مكارم الأخلاق

اسم الكتاب

الحسن بن الفضل الطبرسي

المؤلف
الفهرسة

المؤلف والكتاب في سطور

مقدمة المؤلف

الباب الأول: في أخلاق النبي وأوصافه 

الفصل الأول: في خلق النبي (ص) وخلقه وسيرته مع جلسائه

الفصال الثاني: في نبذ من أحواله وأخلاقه

الفصل الثالث: في صفة أخلاقه في مطعمه

الفصل الرابع: في صفة أخلاقه في مشربه

الفصل الخامس: في سائر أخلاقه

 

 

  

 

مكارم الاخلاق

[ 1 ]

[ 2 ]

مكارم الاخلاق

الشيخ الجليل رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي

من اعلام القرن السادس الهجري

 

" بعثت لاتمم مكارم الاخلاق "

(حديث نبوي شريف)

[ 3 ]

الطبعة السادسة حقوق الطبع محفوظة للناشر 1392 هـ ـ 1972 م

[ 4 ]

المؤلف والكتاب في سطور

المؤلف:

هو الحسن الملقب برضي الدين والمكنى بأبي نصر نجل الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (1)، من أعلام القرن السادس الهجري.

كان من أكابر علماء الامامية، وأجلاء هـذه الطائفة وثقاتهم، روى عن والده أمين الدين الفضل الطبرسي، وعنه مهذب الدين الحسين بن أبي الفرج ردة النيلي. وهو من اسرة علمية تسلسل فيها العلم والفضل. فأبوه صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن الذي لا يزال حتى اليوم مرجعا لكل طالب تفسير، وصاحب أعلام الورى بأعلام الهدى، وجوامع الجامع وغير ذلك من المؤلفات القيمة.

وولده علي بن الحسن كان من العلماء المؤلفين وهو صاحب كتاب " مشكاة الانوار " المطبوع في النجف الاشرف سنة 1370، ويمكن اعتبار كتابه تتميما لكتاب والده (مكارم الاخلاق).

كل الذين تحدثوا عنه لم يذكروا لا مكان ولادته ولا تاريخها، ولا مكان وفاته ولا تاريخها، رغم من العلماء البارزين، واكتفوا بالقول بأنه كان من أعلام القرن السادس الهجري، وإنما ذكر المقدس السيد محسن الامين العاملي في أعيان الشيعة ج 23 ص 9 ـ 15، انه توفي في سبزوار سنة 548 هـ ونقلت جنازته إلى المشهد الرضوي،

ـــــــــــــــ

(1) منسبوب إلى طبرستان وهي بلاد واسعة مجاورة لبلاد مازندران، وجيلان، وجرجان في إيران، راجع معجم البلدان للحموي حرف الطاء المهملة.

[ 5 ]

ودفن هـناك في موضع يعرف بقتلكاه، وانه كان قبل انتقاله إلى سبزوار يسكن المشهد الرضوي، وانه انتقل إلى سبزوار سنة 523، وعلى هذا يكون قد أقام في سبزوار خمسا وعشرين سنة.

هذا كل ما أمكننا أن نعرفه عن حياته. على أن بعضهم يناقش تاريخ الوفاة المذكور ومحل دفنه المذكور في أعيان الشيعة، وينسبون كل ذلك إلى والده صاحب التفسير حيث ان والده مدفون بخراسان (المشهد الرضوي) في شارع الموسوم بشارع الطبرسي وقبره مزار لحد اليوم. ومهما كان الامر فان ما وصلنا من أخباره العلمية كله ثناء عليه.

فقد وصفه صاحب أمل الامل (1) بأنه كان محدثا فاضلا، ووصفه في رياض العلماء (2) بالمحدث الجليل.

ووصفه في مستدرك الوسائل: بالفقيه النبيل المحدث الجليل. وقال المجلسي (ره) في مقدمة البحار: بأنه قد أثنى عليه جماعة من الاخيار. إلى غير ذلك من الصفات التي ذكرها هؤلاء وغيرهم.

 

الكتاب:

هو مكارم الاخلاق ومعالم الاعلاق، الحاوي لمحاسن الافعال والاداب، من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآدابه وأخلاقه، وأوصافه، وسائر حالاته، وحالات الائمة المعصومين عليهم السلام وما روت في ذلك عنه وعن أهل بيته صلوات الله عليه وعليهم. قال المجلسي (ره) في مقدمة بحاره: وكتاب المكارم في الاشتهار كالشمس في رائعة النهار.

ـــــــــــــــ

(1) للشيخ المحدث أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي صاحب " وسائل الشيعة " المتوفى سنة 1104 هـ.

(2) للفاضل المتتبع الميرزا عبد الله بن عيسى بن محمد صالح التبريزي الشهير بالافندي المعاصر للعلامة المجلسي.

