الومضات (1 - 50) الومضات (51 - 100) الومضات (101 - 150) الومضات (151 - 200)
الومضات (201 - 250) الومضات (251 - 300) الومضات (301 - 350) الومضات (351 - 400)
الومضات (401 - 450) الومضات (451 - 500) الومضات (501 - 550) الومضات (551 - 556)

الومضات: (501 - 550)

الومضة رقم 501: نضج النفوس والأبدان
إن للنفوس مراحلَ نضجٍ كمراحل نضج البدن الذي يمر بدور: الطفولة ، والمراهقة ، والبلوغ ، والرشد ..وأغلب نفوس الخلق تعيش المراحل ( الأولى ) من الطفولة والمراهقة ، وإن عَظُمت عناوينها الظاهرية ، كحكومة ما بين المشرق والمغرب ، أو التخصص في ميادين العلوم الطبيعية ..والدليل على ذلك ممارساتهم اللهوية السخيفة التي تنـزّلهم إلى مستوى البهائم التي لا تعقل ، وذلك عند انسلاخهم من تلك العناوين ( الاعتبارية ) في خلواتهم ، كما هو معروف عنهم ..إن هذا الاعتقاد يسهّل على المؤمن كثيراً من أذى الآخرين في هذا المجال - وخاصة القولية منه - لأنه صادر عمّن لا يعتد بقوله ولا بفعله ، كما لا يعتد بقول ( الطفل ) أو بفعله ، فيما لو كان قصد أذى البالغين .

الومضة رقم 502: صفوف الشياطين
إن مَثَل من يريد فتح ميادين العبودية للحق ، كمَثَل من يريد أن يقتحم صفّـاً متراصاً من الشياطين يرونه ولا يراهم ..فالحل الوحيد في هذا الموقف الرهيب هو أن ( يُشهر ) سلاحه ، بما يفهم منه أنه صادق في المواجهة ، ثم ( يقتحم ) الميدان عاملاً بقاعدة: { إذ هبت أمراً فقع فيه ، فإن شدة توقّـيه شر مما أنت فيه }..ثم ( ينتظر ) بعد ذلك كله جنود الملائكة المسومين ، تحيط به من كل حدب وصوب ، وكيف تستطيع الشياطين صبراً ، أمام جنود الرحمن الموكّلة بالنصر والفتح ؟!..والمهم في هذا النصر ، هي مواصلة السير بعد اقتحام السد ، وإلا فإن التباطؤ والركون إلى النصر الأول ، مما قد يوجب اجتماع فلول الشياطين المنهزمة لاستدراك الهزيمة ، كما حصل في هزيمة أُحد بعد فتح بدر .

الومضة رقم 503: نسبة الخلق إلى الكمالات
إن الناس بالنسبة إلى طلب الكمالات العليا على طوائف: ( فطائفة ) ليست لهم غاية من غايات الكمال ، فهم يعيشون عيشة الأنعام السائمة ، همها علفها ، وشغلها تقمّمها ، وهؤلاء الخلق يعيشون شيئاً من الراحة الحيوانية ، كراحة الحيوان في مِـربطه إذ اجتمع علفه وأنثاه ..و( طائفة ) وصلوا إلى الغايات واستقروا فيها ، مستمتعين بالنظر إلى وجهه الكريم ، في لقاء لا ينقطع أبداً ..و( طائفة ) علموا بالغايات وآمنوا بلزوم السير إليها ، إلا أنهم يقومون تارة ويقعدون أخرى ، فهم كالسنبلة التي تخـرّ تارة وتستقيم أخرى ، فلا يطيقون الركون إلى حياة البهائم كما في الطائفة الأولى ، ولم يصلوا إلى الغايات كما في الطائفة الثانية ، فيعيشون حرمان اللذتين بنوعيها ، فكيف الخروج من ذلك ؟! .

الومضة رقم 504: القرين من الشياطين
إن الشياطين المقترنة بالعبد طوال عمره تحصي عليه عثراته ، وتحفظ زلاّتـه ، وتعلم بما يثير غضبه أو حزنه أو شهوته ..فإذا أراد التوجه إلى الرب الكريم في ساعة خلوة أو انقطاع ، ذكّره ببعض ( زلـله ) ليقذف في نفسه اليأس الصارف عن الدعاء ، أو ذكّره بما ( يثـير ) حزنه وقلقه لـيُشغل بالـه ويشتت همّـه ، وبذلك يسلبه التوجه والتركيز في الدعاء ..فعلى العبد أن يجـزم عزمه على عدم الالتفات لأيّ ( صارف ) قلبي أو ذهني ، ما دامت الفرصة سانحة للتحدث مع الرب الجليل ، إذ الإذن بالدعاء - من خلال رقة القلب وجريان الدمع - من علامات الاستجابة قطعاً .

الومضة رقم 505: الذكر بعد كل غفلة
إن من المعلوم في محله لزوم تحقيق الجزاء عند تحقق الشرط ..فمقتضى قوله تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت }، أن يذكر العبد ربه بعد كل لحظه غفلة ، فهو أمر مستقل يتعقب كل غفلة ، إذ لا تسوّغ الغفلة السابقة للتمادي في الغفلة اللاحقة ، وعليه فإن من ( الجهالة ) بمكان أن يترك العبد ذكر ربـه ، لوقوعه في عالم الغفلة برهةً من الزمان ، فهو ( تسويلٌ ) شيطاني يراد منه استقرار العبد في غفلته وعدم الخلاص منها أبداً ..ومن الملف حقاً في هذه الآية وغيرها من آيات دعوة الحق المتعال العباد إلى نفسه ، عظمة الرب الكريم وسعة تفضلّـه على العباد ..وإلا فما هو وجه ( انتفاع ) الحق بذكر العبد له ؟! ، بل إن إصرار العظيم في دعوة الحقير إليه ، مما لا يتعارف صدوره من العباد ، بل لا يُـعّد مقبولاً لديهم ، ولكنه الرب الودود استعمل ذلك في تعامله مع خلقه تحنناً وتكرّما ..وقد ورد في الحديث القدسي : { يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على قلب أتقى رجل منكم ، لم يُـزد ذلك في ملكي شيئاً ..يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على صعيد واحد ، فسألوني وأعطيت كل إنسان منكم ما سأل ،لم يُـنقص ذلك من ملكي شيئاً ، إلا كما ينقص البحر أن يغمس فيه المخيط غمسة واحدة } .

