كل هذه تتعلق بعالم الدنيا وبعد الموت لا يقال لشخص بأن يدرس العرفان والفلسفة او الفقه والاصول أو يضف ، أو يؤلف . التصنيف والتأليف والتدريس والكتابة هي من الحرف الدنيوية التي تنتهي بعد الموت ، فالشخص إذا كان لديه علم وكان هذا العلم معه حتى الشيخوخة ، ففي مرحلة الشيخوخة تذهب هذه المسائل شيئاً فشيئاً من ذهنه لأنه لا يستطيع ان يتمرّن .
الأديب الماهر يعجز في أواخر العمر عن قراءة حتى سطر أدبي واحد ، فهذه العلوم تنتهي عند قرب الموت ، وهي علوم أدواتية .
أما إذا عمل شخص بشأن المعارف الإلهية فإن معلوماته تلك تصبح مشهودة الواحدة تلو الأخرى ، إذا بحث شخص في هذا المجال في معنى الكوثر ، وهل هو من ماء يرفع الجوع أيضاً ؟ أم هل هو من ماء إذا شرب منه الشخص جرعة واحدة لا يعطش بعد ذلك إلى الأبد ، أي ماء هذا الذي يعمل عمل الخبز عمل التفاح والعرموط وعمل العطر ؟! .
إذ فهم هذه المسائل أو مسألة الشفاعة أو جسر الصراط فهذه علوم تصبح مشهودة له بع الموت ويجدها أوضح . أي يرى تعبه مشهوداً ويظهر له لحظة فلحظة ، وإذا لم يعمل شخص في هذه المسائل يصبح إفهامه صعباً .
من الممكن ان يتعلم في الدنيا بصعوبة ، ولكن في الآخرة ليس هكذا حيث يتعلم بسهولة ما هو معنى الشفاعة ؟ ما هو معنى الصراط ؟ ما هو معنى الكوثر ؟ ما هو معنى الجنة وجهنم ؟ لا يتعلم مجاناً ، هناك لا يتعلم بالسمع ، بل بالقلب ، لذا ما لم يتم تنظيف قلبه من الغبار ورفع الطبقات الدسمة عن قلبه فقلبه لا يرى . إذا أصبحت عين الإنسان لا ترى من أثر دخول شوكة


(339)

وحشائش فيها فيجب ان يعطي عينه إلى الطبيب في غرفة العلميات والقسم العلاجي حتى تجرى لها عملية جراحية وتستخرج هذه الأشواك والحشائش والأوساخ من عينه حتى يرى وإلا فانه لن يرى . عين القلب هي كذلك أيضاً .
جاء في القرآن الكريم :
( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) (1) .
هذا الذنب هو رين يجلس على القلب . الإنسان لا يرى النبي ، ولا يرى الكوثر بالعين الظاهرية بل يرى بعين القلب ، وما لم يتم تنظيف عين القلب هذه واستخراج هذا الغبار والأوشاخ لا ترى مرآة القلب أسرار القيامة ، هناك تتطلب عملية جراحية وما لم تجر عملية جراحية للقلب وتستخرج هذه الأوساخ ، لا يرى الكوثر ، وهذا ليس أمراً سهلاً أيضاً ، هل يستطيع الأشخاص العاديون ان يروا علي بن أبي طالب عليه السلام ، من لم يكن من أهل الولاية هل يستطيع ان يرى الجمال النوراني للإمام ، هل ان رؤية سيد الشهداء عليه السلام أمر سهل ؟
بالنتيجة يرى الإنسان ذلك في القيامة ، ولكن بعمليات جراحية كثيرة ، وما لم ينظف الرين ، وما لم تجر عملية جراحية لعين القلب ، لا يرى شخص أسرار القيامة ، ولهذا يبدأ الضغط من القبر ، الشخص الذي يؤخذ إلى غرفة العلميات لا يؤخذ للضيافة ، هناك مكان عمليات جراحية .
ورد في كتاب نهج البلاغة القيمّ أن الإنسان عندما يموت يحملونه إلى غرفة عمله ويصبح هذا البدن ميتة ، لذا يقول جميع ذويه : ادفنوه بسرعة حتى لا يجيف :
____________
(1) سورة المطففين ، الآية : 14 .
(340)

( صار جيفة بين أهله واسلموه إلى عمله ) (1) .
وورد أمر بأن التعجيل في أمر الميت مستحب ويجب دفنه بسرعة كما ان ذويه يسعون بسرعة لأن يدفنوه . وهذا يتعلق بالبدن ، إنه ( صار جيفة بين أهله ) ولكن إلى أين يحملون روحه ؟ قال : ( واسلموه إلى عمله ) .
بناء على هذا تذهب العلوم الحصولية حين الموت ، ولا يحصل بسهولة على العلوم الشهودية ، هناك إذا كانت المرأة أكثر تهذيباً تصل إلى المقصد . أسرع من الرجل ، ويجب عدم القول بأن المرأة ليست مقربة بدرجة الرجل لأن الرجل في الفيزياء أو الرياضيات أقوى .