[ 6 ]

وقال غيره من العلماء: إن مكارم الاخلاق قد ألف في حياة والده، وهو كتاب نفيس نافع مشهور، حسن الترتيب، كثير الجمع، اشتهر وانتشر في عصر مؤلفه.

طبع هذه الكتاب القيم مرات ومرات في كل من مصر إيران. فقد طبع لاول مرة في مصر في مطبعة عبد الواحد الطوبي وعمر حسين الخشاب في شعبان سنة 1303 هـ وانتشر واشتهر وكثر الاقبال عليه، ثم اعيد طبعه في مطبعة بولاق، وفي مطبعة أحمد البابي الحلبي سنة 1306، ولكنه مع الاسف الشديد حرف في جميع الطبعات المصرية تحريفا فظيعا وتغييرا شنيعا. ولما كانت نسخ هذا الكتاب المخطوطة كثيرة في كل من العراق وإيران، واطلع عليها جماعة من العلماء والفضلاء، جمعوا عدة نسخ من مخطوطة الكتاب وقاموا بتصحيحه وتدقيقه وطبعه في إيران. وطبع بعد ذلك عدة طبعات في كل من إيران والعراق. ونظرا لاهمية الكتاب، ونفاذ نسخه من الاسواق التجارية، وكثرة الطلب، قامت هذه المؤسسة الثقافية بإعادة طبعه ونشره بعد التصحيح الدقيق والتعليق اللازم خدمة للعلم، والله من وراء القصد.

[ 7 ]

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الاحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على محمد عبده المجتبى، ورسوله المصطفى، أرسله إلى كافة الورى، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وعلى أهل بيته أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والسلام على من اتبع الهدى.

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى لما جعل التأسي بنبيه مفتاحا لرضوانه وطريقا إلى جنانه، بقوله عزوجل: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر " واتباعه واقتفاء أثره سببا لمحبته، ووسيلة إلى رحمته بقوله عز من قائل: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " حداني هذا الفوز العظيم إلى جمع كتاب يشتمل على مكارم أخلاقه ومحاسن آدابه وما أمر به أمته، فقال (عليه السلام): إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق. لان العلم بالشئ مقدم على العمل به، فوجدت في كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ما يحتوي على حقيقة سير الانبياء وهي الانقطاع بالكل عن الناس إلى الله في الرجاء والخوف وعن الدنيا إلى الاخرة.

وخص من جملتهم نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بكمال هذه السيرة وحثنا ورغبنا على الاقتداء به فقال (عليه السلام) بعد كلام له طويل لمدع كاذب يدعي بزعمه أنه يرجو الله: كذب والعظيم ما باله [ و ] لا يتبين رجاؤه في عمله وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول، وكل خوف متحقق إلا خوف الله فإنه معلول، يرجو الله في الكبير

[ 8 ]

ويرجو العباد في الصغير، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب، فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده ؟ أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا ؟ وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا، وخوفه من خالفه ضمارا (1) ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه، آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها، ولقد كان في رسوله الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الاسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها ووطأت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوى عن زخارفها، وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لانه كان يأكل بقلة الارض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب (2) لحمه، وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل من سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها، وإن شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله، دابته رجلاه وخادمه يداه. فتأس بنبيك الاطيب الاطهر (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لاثره، قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا (3) وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله.

ـــــــــــــــ

(1) الضمار الوعد المسوف.

(2) الصفاق ككتاب: هو الجلد الاسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر أو جلد البطن وهو المراد ههنا. والتشذب: التفرق.

(3) قضم الشئ: كسره بأطراف أسنانه وأكله، والمراد الزهد في الدنيا والرضا منها بالدون. والهضم: خمص البطن وخلوها. والكشح، ما بين السرة ووسط الظهر.

[ 9 ]

ولقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل على الارض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه ويكون الستر على باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة ـ لاحدى أزواجه ـ غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشا (1) ولا يعتقدها قرارا ولا يرجو فيها مقاما، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيبها عن البصر وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده. ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله بذلك محمدا أم أهانه ؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والله العظيم، وأتى بالافك العظيم، وإن قال: أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه. فإن تأسى متأس بنبيه واقتص أثره وولج مولجه وإلا فلا يأمن الهلكة فإن الله جعل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) علما للساعة ومبشرا بالجنة ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا وورد الاخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه وقائدا نطأ عقبه والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها ؟ ! فقلت: اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى. فهذه الخطبة كافية في مقصودنا على طريق الجملة ونحن نذكر تفصيل مكارم أخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع أحواله وتصرفاته وجلوسه وقيامه وسفره وحضره وأكله وشربه خاصة وجميع ما روي عنه وعن الصادقين عليهم السلام في أحوال الناس عامة ونسأل الله التوفيق في إتمامه، إنه على ما يشاء قدير، وتيسير العسير عليه سهل يسير.

ـــــــــــــــ

(1) الرياش: ما كان فاخرا من اللباس والاثاث.