الومضة رقم 506: حصر الخشية بالحق
إن من سمات المؤمنين حصر خشيتهم بالحق المتعال ، مصداقاً لقوله تعالى: { ولا يخشون أحداً إلا الله }..فالخوف والقلق والرهبة من الخلق ، أمور تخالف الخشية من الحق ، وأما ( المداراة ) والتقية فلا تنافي تلك الخشية ، إذ أن عدم الخشية من الخلق محله ( القلب ) ، وهو يجتمع مع مداراة ( الجوارح ) حيث أمر الحق بذلك ، كما اتفق ذلك في حياة أئمة الهدى (ع) ، كما اتفق في حياتهم أيضاً تجليّ ذلك الاستعلاء الإيماني الذي يفرضه عدم خشية الباطن ، وذلك كما روي عن الإمام الصادق (ع) عندما كتب له المنصور لم لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ ، فقال (ع): { ليس لنا ما نخاف من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ..ثم قال : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك }البحار-ج47ص184..ومن ذلك يعلم كاشفية بعض الأمور - ومنها خشية الحق - لمستوى القلب هبوطاً وصعوداً ، وهو الملاك في تقييم العباد ..فمن يرى في نفسه حالة الخشية والرهبة من غير الحق ، فليعلم أنه على غير السبيل السويّ الذي أمر به الحق ، فعليه أن يبحث عما أدى إلى مثل هذا الخلل في نفسه ، ومن ( موجبات ) هذا الخلل: عظمة ما دون الحق في عينه ، المستلزمة لصغر الحق في نفسه .

الومضة رقم 507: كالمرأة الأجنبية
إن روح المؤمن في التعامل مع العباد ، كالمرأة الأجنبية التي اشتد حياؤها بين الرجال ..فهو ( يُعفّ ) نفسه عن الدخول في الملأ الذي يرى نفسه أجنبياً عنه ، كما تعفّ المرأة نفسها عن الدخول في ملأ غير المحارم من الرجال ..ومن هنا كان إقبال الخواص من أولياء الحق ، ( بشيرَ ) خيرٍ لمن أقبلوا عليه ، وقد أمرنا باتقاء فراسة المؤمن ، لأنه ينظر بنور الله تعالى ..وأما الأرواح المبتذلة ، فإنها ( تأنس ) مع كل من يجتمع معها ولو في بعض الطريق ، وهو أنس لا دوام له ولا قرار ، كعدم ائتلاف قلوب البهائم ، وإن طال اعتلافها على مزود واحد .

الومضة رقم 508: من صور تكريم الحق
إن معاجز وشفاعة الأنبياء والأوصياء ، وبركات الصالحين والأولياء ، تُـعد صورةٌ من صور ( التكريم ) للطائعين ، باعتبار ما صدر عنهم من الطاعة للحق المتعال ، فعاد الأمر بذلك إلى ( شأنٍ ) من شؤون الملك الحق المبين ..وكلما عَـظُم تكريم الحق لهم بالصور المذكورة ، كلما ارتفع شأن الحق نفسِه ..وليعلم أيضا أن أمر الكرامة والمعجزة والشفاعة ، يؤول أخيراً إلى الحق المتعال ، لكون ذلك كله بإذنه ، بل إن نفوس أصحابها قائمة بإرادة الحق القدير في أصل خلقه لهم ، وإلا اعتراهم الفناء والزوال!! ..فهل تبقى بعد ذلك غرابةٌ ، حتى لو صدر ( أضعاف ) ما روي عنهم (ع) في هذا المجال ؟! .

الومضة رقم 509: تحدي المعلومات الصعبة
إن بعض النفوس تعيش حالة من ( التحدي ) مع المعلومة التي يصعب فهمها ، فتستنفر النفس طاقتها لفك تلك المعلومة ، ليشعر بعدها بزهو الانتصار ..وبناء على ذلك فإن توجه النفس للعلوم والمجاهدة في استيعاب دقائقها ، قد يعود بوسائط ( خفيـّة ) إلى هذه الرغبة الكامنة في بعض النفوس المستذوقة لهذا النمط من الفتوحات في العلوم ..وإن من مصاديق ذلك هو علم الدين والشريعة ، فقد ينطلق العبد فيه من المنطلق نفسه ، فيكتسب تلك العلوم بعد طول مجاهدة ، ليعيش بعدها فرحة ( الاقتدار ) على ما لم يقْـدر عليه الآخرون من أقرانه ، فيستطيل بذلك الاقتدار على العلماء ، ويباهي به السفهاء ..ومن المعلوم أن ليس ذلك من قرب الحق في شيء ، بل يدعو عليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: { فدقّ من هذا خيشومه ، وقطع عنه حيزومه...فأعمى بصره وقطع من آثار العلماء أثره }البحار-ج2ص46 .

الومضة رقم 510: الدين ليس هو الحرمان
إن الشيطان يصوّر الدين عند الغافلين بما يلازم ( الحرمان ) ، مستغلا في ذلك المناهي الواردة من الشرع ، منفراً لهم الدين وأهله ..والحال أن نسبة الممنوعات في الشريعة أقل من المباحات ، إذ الأصل الأولي في الأشياء هو ( الإباحة ) ، خرج منه ما خرج بالدليل ..فليس من الإنصاف أبداً أن نصف الدين بأنه سلسلة من المناهي ، هذا كله إضافة إلى أن المناهي مطابقة للفطرة السليمة ، بما يضمن سلامة الفرد والمجتمع ..وأخيراً فإن من المعلوم في هذا المجال أن المناهي ( يقابلها ) المباحات من الجنس نفسه ، فالزواج في مقابل الزّنا ، والطيبات من الطعام والشراب في مقابل الخبائث ، والعقود التي أمر الشارع بالوفاء بها في مقابل الربا والعقود المحرمة ، وهكذا الأمر في باقي البدائل المحللة للمحرمات ، في مختلف شؤون الحياة .

الومضة رقم 511: سجن الأب والظالم
إن الفارق بين بلاء المؤمن وغيره ، كالفرق بين سجن ( الأب ) العطوف لولده ، وبين سجن ( الظالم ) له ..إذ في الأول تطيب نفسه بذلك ، لعلمه أن ذلك بعين من يعلم صلاحه ويحب خيره ، إضافة إلى أنه عند تناهي الشدة لما هو فيه ، يعظم أمله بالاستجابة ، وذلك بطلب الفرج ممن هو عطوف به ، حريص عليه ..وهذا خلافاً لمن لا يرى أيـّا من ( الخصلتين ) ، وهو في سجن الظالم الجائر .

الومضة رقم 512: مقياس الشّفافية
إن من مقاييس حياة الروح وشفافيتها أمور ، الأول: وهي ( الصلاة ) الخاشعة ، الثاني: وهو ( التأثر ) بمصائب أهل البيت (ع) ، والثالث: وهو ( التعلق ) القلبي بمن هو إمام عصره وحجة زمانه ..فالأول كاشف عن قربه من الغاية ، والثاني كاشف عن قربه من الوسيلة العامة ، والثالث كاشف عن قربه من الوسيلة الخاصة يوم يدعى كل أناس بإمامهم ..ومن المعلوم أن المؤمن لا غنى له عن كل ذلك ، إذ أن بكل واحد من تلك الأمور الثلاثة ، يكتمل بُـعدٌ من أبعاده .

