الومضات (1 - 50) الومضات (51 - 100) الومضات (101 - 150) الومضات (151 - 200)
الومضات (201 - 250) الومضات (251 - 300) الومضات (301 - 350) الومضات (351 - 400)
الومضات (401 - 450) الومضات (451 - 500) الومضات (501 - 550) الومضات (551 - 556)

الومضات: (251 - 300)

الومضة رقم 251: المنح الموهوبة
إن من المتعارف بين الخلق ( منح ) جائزة كبرى ، بعد ( تراكم ) الموجبات الجزئية لهـا ..كالمنح الدراسية الموهوبه في آخر الفصل لمن أحرز الدرجات العالية في كل فصول سنته ..والأمر في معاملة المولى لعبيده يشبه ذلك ، فبعد الطاعات الجزئية المتواصلة في كل مناسبات الشهور ، يمنح الحق عبده ( رتبة ) عالية من رتب القرب ، كمقام الرضا والسكون إلى الحق ، أو ( مقدمة ) من مقدمات تلك الرتب ، كاستضافته إلى بيته الحرام ، أو إلى مشاهد أحد أوليائه العظام ، مما يفتح له أفقاً جديدا للسير الحثيث نحو الحق المتعال ..ومن طرائف الأثر في مجال إستضافة الحق لأوليائه ، ما روي - في الاحتجاج - عن الإمام السجاد (ع) عندما دخل مكة ، وقد اشتد بالناس العطش وقال لمن هناك من العبّـاد: أما فيكم أحد يحبه الرحمن ؟!.. فقالوا: علينا الدعاء وعليه الإجابة ، فقال (ع): ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه..ثم أتى الكعبة فخر ساجداً ، فسُمع يقول في سجوده: { سيدي بحبك لي ، إلا سقيتهم الغيث }..فما استتم كلامه حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، فقيل له: من أين علمت أنه يحبك ؟!.. فقال (ع) : { لولم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني ، فسألته بحبه لي فأجابني }، وأنشأ يقول:

من عرف الرب فلم تُـغنه     معرفة الرب فذاك الشقي


الومضة رقم 252: المعاملة بما يناسب المرحلة
كما أن معاملة الأب لأولاده يختلف بحسب سنيّ العمر ، فأولها الدلال وآخرها الهيبة والاحترام ، ويجمعهما المحبة والوداد ..فكذلك الأمر مع الرب الودود ، فتارة يتقرب إلى عبده بما يشعر معه ( الدلال ) والإنبساط ، وتارة يحتجب عنه بما يشعر معه ( الوحشة ) والانقباض ، وتارة يتجلى له بوصف العظمة والجلال بما يشعر معه ( الهيبة ) والإشفاق ..وهكذا يتعامل الحق مع - من يصنعه على عينه - بما يناسب مقتضى مرحلته ، وهو الخبير البصير بعباده .

الومضة رقم 253: مجمل شهوات الدنيا
إن شهوات الدنيا قد أجملها الحكيم المتعال في النساء والبنين والأموال بأقسامها من المنقول وغيره ، ويجمع ذلك كله: الاستمتاع ( بالاعتبارات ) كوجاهة البنين والعشيرة ، ( والواقعيات ) كالاستمتاع بالنساء والأموال ..وهذا مما يعين العاقل على مواجهة الشهوات بما يناسبها ، لأنها بتنوعها تندرج تحت قائمة واحدة ، وتصطبغ بصبغة واحدة وهي ملاءمتها لمقتضى الميل البشري ( السفلي ) ..فلو تصّرف العبد في طبيعة ميله ، وجعلها تتوجه إلى قائمة أخرى من مقتضيات الميل البشري ( العلوي ) ، لزال البريق الكاذب للقائمة الأولى ، لتحل محلها قائمة أخرى من الشهوات العالية ، وقد قال الحق المتعال عن هؤلاء : { والذين آمنوا أشد حبا لله }.

الومضة رقم 254: ترك التسافل
إن الوظيفة الأساسية للعبد أن ( يترك ) التسافل والإخلاد إلى الأرض ، بترك موجبات ذلك ، ولا يحمل بعد ذلك ( هـمّ ) التعالي والعروج ، إذ المولى أدرى بكيفية الصعود بعبده ، إلى ما لا يخطر بباله من الدرجات التي لا تتناهى ..إذ هو الذي يرفع عمله الصالح - على تفسيرٍ - لقوله تعالى: { والعمل الصالح يرفعه }، وبارتفاع ( العمل ) يرتفع ( العبد ) أيضا ، لأنه القائم بذلك العمل الصالح ، وقد عبّر في موضع آخر بقوله تعالى: { ورفعناه مكانا عليا } .

الومضة رقم 255: مادة الافتتان
ينبغي معاملة الدنيا معاملة المرأة التي ( ترافق ) العبد وهي في غاية الجمال مع عدم ( الإذن ) له بالزواج منها ..فلو انفصلت عنه لشعر صاحبها بالسرور والارتياح ، لارتفاع مادة ( الافتتان ) التي لا يُؤمن معها الزلل في ساعة من ساعات الغفلة ، بل اعتبرت بعض الروايات أن مثل هذا الحرمان كالحمية ، كما يحمي الطبيب المريض ..ولهذا يفرح المؤمن حقيقة ، بتخفيف زهرة الحياة الدنيا لديه - وإن رآه البعض فقداً وخسراناً - لما فيه من الجمع بين زوال الفتنة ، والتعويض عما سلب منه ..ومن هنا طلب الأولياء الكفاف من العيش ، إذ قد ورد: { فإن ما قل وكفى ، خير مما كثر وألهى }-البحارج58ص165.