ضرورة وجود المرأة والرجل في نظام الوجود :
جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يتولى نظام الخلق . لو فرض أن المجتمع الإنساني كله رجال . فمن هذا الفرض يأتي عدمه لازماً ؛ لأنه إذا كان الجميع رجالاً ، عند ذلك لا يكون هناك جميع ، لأنه إذا لم يكن هناك امرأة فالرجل لا يستطيع وحده ان يكون مبدأ ظهور النسل ، بناء على هذا فان المجتمع يحتاج إلى المرأة والرجل معاً وكلاهما ركن في هذا النظام الإنساني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إذا أصبح الرجال نساء والنساء رجالاً فان هذا السؤال يطرح أيضاً وهو لماذا يوجد فرق .

النظام القائم على القسط والعدل :
منطق القرآن الكريم بشأن عمل الله هو أن الله سبحانه لا يظلم أحداً :
( ولا يظلم ربّك أحداً ) (2) ( وما ربّك بظلاّم للعبيد ) (3) .
____________
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
(2) سورة الكهف ، الآية : 49 .
(3) سورة فصلت : الآية : 46 .

(341)

إن الله تعالى قائم بالقسط أولاً ، وثانياً ، لأنه قائم بالقسط فهو يدعو الناس إلى القسط والعدل ، وثالثاً : يعرض للناس معيار القسط والعدل أيضاً . هذا المسائل الثلاث يبينها القرآن جيداً :
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) (1) .
المسألة الثانية هي ان الله تعالى أمر ودعا الناس إلى القسط والعدل :
( قل أمر ربّي بالقسط ) (2) .
المسألة الثالثة انه أرسل للناس معيار تشخيص القسط والعدل مع الأنبياء .
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (3) .
هذه المسائل الثلاثة يذكرها القرآن حيث يستفاد من جمع العقل والنقل علاوة على الأدلة العقلية انه لا يوجد ظلم في نظام الخلق . بناء على هذا لا يستطيع أي شخص ان يقول إنني ظلمت ، لا المرأة تستطيع أن تقول إنني ظلمت في نظام الوجود ولا الرجل يستطيع الظن أنه أعطي إليه أفضلية في نظام الوجود .

سر الفرق بين المرأة والرجل :
إن ما ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بالفوارق بين الكائنات هو أنه أولاً يجب إدارة الحياة بأحسن وجه ، وثانياً ما لم يتحقق تسخير متقابل بين
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 18 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 29 .
(3) سورة الحديد ، الآية : 25 .

(342)

الكائنات وما لم يحصل إيجاد انسجام بين هذه الآحاد والطبقات ، فإن النظام لا يدار بأحسن وجه ، وقال في سورة الزخرف :
( أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ) (1) .
وكما ان اختلاف الطبقات والقابليات والميول والجذب والدفع ليس معياراً للفضيلة ، بل الجميع هي لازم بوصفه أداة عمل حتى يتحقق تسخير متقابل وذو طرفين : ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) ، كذلك الاختلاف بشأن المرأة والرجل أي أن الذي لديه قابلية أفضل ، فهذه القابلية ليست علامة على فضيلة معنوية وتقرب إلى الله . إذا استطاع ان يحصل على قائدة أفضل من هذه القابلية وان يعمل باخلاص أكثر فلديه تقوى أكثر ، ويكو أقرب إلى الكمال المحض من هذه الناحية ، ولكن إذا لم يستفد من هذه القابلية ولم يتقرب إلى الله سبحانه فقد تكون هذه القابلية الزائدة وبالاً عليه . فالقابليات وإن كانت فضيلة ظاهرية ولكنها ليست دليلاً على التقرب إلى الله . دليل القرب هو الاخلاص والتقوى وأمثالها .
بناء على هذا ، فان هذه الفوارق هي من أجل ان تسخر مجموعة مجموعة أخرى بصورة متقابلة ومن الطرفين ولا يحق لأحد ان يسخر شخصاً آخر ولا يصبح نفسه مسخراً ولا يستطيع شخص ان يطلب من الآخرين تسخيراً من طرف واحد بامتلاك قوة وامكانات في القابلية أو غير القابلية بل ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) أي يجب أن يكون تسخير متقابل وخدمات متقابلة حتى يدار النظام بأحسن وجه ، وإذا لم يكن التسخير متقابلاً فهو
____________
(1) سورة الزخرف ، الآية : 32 .
(343)

استهزاء وأخذ مصالح الآخر مجاناً حيث نهى القرآن ذلك وحرّمه وأدانه بوصفه ظلماً .
بناء على هذا فان نظام الخلق يتطلب قابليات متقابلة ومتخالفة ، وهذا الفرق هو من أجل التسخير المتقابل وذي الطرفين وليس التسخير من طرف واحد ، وهذا التسخير المتقابل ذل الطرفين . ليس دليل فضيلة ، بل إن معيار الفضيلة هو في شيء آخر وهو التقرب إلى الله .