الومضة رقم 513: الملائكة الموكلة بالعبد
لو استقرأ الإنسان روايات الملائكة المصاحبة للعبد في ليله ونهاره ، لانتابه العجب من ( تعدد ) الملائكة الموكلين به ، سواء في ( كتابة ) سيئاته وحسناته ، أو في ( حفظه ) من أمر الله عزّ وجل ، كما في المعقبات من الملائكة الذين إذا جاء قَـدَر الحق ، خلّـوا بينه وبين ذلك القدر ..ومن ذلك يعلم أهمية موقع الإنسان في عالم الوجود ، المستلزم لتسخير الحق المتعال للملائكة الكرام في تدبير شؤون العبد ، مع شدة غفلة العبد عما يحيط به من عوالـمَ مذهلة ..فلو اطلع مثلاً بقلبه على قرآن الفجر ، حيث يشهده صعود ملائكة الليل وهبوط ملائكة النهار ، لاستغل تلك الساعة التي لا ترجع إليه أبدا ، لتشهد الملائكة آخر خيـرٍ في نهاية قائمة أعماله الصاعدة ، وخيراً جديداً في بداية قائمة أعماله النازلة .

الومضة رقم 514: رتبة الاجتهاد
لا شك أن مرتبة الاجتهاد مع العدالة ، لمن أعظم الرتب في زمان الغيبة ، إذ أنها ترفع العبد إلى رتبة ( النيابة ) العامة عن صاحب الأمر (ع) ..فكم من العظمة بمكان ، أن يكون ما أدى إليه نظر المجتهد ( حجة ) للعبد يحتج به يوم القيامة ، رافعاً لعذر وموجباً لأجر حتى مع انكشاف خلاف ذلك ، فما المانع من كرم الحق المتعال ، أن يثيب العبد على ارتكابه الحرام الذي رآه واجباً بمقتضى تقليده لذلك المجتهد بأمر من المولى نفسه ؟!..ومن هنا يدعو الشيخ الأعظم قائلاً: { وفقنا للاجتهاد الذي هو أشد من طول الجهاد } .

الومضة رقم 515: الذكر بعد الطاعة
إن العبد الغافل يعطي لنفسه الحق في شيء من الاسترخاء والترسّل ، بعد أدائه لفريضة واجبة أو مستحبة ، وكأنه فرغ من وظائف العبودية بكل أقسامها ، فما عليه إلا أن يرتع ويلعب كما يلعب الصبيان بعد فراغهم مما ألزموا به من تكاليفَ ثقلت عليهم ..والحال أن القرآن الكريم يذّكر العباد بعكس ذلك ، إذ يحثهم بعد صلاة ( الجمعة ) ، على الانتشار في الأرض ، وابتغاء فضل الله تعالى ، ثم يدعوهم إلى الذكر الكثير ليتحقق لهم الفلاح ..كما يدعوهم إلى ذكره عند ( الإفاضة ) من عرفات - بعدما استفرغوا فيها جهدهم بالدعاء - فيطالبهم بذكره عند المشعر الحرام ..وكذلك يحثهم على ذكره عند ( قضاء ) المناسك فيقول تعالى: { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً }..والحال أن أغلب الخلق يخرجون عن الذكر الكثير ، بل يدخلون في عالم الغفلة من أوسع أبوابه ، بعد قضاء المناسك ، اعتمادا على المغفرة التي شملتهم فيها .

الومضة رقم 516: كالمندس في الوفد
إن مَثَلَ العبد المستجلب لرأفة الرب المتعال في صلاة الجماعة ، كمَثَل من ( يندسّ ) في وفد قادم على عظيم وللعظيم على ذلك القادم حق يستلزم الأخذ به ، ( فيعوّل ) على انخراطه في صفوفهم ، تحاشياً لخلوة العظيم به بما يستتبعه من عقاب أو عتاب ..ولهذا كانت الرحمة غامرة فيها بما لا تحتمله العقول ، فقد روي عن النبي (ص) أنه قال : { فإن زادوا على العشرة ، فلو صارت السماوات كلها قرطاساً ، والبحر مداداً ، والأشجار أقلاماً ، والثقلان مع الملائكة كتاباً ، لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة }..ثم عقّبها - في العروة الوثقى في باب الجماعة - بقوله: وقد ورد في فضلها وذم تاركها من ضروب التأكيد ما كاد يلحقها بالواجبات .

الومضة رقم 517: الاستغفار المتكرر
إن من أعظم سمات العبودية ، هو الاستغفار المتكرر في اليوم والليلة ..فإن مَثَل الاستغفار كمَثَل من يغسل بدنه من دون التفات إلى قذارته ، فهو بعمله هذا ( يضمن ) طهارة بدنه ، وإن تدنس بما لم يعلم به ولم يلتفت إليه ..وبقليل من التأمل يلتفت العبد إلى أنه لو خليت جوارحه عن المعصية ، فإن جوانحه لا تخلو من ( الغفلة ) المتكررة إن لم تكن المطبقة ، وهذا كافٍ بنفسه لإيجاب مثل هذا الاستغفار المتواصل ..وقد روي عن سيد الأنبياء (ص) - على قرب منـزلته من الحق وعدم غفلته عنه أبداً - أنه قال : { إنه ليغان على قلبي ، وإني لاستغفر بالنهار سبعين مرة }البحار-ج25ص204 ، ولا يستبعد في مثل هذه الروايات ، أن يكون ما يعتري النبي (ص) بلحاظ غفلة أمته ، فيكون الإستغفار بلحاظهم أيضاً .

الومضة رقم 518: المنة للآكل لا للمأكول
إن العبد بتناوله الطعام يجعل ذلك الطعام - وهو الجماد الذي لا روح فيه - جزءاً من ( وجوده ) وهو أشرف الأحياء ..وعليه فهو صاحب ( المـنّة ) على الطعام ، إذ بسببه يتحول السافل الجامد إلى العالي النابض بالحياة ، والحال أن الخـلق يرون المنّـة للطعام ، إذ يجلب لهم التلذذ والاستمتاع ، والدليل على ذلك أنهم هم الذين يُقبِلون عليه بنهم وولع شديدين ، مع صرفهم للمال الوفير من أجله ..وينبغي الالتفات في هذا السياق ، إلى ضرورة ( التفحص ) فيما سيجعله جزءاً من كيانه البدني ، إذ الخبيث لا يصدر منه الطيّـب ، وهذه هي إحدى أسباب فتور الأعضاء عن العبادة ، كما ورد التصريح به في روايات عديدة .