الومضة رقم 256: ملاك النظر إلى الأجنبية
إن من المعلوم كون النظر إلى الأجنبية من موجبات ظلمة الفؤاد كما نلاحظ أثر ذلك بالوجدان ، كالنار التي لا تحرق الدار ولكن تسوّد جنباتها ..ولكن هناك أشياء أخري فيها ( الملاك ) نفسه ، وإن لم يكن ( حراماً ) بالمعني الفقهي للحرمة ، وذلك كمد البصر إلى ما مُتـّع به الآخرون من متاع الدنيا ، وتحديق النظر إليها ، والسؤال عن مظانـّها ، والحسرة على ما زُوي عن العبد منها ، كمن يمشي في السوق لينظر بحسرة إلى كل ما يراه ، ( فيُشغل ) فؤاده بما تراه عيناه ..وقد حذر القرآن من هذه الحالة بوضوح إذ قال : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه }.

الومضة رقم 257: أصناف أزواج الدنيا
إن علاقة الناس بالدنيا إما :زواج دائم ، أو زواج منقطع ، أو طلاق رجعي ، أو طلاق بائن ، أو عدم زواج أصلا ..فالأول: لأهل الدنيا ( المستغرقين ) في متاعها ..والثاني: ( للمستمتعين ) بها من غير استغراق ، فيقدمون رجلا ويؤخرون أخرى ..والثالث: لمن هجر الدنيا بعد أن انكشفت له حقيقة حالهـا ، ثم يعود إليها بمقتضى ضعفه ووهن إرادته ..والرابع: لمن ( هجرها ) بعد طول معاناة ، بما لا يفكر معها بالرجوع أبدا ..والخامس للكمّلين الذين ( لم يتصلوا ) بمتاعها - دواما وانقطاعا - لينفصلوا عنها طلاقاً رجعياً أو بائناً ، وقليلٌ ما هم .

الومضة رقم 258: الجيفة المجمدة
مثل بعض الصفات الرذيلة الكامنة في النفس ، والتي لم يُظهرها العبد - إما ( خوفـاً ) من الله تعالى كما عند أهل التقوى ، أو ( تعالـياً ) عن رذائل الأمور ، كما عند أهل الإرادة والرياضة - كمثل الجيفة المجمدة التي تنتظر الفرصة المناسبة ليظهر نتنها بما يزكم منه الأنوف ..فطريق الخلاص هو ( دفنها ) في التراب لتتحلل وتستحيل إلى مادة أخرى لا تنطبق عليها وصف الجيفة ..فصاحب القلب السليم هو الذي تخلص من رذائل نفسه ( بقطع ) مادتها ، إذ خلي باطنه من الجيفة بكل أشكالها .

الومضة رقم 259: إحسان من أسلم وجهه
قد يستفاد من قوله تعالى{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن }:أن الإحسان من حالات المسلِّم وجهه لله تعالى ..فموضوع الآية في الدرجة الأولى هو العبد الذي أصلح ( وجهة ) قلبه وأسلمها للحق وأعرض بها عمن سواه ، ومن ثَمَّ صدر منه ( الصالحات ) من الأعمال ، كشأن من شؤون ذلك الموضوع ..ومن المعلوم أن رتبة الموضوع سابقة لرتبة الحالات الطارئة عليه ، وعليه فلا يؤتي الإحسان ثماره إذا لم تصلُح وجهة القلب هذه ..ومن هنا لم يقبل الحق قربان قابيل ، لأنه صدر من موضوعٍ لم تتحقق فيه قابلية الإحسان ، إذ قال تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين }.

الومضة رقم 260: كالسائر على طرف حائط
إن مَثَل السائر إلى الحق ، كَمَثل من يمشي على طرف حائط عالٍ ، يرى منه جمال الأفق بألوانها الآخذة بمجامع القلوب ، فلا يحتاج إلى ( الحـثّ ) للنظر إلى فوق ، لأنه مستمتع بنفسه ومستغرق بمشاهدة ألوان الجمال ، كما لا يحتاج إلى ( الزجر ) عن النظر إلى تحت ، لأنه بنفسه يخاف السقوط وما يستتبعه من حرمان للجمال وسقوط في الهاوية ، فالمهم في السائر إلى الحق أن يرى تلك الصور الجمالية التي تستتبع بنفسها الزجر من الإعراض عن ذلك الجمال ، والحث على الإقبال عليه.. وعندها ينتظم السير ويتباعد صاحبها من الزلل ، ويزداد الهدف وضوحاً والطريق إشراقاً .

الومضة رقم 261: إجتثاث الرذيلة الباطنية
أسند الحق الشح في آية: {ومن يوق شح نفسه} إلى النفس ، إذ من المعلوم أن الحركات الخارجية تابعة لحركات الباطن ..والشحّ الذي هو أشد من البخل - والذي يتجلى خارجا في منع المال - منشأه حالة في الباطن ..ومن دون علاج هذا الشح ( الباطني ) ، يبقى الأثر ( الخارجي ) للشح باقيا ، وإن تكلّف صاحبه في دفعه - خوفا أو حياء - كما نراه عند بعض متكلفي الإنفاق ..وهكذا الأمر في باقي موارد الرذائل ، كمتكلفي التواضع والرفق وحسن الخلق ..فاللبيب هو الذي ( يجتثها ) من جذورها الضاربة في أعماق النفس ، بدلا من ( تشذيب ) سيقانها المتفرعة على الجوارح .