قيمومة الرجل على المرأة :
هناك مجموعة مزايا للرجل بسبب الأعمال التنفيذية ولكن في القواعد الأساسية للتقرب والتكامل ليس هناك فرق بين المرأة والرجل . فمثلاً عندما تطرح المرأة في مقابل الرجل والرجل في مقابل المرأة بوصفهما صنفين فالرجل ليس قوام وقيم المرأة أبداً ، وليست المرأة تحت قيمومية الرجل . ( الرجال قوّامون على النساء ) حين تكون المرأة في مقابل الزوج والزوج في مقابل المرأة وفي تلك الحالة يرد الكلام في القيومية . علاوة على أن القيمومية ليست دليلاً على الكمال والتقرب إلى الله ، مثلما ان في جميع الوزارات المجامع والمراكز هناك أشخاص قوامون على آخرين كالمدير ، المسؤول والرئيس وأمثالهم ، ولكن هذه الإدارة ليست فخراً معنوياً ، بل هي عمل تنفيذي . فالشخص الذي يصبح رئيساً أو مسؤولاً وقيماً وقوّاماً لا يكون أقرب إلى الله . بل إن ذلك مسؤولية تنفيذية فقط ، ومن الممكن ان الشخص الذي لا يتولى رئاسة تلك المؤسسة يعمل باخلاص أكثر من القيم ويحصل يوم القيامة على أجر أفضل ، ويكون عند الله أقرب . فالقوامية تتعلق بأعمال الإدارة والأعمال التنفيذية ودليلها بينه القرآن بهذا الشكل :
( الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما


(344)

انفقوا من أموالهم ) (1) .
إن المسائل الاجتماعية والحسن الاقتصادي والسعي والجهد لتحصيل المال وتأمين حاجات المنزل وإدارة الحياة يتولاها الرجل بصورة أفضل ، ولأن الرجل مسؤول عن تأمين النفقة فمسؤولية المنزل الداخلية تكون بعهدته ، ولكن ليس بمعنى أن يحصل من هذه المسؤولية على مزية ويقول : أنا أفضل لأنني مسؤول ، بل إن هذا هو عمل تنفيذي ووظيفة وليس فضيلة . روح القوامية هي وظيفة ، والقرآن لا يقول للمرأة إنك تحت أمر الرجل ، بل يقول للرجل تولّ مسؤولية المرأة والمنزل . إذا اعتبرنا هذه الآية بصورة تبيين وظيفة لا إ‘طاء مزية ، عند ذلك يتضح معنى ( الرجال قوّامون على النساء ) أي ( يا أيها الرجال كونوا قوّامين ) ، كما أن الله أمرنا لتنفيذ المسائل القضائية وقال :
( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) (2) .
إن ( الرجال قوامون على النساء ) وان كانت جملة خبرية ولكن روحها إنشاء ، أي أيها الرجال كونوا قوّامين على المنزل ، كونوا مسؤولين عن المنزل ، قواموا بالأعمال في الخارج ، تولوا إدارة الحياة في المنزل ، لذا يجب أن لا يعمل الرجل عملاً بحيث يؤذي المراة في داخل المنزل ، وأن لا يأكل الطعام في الخارج لأن الخارج هو محل عمله فقط ، وراحة وحياة الرجل هي في البيت .
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ) (3) .
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 34 .
(2) سورة النساء ، الآية : 135 .
(3) سورة الروم ، الآية : 21 .

(345)

( الرجل قوامون على النساء ) ليس بمعنى أن المرأة اسيرة الرجل ، والرجل قوّام وقيوم ومدير ويستطيع ان يعمل برغبته ، سواء آراد ان يذهب إلى المنزل أو لم يرد ، بل القرآن يقول اللنساء أيضاً أن يحترمن هذا الإدارة والمسؤولية الداخلية ، ويقول للرجل أنت موظف وهذه هي وظيفتك وليس مزيتك عند ذلك حين يفرغ الرجل من محيط العمل يذهب مباشرة إلى المنزل ، وإذا كان اللمجتمع هكذا فسوف يكون أساس المجتمع قوياً ، ويرحل الطلاق وينتهي الفساد ويتربى أبناء صالحون . إن ( الرجال قوّامون على النساء ) لم تأت أبداً لتعطي فتوى من طرف واحد وتقول للرجال أنت آمر واعمل كل ما تريد ، لأن الرجل إذا خرج من محل العمل ولم يذهب إلى المنزل فهو ليس قوّاماً وقيوم وآمراً ومديراً ، بناء علىهذا ، إذا ذكر الإسلام هذين الحكمين إلى جانب بعضهما البعض وأمر المرأة بالتكمين في مقابل الزوج وأمر الرجل بالمسؤولية في مقابل المرأة . فهو بيان وظيفة فقط ، وأي منهما ليس معيار فضيلة ولا يؤدي إلى نقص . لو قيل لرئيس مؤسسة : ابذل جهداً حتى تثبت نظام تلك المؤسسة ، فهذا ليس بمعنى أن هذا النظام تحت اختيارك ، وأنت تختار ، ذهبت أم لن تذهب ، المقصود هو : إذهب وثبته ، لذا لا ترون في أية في مسألة النة أن درجات الرجل تكو أكثر من درجات المرأة ، بل توزع هناك على أساس العلم والعمل الصالح .
النتيجة ، أولاً : ( الرجال قوامون على النساء ) تتعلق بالفصل الثاني من البحث وليس الفصل الأول ، أي تتعلق بالمرأة في مقابل الزوج وليس المرأة في مقابل الرجل . ثانياً : هذه القيمومة ليست معيار فضيلة بل هي وظيفة .
قيمومة المرأة والرجل هي في محور أصول الأسرة ، أحياناً المرأة هي قيمة الرجل وأحياناً الرجل قيم المرأة . وكثير من المسائل تتغير في الأصول