الومضة رقم 519: عدم الوحشة
إن مما يربط على قلوب المؤمنين - وخاصة عند تناهي الفساد وقلة الثابتين على طريق الحق - هو ( تذكّر ) تلك الصفوة القليلة الثابتة طول التأريخ ، فهو يمشي على طريق قد مضى عليه من قبله أمثال: سحرة فرعون ، وأصحاب الأخدود ، ومؤمن آل فرعون ، وحواريّـو عيسى بن مريم ، والصلحاء من بني إسرائيل ، وأخيراً أصحاب النبي وآله (ع) الذين اتبعوهم بإحسان ، هذا كله فضلاً عن قادة المسيرة من الأنبياء والأوصياء (ع) ..إن الإحساس بهذا ( الانتماء ) الضارب جذوره في أعماق التاريخ ، يجعل المؤمن يعيش حالة من ( الارتباط ) بالخالدين ، مما يرفع شيئا من وحشته ، ولو كان في بلدٍ لا يطاع فيه الحق ابداً ..وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : { لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ، فإن الناس اجتمعوا على مائدة ، شبعها قصير وجوعها طويل }النهج-خطبة 201 .

الومضة رقم 520: التهيب من السقوط
يتهيب البعض قبل القدوم على موسم طاعةٍ كشهر رمضان أو الحج ، من السقوط في الامتحان بعدم الإقبال على الحق ، في موطن ( أحوج ) ما يكون فيه إلى الإقبال ..والمطلوب من العبد الذي يرجو الفوز - في مثل هذه المواضع - أن يتحاشى موجبات الادبار ( الظاهرية ): كالإسترسال في الطعام والمنام ، واللغو من القول ، والجلوس مع البطالين ، وأن يتحاشىكذلك موجبات الإدبار ( الباطنية ): كالمعاصي الكبيرة والصغيرة ، وذلك قبل الدخول في تلك المواطن ، ثم يسلّم أمره بعد ذلك كله إلى مقلب القلوب والأبصار ، ليحوّل حاله إلى أحسن الحال ، فهو الذي يَحُول بين المرء وقبله ، إذ أن قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلّـبه كيفما يشاء .

الومضة رقم 521: التسليم استعداداً وعملاً
إن تسليم العبد لأمر رب العالمين عن طواعية ورضا ، لمن أعظم موجبات الفوز والفلاح ..إذ أن استعداد العبد النفسي ( لتلقّي ) كل محمود ومكروه من قضاء الله وقدره ، بل وارتضاء ما فيه حبه ورضاه ، لهي السمة ( المميّـزة ) من سمات العبودية للحق المتعال ، فكيف إذا اقترن ذلك الاستعداد النفسي ، بالإثبات ( العملي ) لما يدعيه قولاً ، ويبديه استعداداً ..ومن هنا يعلم سر خلود أصحاب سيد الشهداء (ع) ، الذين وُصفوا بأنهم أبـرّ الأصحاب وأوفاهم ، وهو وسام لم يعط لجمعٍ من قبلهم ، كما لم يشهد التاريخ جمعاً مثلهم في التفاني حول راية الهدى ..فهذا زهير بن القين يقول: { اللهم إنك تعلم أنه لو كان رضاك ، في أن أضع ضبة سيفي في بطني ، حتى يخرج من ظهري لفعلت }.

الومضة رقم 522: عبودية الخلق لبعضهم
إن من الملفت حقاً ، استعداد العباد لعبودية بعضهم بعضاً ، مع ما يلازمها من ذلّ واحتقار ، لا ( يعوّضه ) القليل مما يبذل لهم من المتاع ، جزاء ذل العبودية لفقيرٍ فانٍ مثلهم ..والحال أنهم لا يعيشون شيئاً من هذا ( الإحساس ) ، تجاه من منه مصدر الوجود ، ومن هو صاحب العطاء الذي لا منّـة فيه ، ومن إليه المصير ..وقد أفصح عن هذه الحقيقة ، عمرو بن العاص - وهو الذي احتمل ذل عبودية غير الحق - حينما قال لمعاوية: { لو أطعت الله كما أطعتك ، وجبت لي الجنة!! }.

الومضة رقم 523: ما هو من لدن الحق
استعمل الحق المتعال في كتابه العزيز كلمة ( لدن ) في مثل: الرحمة ، والذرية ، والسلطان النصير ، والأجر العظيم ، والعلم ، والحنان ، والذكر ، والرزق ..ومن الواضح أن التعبير بانتساب هذه الأمور إلى الحق مباشرة ، يشعر بعناية زائدة بهذه الأمور الممنوحة لمن أراد الحق أن يختصه برحمته ، رغم أن كل المنح - ولو كانت بواسطة الأغيار - منتسبة إلى الحق المتعال ..ومن هنا يتأكد على العبد أن يرجع إلى المولى ، ليستوهبه تلك المنح ( الخاصة ) في إحدى المجالات المذكورة ، وما أعظم منحة الحق لو تحققت في أبعاض تلك الأمور!! .

الومضة رقم 524: الإمامة في الهداية والحكم
إن الإمامة عند أهل البيت (ع) ، وإن كانت إمامةٌ للخلق ، ( حكومةً ) في البلاد وسياسةً للعباد ، إلا أنها في الوقت نفسه متقوّمة ( بهداية ) الخلق ، وهي العمدة في هذه الرتبة العليّـة ..ولهذا نجد أن مصطلح الإمام - بمعناه الواسع - مقترنٌ بالهداية ، فيقول تعالى: { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا }..كما وصف كتاب الهداية بالإمام ، فيقول تعالى: { كتاب موسى إماما ورحمة }..كما يجعل إحصاء كل شيء في الإمام المبين ، فهو الحامل للعلم الذي لا يحدّه شيء ، فيقول تعالى: { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين }..وبعد ذلك كله نقول: إن مما يدمي الفؤاد انحسار إمامة هؤلاء عن الخلق ، لتحلّ فيهم إمامة من لا حق له في الحكم ، ولا شأن له في الهداية ، بل كانوا من الأئمة الذين يدعون إلى النار .

الومضة رقم 525: مواجهة العقيدة الفاسدة
إن الأسلوب الأمثل في مواجهة من يحمل عقيدة باطلة ، هو إتباع أسلوب التدرج في تخليصه من ذلك الباطل ، يتمثل في: ( التشكيك ) أولاً في يقينه بصحة معتقده ، ليتزلزل ما هو ثابت في نفسه ، كالشجرة التي يراد اقتلاعها فيُحرّك أولاً من موضعها ..ثم ( تقديم ) البديل الصالح بالدليل والبرهان ثانياً ، من دون تجريح أو تسخيف لما كان عليه ، كإنبات شجرة صالحة بجانبِ أخرى فاسدة ..ثم ( بيان ) فساد ما كان عليه ثالثاً ، كقلع الشجرة الفاسدة من جذورها بعد استقرار الشجرة الصالحة ونموها ..وينبغي الالتفات في كل هذه المراحل إلى عدم ( غرس ) اليأس والتذمر في نفس المخاطب ، الذي حمل تلك العقيدة الفاسدة في برهة من حياته ، لأنه سيحمل ثقل الندامة من تلقاء نفسه لتضييع عمره في سبيل الباطل .