الومضة رقم 262: من أرجى آيات القرآن
إن من أرجى الآيات قوله تعالى: { فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }..والسر في ذلك أنها نازلة بحق اليهود وقبائحهم من عبادة العجل ، وكفران النعم ، وقتل الأنبياء ، ونقض الميثاق ، مع ما رفع فوقهم من جبل الطور تخويفا لهم ، كما ذكر في صدر الآية: { ورفعنا فوقكم الطور.. .ثم توليتم من بعد ذلك } ..فإذا استعمل الحق الودود ( أناتـه ) مع هؤلاء القوم ، فكيف لا يستعملها مع عصاة الأمة المرحومة ( بشفاعة ) نبيها (ص) ، وهم دون ما ذكر من قبائح بني إسرائيل بكثير ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.

الومضة رقم 263: التحايل في الحكم الشرعي
يستفاد من شدة عذاب بني إسرائيل عندما اعتدوا في السبت ، وتحايلوا في العمل بالحكم الشرعي ، أن الحق تعالى لا يحب ( تفويت ) مراده باحتيال العبد والتفافه حول حكم مولاه ، فإن كمال العبودية هو تحصيل ( مراد ) الحق ، إذا علم به العبد كيفما كان .

الومضة رقم 264: الاعتقاد بالبداء عند الدعاء
إن من الأمور المشجّعة على الإلحاح في الدعاء ، هو الاعتقاد ( بالبداء ) ..فإن الأمر بيد المولى الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء ، وهو القادر على تغيير المفاسد في الحوائج ، إلى ( المصالح ) التي بحسبها يتغير ملاك الاستجابة نفياً وإثباتاً ..وعليه فما المانع من استقامة العبد في مطالبة الرب القدير بقضاء الحوائج العظمى كتغيير مقدرات الأمم ، فضلا عن تغيير مقدراته الفردية من الشقاء إلى السعادة ؟!..ومن أمثلة الاستجابة في الحوائج العظمى ، هو إعمال البداء في توقيت فرج وليه (ع) الذي ورد في حقه: { أن الله يصلح أمره في ليلة ، كما أصلح أمر كليمه موسى (ع) ليقتبس لأهله ناراً ، فرجع وهو رسول نبي }البحار-ج51ص156 .

الومضة رقم 265: القعود على الصراط المستقيم
ينحصر طلب الداعي في سورة الفاتحة - بعد مقدمات الحمد والثناء - في ( الاستقامة ) على الصراط ، كما انحصر تهديد الشيطان من قبلُ ، ( بالقعود ) على الصراط المستقيم نفسه ..ومن مجموع الأمرين يُعلم أن معركة الحق والباطل إنما هي في هذا الموضع ، والناس صرعى على طرفيها ، وقد قلّ الثابتون على ذلك الصراط المستقيم ..ومن هنا تأكدت الحاجة للدعاء بالاستقامة في كل فريضة ونافلة ..وليُعلم ان الذي خرج عن ذلك الصراط: إما بسبب ( عناده ) وإصراره في الخروج عن الصراط باختياره وهو المغضوب عليه ، وإما بسبب ( عماه ) عن السبيل وهو الضال .

الومضة رقم 266: الحق أولى بحسنات العبد
إن الله تعالى أولى بحسنات العبد من نفسه ، لأن كل الآثار الصادرة من العبد إنما هو من بركات ( وجود ) العبد نفسه ، والحال أن وجوده إنما هو ( فيض ) من الحق المتعال حدوثا وبقاء ..أضف إلى أن ( مادة ) الحسنة التي يستعملها العبد في تحقيق الحسنات ، ينتسب إلى الحق نفسه بنسبة الإيجاد والخلق ..فيتجلى لنا - بالنظر المنصف - أن دور العبد في تحقيق الحسنة ، دور باهتٌ قياسا إلى دور الحق في ذلك ..فلـيُقس دور مؤتي الزكاة من الزرع ، إلى دور محيي الأرض بعد موتها ، وما تمر فيها من المراحل المذهلة التي مكّنت المعطي من زكاته ، والتي هي أشبه بالأعجاز لولا اعتيادنا لها بتكررها..ومن هنا أسند الحق الزرع إلى نفسه ، رغم أن الحرث من العبد ، فقال : { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } .

الومضة رقم 267: التدريب على تعظيم المخلوق
لا يبعد أن يكون ( الأمر ) بالسجود لآدم (ع) ، ( تدريباً ) للخلق على تعظيم المخلوق بأعلى صور التعظيم ، المتمثل بالسجود الذي لا يجوز لغيره تعالى ، وذلك فيما لو كان ذلك التعظيم بأمر من الحق نفسه ..ويظهر أثر ذلك في تعاملنا مع المعصومين (ع) ، فنوطّن أنفسنا على أعظم درجات الخضوع والتعظيم ، ما دام ذلك ( بأمـر ) من المولى وبرغبة أكيدة منه ، وهو الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ..وقد عمل بذلك آدم نفسه - عندما توسل بهم في بدء الخليقة - عند تلقّي الكلمات من ربه ، المتمثلة بالنبي وآله عليهم السلام ، كما رواه الكليني والصدوق والعياشي .

الومضة رقم 268: عبادة الحق كما يريد
طلب إبليس من الحق أن يعفيه من السجود لآدم (ع) ، مقابل عبادة لم يعبدها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فكان جواب الحق كما روي عن الصادق (ع): { لا حاجة لي في عبادتك ، إنما عبادتي من حيث أريد ، لا من حيث تريد }البحار-ج11ص141..وفي ذلك بيان لقاعدة عامة ، وهي أن العبادة المطلوبة للحق هي ما طابقت إرادة ( المعبود ) لا رغبة ( العابد ) ..ومن هنا يكتشف العبد ضلالة سعيه إذا لم يكن مطلوبا للحق ، وإن وجد العبد سعيه حسناً ، مصداقا لقوله تعالى: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً }.