(346)

العائلية . اطاعة الابن للوالدين واجبة سواء كان ولداً أو فتاة ، وإذا عمل الاين عملاً يؤذي والديه يصبح عاقاً لوالديه ، وعقوق الوالدين حرام . فإذا نهت الأم ابنها عن عمل وقالت : إن هذا العمل يسبب ايذائي ، هنا إطاعة الأم واجب ولا يستطيع الابن ان يقول : إنني لم أعد تحت أمر أمي لأنني الآن في رفبة الاجتهاد أو انني أصبحت مهندساص أو طبيباً وأمثال ذلك . وفي الحقيقة المرأة في هذه الحالات هي القيمة على الرجل . الأم قيمة على الابن ولو كان الابن مجتهداً أو متخصصاً . في المسائل المتعلقة بداخل الأسرة هناك مجموعة حقوق متقابلة . بين المرأة والزوج ، والأم والابن ، والأب والابن .

النظرة المادية والإسلامية :
إذا اعتبر شخص ان معيار التفضيلة يتلخص في المسائل المالية والمنصب والمقام فيجب أن بعيد النظر في أساس تفكيره وتقييمه . إن النظام الذي ينظر إلى المسائل من محور الطبيعة والمادة يعتبر الشخص الذي لديه طاولة أكبر ومنصب أكبر وراتب شهري أكثر ، هو أفضل ، أما الإسلام فلا يعطي لهذا النوع من الأمور قيمة ويقول : إن عظمة الإنسان هي بروح الإنسان والشيء المنفصل عن روح الإنسان هو أداة تنفيذية فقط . بناء على هذا فإذا كان شخص يتمتع بمزايا خارج النفس فقط ، فنفسه لم تتكامل والشيء الذي هو عامل كمال النفس يجب أن يكون مزايا روحية وهو غذاء الروح ، وغذاء الروح تشكله المعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة ، وفي هذه الناحية ليس هناك امتياز المرأة والرجل .

العظمة الحقوقية والاجتماعية للمرأة في القرآن
جاء في القرآن بشأن العظمة الحقوقية والاجتماعية للمرأة :
( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لك أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن


(347)

لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا ان يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) (1) .
إن المسائل المتعلقة بحقوق المرأة بعضها يتعلق بالإرث وبعضها يتعلق بالنكاح وبعضها يتعلق بتعدد الزوجات وبعض آخر يتعلق بالمهر وأمثال ذلك . ولأن هذا النوع من المسائل بينها عدد كثير منهم المرحوم العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان وكتب المتأخرون كتباً أيضاً بتوجيهات ذلك المفسر الكبير في العالم الإسلامي ، لذا سوف لا نبحث في ذلك المجال .
أما في هذا القسم فينبهنا القرآن ويقول : يجب أن تعاشر المرأة بالمعروف وهذه العشرة لا تختص العائلية ، أحياناً يصور التعصب الجاهلي أو رواج ثقافة غير صائبة أو تعصب ساذج وأمثال ذلك ، للرجل انك لا تستطيع التعارن مع المرأة مؤسسة من المؤسسات أو ان المرأة لا تستطيع ان تتواجد في المجتمع بشكل فعال :
يقول القرآن الكريم في هذا المجال ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن ) إذا لم يشركم ان يكون لهن منصب مثلكم ويكون لهن حضور في المجتمع وميدان السياسة ومجال الطب والثقافة والتدريس ، فتحملوا هذا الأمر لعله يكون هناك خير كثير في هذا الأمر و أنتم لا تعلمون ، لذا لما ان القرآن الكريم يقول بشأن الحرب والدفاع :
( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ) (2) بيّن شبيه هذا التعبير بشأن
____________
(1) سورة النساء ، الآية : 19 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 216 .