الومضة رقم 526: كالمشرد عن داره
إن مَثَل العبد في الإنابة إلى ربه ، كَمَثل الصبيّ الذي تشاغل مع الصبيان في لهوهم ولعبهم ، ثم اضطر إلى العودة والالتجاء إلى أهله ، فعليه: أولاً ( بتنقية ) بدنه مما علق به في لهوه ولعبه ، ثم ( الإقبال ) على باب اهله مستقبلاً إياه غير مستدبر ، ثم ( الإصرار ) على الطرق جُـهْد إمكانه ، فإن لم تفتح له الأبواب ، مع ما هو فيه من الوحشة خارج الدار ، أجهش بالبكاء ، ملتمساً بشفيع يشفيع عند أهله ، للتجاوز عن طول احتجابه عنهم متشاغلاً بلهوه ولعبه ، فإن لم يؤذن له بالدخول بعد ذلك كله ، فقد تم طرده بما يوجب له التشرد في تلك الليلة إن لم يكن في جميع الليالي ..والأمر كذلك في إنابة العبد إلى ربه ، فإذا خرج إلى ساحة الحياة ليلهو مع اللاهين ، وجب عليه المسارعة في العودة إلى مأواه ، بطرقه باب الرحمة ، مصراً في ذلك ، باكياً ومتباكياً ، ومستشفعاً بأولياء الحق ..فإن أحس ( بالصدود ) بعد ذلك كله ، فعليه أن يوطّن نفسه على التشرد بعيداً عن ساحة العبودية للحق ، ولا مصير له بعد ذلك إلا الوقوع في أيدي الشياطين ، ولكن هيهات على الكريم أن يرد مثل هذا الملتجئ خائباً .

الومضة رقم 527: عناصر تحقق المعرفة
إن المعرفة ثمرة ( تقابل ) بين ذاتٍ مدركة ، و( موضوعٍ ) مُـدَرك ، و( إدراك ) للموضوع على ما هو عليه ..ومن ذلك يعلم أن تمامية المعرفة ، تحتاج إلى اكتمال جميع تلك العناصر ، إذ لا بد من بلوغ الذات إلى مرحلة الإدراك المستلزمة لإزاحة موانع الفهم ، كما لا بد من مواجهة الذات للموضوع المـُدرك ، وهذا فرع إدراكه لأهمية تلك المواجهة ، وإلا فكم من العلوم التي لا تواجهها الذات لعدم إحساسها بلزوم مواجهتها !!..وأخيراً - والأهم من ذلك كله - انعكاس الموضوع بصورته الواقعية لا الخيالية المعاكسة للواقع ، وهنا ( مـزّال ) الأقدام في عالم المعرفة ، وذلك للجهل المركب بأن المـُدرك في الذهن لا يطابق ما هو في الخارج ..وما أكثر هذا الالتباس في باب المعارف ، ومن مصاديق ذلك: المعرفة بالطريق الموصل إلى الحق والذي تاه فيه التائهون ، فضلوا وأضلوا العباد ، وذلك لعدم مطابقة الواقع لصورهم الوهمية ، وكشوفاتهم الباطلة ، ووارداتهم الزائفة ، سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا .

الومضة رقم 528: التأثر بالمدح والذّم
إن على المؤمن أن يكون على بصيرة من أمر نفسه دائماً ، فيعلم ما لها وما عليها ، وأما ما يقوله الخلق مدحاً أو ذماً ، فهو إخبار عما يكون المرء أخبر به منهم ..فلا داعي ( للأنس ) بمدحهم ، كما لا داعي ( للضيق ) بذمهم ، ما دام يعلم انطباق ما قيل في حقه أو يعلم عدم انطباقه للواقع ، فيكون التأثر ( للواقع ) ، لا لما كشف عنه من قول الآخرين ..وهذا مما علّمه الإمام الكاظم (ع) هشاماً بقوله: { يا هشام! لو كان في يدك جوزة وقال الناس لؤلؤة ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة ..ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس أنها جوزة ، ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة }البحار-ج1ص136 .

الومضة رقم 529: الحب يوحّد الهـمّ
إن من موجبات توحد الهمّ عند الخلق ، هو ( الحب ) ولو كان في مورد باطل ..فترى العاشق موحد الهمّ ، صاحب تركيز في مورد حبه ، غير مكترث بغير من يهوى ويحب ، ذا همّـة عالية في سبيل الوصول إلى بُـغيته ..ومن هنا قال بعضهم إن المحب المجازي - لو انقلب على واقعه - لسهل عليه الوصول إلى الحب الحقيقي ، لأنه في مرحلة سابقة قد ( وحّد ) همّـه ، وقطع ارتباطه بغير من يهوى ، فيبقى استبدال المحبوب الفاني بالمحبوب الباقي ، وهي خطوة واحدة ..فمَثَله كَمَثَل من اتخذ معبوداً واحداً غير الحق ، ثم انقطع إلى الحق المتعال في ( حركة ) واحدة ، خلافاً لمن أنس بآلهة متعددة ، فإن الانقطاع عن كل إلـه ، يحتاج إلى جهدٍ خاص بازائه .

الومضة رقم 530: علاقة الملائكة بالخلق
إن علاقة الملائكة بالخلق من ولد آدم ، علاقة ( أوطد ) مما قد يتراءى لنا بالنظرة الأولى ..فمثلاً ( يسلّم ) العبد على ملكيه في كل يوم ، لأنه موجود ذو شعور يستحق الخطاب والتكريم ، وخاصة مع عدم عودتهما إلى المرء في اليوم اللاحق ، إضافة إلى دلالة بعض النصوص الشريفة على ( استفادتهم ) من عبادة الآدميين ، بطيّ صحفهم يوم الجمعة للاستماع إذا جلس الإمام للحديث ، إذ روي عن النبي (ص) أنه قال : {إذا كان يوم الجمعة ، كان على بابٍ من أبواب المسجد ملائكة ، يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر }البحار-ج89ص212 .