الومضة رقم 269: القشر واللب
إن لعالم الوجود قشراً ولبـّا ، قد عبر القرآن عن الأول بظاهر الحياة الدنيا ، بما يفهم منه أن له باطنا أيضا وهو اللب ..فإذا أعمل الحق المتعال خلاّقيته بما يُذهل الألباب في الظاهر، فقال تعالى: { تبارك الله أحسن الخالقين }و{ بديع السموات والأرض }و{ أعطى كل شئ خلقه ثم هدى }و{ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح }..فكيف بآثار خلاقيته في عالم الألباب ؟! ، وهي الأرواح التي نسبها الحق إلى نفسه فقال : { قل الروح من أمر ربي }و{ ونفخت فيه من روحي }..ومن هنا يعلم شدة تقصير العبد في ( تزيين ) أكثر المخلوقات قابلية للجمال والكمال ، وهي ( نفسه ) التي بين جنبيه .

الومضة رقم 270: انقطاع تسبيح الثوب
أمر رسول الله (ص) عائشة بغسل برديه فقالت: بالأمس غسلتهما ، فقال لهـا: { أما علمت أن الثوب يسبح ، فإذا اتسخ انقطع تسبيحه }الدر المنثورج4ص185..فالمستفاد من هذه الرواية أن القذارة ( الظاهرية ) مانعة من التسبيح ( التكويني ) ..وهنا نتساءل:كيف لا تكون القذارة ( الباطنية ) مانعة من التسبيح ( الاختياري ) ؟!..ومن صور الظلم أن يسبب العبد ما يوجب انقطاع تسبيح خلق من خلقه .

الومضة رقم 271: العقوبة في الطبيعة
أشار الحق في سياق العقوبات التي حلت ببني إسرائيل ، أن ماءهم تحول إلى دمٍ ، فقال : { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم }.. فما المانع من حلول ( الغضب ) بعد مقتل الحسين (ع) ، بنفس الأسلوب من العقوبة كما ورد من وجود الدم ( العبيط ) تحت الحجارة في بيت المقدس ؟!..وكقول زينب (ع): { أفعجبتم أن قطرت السماء دما ؟! } .

الومضة رقم 272: المعية العامة والخاصة
إن هناك فرقا شاسعا بين المعيّـة الخاصة للحق المتمثلة بقوله: { إن الله مع الذين اتقوا } ، وبين المعيّة العامة المتمثلة بقوله: { وهو معكم أينما كنتم }..ففي الأول معيـّة ( النصر ) والتأييد ، وفي الثاني معيـّة ( الإشراف ) التكويني المستلزم للرزق والحفظ وغيره ..والفرق بين المعيّـتين كالفرق بين إطلالة الشمس على الغصن الرطب واليابس ، ففي الأول معـية التربية والتنمية ، وفي الثاني المعيـة التي لا ثمرة لها غير المصاحبة المجردة .

الومضة رقم 273: القلبان في جوف واحد
نفى الحق المتعال أن يكون لرجل ( قلبان ) في جوفه ، وقد روي عن الصادق (ع) أنه قال : { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، يحب بهذا قوما ويحب بهذا أعدائهم }التبيان-ج9ص313..فإن للعبد ( وجهة ) غالبة في حياته ، وهـمّ واحد ، يدفعه لتحقيق آماله وأمانيه ، وتلك الوجهة هي التي تعطي القلب وصفا لائقا به ، فإذا كان إلهيـّا استحال القلب إلهيـّا وكذلك في عكسه ..فإذا اتخذ العبد وجهته ( الثابتة ) في الحياة ، لم تؤثر الحالات ( العارضة ) المخالفة في سلب العنوان الذي يتعنون به القلب .

الومضة رقم 274: التدبر فيما وراء الفقه
روي عن الصادق (ع) : { إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت ملكا عظيما ، لا يطأ بساطه إلا المطهرون ، ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقون } البحارج80ص373..وهذا الخبر يعطي درسا بليغا في تعامل العبد مع كل صور الطاعة ..فالمطلوب من العبد دائما أن يترجم لغة ( الفقه ) إلى لغة التدبر فيما ( وراء الفقه ) ، و ينتقل من ( لسان ) الحكم الشرعي إلى البحث عما وراءه من ( الملاكات ) المرادة لصاحبها ، ويترقى من حالة التعبد ( الحرفي ) بالأوامر والنواهي ، إلى التفاعل ( الشعوري ) مع الآمر والناهي ..فإذا طالب الحق عبده بمثل هذه المشاعر العالية عند بلوغ المسجد ، فكيف بالواجبات المهمة في حياة العبد ، عند بلوغه ساحة الحياة بكل تفاصيلها ؟! .

الومضة رقم 275: الصبغة الواحدة
إن الكون - على ترامي أطرافه وتنوّع مخلوقاته - متصف بلون واحد وصبغة ثابتة ، وهي صبغة العبادة التكوينية التي لا يتخلف عنها موجود أبدا ..والموجود المتميز بصبغة أخرى زائدة غير العبادة ( التكوينية ) هو الإنسان نفسه ، فهو الوحيد الذي وهبه الحق منحة العبادة ( الاختيارية )..وبذلك صار المؤمن وجودا ( متميزا ) من خلال هذا الوجود المتميز أيضا ، لأنه يمثل العنصر الممتاز الذي طابقت إرادته إرادة المولى حبا وبغضا ..ولذلك يباهي الحق - فيمن يباهي فيهم من حملة عرشه والطائفين به - بوجود مثل هذا العنصر النادر في عالم الوجود ..والسر في ذلك أن الحق تعالى مكنّه من تحقيق إرادته مع ما جعل فيه من دواعي الانحراف كالشهوة والغضب ، وقد ورد: { أن طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذات والشهوات ، أعني لكم الحلال والحرام .. فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة ، فالقى الله في همة أولئك الملائكة اللذات والشهوات ، فلما أحسوا بذلك عجّـوا إلى الله من ذلك ، فقالوا ربنا عفوك عفوك ، ردّنا إلى ما خلقتنا له فإنا نخاف أن نصير في أمر مريج }البحار-ج8ص141 .