[ 10 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الاول

في خلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

وخلقه وسائر أحواله،

وفيه خمسة فصول:

الفصل الاول

في خلقه وخلقه وسيرته مع جلسائه

برواية الحسن والحسين عليهما السلام من كتاب محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن ثقاته، عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي (1) وكان وصافا عن حلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخما مفخما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب (2)، عظيم الهامة، رجل الشعر (3)، إذا انفرقت عقيصته قرن (4) وإلا فلا يجاوز شعره شحمه أذنيه إذا هو وفرة، أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب (5) سوابع في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب

ـــــــــــــــ

(1) هو أخو فاطمة عليها السلام من قبل أمه، وكان رجلا فصيحا، قتل مع علي (عليه السلام) يوم الجمل.

(2) المشذب كمعظم: الطويل

(3) أي ليس كثير الجعودة ولا شديد السبوطة، بين الجعودة والاسترسال.

(4) العقيصة: الفتيلة من الشعر وفي الشعر كثرته.

(5) " وفرة " كدفعة. و " أزج الحواجب " أي الدقيق الطويل. السوابع: الاتصال بين الحاجبين.

[ 11 ]

أقنى العرنين (1)، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم (2)، كث اللحية (3)، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم (4)، أشنب مفلج الاسنان (5)، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية (6) في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس (7)، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط (8)، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، أعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين (9)، سائل الاطراف، خمصان الاخمصين (10)، مسيح القدمين (11) ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفئا ويمشي هونا، سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت إلتفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.

قال: قلت له: صف لي منطقه ؟

قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متواصل الاحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة،

ـــــــــــــــ

(1) العرنين: الانف. أقنى العرنين أي محدب الانف.

(2) الشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء أعلاه.

(3) يعني كثيف الشعر في لحيته. رجل سهل الوجه: قليل لحمه.

(4) الدعج: سواد العين. وضليع الفم واسعه وعظيمه.

(5) شنب الرجل فهو أشنب: كان أبيض الاسنان، والمفلجة من الاسنان: المنفرجة.

(6) المسربة: الشعر وسط الصدر إلى البطن. والدمية بالضم: الصورة المزينة فيها حمرة كالدم.

(7) الكردس: الوثاق المفصل.

(8) اللبة: موضع القلادة من الصدر.

(9) " رحب الراحة ": وسيع الكف كناية عن الرجل الكثير العطاء. القصب: كل عظم ذي مخ أي ممتد القصب. وشثن الاصابع غليظها.

(10) لم يصب باطن قدمه الارض.

(11) مقدم قدمه ومؤخره مساو.

[ 12 ]

ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (1) ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه، دمثا (2) ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أشار بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح (3)، وإذا فرح غض من طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام (4).

قال الحسن (عليه السلام): فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منها شيئا.

قال الحسين بن علي: سألت أبي عن دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا لله عزوجل، وجزءا لاهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر ـ أو قال لا يدخر ـ عنهم شيئا.

فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الامة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون زوارا، ولا يفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة فقهاء.

قال فسألته من مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟

ـــــــــــــــ

(1) الاشداق: جوانب الفم، والمراد أنه لا يفتح فاه كله، وفي بعض النسخ (بابتدائه).

(2) الدماثة: سهولة الخلق.

(3) أشاح: أظهر الغيرة، والشائح: الغيور.

(4) الغمام: السحاب، والمراد أنه تبسم ويكثر حتى تبدو أسنانه من غير قهقهة.

[ 13 ]

قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم ـ اوقال ولا ينفرهم ـ ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الاسر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

قال: فسألته عن مجلسه ؟

فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه، ولا يوطن الاماكن وينهي عن إيطانها (1) وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كلا من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الاصوات ولا يوهن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته (2)، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون ـ أو قال يحوطون الغريب.

قال: قلت: كيف كانت سيرته مع جلسائه ؟

قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب (3) ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والاكثار ومما

ـــــــــــــــ

(1) يعني لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.

(2) نثوته نثوا من باب قتل: أظهرته. والفلتات: الهفوات أو الامر فجأة.

(3) الصخاب من الصخب وهو شدة الصوت.

[ 14 ]

لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا. ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (1)، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه (2)، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.

قال: قلت: كيف كان سكوته ؟ قال: كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أربعة: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شئ ولا يستنفره، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده فيما أصلح امته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والاخرة.

الفصل الثاني

في نبذ من أحواله وأخلاقه من كتاب شرف النبي (ص)

وغيره في تواضعه وحيائه (ص)

عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريضة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته إكاف من ليف (3).

ـــــــــــــــ

(1) يعني أنهم يستجلبوا الفقير لئلا يؤذي النبي.

(2) الرفادة. الضيافة وورود المدعو على الداعي. والرفد بكسر الرا: الهبة والعطية.