(348)

حضور المرأة في الحياة الاجتماعية ومسائل الحياة وقال : ( وعاشروهن بالمعروف ) المعروف ، أي المعترف به رسمياً . الشيء الذي يعترف به العقل رسمياً والمعترف به رسمياً عند صاحب الشريعة هو المعروف ، والشيء الذي لا يعترف به العقل والدين رسمياً ، فهو نكرة ويصبح منكراً ، قال بأن تعامل المرأة بشكل يعترف به العقل والشرع رسمياً ، أي اعترف به رسمياً عند الوحي والعقل ، وأن لا تعزل هذه الشريحة العظيمة ولا تعامل معاملة سيئة . طبعاً سيادة الرجل في داخل المنزل هي مسألة تتعلق بالفصل الثاني من البحث ولكن يجب أن لا تكون سيادة للرجل في المجتمع ، ويجب أن لا يقال : إن هذا الفرع العلمي يتعلق بالرجل ولا تستطيع المرأة أن تتولاه ، أو أن المرأة تستطيع ان تتخصص في العلوم التجريبية والإنسانية وأمثالها .
ثم قال : ( فإن كرهتموهن ) . إذا لم يسركم أن تتمتع النساء بحياة اجتماعية صحيحة وسليمة فاعلموا ان كراهتكم هذه غير صحيحة ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) . إن ( ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) هي أهم من مسألة الجهاد تلك ، لأن الجهاد والدفاع هو أمر مؤقت ، أما حضور المرأة في الساحة فهو دائمي والحياة الاجتماعية للمرأة تستطيع أداء دور أكثر تأثيراً في مسألة الجهاد والدفاع .

العاطفة في المجتمعات الغربية والإسلامية :
يجب عدم اختصاص الأعمال التنفيذية ، بمجموعة خاصة ، هناك وظائف عينت للرجال مثل مسؤولية المجتمع ، والقضاء ، والمسائل الدفاعية والحربية وأمثالها ، حيث أن العاطفة والعفة الوافرة في هذه المسائل مضرة .
ولكن الرجال تولوا هذه المناصب ضررهم ناتج عن أنهم لم


(349)

يستطيعوا ان تكون لهم عشرة بالمعروف مع نساء المجتمع ولم يستفيدوا من مشاعرهن ورقة قلوبهن . حيث اطلقوا الحرية للمرأة وأصبحن مسخرات للغرائز بدون ان يصبحن مسخرات العواطف . ولكن الإسلام حرر المراة وسخر المجتمع لعواطفها لذا بني مجتمعاً عاطفاً ، وأقام رأفة رحمة في المجتمع الإسلامي . أما ما يلاحظ من عدم وجود أية عاطفة في بعض المجتمعات وأحياناً يحرق أكثر من ماثتين وتسعين شخصاً في الجو بواسطة القوى الكبرى الغربية في قضية إسقاط الطائرة الإيرانية بواسطة سفينة امريكية ـ أو يلاحظ ان مناطق مثل حلبجة ، تتعرص إلى أسوأ وضع من التسمم بالقنابل الكيمياوية ، ويقتلون الرجال والنساء معاً مع انهم كانوا أنصار حرية المرأة وجاؤوا بالمرأة إلى الساحة وعاشوا مع المرأة ، من أجل أهم أصبحوا مسخرين لغريزة وطبيعة المرأة لا مسخرين لعاطفتها ، أي انهم محرومون من الفن والفضيلة والجمال الذي أعطاه الله إلى المرأة باسم العاطفة والرحمة والرقة . ما اعطاه الله إلى طبيعة المرأة قاموا بتسليطه على انفسهم . إن ما اعطاه الله تعالى إلى فطرة المرأة وروح المرأة اعطاه إلى المرأة بوصفه فضيلة . ولكن الدنيا المادية لم تستفد من ذلك باسم الرحمة والعاطفة والعفو والرقة ، لذا قام العالم المعاصر بعرض المرأة وكثرت وحشية المجتمع . أما العالم الإسلامي فيأتي بالمرأة إلى الساحة حتى يسخر المجتمع لعواطف المرأة ، وليس الغريزة المرأة . الرواية التي تقول :
( المرأة عقرب ) (1) .
هذا الرواية تشير إلى ذلك الشيء الذي ابتلي به في العالم الغربي ، أما الرواية التي يقول فيها أمير المؤمنين عليه السلام لابنه :
____________
(1) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الكلمات القصار ، 58 .
(350)

( فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانه ) (1) .
فهي الفضيلة التي تكامل بها المجتمع الإسلامي ، لذا ترون أن ذلك العنف الموجود في الحروب غير الإسلامية غير موجود في الحروب الإسلامية ولا تشاهد عند المسلمين تلك الوحشية التي لدى الآخرين . ومع أ، المسلمني يدعون المرأة إلى الحجاب ، ولكنهم يستفيدون من عاطفة المرأة بوصفها محوراً تربوياً . الإسلام يأتي بالمرأة إلى الساحة في ظل الحجاب وسائر الفضائل حتى تصبح معلمة في العاطفة ، والرقة واللطف والصفاء والوفاء وأمثال ذلك ، والعالم المعاصر سلب الحجاب من المرأة حتى تدخل إلى السوق بوصفها لعبة وتؤمن الغريزة ، عندما تأتي المرأة إلى المجتمع برأسمال الغريزة ، عند ذلك ليس هي معلمة في العاطفة ، فتأمر بالشهوة وليس العفو ، لذا ترون في الغرب أن الشفقة والرحمة قليلة الأثر وما هو سائد هي القوة . لا يحق للبلدان الضعيفة ان تحيا ، لا يحق للناس المحرومين الحياة بأي وجه ، الذين يرسلون طاقماً لمساعدة السفن الفضائية . يحترق أقرب محيط بظلمهم ، سر ذلك هو أن المرأة بدون عاطفة . تأمر الغريزة والشهوة ، والشهوة لا تحمل معها إلا العمى والصمم . ان المراة مع الحجاب فتأمر بالعاطفة والعاطفة تحفظ البنيان المرصوص ، هذا البنيان المرصوص صرح ، لا يمكن أبداً بناء صرح كله من الحديد والحجر الصلب ، بل من اللازم وجود مادة لينة ، حتى تحتضن الأحجار الباردة والصعبة والحديد المتصلب ، المرأة هي مظهر العواطف والمشاعر ، وإذا سلب العاطفة من المجتمع فكأنه سلب هذه المادة من طبقات هذه الجدران والأحجار والصخور ، مما يؤدي إلى سقوط ذلك الصرح ، لذا يؤكد الإسلام أن تأتي المرأة إلى المجتمع ولكن بحجاب ، أي تأتي لتعطي
____________
(1) نهج البلاغة ، الرسالة 31 .
(351)