الومضة رقم 276: لو فرض مَحالاً
لو افترض محالا أن الخلق كلهم عبيد لأحدنا ، وافترض أن عباداتهم إنما هي بحقنا ، ( لاستصغرنا ) ذلك منهم ، وتوقعنا منهم أكثر من ذلك بكثير ، بل لانتابنا شعور بالسخط ولزوم التأديب ، لما نراه من حقارة تعظيمهم إيانا قياسا إلى عظيم حقنا عليهم ..ومن هنا تتجلى ( أنـاة ) الحق في إحتمال عباده ، الذين يغلب - حتى على الصالحين منهم - ( الغفلة ) عنه في أكثر آناء الحياة ..ومن ذلك يعلم أيضا العفو العظيم من الرب الكريم ، الموجب لإعفاء الخلق من كثير من العقوبات مصداقا لقوله تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }و{ لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } .

الومضة رقم 277: القدرة المستمدة من الحق
إن الالتفات إلى ( عظمة ) الحق في عظمة خلقه ، وإلى ( سعة ) سلطانه في ترامي ملكه ، وإلى ( قهر ) قدرته في إرادته الملازمة لمراده ، كل ذلك يضفي على المرتبط به - برابط العبودية - شعورا بالعزة والقدرة المستمدة منه ..ولهذا يقول علي (ع): { الهي كفى بي عزا أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً }البحار-ج77ص402..هذا الإحساس لو تعمّق في نفس العبد ، لجعله يعيش حالة من الاستعلاء ، بل اللامبالاة بأعتى القوى على وجه الأرض - فضلاً عن عامة الخلق الذين يحيطون به - لعلمه بتفاهة قوى الخلق أجمع ، أمام تلك القدرة اللامتناهية لرب الأرباب وخالق السلاطين .

الومضة رقم 278: عظمة الخالق في النفس
قد ورد في وصف المتقين أنه قد: { عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم }..فلنتصور عبدا وصل إلى هذه الرتبة المستلزمة لصغر ما سوى الحق في عينيه ، كيف يتعامل مع كل مفردات هذا الوجود ؟!..فإن صغر ما سوى الحق عنده ، يجعله لا ( يفرح ) بإقبال شئ عليه ، كما لا يأسى على فوات شئ منه ، كما لا ( يستهويه ) شئ من لذائذها ، ما دام ذلك كله صغيرا لا يستجلب نظره ، كالبالغ الذي يمر على ما يتسلى به الصغار غير مكترث بشيء من ذلك ..وفي المقابل فإن من صغُر الحق في نفسه ، فإنه ( يكبر ) كل شئ في عينه ، فاللذة العابرة يراها كاللذة الباقية ، والمتاع الصغير وكأنه منتهى الأماني لديه ، والخطب اليسير في ماله وبدنه كأنه بلاء عظيم لا زوال له ، وهكذا يعيش الضنك في العيش الذي ذكره القرآن الكريم ..وليعلم في هذا المجال أن كبر الدنيا في عين العبد ، تدل بالالتزام على صغر الحق المتعال في نفسه ، وفي ذلك دلالة على ( خطورة ) ما فيه العبد وإن ظن بنفسه خيرا .

الومضة رقم 279: الحركة حول محور واحد
إن في عالم الطبيعة حركةً دائبةً حول محور واحد لا تتخلف أبدا ، كحركة النواة والمجرّات والمجموعات الشمسية حول محاورها ..فالمطلوب من العبد المخـتار أيضا أن ينسجم مع هذه الحركة ( الكونية ) ، فتكون له حركته الدائبة والثابتة حول محور واحد في الوجود بلا انقطاع ..وقد طالب الحق المتعال عباده بهذه الحركة المادية أيضا و( المشابهة )لحركة الطبيعة ، وذلك بالأمر بالطواف حول محور بيته الحرام ..ومن الملفت في هذا المجال أن جهة الطواف - بعكس حركة الساعة - تشابه الحركة الدائرية ( للتكوينيات ) وفي الاتجاه نفسه ، والتي يغلب على مداراتها عدد السبعة أيضا .

الومضة رقم 280: الإخلاد إلى الأرض
إن كلمة اثّـاقلتم في قوله تعالى: { اثاقلتم إلى الأرض } تشعر بأن الإخلاد إلى الأرض ، كسقوط الأثقال إلى الأسفل ، في أنها حركة ( طبيعية ) لا تحتاج إلى كثير مؤونة ، بخلاف الحركة إلى الأعلى ، فإنها حركة ( قسرية ) تحتاج إلى بذل جهد ومعاكسة للحركة الطبيعية تلك ..ولهذا ورد التعبير ( بالنفر ) في قوله تعالى: { إنفروا في سبيل الله }..و( الفرار ) في قوله تعالى: { فروا إلى الله }..و( المسارعة ) في قوله تعالى: { سارعوا إلى مغفرة من ربكم }، مما يدل جميعا على أن الوصول إلى الحق ، يحتاج إلى نفر وفرار ومسارعة ..وفي كل ذلك مخالفة لمقتضى الطبع البشري ، الميال إلى الدعة والاستقرار والتباطؤ .