الومضة رقم 531: اتخاذ الشهداء
إن الحق المتعال غني عن الخلق ، بذلك الغنى المطلق الذي لا يُتصور معه أن يتخذ شيئاً من هذا الوجود ..إلا أن الحق المتعال في سياق تكريم الشهداء ، يجعل الشهداء ممن ( اتخذهم ) لنفسه بقوله: { ويتخذ منكم شهداء } ، بناءً على أن المراد بالشهيد هنا هو المقتول في سبيل الله تعالى ، لا الشاهد على ما يجرى في الأمة ..وعلى كلّ حال فإن استحضار حقيقة غنى الحق ، مع شدة ( تحبّـبه ) إلى العباد بقوله: { وإذا سألك عبادي عني فأني قريب } ، يضفي على العبد ( شعوراً ) عميقاً بالخجل والاستحياء من جهة ، وبشدة رأفة وحنان رب العالمين من جهة أخرى .

الومضة رقم 532: تصدّي من لامعرفة له
إن من الخطأ الذي يعود ضرره إلى الدين ، أن ( يتصدى ) من لا معرفة له بقواعد البحث والمجادلة ، ولا إلمـام له بتفاصيل الفروع والأصول ، للدفاع عن العقيدة الحقّـة ، إذ قد يسيء بذلك أكثر مما يحسن ، ويفسد أكثر مما يصلح ..وعليه فمن كان في مظان ذلك ، فعليه أن ( يتسلح ) بسلاح الأسلوب الهادف ، والمضامين الصحيحة لترويج الدين ، وإلا وجبت عليه ( الدلالة ) على من يكون واجداً لتلك الصفات ، من العلماء الذين جمعوا بين الأسلوب الحكيم والمضمون الحق ..ولقد كان أئمتنا (ع) يحبون من كان لساناً لهم في الذبّ عنهم ، فهذا الإمام الصادق (ع) يقول لمن بلغه كراهة مناظرة الناس: { أما كلام مثلك فلا يكره ، مَن إذا طار يُحسن أن يقع ، وإن وقع يُحسن أن يطير ، فمن كان هكذا لا نكرهه }البحار-ج2ص136 ..ويترحم (ع) على ابن الطيار بقوله: { رحمه الله ولقّـاه نضرة وسروراً ، فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت } .

الومضة رقم 533: مواجهة الحقائق الملكوتية
كما أن ( المعرفة ) عبارة عن مواجهةٍ للمعلومة التي تنعكس في الجهاز المدرِك لها ، فكذلك ( التوسل ) بأولياء الحق (ع) مواجهةٌ بالقلب لتلك الحقائق الملكوتية ..فكما أن المواجهة في عالم المعرفة توجب انعكاس المعاني في النفوس ، فكذلك المواجهة في عالم الحقيقة توجب انعكاس تلك الحقائق - بآثارها - أيضاً في القلوب ، كما أن المواجهة الحسية في عالم الإنارة كذلك توجب انعكاس النور فيما واجه النور ..والذي يجمع ذلك كله هو أن طبيعة المواجهة تقتضي ( سريان ) الآثار بين المتواجِهَين ، وكلما سما أحد المتواجِهَين كلما اشتد التفاعل والتأثير بينهما ..ومن هنا يخطئ بعضهم في فهم بعض مظاهر التوسل بأولياء الحق (ع) ، وذلك لأن العمدة في تلك المظاهر الحسية ، هي هذه المواجهة المعنوية بين حقيقة المتوسِّـل وبين حقيقة المتوسَّـل به ، المستلزمة للآثار العميقة ، وإن تجلّت تلك المواجهة من خلال فعلٍ ظاهري بعينه كالزيارة والبكاء والنذور وما شابه ذلك ..فمَثَله في ذلك كمَثَل من يواجه المعلومة ويستلهمها ، وهو في حالة حسية معينة - من قيام أو قعود - عند استقائه لتلك المعلومة .

الومضة رقم 534: تكلّف العلم
إن تكلف العلم الذي لم يأمر به الحق ، مذموم عند أولياء الحق (ع) ..فإن الإطلاع على ما لا يزيد الإنسان ( فائدة ) في دينه أو دنياه لمن فضول النشاط العلمي ، فيتحول صاحبه إلى مترفٍ في الفكر ، ومستودعٍ للمعلومات ..ومن ( فضول ) النشاط أيضاً ، المجادلة مع أهل الخصومات ، والبحث لأجل البحث ، لا لكشف الحقائق ..وإن مجموع ذلك يستفاد من خلال النص الذي ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : { إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم ، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه ، وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلفوا علم السماء }البحار-ج2ص137 .

الومضة رقم 535: البلاء عقيب الزلّة
يذكر المبرّد اللغوي في كتابه الفاضل - ص17: { وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : من أخذه الله بمعصيته في الدنيا ، فالله أكرم من أن يعيدها عليه في الآخرة ، ومن عفا عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يأخذه بها في الآخرة } ، ثم عقبه بقوله فيقال : إن هذا أحسن حديث روي في الإسلام ..ومن هنا لا يستوحش العبد المنصف من توارد بعض البلاء عقيب زلّـة من الزلات ، لعلمه أن ذلك البلاء لا يُعـدّ بلاء ، قياساً إلى العذاب المقدر على ذلك العمل فيما لو أمهل العبد ..فما شرٌ بعده الجنة بشر ، وما خيرٌ بعده النار بخير ، بل إن ( توارد ) النعم بعد المعاصي من صور ( الاستدراج ) الذي يستوحش منه العبد ..ولـيُعلم أن الذنب بعد الذنب علامة الخذلان ، والطاعة بعد الذنب علامة التوبة ، والطاعة بعد الطاعة علامة التوفيق ، والذنب بعد الطاعة علامة الردّ .

الومضة رقم 536: مقياسية الأجر
إن من المقاييس المهمة لتمييز درجات العبودية هو العقل والمعرفة ، ( فبالعقل ) يُعرف الله ويُعبد ، وبه يترسم مجمل مسار العبد إلى ربه ..كما أن ( بمعرفة ) الحق المتعال - مع لوازم تلك المعرفة - يتعرّف على جزئيات ذلك المسار ..وأما الذي لا يعيش هذه المعرفة المحركة للكمال ، فإنه لا يكاد يصل إلى تلك الدرجات العالية ، وإن أتعب جوارحه بالعبادة ، لأن ( تعب ) الجوارح بالعبادة مستلزم للأجر ، وللمعرفة عالم متمايز عن عالم الأجور ..وقد روي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : { يا هشام! ما بعث الله أمناءه ورسله إلى عباده ، إلا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم أحسنهم معرفة بالله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم ارفعهم درجة في الدنيا والآخرة }البحار-ج1ص137 .

الومضة رقم 537: حكمة سلب النعم
إن الله عزّ وجل أكرم من أن يسلب النعمة التي وهبها لعبده ، فإن ذلك خلاف شأن الكريم الذي بيده خزائن كل شيء ، إذ ما الموجب لأن ( ينغّص ) الرب الغني ، عيش عبده الفقير بسلب النعم ، بعد أن أذاقه حلاوتها ..نعم إن من الممكن وقوع ذلك السلب في حالتين ، الأولى : ( التعويض ) بما هو خير له ، وإن لم يتحقق ذلك التعويض في هذه الحياة الدنيا ، والثانية : ( إتيان ) العبد بما يوجب سلب تلك النعمة من الذنوب الماحقة ، وبالتالي تجتمع عليه مصيبتان: مصيبة فقدان النعم ، ومصيبة فقدان العوض ..وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : { إن الله قضى قضاءً حتماً ، لا ينعم على عبد بنعمة فسلبها إياه ، حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة }البحار-ج73ص334.