درس العفة والعاطفة لا درس الشهوة والغريزة ، وان ما يلاحظ من محاولة العالم الاستكباري الاستعانة بالغريزة والشهوة فهو من أجل أنه يريد ان يقلع هذه الآصرة من مكانها وإضعاف هذا البنيان المرصوص ، ولكن الإسلام يسعى إلى حفظ هذه الآصرة في الحجاب حتى يظل هذا البنيان المرصوص سليماً .

المرأة في ثقافة الغرب :
إن سر أن العالم العربي لديه ثقافة منحطة في هذا المجال هو ان معرفتهم للإنسان هي كمعرفتهم للكون ، وبعبارة أخرى إن معرفتهم للإنسان هي فرع من رؤيتهم للكون ، رؤيتهم الكونية هي في مستوى ( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر ) (1) ، ولأنهم يرون العالم محدوداً في نشأة الطبيعة ، وليس لديهم معرفة بما وراء الطبيعة ، لذلك يعتبرون الإنسان محدوداً في حدود الطبيعة ، وهم يعرفون الجسم فقط وليس الإنسان .
إنهم يرون ان بدن الإنسان يشكل كل حقيقة الإنسان ، ولأنهم يرون ان بدن الإنسان على شكلين ، أما بصورة امرأة أو بصورة رجل ، لذا يظنون ان المرأة والرجل يختلفان ، كما أن أبدانهما مختلفة .
الشخص الذي تكون معرفته للإنسان على أساس رؤيته الكونية المادية ، لا يسير سيراً عمودياً في العالم أبداً ولا يعلم ما هو مبدأ ومنتهى سير حياة الإنسان ، بل يسير أفقياً دائماً ، وكما أن معرفته في النجوم والبحر والنبات والحيوان ، والأرض والمعدن وغيرها معرفة مادية ، كذلك معرفته بالإنسان ، فهو لا يعتبر للإنسان مقاماً أفضل مما هو في عالم الطبيعة ، ولا
____________
(1) سورة الجاثية ، الآية : 24 .
(352)

يفهم مسائل من قبيل الملائكة والوحي ، ولا يفهم ان المرأة مثلاً تستطيع أن تتكلم مع الملائكة وتسمع كلامهم ، وتتلقى بشارة ، ولايدرك ان الملائكة لا يتكلمون مع إحدى النساء لأنها عضوة في عائلة مكرمة ، بل يقولون لها مباشرة بإنها منشأ كرامة وأنهم أوصلوا إليها كرامة ولا يقولون ، لها : إنها عضوة فرعية في عائلة تتمتع ببركات ورحمة خاصة . قالت الملائكة لأم إسحاق :
( اتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) .
بناء على هذا يتضح ان رؤية الماديين للإنسان هي نفس الرؤية التي لديهم فيما يتعلق بعلم النبات ، لذا تكون نتيجة علومهم عبارة عن مجموعة من الشبهات التي يطرحونها ، من قبيل أنه لماذا تختلف دية المرأة والرجل ، أو لماذا إرث المرأة في بعض الحالات أقل من إرث الرجل وأمثال ذلك ؟ ورغم انه لا يبقى محل لمثل هذه الأسئلة بعد اتضاح معيار القيم ، فاننا سوف نجيب بعون الله عن هذه الشبهات في المحل المناسب .

خلاصة ونتيجة :
ان الآخرين إذا كان لديهم نقد الإسلام ، فذلك بسبب انهم ليس لديهم معرفة بالقواعد الأولية للإسلام . الإنسان الموحد ينظر إلى العالم برؤية الله ، لذا يعتبر الترجيح والتقدم نسبيين ، كما يعتبر النقص والشر نسبيين ، فإذا رآى الإنسان الموحد شرّاً في العالم ، لا يجعل ذلك أبداً محسوباً على هندسة مهندس العالم ، بل يرجع ذلك إلى الفقدان والعدم ، لأنه يعتقد ان مبداً حدوث النظام ليس إلا خيراً محضاً . ويشاهد النظام بنحو أحسن ، وإذا شاهد فوارق وتفاضل بين الناس ينطر إلى ذلك برؤية هندسية ، أي يقيمها بالأسس


