة .
(335)

كان ممنوعاً ، هذا الأمر لم يصبح لازماً على النساء لأنه كان مقروناً بصعوبة . لا أن المرأة إذا تحملت هذه المشقة واشتركت في صلاة الجماعة لا تكون صلاتها مقبولة ، أو لا تكون صحيحة أو ليس فيها فضيلة وأمثال ذلك .
نوع هذه المسائل هو من باب الرخصة وليس العزيمة . المهم ما مر خلال البحث في بيان تلك المقدمة .

عدم وفاء المرأة انذار تربوي وليس نقصاً ذاتياً :
ورد في رواية قول أبي عبد الله عليه السلام : خمس من خمسة محال ... والوفاء من المرأة .... ) (1) .
هذه الرواية تشير إلى التربية العامة ومثل هذه الرواية التي هي في باب الخمسة ، وردت رواية أخرى في باب الستة ، قال عليه السلام : ( ان الله عز وجل يعذب ستة بستة ... والفقهاء بالحسد . . . ) (2) .
مضمون هذه الرواية يشير إلى أن كل شخص مبتلى في فرعه وهذا ليس بمعنى ان الفقه سيّئ أو الفقيه حسود ، بل يعني أنه يجب الحذر لئلا ينفذ هذا الخطر في هذا الفرع وإلا فالفضائل الواردة بشأن الفقه والفقهاء غير قابلة للإنكار فقد قال :
( الفقهاء أمناء الرسل ) (3) .
ولكنه اعطى انذاراً أيضاً من الوقوع في الحسد والاحتراق من أثر ذنب الحسد ، ذكر المرحوم الصدوق كلتا الروايتين في الخصال . بناء على هذا فكما أن هذه الرواية ليست تنقيصاً للفقه أو الفقيه ، كذلك رواية الخمسة
____________
(1) الخصال ، للصدوق ، الحديث 5 .
(2) الخصال ، الحديث 14 .
(3) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 46 .

(336)

ليست تنقيصاً للمرأة ، حيث أن المرحوم الصدوق ذكر في باب النجابة في كتاب الخصال : ثلاثة لا ينجبون (1) والحال أننا رأينا كثيراً من النجباء ظهروا من هذه الأقوام الثلاثة ودعوا الآخرين إلى النجابة .

دراسة الروايات الورادة في ذم المرأة :
هذه الروايات هي إما شبيه القضايا الشخصية أو بالنظر إلى ظروف خاصة في ذلك العصر ، مثل ما ورد بشأن خواص الأشياء ، مثلاً أن يقال : إن الفاكهة الفلانية لها هذه الخاصية ، فهل لها هذه الخاصية لجميع الناس أم لأهل تلك المنطقة ؟ أحياناً تلاحظون أن فاكهة تنمو في منطقة ما وهذه الفاكهة أنماها الله سبحانه لتأمين حاجات أهل تلك المنطقة وهي ليست بتلك الفائدة لأهل مناطق أخرى . إن الجمل والأمثال والحكم الإقليمية يجب عدم اعتبارها قضايا طبيعية أو حقيقية كما أن القدح والمدح هو كذلك ، فإذا مدحت أو ذمت فئة خاصة في ظروف خاصة ، يجب عدم اعتبار هذه كقضايا طبيعية أو قضايا حقيقية .
على أي حال الطريق مفتوح للتكامل والرقي والمهم هو طريق الموعظة وهو طريق خالد .

نصيحة صاحب الفتوحات للإمام الرازي :
ذات يوم حصل للإمام الرازي تجديد نظر خلال الدرس وبكى ، فقال تلاميذ درسه : لماذا تبكي ؟ قال كان هناك موضوع كنت أفكر فيه ثلاثين سنة ، وكنت نفسي محقاً ثلاثين سنة في أطراف ذلك الموضوع والآن فهمت ان الحق ليس معي وانني كنت مخطئاً ثلاثين سنة .
____________
(1) الخصال الحديث 80 ومتنه عن الباقر أو الصادق عليه السلام : ثلاثة لا ينجبون أعور عين ، وأزرق كالفصّ ، ومولد السند .
(337)

في رسائل صاحب الفتوحات ذكر ان ذلك العارف الكبير كتب للإمام الرازي : يجب أن تتعلم اولاً العلم ثلاثين سنة ، بحيث لا تبكي . بعد ثلاثين سنة ، لعل العقيدة التي لديك اليوم قد تبكي بسببها بعد ثلاثين سنة ، أسلك الطريق الذي يقل فيه خطؤك ، والأخرى هي أن تذهب وراء علم لا يتركك ولا تتركه ، أن كائن أبدي ، هيّيء العلم الذي يكون له مشترٍ بعد الموت أيضاً .

العلوم الأداتية والعلوم الحقيقية :
إذا بحث الشخص بشأن الرؤية الكونية الإلهية ، وبحث بشأن الله واسمائه الحسنى وصفات جلاله وجماله وأفعاله ، والمعاد ، ومواقف القيامة ، والجنة وجهنم ، والصراط والحساب ، والميزان والشفاعة ، وحوض الكوثر ، وغيرها ، وبحث في الوحي والرسالة والنبوة والإمامة ، فكل هذه البحوث تصبح بالنسبة له بعد موته طرية وواضحة ومشهودة وناضجة الواحدة تلو الأخرى ، وتصبح أكثر ازدهاراً لحظة فلحظة ، ولكن إذا سعى شخص في كيف يشق طريقاً ، وينبي مسجداً ومدرسة وجامعة ، وكيف يكو مهندساً للطرق والبناء ، وكيف يكون طبيباً ، فإن هذه العلوم ينساها شيئاً فشيئاً بعد الموت ، لأنه ليس هناك كلام في الطرق والبناء والعلم الذي لا يتكرر يرحل ، هناك لا يسألون شخصاً ان يقدم خريطة بناء أو خريطة شارع وصحراء .
هذا النوع من العلوم هي علوم لرفع حاجات الدنيا وتحصيلها واجب وإذا استفاد الإنسان من هذا الطريق وخدم في النظام الإسلامي . فخدمته هذه تصبح عملاً صالحاً وتبقى في القيامة إلى الأبد ولكن نفس هذا العلم ينتهي فهو ليس علماً باقياً .