الومضة رقم 281: التعالي عن عامة الخلق
إن مثل المتعالي عما يشتغل به عامة الناس ، كمثل من أرغم على الاشتراك مع من هم دون سن البلوغ في لهوهم ولعبهم ..فيجد كثير ( معاناة ) في هذه المعاشرة ، لعدم وجود ( الأنس ) مع من لا تربطه بهم صلة في علم و لا عمل ..فعلى المؤمن - المبتلى بمثل هذه الحالة - أن يعاشر الخلق ببدنه لا بروحه ، ليتخلص من تبعات عدم التوافق الذي ينغص عيشه ..ومن الضروري في مثل هذه الحالة ، كتمان حالات الضيق التي تنتابه معهم ، إذ أن في ذلك ( انتقاص ) غير محمود ، قد يعرّض نعمة العلو الروحي للزوال ، كما ينبغي الالتفات الدقيق إلى عدم الوقوع في دائرة العجب المهلكة ، عندما يرى في نفسه من الكمال ما لا يراه في عامة الخلق ، لأن المعجب الواجد للكمال أقرب للهلاك من الفاقد له .

الومضة رقم 282: صراحة أمير المؤمنين (ع)
يكتب أمير المؤمنين (ع) كتابا إلى واليه يقول فيه: { تعمر دنياك بخراب آخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك ، ولئن كان ما بلغني عنك حقا ، فبعير أهلك وشسع نعلك خير منك ومن كان بصفتك }البحار-ج33ص506.. فتبلغ صراحة أمير المؤمنين (ع) ، وتنمّره في ذات الله تعالى مبلغا يجعل شسع النعل ، خيرا ممن ينحرف عن طريق الحق ..لوضوح أن شسع النعل لا ( غضاضة ) في وجوده ، إذ أنه ( مسبح ) للحق بلسان حاله أو مقاله ، كباقي موجودات هذا الكون الفسيح ، خلافا لمن ( حـاد ) عن جادة الحق فهو دون البعير وشسع النعل بل أضل سبيلا .

الومضة رقم 283: الاشتغال بالفسيح
إن مواجهة القلب مواجهة متفاعلة مع أمور الدنيا - وخاصة المقلق منها - مما ( تضيّق ) القلب ..إذ أن القلب يبقى منشرحا إذا اشتغل ( بالفسيح ) من الأمور التي تتصل بالمبدأ والمعاد ..والقلب الذي يشتغل بالسفاسف من الأمور ، يتسانخ مع ما يشتغل به ، فيضيق تبعا لضيق ما اشتغل به ..والحل - لمن لابد له من التعامل مع الدنيا - أن يرسل إليها ( حواسه ) وفكره القريب إلى حواسه ..وأما ( القلب ) والفكر القريب إلى قلبه ، فيبقى في عالمه العلوي الذي لا يدنّـسه شئ ..فمَثَل القلب كمَثَل السلطان الذي يبعث أحد رعاياه لفك الخصومات وغيرها ، ولا يباشرها بنفسه لئلا تزول هيبة سلطانه .

الومضة رقم 284: صنوف الكمال
يمكن القول أن جميع صنوف الكمال مجتمعة في قوله تعالى: { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى }..فإن فيه كمال ( معرفة الرب ) ، لأنه لولا هذه المعرفة لما عرف مقام الرب ، وبالتالي لم يتحقق منه الخوف من صاحب ذلك المقام ..وفيه كمال مرتبة ( القلب السليم ) لأن الخوف من مقام الرب لا ينقدح إلا من القلب السليم ، الذي خلي من الشوائب بما يؤهله لنيل تلك المرتبة من الخوف ..وفيه كمال مرتبة ( العمل الصالح ) الذي يلازم نهي النفس عن الهوى ، إذ أن الذي يصد عن العمل الصالح ، هو الميل إلى الهوى الذي لا يدع مجالا لتوجه القلب إلى العمل الصالح .

الومضة رقم 285: كثرة الهموم
إن كثرة الهموم والغموم تنشأ من تعدد مطالب العبد في الحياة الدنيا ، فكلما ( يـأس ) من تحقيق مأرب من مآربه ( انتابه ) همّ الفشل ، فإذا تعددت موارد الفشل تعددت موجبات الهموم ، وتبعاً لذلك تتكاثف الهموم على القلب بما تسلبه السلامة والاستقامة ..فلو نفى العبد عن قلبه الطموحات الزائفة ، وتضيّقت عنده دائرة المحبوبات ، واقتصرت همّته على ما يحسن الطمع فيه والطموح إليه ، ( قلّت ) عنده فرص الفشل ، وبالتالي نضبت روافد الهموم إلى قلبه ..وقد أشار أمير المؤمنين (ع) إلى هذه الحقيقة بقوله: { قد تخلّـى من الهموم إلا هما واحداً }البحار-ج2ص56..ومن هنا يعيش الأولياء حالة من ( النشاط ) والانبساط الذي يفقده - حتى المترفون - من أهل الدنيا ، وذلك لانصرافهم عما لا ينال ، وتوجّههم إلى ما يمكن أن ينال في كل آن ، وهو النظر إلى وجهه الكريم .

الومضة رقم 286: السعة المذهلة للوجود
ورد في الحديث: { ما السموات السبع والأرض عند الكرسي إلا كحلقة خاتم في فلاة ، وما الكرسي عند العرش إلا كحلقة في الفلاة }البحار-ج58ص2..إن استشعار هذه الحالة - وخاصة - عند مواجهة الحق في الصلوات والدعوات ، يجعل العبد يعيش حالة ( التذلّل ) والانبهار أمام هذه القدرة التي لا تتناهى ، والسلطان الذي لا يدرك كنهه ..فمن موجبات ( تعميق ) محبة المحبوب هو الالتفات التفصيلي لما عند المحبوب من صفات وقدرة ، ولما يتمتع به من جمال وجلال ..والأمر عند عشاق الهوى كذلك ، إذ أنهم يختارون من يجتمع فيهم الجمال والاقتدار ..فالأول عنصر ( اجتذاب ) يوجب دوام محبة المحبوب ..والثاني عنصر ( ارتياح ) يوجب قضاء مآرب الحبيب .