(353)

التي طبقها يتبين انه ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل .
لذا إذا كان في نهج البلاغة ذلك الكلام فان فيه أيضاً أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابنه :
( فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ) (1) .
لا تسمح ليد أجنبي أن تصل إلى هذا الوردة وإلا سوف تذبل .
( فإنما امرأة أحدكم لعبة فمن اتخذها فلا يضيعها ) (2) .
لعبة أي ريحانة . لا تضيع ماء الورد من هذه الوردة ، العطر من هذه الوردة ، فالحياة ليست كلها عطراً وليس كل الحياة حديداً الأعمال القوية لازمة وكذلك الأعمال الظريفة . هل الورد أفضل أم الحديد ؟ الورد فيه فضائل ، والحديد فيه فضائل كثيرة أيضاً . الحديد يتولى الأعمال القوية والورد يتولى الأمور الفنية الظريفة ، الرقيقة والعاطفية ، ومن المحال وجود الحديد بدون الورد ، وكذلك لا يمكن وجود الورد بدون الحديد .
إذا اتضحت القواعد القيمية في الإسلام ونظر القرآن الكريم وتعين محور البحث أيضاً ـ ان المراة مقصود منها مقابل الرجل أم المرأة مقابل الزوج ـ فقطعاً تنحذف كثير من الأسئلة والشبهات ، أي عند ذلك لا يسأل شخص انه لماذا تستطيع المرأة ان تصبح وزيرة ، لماذا لا تصبح قائدة و ... لأنه اتصح ان معيار الكمال هو شيء آخر . والأمور التنفيذية هي وظيفة الإنسان ، ومن الممكن أن لا يكون لشخص منصب تنفيذي ويقوم بعمل تحقيقي آخر ، ولكنه يصبح من المقربين ، بحيث لا يصل ذوو المناصب التنفيذية المهمة إلى مقامه . ولكن الذين يم يعرفوا قواعد الإسلام تبدو هذه
____________
(1) نهج البلاغة ، الرسالة 31 .
(2) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 224 .

(354)

المسائل التنفيذية لهم مهمة جداً ويطرحون من باب العقدة أو النقد العلمي أو الاعتراض والمعارضة أنه لماذا تستطيع المرأة ان تتقلد العمل التنفيذي الفلاني .

طريقان للحل :
بناء على هذا الدنيا طريقان ، أحدهما لنا والطريق الآخر بوصفه جواباً عن أسئلة الآخرين ، أي في المرحلة الأولى ، يجب أن يحل هذا الموضوع لنا ، حيث أن بعض الأسئلة مثل أنه لماذا لا يمكن ان تتصدى المرأة لكثير من الأمور التنفيذية ، ليست قابلة للطرح ـ توضيح هذا الموضوع يستلزم نكتتين :
أولاً : كثير من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة شرعاً ، من ذلك مرجعية المرأة للنساء وإمامة للنساء والتصدي للأعمال التنفيذية المتعلقة بالنساء ليس جائزاً فقط ، بل أولى والرجل غير مجاز بأن يشترك في بعض الأمور التنفيذية إلا أن تقتضي ضرورة .
ثانياً : إن الأمور التنفيذية ليس مقاماً ، لو كانت مقاماً وكان واجباً ان يتقبل الإنسان هذا العمل التنفيذي ـ بوصفه من الكمالات وليس لحفظ النظام ـ لم يكن علماؤنا الكبار يبتعدون عنه .

قيمة الفقاهة ومسؤولية المرجعية :
إذا كان القارىء يعرف بسيرة علماء الدين فسوف يعرف أن كثيراً من كبار الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقاهة ، وكانوا جادين في مسير الاجتهاد ، فمن ناحية كانوا يجاهدون حتى يصبحوا مجتهدين ، ومن ناحية أخرى كانوا مجاهدين أن لا يصبحوا مراجع ، وهذا يدل على ان الفضيلة هي شيء آخر والمقامات التنفيذية هي


(355)