(3) المخطوم: من خطم الحمار بحبل أي جعله على أنفه. والاكاف: برذعة الحمار وجله.

[ 15 ]

عن أنس بن مالك قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته لذلك.

عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس على الارض ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك.

عن أنس بن مالك قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.

عن أسماء بنت يزيد قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بنسوة فسلم عليهن.

عن ابن مسعود قال: أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل يكلمه فأرعد، فقال: هون عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد (1).

عن أبي ذر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه.

سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع إذا خلا ؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.

وعنها: أحب العمل إلى رسول الله الخياطة.

من كتاب النبوة عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: مرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة بذية وهو جالس يأكل، فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك ! وأي عبد أعبد مني، فقالت: أما لي فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقمة من طعامه فقالت: لا والله إلى التي في فيك قال: فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا.

عن أنس بن مالك قال: خدمت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: هلا فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط.

ـــــــــــــــ

(1) القد بالكسر: الشئ المقدود، وبالفتح جلد السخلة، وبالضم: سمك بحري.

[ 16 ]

عن أنس بن مالك قال: صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط وما قعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل قط فقام حتى يقوم.

عن أنس بن مالك قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه (1) جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك وأمر له بعطاء.

عن أبي سعيد الخدري يقول: كان رسول الله حييا، لا يسئل شيئا إلا أعطاه. وعنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد حياءا من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.

في جوده (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أجود الناس كفا وأكرمهم عشرة (2)

من خالطه فعرفه أحبه. من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شئ أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.

ـــــــــــــــ

(1) جبذه: أي جذبه.

(2) العشرة: بالكسر وفي بعض النسخ (العشيرة) وهما بمعني واحد.

[ 17 ]

و برواية اخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه كان إذا وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كان أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله، ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم).

عن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا قط فيقول: لا. عن إبن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهم ام حبيبة أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، قال: نعم، قال ابن زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أعطاه إياه لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال: نعم.

عن عمر قال: إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله فقال: ما عندي شئ ولكن اتبع علي فإذا جاءنا شئ قضيناه قال عمر: فقلت: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه قال: فكره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله [ ذلك ] فقال الرجل: أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، قال فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرف السرور في وجهه.

في شجاعته (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن علي (عليه السلام) قال: لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ (1) بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.

وعنه (عليه السلام) قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم إتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.

عن أنس بن مالك قال: كان في المدينة فزع فركب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرسا لابي طلحة

ـــــــــــــــ

(1) اللوذ: الاستتار والاحتصان به. ولاذ به: أي استتر والتجأ إليه.

[ 18 ]

فقال: ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا.

وبرواية أخرى عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشجع الناس وأحسن الناس، وأجود الناس، قال: لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، قال: فتلقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سبقهم، وهو يقول: لم تراعوا وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف قال: فجعل يقول للناس: لم تراعوا وجدناه بحرا أو إنه لبحر.

في علامة رضاه وغضبه (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن ابن عمر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف رضاه وغضبه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر وجهه (1) وإذا غضب خسف لونه واسود. عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

عن عبد الله بن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شئ، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا غضب احمر وجهه.

عن ابن عمر قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف رضاه وغضبه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه وإذا غضب خسف لونه واسود.

قال أبوالبدر: سمعت أباالحكم الليثي يقول: هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله: يلاحك الجدر.

في الرفق بأمته (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده.

ـــــــــــــــ

(1) لحك بالشئ: شد التيامه وألزقه به وسيجئ توضيحها في المتن أيضا.

[ 19 ]

عن جابر بن عبد الله قال: غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إحدى وعشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة وغبت عن إثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اخريات الناس يزجي الضعيف، ويردفه ويدعو لهم، فانتهى إلي وأنا أقول: يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء (1)، فقال: من هذا ؟ فقلت: أنا جابر بأبي وامي يا رسول الله، قال: وما شأنك ؟ قلت: أعيا ناضحي، فقال: أمعك عصا ؟ فقلت: نعم، فضربه، ثم بعثه، ثم أناخه ووطئ على ذراعه وقال: إركب، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة وعشرين مرة، فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد ؟ ـ يعني أباه ـ قلت: سبع نسوة، قال: أبوك عليه دين ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم (2) فآذني، فقال: هل تزوجت ؟ قلت: نعم، قال: بمن ؟ قلت: بفلانة بنت فلان بايم (3) كانت المدينة، قال: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت: يا رسول الله، كن عندي نسوة خرق ـ يعني أخواته ـ فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء، فقلت: هذه أجمع لا مرى، قال: أصبت ورشدت، فقال: بكم اشتريت جملك ؟ قلت: بخمس أواق من ذهب، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل، فقال: يا بلال، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد الله، وزده ثلاثا، ورد عليه جمله، قال: هل قاطعت غرماء عبد الله ؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: أترك وفاء ؟ قلت: لا، قال: [ لا عليك ] فإذا حضر جداد نخلكم فآذني، فآذنته فجاء فدعا لنا فجددنا واستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا وفاء وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفعوا ولا تكيلوا، فرفعناه وأكلنا منه زمانا.

عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه

ـــــــــــــــ

(1) نضح الماء: حمله من البئر او النهر. هذا أصله ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.

(2) أجد النخل: حان وقت جداده، أعني قطعه.

(3) أيم وزان كيس: المرأة التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.

[ 20 ]

عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله، فقال لبيك.

روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا احدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

عن أبي الحميساء قال: تابعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث، فقال (عليه السلام): يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.

عن جرير بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل بعض بيوته فامتلا البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: إجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.

عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.

في مزاحه وضحكه (صلى الله عليه وآله وسلم)

روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: إني لامزح ولا أقول إلا حقا.

عن ابن عباس أن رجلا سأله: أكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمزح ؟ فقال: كان النبي يمزح.

عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: سألت خالي هندا عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: كان إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبة الغمام.

عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تبسم حتى بدت نواجذه.

عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.

عن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت: قليلا، قال: هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يداعب الرجل يريد به أن يسره.

[ 21 ]

في بكائه (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن أنس بن مالك قال: رأيت إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يجود بنفسه، فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منزله، فلما رأته ابنته جهشت (1) فانتحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له بعض أصحابه: ما هذا يارسول الله ؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.

في مشيه (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).

عن جابر قال: كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.

عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.

عن أنس قال: كنا إذا أتينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جلسنا حلقة.

روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال: تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.

ـــــــــــــــ

(1) جهش إليه: فزع إليه باكيا.

(2) تكفأ في مشيته أي مشى الهوينا والصبب الانحدار والمراد نفي التبختر في مشيه (ص).

[ 22 ]

في جمل من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم)

من كتاب النبوة عن علي (عليه السلام) قال: ما صافح رسول الله أحدا قط فنزع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، وما سئل شيئا قط فقال لا، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا (1)، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده، وكان إذا أكل أكل مما يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده (2) وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا (3)، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه، وكان يحب التيمن في كل اموره: في لبسه وتنعله وترجله، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج (4)، وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لا يكلم أحدا بشئ يكرهه، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقا، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده، وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده (صلى الله عليه وآله وسلم).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رئي في الليلة الظلماء

ـــــــــــــــ

(1) هذر في منطقة: تكلم بما لا ينبغي.

(2) جالت يده: أي أخذت من كل جانب.

(3) مص الماء مصا: أي شربه شربا رقيقا مع جذب نفس بخلاف العب فانه شرب الماء بلا تنفس.

(4) الفلج: فرجة بين الثنايا والرباعيات.

[ 23 ]

 رئي له نور كأنه شقة قمر.

وعنه (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا، قال: فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء ثلاثا، ثم قال: لا يا رب، ولكن أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك.

وعنه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلب عنز أهله.

وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لست أدع ركوب الحمار مؤكفا (1) والاكل على الحصير مع العبيد ومناولة السائل بيدي.

عن جابر بن عبد الله قال: كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه وريح عرقه، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.

عن ثابت بن أنس بن مالك قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله، كان أخف الناس صلاة في تمام.

عن جرير بن عبد الله قال: لما بعث النبي أتيته لابايعه، فقال لي: يا جرير لاي شئ جئت، قال: قلت لاسلم على يديك يا رسول الله، فألقى لي كساءه، ثم أقبل على أصحابه فقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واعد رجلا إلى الصخرة فقال: أنا لك هنا حتى تأتي، قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته ههنا وإن لم يجئ كان منه الجشر (2).

عن عائشة قالت: قلت:، رسول الله إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت

ـــــــــــــــ

(1) مؤكفا من اكف الحمار: شد عليه الاكف أي البرذعة وهي جلته.

(2) الجشر: الترك. وبالتحريك المال الذي يرعى في مكانه ولا يرجع إلى أهله في الليل.

[ 24 ]

في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك، قال: يا عائشة إنا معشر الانبياء بنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من شئ ابتلعته الارض.

عن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف (1) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.

عن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.

عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه، ولا تجبهوه (2)، ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد.

[ في جلوسه صلى الله عليه وآله وأمر أصحابه في آداب الجلوس ]

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لاهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تزرموا بالصبي (3) فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتاذي ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

ودخل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح له (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الرجل: في المكان سعة يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.

وروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده

ـــــــــــــــ

(1) الصائف: الحار، ويقال: " صيف صائف " كما يقال: " ليل لائل ".

(2) جبهه الرجل: رده عن حاجته. ضربه على جبهته.

(3) زرم البول: انقطع. ولا تزرموا: يعني لا تقطعوا بوله.