الومضة رقم 538: حقيقة المعصومين
إن الاعتقاد بحقيقة خلقة أرواح المعصومين (ع) قبل ( الانتقال ) إلى هذه الأبدان الأرضية ، يستوجب الاعتقاد بحقائق أخرى عن ماضيهم وحالهم ومستقبلهم ..فلا يبدو معه غريباً أن يتوسل بهم الأنبياء السلف كآدم (ع) ومن بعده في الشدائد ، إذ أن اتخاذ الوسيلة إلى الحق مطلوب في كل عصر و أوان ، كما لا يبدو غريباً قصر حياتهم في الدنيا ، إذ أن مَثَلهم في ذلك كمَثَل راكب استراح في ظل شجرة ساعة ثم رحل عنها ، فطول فترة مكوثهم أو قصرها لا يغير من واقعهم شيئاً ..وعليه فلا غرابة أيضا في ارتباطنا بهم ، استمداداً واستلهاماً واستشفاعاً بهم بعد وفاتهم ، وذلك ( لبقاء ) تلك الحقائق الإلهية على حالها ، سابقاً وحاضراً ومستقبلاً ، إذ ما ( الفارق ) بين الراجل والراكب في حقيقة صاحبه ؟! .

الومضة رقم 539: الذكر على كل حال
لقد روي عن النبي (ص) انه قال عن آية ( الذين يذكرون الله قيام وقعوداً وعلى جنوبهم ) : { ويلٌ لمن قرأ هذه الآية ، ثم مسح بها سبلته } و { ويل لمن لاكها بفكّـيه ، ولم يتأمل فيها }..ومن الملفت في هذه الآية الكريمة أنها تجمع بين ( تذكّر ) الحق المتعال كمقصود غائي يستفاد من قوله تعالى: { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً }، فهذا هو الذي يمنحه الاستواء في السلوك ، والجدية في الإرادة ، وبين ( تذكرّ ) الحق التفصيلي في كل التقلبات ، إذ أن العبد لا يخلو من قيام أو قعود أو اضطجاع ، فمن ذَكَر الله في هذه المواضع ، كان ذاكراً لله على كل حال ..فقد روي عن الإمام الباقر (ع) انه قال : { لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله } تفسير الصافي-ج1ص377 0

الومضة رقم 540: معارضة الصلاة لغيرها
كثيراً ما يتعارض وقت الصلاة مع أعمال أخرى من شؤون الدنيا ، ( فيقدّم ) العبد التوافه من الأمور على اللقاء مع رب العالمين ، رغم دعوته الأكيدة للصلاة وجَعْـلها كتاباً موقوتاً ..ومن ثم يتوقع العبد ( مسارعة ) الحق في تلبية ندائه ، وهو ( المستخف ) بنداء الحق في المسارعة إلى تلبيته ، وكما يدين العبد يدان ..ولقد كان النبي (ص) إذ دخل وقت الصلاة ، كان كمن لا يعرف أهلاً ولا حميماً ..وعنه (ص) أنه قال : { ليكن أكثر همّـك الصلاة ، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين }البحار-ج77ص127 .

الومضة رقم 541: من شعب الجنون
إن العبد الذي يعتقد أن الغضب شعبة من شعب الجنون ، يتحاشى موجباته لئلا يُـقدم على ما قد ( يسلبه ) عقله ، كما يراقب أفعاله بدقة عند فوران غضبه لئلا يظهر جنونه خارجاً ، فيعمل ما لا يمكن التكفير عنه ، ولطالما ( تفوّه ) بشطر كلمة بقيت آثارها في نفس من غضب عليه ، لم تذهب حتى مع تقادم الأيام ، بل وصفته بصفة لا تليق به كعبد سويّ ..وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : { الحدّة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم ، فإن لم يندم فجنونه مستحكم }البحار- ج73ص266 .

الومضة رقم 542: رفاق السوء
ينبغي الالتفات إلى الحذر الشديد من رفاق السوء ، الذين يصرفون العبد عن مسيرته علماً وعملاً ..وقد عبّر القرآن الكريم عن المنافقين بالشياطين ، إذ أن بواطنهم استحالت إلى حقيقة ( تجانس ) حقيقة الشياطين ، وعليه فإن معاشرتهم كمعاشرة الشياطين ، في ترتّب الآثار على مثل تلك المعاشرة المهلكة ..ولو ( تجلى ) للعبد هذه الصفة من الشيطنة فيمن تسوء معاشرته ، لولى منه فرارا ، كما لو ( تلـبّس ) جنٌ بهيئته المرعبة بشخص إنسان ، فكيف يعاشره من يراه كذلك ولو كان من أحب الخلق إليه ؟! .

الومضة رقم 543: ناريّـة الأفعال
يحذّر الحق المتعال من نار جهنم ويصفها بأن وقودها الناس والحجارة ..وعليه فقد يكون في وصف هؤلاء بأنهم وقودٌ لتلك النار ، إشارة إلى أن منشأ ذلك هي ( بواطنهم ) المستندة إلى قبيح أفعالهم في النشأة الأولى ، لأن تلك الأفعال كانت تستبطن النار وإن لم يشعر بها صاحبها ، كما عبّـر الحق المتعال عن آكل مال اليتيم بأنه آكل للنار ..فلو استحضر العبد ( نارية ) الأفعال التي لا يرضى بها الحق ، لتحرّز عن كل ما يكون وقوداً لنار جهنم وإن تلذذ أهل الغفلة بالإتيان بها ، جهلا بذلك الباطن الذي ( يُكشف ) عنه الغطاء ، في وقت لا ينفعهم مثل هذا الانكشاف .

الومضة رقم 544: التأثير في نفوس الخصوم
كتب الشعبي أن أحسن ما سمعه في القضاء والقدر هو قول أمير المؤمنين (ع): { كلما استغفرت منه فهو منك ، وكلما حمدت الله عليه فهو منه }..فلما وصل الكتاب إلى الحجاج ووقف عليها قال : لقد أخذها من عين صافية ..فمن هذا الحديث وأشباهه تتجلى لنا حقيقتان ، الأولى: كلمة ( الفصل ) لأئمة الهدى (ع) في كل معضلة ، والجامعة بين الحكمة والإيجاز ..والثانية: ( وَقْـع ) كلماتهم في نفوس الخلق ، إذ أن حقيقة أمرهم لم تكن لتخفى حتى على الخصوم ..ومن الطريف ما يذكره غاصب حقهم ، عندما أردف الإمام (ع) على دابة قائلاً : أولا نردفهم دابة غصبناها منهم .