مجرد وظيفة ، فإذا قام بها شخص يجب تأييده وإعانته والطلب من الله ان يؤيده في إنجاز هذا العمل التنفيذي . وهذه المسؤولية الثقيلة في خدمة دين الله . ولكن هذا المقام ليس معيار فضيلة حتى يسعى الناس الصالحون للحصول عليه . لذا كان العلماء العارفين بأسس الفضائل القرآنية جهادين : جهاد الاجتهاد والفقاهة وجهاد آخر من المرجعية .
بناء على هذا ، لو كان تقبل المسؤوليات التنفيذية واجباً عبادياً أو حتى مستحباً تعبدياً ، وكان لازماً أن يسعى الإنسان للحصول عليه لكان العلماء الكبار مثل الشيخ الأنصاري قد سعوا للوصول إلى هذا المقام . إن ما نراه من ان الفقيه إذا كان أزهد يسعى لأن لا يتقبل المرجعية ، أو أن الفقيه الأتقى يسعى لأن لا يتقبل المسائل المالية أو يتقبل قليلاً ، أو أن الأتقى قليلاً ما يذهب وراء هذه المسائل ـ إلا أن يصبح واجباً عينياً عليه ـ فان سر ذلك هو ان هذه الأمور هي وظيفة ، وليست مقاماً ، أما الاجتهاد والفقاهة ووراثة علوم الأنبياء وفهم الكتاب والسنة وأمثالها . فهي مقام . ان هذا الابتعاد والهرب من المال والتحرك باتجاه التفقه عملان وليس عملاً واحداً ، أحدهما تبري والآخر تولي . بناء على هذا يتضح أنها مسائل هي وظيفة العلماء وبعض العلماء إنما تقبلوا المرجعية لحفظ هذا النظام والحوزة والله يؤيدهم . ولكن ذلك ليس مقاماً فإذا أصبح شخص مرجعاً يكسب عشر درجات من الجنة مثلاً وإذا لم يصبح مرجعاً يحصل على ثمانية درجات .
طبعاً إذا أصبح شخص أعلم فدرجته أعلى ، الشخص الذي يصبح أقرب وأفقه وأتقى درجته أعلى .

درجات الجنة :
درجات الجنة مزينة بالأضواء بعدد آيات القرآن ، أي لو أريد تجسيم الجنة من أقل درجاتها حتى أعلى درجاتها بصورة كتاب تصبح قرآناً ولو أريد


(356)

تجسيم القرآن بصورة نظام عالمي يصبح جنة . ودرجات الجنة النازلة هي التي يقول القرآن بشأنها :
( جنات تجري من تحتها الأنهار ) (1) .
ودرجاتها الوسطى أشار إليها القرآن أيضاً بقوله :
( إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) (2) .
وفي آية أخرى في جاء صدد تعريف درجات الجنة العالية :
( فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) (3) .
من أسفل الجنة وهي ( جنات تجري من تحتها الأنها ر) حتى صدر الجنة وهو ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وحتى رأس وذروة الجنة وهو ( فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) ، هذا النظام الواسع لو أريد أن يجسم بصورة كتاب يصبح قرآناً ولو أريد أن يجسم القرآن يصبح ( جنات تجري من تحتها الانهار ) ، ويصبح ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ويصبح ( فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ، عند ذلك يقال لكل شخص أكثر فهماً للقرآن ، وأفضل إدراكاً للقرآن وعملاً بالقرآن بصورة أفضل : إن لك سهماً هنا بدرجة فهمك واعتقادك وإيمانك . لذاوكما ذكر من أن درجات الجنة ، مقسمة من الظاهر والباطن بعدد آيات القرآن . ولكن لم يلاحظ في أية مسألة أن درجات الجنة مقسمة على أساس معايير تنفيذية حتى يقال في النتيجة : إن سهم المرأة قليل : بل إن التقسيم على أساس المعنويات وقواعد القيم ، بمعنى أن من هو أعلم ، له المقام الفلاني ، ومن هو أفقه ، أو أتقى له مثل
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 25 .
(2) سورة القمر ، الآيتين : 54 ـ 55 .
(3) سورة الفجر ، الآيتين : 29 ـ 30 .

(357)

هذا المقام أيضاً .

طريق إجابة الآخرين :
أما إذا أردنا أن نجيب الآخرين الذين لم يدخلوا في هذه المسائل العميقة فلا نستدل لهم بهذا الطريق المذكور ، لأنهم لم يعرفوا هذا المعيار ، بل يجب إجابتهم بالطريق العادي وهو :
أولاً إن كثيراً من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة ومسألة الولاية والحكومة هي شيء آخر : وإلا إذا كانت الإعمال التنفيذية الخاصة بالنساء بعهدة النساء فان هذا ليس فقط غير ممنوع بل هو أولى ، كما أن المرأة إذا وصلت إلى مقام الفقاهة ، فان الطريق مفتوح لها في المسائل الاستشارية سواء في مجلس صيانة الدستور أو في مجلس الشورى الإسلامي . وإذا قيل أحياناً ستة أشخاص فقهاء من الرجال فهو لأنهم يستطيعون تحمل مصاعب العمل ، وإلا إذا لم يكن حضور النساء وحشرهن مع الرجال لازماً ، ويكون الرأي كافياً فقط ، فليس بعيداً أن تعطي نساء فقيهات رأياً وفتوى ويستشرن .
من الممكن ان تصل امرأة إلى مستوى المرحوم صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري ، فلا تصبح مرجع تقليد ، ولكن تلاميذها يكونون مراجع تقليد ، فهذه ليس لديها أي نقص .

الفقاهة ملك والمرجعية أمانة :
لإجابة المجموعة الثانية أيضاً ، يجب القول أيضاً للذين يعتقدون بكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الإمام علياً عليه السلام يعتبر الأعمال التنفيذية وظيفة ، ويذكر ان هذه هي أمانة بأيدكم ، والأمين ليس مالكاً أبداً . الفرق بين المقام والمنصب هو أن المقامات المعنوية هي ملك الإنسان والمنصب هو أمانة ، والأمانة ليست عامل فخر بل الملك هو