[ 25 ]

من النار. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تقوموا كما يقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه.

روي عن أبي عبد الله من كتاب المحاسن قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وروي عنه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

وروي عنه (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.

وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم فليست الاولى بأولى من الاخرى، وروي عنه (عليه السلام) إنه قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو أولى بمكانه.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أعطوا المجالس حقها قيل: وما حقها ؟ قال: غضوا أبصاركم وردوا السلام وأرشدوا الاعمى وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ؟

عن أبي أمامة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا جلس جلس القرفصاء (1).

من كتاب المحاسن كان النبي صلى الله عليه وآله يجلس القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقلهما بيديه فيشد يده في ذراعيه وكان يجثوا على ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الاخرى، ولم ير متربعا قط وكان يجثوا على ركبتيه ولا يتكي (2).

الفصل الثالث

في صفة أخلاقه صلى الله عليه وآله في مطعمه

من كتاب مواليد الصادقين كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل كل الاصناف من الطعام وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا، ومع من يدعوه من

ـــــــــــــــ

(1) القرفصاء ممدودا، ومثلثة القاف والفاء: أن يجلس الرجل على إليته، ويلصق فخذيه ببطنه، ويحتبي بيديه، ويضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكبا، ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفيه.

(2) جثا فلان كرمى ودعا: جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف الاصابع.

[ 26 ]

المسلمين على الارض، وعلى ما أكلوا عليه، ومما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف (1)، ولقد قال ذات يوم وعنده أصحابه: اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك اللذين لا يملكهما غيرك، فبينما هم كذلك إذ أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاة مشوية فقال: خذوا هذا من فضل الله ونحن ننتظر رحتمه، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا وضعت المائدة بين يديه قال: بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة. وكان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه ويجمع ركبتيه وقدميه كما يجلس المصلي في اثنتين إلا أن الركبة فوق الركبة والقدم على القدم ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل نبيا حتى قبضه الله إليه متواضعا لله عزوجل، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه.

من مجموع أبي عن الصادق عن آبائه عليهم السلام: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر.

وقال (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار.

وقال: دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.

وقد جاءت الرواية: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر عليه.

عن الصادق (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر وكان يقول إنه يبقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة والفم ويقوي الاضراس والحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة

ـــــــــــــــ

(1) الضفف: التناول مع الناس، أو كثرة الايدي، ومعناه: إنه لم يأكل خبزا ولا لحما وحده.

[ 27 ]

الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع (1).

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يأكل الحار حتى يبرد ويقول: إن الله لا يطعمنا نارا، إن الطعام الحار غير ذي بركة فأبردوه.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أكل سمى ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون، وكان يأكل بأصابعه الثلاث الابهام والتي تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل بكفها كلها ولم يأكل باصبعين ويقول: إن الاكل باصبعين هو أكلة الشيطان.

ولقد جاءه بعض أصحابه يوما بفالوذج فأكل منه وقال: مم هذا يا أبا عبد الله ؟ فقال: بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة (2) ونضعها على النار ثم نقليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنلقيه على السمن والعسل ثم نسوطه حتى ينضج (3) فيأتي كما ترى، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هذا الطعام طيب.

ولقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كل ذلك كان يأكله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم قلت للصادق (عليه السلام). حديث يروى عن أبيك أنه قال: ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خبز بر قط أهو صحيح ؟ فقال: لا ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط.

وقالت عائشة: ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خبز الشعير يومين حتى مات.

وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأكل على خوان قط حتى مات ولا أكل خبزا مرققا (4) حتى مات.

ـــــــــــــــ

(1) فتر الماء: سكن حره. النكهة: ريح الفم. الاضراس جمع ضرس: الاسنان والسن. النقاء: النظافة. وأحداق وحداق جمع حدقة محركة: سواد العين. المرة: خلط من أخلاط البدن غير الدم والجمع مرار.

(2) البرمة كغرفة قدر من الحجر.

(3) السوط: الخلط. ونضج اللحم: استوى وطاب أكله.

(4) يقال: خبز رقاق بالضم: أي رقيق خلاف الغليظ.

[ 28 ]

وقالت عائشة: ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما قبض صبت الدنيا علينا صبا.

ومن كتاب النبوة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زال طعام رسول الله الشعير حتى قبضه الله إليه.

عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجيب دعوة المملوك ويردفه خلفه ويضع طعامه على الارض، وكان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بالملح، وكان يأكل الفاكهة الرطبة، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب، وكان يأكل البطيخ بالخبز وربما أكل بالسكر وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ربما أكل البطيخ بالرطب، ويستعين باليدين جميعا.

ولقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه وأمسك النوى بيساره ولم يلقه في الارض فمرت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوى الذي في كفه فدنت إليه وجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه ويلقي إليها النوى حتى فرغ وانصرفت الشاة حينئذ.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان صائما يفطر على الرطب في زمانه وكان ربما أكل العنب حبة حبة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ربما أكله خرطا حتى يرى رواله على لحيته كتحدر اللؤلؤ (1). والروال الماء الذي يخرج من تحت القشر.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الحيس (2)، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء، وكان التمر والماء أكثر طعامه.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتمجع باللبن والتمر (3) ويسميهما الاطيبين، وكان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم (4)، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها، وكان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحر بها، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل في بيته مما يأكل الناس،

ـــــــــــــــ

(1) خرط العنقود: وضعه في فمه وأخرج عمشوشه عاريا.

(2) الحيس: طعام مركب من تمر وسمن وأقط، وربما جعل معه سويق.

(3) التمجع: أكل تمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر وشرب عليه اللبن.

(4) العصيدة: طعام من الشعير باهالة الشحم والاهالة: شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.

[ 29 ]

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل اللحم طبيخا بالخبز ويأكله مشويا بالخبز، وكان يأكل القديد وحده وربما أكله بالخبز، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول: هو يزيد في السمع والبصر.

وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الثريد باللحم والقرع (1) ويقول: إنها شجرة أخي يونس.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعجبه الدباء ويلتقطه من الصفحة (2)، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الدجاج ولحم الوحش ولحم الطير الذي يصاد وكان لا يبتاعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.

وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه ثم ينتهشه انتهاشا (3) وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل (4) ومن البقول الهندباء والباذروج (5) وبقلة الانصار ويقال إنها الكرنب (6) وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المغافير وهو ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى ريح في الفم.

وما ذم رسول الله طعاما قط، كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا عاف شيئا فإنه لا يحرمه على غيره ولا يبغضه إليه، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يلحس الصحفة ويقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شئ عاوده فلعقها حتى تتنظف، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول: إنه لا يدري في أي الاصابع البركة.

ـــــــــــــــ

 (1) القرع: نوع من اليقطين ويقال أيضا: الدباء، والقديد. اللحم المقدد.

(2) الصحفة: قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة، أو مناقع صغيرة للماء.

(3) " ينتهشه انتهاشا ": الاخذ بمقدم الاسنان للاكل. وقيل: النهس بالمهملة.

(4) الصبغ بالكسر: ما يصطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمس فيه.

(5) باذروج: نبات يؤكل، وهو نوع من الريحان الجبلي.

(6) بنات بستاني أحلى وأغض من القنبيط.

[ 30 ]

وكان صلى الله عليه وآله يأكل البرد ويتفقد ذلك أصحابه فيلتقطونه له فيأكله ويقول إنه يذهب بأكلة الاسنان (1)، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يغسل يديه من الطعام حتى ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح.

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا، ثم مسح بفضل الماء الذي في يده وجهه، وكان لا يأكل وحده ما يمكنه وقال: ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى قال من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده (2).

الفصل الرابع

في صفة أخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مشربه

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا شرب بدأ فسمى وحسا حسوة وحسوتين (3) ثم يقطع فيحمد الله ثم يعود فيسمي ثم يزيد في الثالثة، ثم يقطع فيحمد الله فكان له في شربة ثلاث تسميات وثلاث تحميدات ويمص الماء مصا ولا يعبه عبا، ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الكباد من العب (4) وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتنفس في الاناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفس أبعد الاناء عن فيه حتى يتنفس، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ربما شرب بنفس واحد حتى يفرغ، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرب في أقداح القوارير التي يؤتى بها من الشام، ويشرب في الاقداح التي يتخذ من الخشب، وفي الجلود، ويشرب في الخزف ويشرب بكفيه، يصب فيهما الماء ويشرب ويقول: ليس إناء أطيب من الكف ويشرب من أفواه القرب والاداوي (5) ولا يختنثها اختناثا ويقول: إن اختناثها ينتنها (6). وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرب قائما وربما يشرب راكبا

ـــــــــــــــ

(1) أكل وتأكل السن، صار منخورا وسقط.

(2) الرفد: الضيف.

(3) الحسوة بالضم والفتح: الجرعة، وحسا حسوا: شرب منه شيئا بعد شئ.

(4) الكباد بالضم: وجع الكبد.

(5) اداوي: جمع أدواة، المطهرة " وهي إناء صغير من جلد يتطهر ويشرب ".

(6) الاختناث من خنث السقاء: كسر فمه وثناه إلى الخارج.

[ 31 ]

وربما قام فشرب من القربة أو الجرة (1) أو الاداوة وفي كل إناء يجده وفي يديه.

وكان يشرب الماء الذي حلب عليه اللبن ويشرب السويق.