الومضة رقم 545: طبيعة السفر إلى الحق
إن شأن السير إلى الحق كشأن السفر إلى البلاد والبقاع ، في أن لكل مرحلة من السفر ( طبيعتها ) الخاصة ، ووسائلها الخاصة ، وعقباتها الخاصة ، وزادها الخاص ..وعليه فلا بد أن يتوقع كل ذلك قبل سفره ، لـيُعدّ له عدته اللائقة به ، وعليه فإن السالك المعتقد بأن السفر عملية رتيبة متشابهة في كل مراحلها ، يفاجأ بأول ( منعطف ) في سيره ، وبأول تغيير في طبيعة العقبات التي تعترضه ، وهي قد تكون تارة على شكل شهوةٍ ملحّـة ، أو على شكل أمواجٍ من الخواطر والأوهام ، أو على شكل سيلٍ من وساوس الشيطان ، أو على شكل أذى الخلق له ، وغير ذلك مما مرّ به السالكون ..فلا ينبغي للعبد أن يتوقع ( الرتابة ) في سير الأمور ، فهذا رسول الله (ص) بين يدي الحق في غار حراء حيث الخلوة المطلقة تارة ، وفي أرض أحد حيث كسرت رباعيتاه والعدو على مقربة منه تارة أخرى .

الومضة رقم 546: هجوم الخواطر والأوهام
قد يمر العبد في ظرف خاص ، تهجم عليه الخواطر والأوهام بشكل لا يطيق دفعها من دون مجاهدة كبيرة ، فيرى نفسه ( معذوراً ) في الاستسلام لها والاسترسال معها عملاً بقاعدة : { أنا الغريق فما خوفي من البلل } ..والحال أن أدنى التفاتـة إلى الحق - في تلك الحالة - يُـعد سعياً مشكوراً من قبل المولى جل ذكره ..كما يتعمد أحدهم استضافة جليسه في مجلس يغلب عليه موجبات الذهول والانصراف ، ( ليستخبر ) مدى إقباله عليه في ذلك الظرف الطارئ .. ومن المعلوم أن العبد قادر - لو أراد - على استجماع المتفرق من أفكاره ولو في مثل تلك الظروف ، كما يتفق ذلك بوضوح في موارد رغبته الخاصة ، كاستغراقه بذكر ( محبوبه ) ، مع وجود الخواطر الصارفة والأوهام الكثيفة .

الومضة رقم 547: التسديد بالوحي والإلهام
إن مما يدعو العبد إلى السكون إلى مدد الحق - كالتسديد و الإلهام في السير إليه - هي ملاحظته لتعامل الحق مع بعض المخلوقات التي ذكرت في القرآن الكريم : كالنمل ، والنحل ، والذباب ، والبعوض ، والعنكبوت ..فلولا اعتيادنا لما تعملها ، لكانت أفعالها ضرباً من الإعجاز والوحي والتدبير ، الذي لا يرقى إليه تدبير العقلاء من البشر ، إذ أن من الواضح أنها تتحرك وفقاً للوحي الرباني الذي يصرح به القرآن الكريم ..ومن الملفت في هذا المجال استعمال التعبير بـ( أوحى ) كاستعمال التعبير نفسه بالنسبة للأنبياء (ع) ، وفي ذلك غاية العناية والالتفات ..فهل يستبعد بعد ذلك معاملة الحق لمن أراد هدايته إلى الكمال بالتسديد والإلهام ، كمعاملته للنحل في هدايته إلى الجبال ، ليكون نتاجه شراب ، فيه شفاءٌ للأفئدة والألباب ؟! .

الومضة رقم 548: روح الكفر
إن أول معصية وقعت على وجه الأرض بعد خلق آدم ، هو إباء الشيطان عن السجود لآدم والذي وصفه القرآن الكريم بالكفر ، إذ من المعلوم أن روح الكفر هو التمرد على أوامر الحق ، وإلا فإن الشيطان لم يصدر منه ما يفهم منه الكفر الإعتقادي.. وعليه فإن الذي يعصي الحق مع الإيمان به ، يحمل روح الكفر بين جنبيه ، ولو بدرجة لا تساوي درجة عناد إبليس ..ولكن الذي يخشى منه ، هو أن تتابع العصيان ، قد تقلب العفويّة في المعصية إلى تعمّد في الارتكاب ، فيزداد اقتراباً من روح الكفر ، إلى أن يصل إلى قلب الكفر نفسِه ، ليرتكب ما لم يرتكبه إبليس نفسُه .

الومضة رقم 549: شفافية بعض الأرواح
إن بعض النفوس تعيش شفافية خاصة ، بعد طول استقامة في طريق الهدى ، ومن آثار تلك الشفافية هو ( التألم ) الشديد عند ارتكاب المعصية ولو كانت صغيرة ، بما يجعله يتوهّم - في بعض الحالات - عدم مغفرة الحق له ..ويبلغ هذا التأثير في نفس صاحبه مبلغاً ، يجعله يعيش ( القلق ) الذي يعيقه عن القيام بما أمِـر به فيقع في مخالفات أخرى .. ومما يبعث ( الأمل ) في نفوس المذنبين ، ما ورد عن النبي (ص) انه قال : { العبد ليذنب الذنب فيُدخله الجنة .. قيل وكيف ذلك يا رسول الله ( ص ) ؟!..فقال : يكون نصب عينيه ، تائباً فاراً منه ، حتى يدخل الجنة } .

الومضة رقم 550: مادة الغضب وأثرها
إن للغضب من العبد مادة وأثر .. فمادة غضبه هو ( تأذّيـه ) من أذى الخصم ، وأثره هو ( إنزال ) العقوبة عليه مع قدرته على ذلك ، فهناك ارتباط ومسانخة واضحة بين مادة الغضب وأثرها ، وإن كانت نفس من قام به الغضب هو المحقّق للربط بينهما .. وعليه نقول: إن المعصية والنار بمثابة المادة والأثر ، فبينهما كمال العُـلقة والمجانسة ، التي يحققها المولى خارجاً في إدخال صاحبها إلى النار ..ومن المعلوم أن استحضار هذا الاقتران ( الشرطي ) بين المعصية والنار ، لمن الزوّاجر الكبرى عند الـهمّ بالمعصية فضلاً عن ارتكابها ، لأنه يرى الأثر متصلاً بمادته ..ولكن عامة الخلق يرون المادة بما فيها من لذائذ ، وكأنها خالية عن الأثر الذي يصفه الحق بقوله : { ثم لترونها عين اليقين } .

alseraj.net