الومضة رقم 287: حقيقة الاسترجاع
إن حقيقة آية الاسترجاع: { إنا لله وإنا إليه راجعون }لو تعقلها العبد بكل وجوده ، لأزال عنه الهمّ الذي ينتابه عند المصيبة ..والسر في ذلك أن الآية تذكّره بمملوكية ( ذاتـه ) للحق ، فضلا عن ( عوارض ) وجوده ..وهذا الإحساس بدوره مانع من تحسّر العبد على تصرف المالك في ملكه - وإن كان بخلاف ميل ذلك العبد - إذ أنه أجنبي عن الملك قياسا إلى مالكه الحقيقي ..كما تذكره ( بحتميّة ) الرجوع إليه المستلزم ( للتعويض ) عما سلب منه وهو مقتضى كرمه وفضله ، وإن ذكرنا آنفا أن سلب الملك من شؤون المالك لا دخل لأحدٍ فيه ، كما يقال في الدعاء: { لاتضادّ في حكمك ولا تنازع في ملكك }..كل هذه الآثار مترتبة على وجدان هذه المعاني ، لا التلفظ بها مجردة عما ذكر .

الومضة رقم 288: روح الدعاء
رأى الإمام الحسن (ع) رجلا يركب دابةً ويقول: { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين }فقال (ع) أبهذا أمرتم؟ ، فقال بم أمرنا؟ ، فقال (ع): ( أن تذكروا نعمة ربكم ) ..ومن ذلك يعلم أن حقيقة الأدعية المأثورة تتحقق بالالتفات الشعوري إلى مضامينها ..إذ أن الدعاء حالة من حالات القلب ، ومع عدم تحرك القلب نحو المدعو وهو ( الـحق ) والمدعو به وهي ( الحاجة ) ، لا يتحقق معنىً للدعاء ..وبذلك يرتفع الاستغراب من عدم استجابة كثير من الأدعية ، رغم الوعد الأكيد بالاستجابة ، وذلك لعدم تحقق الموضوع وهو ( الدعاء ) بالمعني الحقيقي الذي تترتب عليه الآثار .

الومضة رقم 289: الملَكَة أشرف من العمل
إن رتبة ملكة التقوى أشرف من رتبة العمل الصالح لجهات: منها أن صاحب الملكة متصف بتلك الملكة وإن ( انقطع ) عن العمل ، فالكريم كريم وإن لم يكن متلبساً بالإكرام الفعلي ..ومنها أن العمل الصالح قد تشوبه ( شوائب ) العمل من الرياء وغيره ، والحال أن الملكة حالة راسخة في الباطن ، فلا مجال لإبدائها بنفسها في الظاهر لجلب رضا المخلوقين ، وإن بدت آثارها في الخارج ..ومنها أن العمل الصالح قد ( يفارق ) العبد ولا يعود إليه لوجود ما يزاحم تحققه ، ولكن الملكة صفة لازمة للنفس ..ومنها أن الملكة قائمة بالروح ( الباقية ) بعد الموت أيضا ، والعمل الصالح قائم بالبدن ، ولهذا ينقطع بانقطاع الحياة ..ومنها أن العمل من ( آثار ) الملكة التي منها يترشح العمل المنسجم مع تلك الملكة ، ورتبة ما هو كالسبب ، أشرف من رتبة ما هو كالمسبَّب .

الومضة رقم 290: الحسنة في الدنيا والآخرة
إن من يهوى الدنيا ، يطلبها بكل متعها ، من دون ( تقييدها ) بكونها حسنا عند الحق المتعال ..وذلك لأن كل ما فيها - مما يطابق الهوى - مطلوب لديه ..وهذا بخلاف المؤمن الذي لا يريد من الدنيا والآخرة ، إلا ما كان ( حسناً ) عند مولاه ..ولهذا يوكل أمر آخرته ودنياه إليه ، لأنه الأدرى بالحسن الذي يلائمه بالخصوص ..وقد روي عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة }أنه قال : ( رضوان الله والجنة في الآخرة ، والسعة في الرزق ، وحسن الخلق في الدنيا ) .

الومضة رقم 291: التركيز في غير الصلاة
يتذرع الكثيرون الذين لا يملكون القدرة على التركيز - في الصلاة والدعاء - بذرائع واهية من عدم القدرة على مثل ذلك ، بما يوهم سقوط التكليف بالصلاة الخاشعة ..والحال أن هؤلاء أنفسهم يملكون أعلى صور التركيز في مجال عملهم ، بل في مجال العلوم التي تتطلب منهم التركيز الذهني المتواصل ..والسر في ذلك واضح وهو رغبتهم ( الأكيدة ) في مثل هذا التركيز فيما يحبون ، طمعا لما وراءه من المنافع ..ولو تحققت فيهم مثل هذه ( الرغبة ) في التركيز - عند الصلاة والدعاء - طلبا لعظيم المنافع فيهما ، ( لأمكنهم ) مثل هذا التركيز أيضا بل أشد من ذلك ..وتتجلّى ضرورة مثل هذا التركيز ، بالتأمل فيما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : { من كان قلبه متعلقاً في صلاته بشيء دون الله ، فهو قريب من ذلك الشيء ، بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته }تفسير الصافي-ج4ص161 .