وكان أحب الاشربة إليه الحلو. وفي رواية: أحب الشراب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحلو البارد. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرب الماء على العسل. وكان يماث له الخبز فيشربه أيضا. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) شربة يفطر عليها وشربة للسحر وربما كانت واحدة وربما كانت لبنا وربما كانت الشربة خبزا يماث فهيأتها له (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات ليلة فاحتبس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فظننت أن بعض أصحابه دعاه فشربتها حين احتبس، فجاء (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد العشاء بساعة فسألت بعض من كان معه: هل كان النبي أفطر في مكان أو دعاه أحد ؟ فقال: لا، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله خوف أن يطلبها مني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يجدها، فيبيت جائعا فأصبح صائما وما سألني عنها ولا ذكرها حتى الساعة. ولقد قرب إليه إناء فيه لبن وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن يساره، فشرب ثم قال لعبدالله بن عباس: إن الشربة لك أفتأذن أن أعطي خالد بن الوليد ـ يزيد الاسن ـ ؟ فقال ابن عباس: لا والله لا اوثر بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدا، فتناول ابن عباس القدح فشربه.

ولقد جاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه فقال: شربتان في شربة وإناءان في إناء واحد، فأبى أن يشربه ثم قال: ما احرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا واحب التواضع، فإن من تواضع لله رفعه الله.

الفصل الخامس

في صفة أخلاقه صلى الله عليه وآله في الطيب والدهن ولبس الثياب

وغير ذلك في غسل رأسه

وكان صلى الله عليه وآله إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر.

ـــــــــــــــ

(1) الجرة المرة من الجر: إناء من خزف له بطن كبير، وعروتان، وفم واسع.

[ 32 ]

في دهنه صلى الله عليه وآله

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب الدهن ويكره الشعث ويقول: إن الدهن يذهب بالبؤس (1). وكان يدهن بأصناف من الدهن. وكان إذا ادهن بدأ برأسه ولحيته ويقول: إن الرأس قبل اللحية. وكان يدهن بالبنفسج ويقول: هو أفضل الادهان. وكان صلى الله عليه وآله إذا ادهن بدأ بحاجبيه ثم بشاربيه ثم يدخله في أنفه ويشمه ثم يدهن رأسه. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يدهن حاجبيه من الصداع ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.

في تسريحه صلى الله عليه وآله

وكان صلى الله عليه وآله يتمشط ويرجل رأسه بالمدرى (2) وترجله نساؤه وتتفقد نساؤه تسريحه إذا سرح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة، فيقال: إن الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات، فأما ما حلق في عمرته وحجته فإن جبريل (عليه السلام) كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلى السماء. ولربما سرح لحيته في اليوم مرتين. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع المشط تحت وسادته إذا تمشط به ويقول: إن المشط يذهب بالوباء. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يسرح تحت لحيته أربعين مرة ومن فوقها سبع مرات ويقول: إنه يزيد في الذهن ويقطع البلغم. وفي رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من أمر المشط على رأسه ولحيته وصدره سبع مرات لم يقاربه داء أبدا.

في طيبه صلى الله عليه وآله

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفرقه (3). وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتطيب

ـــــــــــــــ

(1) الشعث: تلبد الشعر، ومنه رجل أشعث وامرأة شعثاء، وأصله الانتشار والتفرق.

(2) المدرى: نوع من المشط، يقال درى الرأس: حكه بالمدرى.

(3) وبيصه: من وبص وبصا: لمع وبرق والمفرق: موضع افتراق الشعر كالفرق.

[ 33 ]

بذكور الطيب (1) وهو المسك والعنبر. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستجمر بالعود القماري (2). وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف في الليلة المظلمة قبل أن يرى بالطيب. فيقال: هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

عن الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفق على الطيب أكثر من ينفق على الطعام. وقال الباقر (عليه السلام): كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فئ. وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له. وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول: هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: جعل الله لذتي في النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم.

في تكحله (صلى الله عليه وآله وسلم)

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين. وقال: من شاء اكتحل ثلاثا وكل حين. ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج. وربما اكتحل وهو صائم. وكانت له مكحلة يكتحل بها بالليل. وكان كحله الاثمد.

في نظره (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرآة

وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر في المرآة ويرجل جمته (3) ويتمشط. وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لاهله. وقال ذلك لعائشة، حين رأته ينظر في ركوة (4) فيها ماء في حجرتها ويسوي فيها جمته وهو يخرج إلى أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي تتمرأ (5) في الركوة

ـــــــــــــــ

(1) الذكارة والذكورة: ما يصلح للرجل. وهو ما لا لون له كالمسك والعنبر والعود.

(2) القمارى بالفتح: نوع من عود منسوب إلى القمار، وهو موضع.

(3) الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.

(4) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

(5) من الرؤية والميم زائدة، أي تنظر.

[ 34 ]

وتسوي جمتك وأنت النبي وخير خلقه ؟ فقال: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.

 

الصفحة التالية

حقوق الطبع محفوظة لشبكة أهل البيت للأخلاق الإسلامية©

المملكة العربية السعودية1999-2000

 المكتبة