الومضة رقم 292: سكر الشهوة والغضب
كما أن ( المسكرات ) سالبة للعقل ، فكذلك ( الشهوة ) و ( الغضب ) تسلبان الإرادة من صاحبهما حتى يوصلاه إلى ما يقرب من السكر بل الجنون!!..فالمردود السلوكي متشابه في كل من المسكر والشهوة والغضب ‍‍‍..فعلى المؤمن - الذي لا بد وأن يمارس شهوته في فترات من حياته - أن لا يسترسل أثناء ممارسته لتلك الشهوة بما يفقده حالة الاعتدال ..ومن هنا أحاط الشارع الحكيم ( معاشرة ) النساء بأحكام وجوبيه وإستحبابية - حتى في الليلة الأولى منها - لئلا يعيش العبد حالة من الذهول المطلق عن مولاه عند فوران شهوته ..وقد وصف أمير المؤمنين (ع) بوصف بليغ تلك الحالة بقوله: { حياء يرتفع ، وعورات تجتمع ، أشبه شيء بالجنون !! ، الإصرار عليه هرم ، والإفاقة منه ندم } - غرر الحكم .

الومضة رقم 293: السياحة اللاهادفة
إن على المؤمن أن يحترز عن السياحة ( اللاهادفة ) التي لا يتأتّى فيها قصد ( القربة ) إلى الحق ..فإن جميع حركات العبد وسكناته ، ينبغي أن تكون مقرونة ( بالنـّية ) التي تربطه بالعلة الغائية في أصل وجوده ..وإلا فإن مجرد التنقل من بلد إلى بلد لا قيمة له في حد نفسه ، سوى ما يستوجبه شيئا من الاسترخاء والارتياح ، الذي يزول مع العودة إلى البيئة التي كان فيها العبد ، ليعاني فيها - مرة أخرى - مشاكله التي غفل عنها في سفره ..وهذا خلافا للسياحة التي ترتبط بهدف مقدس: كمواطن الطاعة والارتباط بالحق أو بأوليائه ، أو كالمواطن التي تعينه على استرجاع النشاط ، لمواصلة سبيل العبودية بجد واجتهاد ..فإن أثرها متسمٌ بالبقاء والخلود ، لأنه مصداق لما عند الله تعالى ..وقد ورد عن الإمام الكاظم (ع) بعد تقسيم الساعات لمناجاة الله تعالى ولأمر المعاش ولمعاشرة الإخوان : { وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات }البحار-ج78ص321 .

الومضة رقم 294: الاستلقاء بعد التثاقل
يستحسن في بعض الحالات التي يعيش فيها العبد حالة ( التثاقل ) الروحي أن يستلقي في جوّ هادئ ، ليعيش شيئا من ( التركيز ) الذهني فيما يحسن التفكير فيه ..وهذا الإستلقاء بمثابة إعادةٍ لحالة ( التوازن ) النفسي الذي يخـتل في زحمة الحياة ، سواء في دائرة مشاكله الخاصة أو العامة ..ومن هنا نلاحظ التركيز الكثير من الشارع على أدعية ما قبل النوم ، ليستذكر العبد ما نسيه في معترك التعامل مع ما سوى الحق المتعال .

الومضة رقم 295: روح الصلاة
إن على العبد أن يسعى للوصول إلى مرحلة يعيش فيها ( روح ) الصلاة طوال ليله ونهاره ..فإن روح الصلاة هي التوجه للحق ، وما الصلاة إلا قمّـة ذلك ( التوجه ) العام ، وهي موعد اللقاء الذي أذن به الحق المتعال لجميع العباد ..ومن هنا كان الذاهل عن ربه - في ليله ونهاره - عاجزا عن الإتيان بالصلاة التي أرادها منه ، إذ أنه وصفها بقوله: { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }..و هذه هي من صور الإعجاز ، لأن الصلاة على خفّـتها على البدن ، يستشعر ثقلها غير ( الخاشعين ) ، بما يفوق ثقل بعض الأعمال البدنية الأخرى .

الومضة رقم 296: عدم الذهول عند الخطاب
يحسن بالداعي أن يعيش ولو أدنى درجات ( التوجّـه ) والجديّـة في الخطاب ، عند حديثه مع الرب بقوله: { اللهمّ }..فإن خطاب العظيم مع الذهول عنه - عند ندائه - لمن صور سوء الأدب الذي قد يوجب عدم التفات ذلك العظيم إلى ما يقوله المتكلم بعد ذلك ..فلا يحسن بالداعي أن يهمل صدر الخطاب وهو ( نداء ) الرب الكريم ، ويتوجه بقلبه في ذيله وهو ( طلب ) الحوائج ..إذ يتجلى بذلك حالة النفعية والطمع ، مع الإخلال ( بالأدب ) عند مخاطبة العظيم .

الومضة رقم 297: الحيران في الأرض
يصوّر الحق - فيما يصور - حالة العبد الضّـال المتحير في هذه الحياة ، المبتعد باختياره عن جادة الهدى ، فيقول: { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى }..فهو إنسان حائر وكأنه على مفترق طرق عديدة ، لا يعلم طريق الخلاص منها ، والشياطين تحيط به تطلب هواه ، بمعنى أنها تطلب منه أن يهوى ما فيه ( هلاكه ) ، أو بمعنى أنها تطلب منه ( الحب ) والهوى لنفس الشياطين ، وذلك بحبّ ما تدعو الشياطين إليه ..فتكون الصورة الثانية أبلغ في تجسيد هذا الخذلان ، لأنها تمثل الشياطين وكأنها امرأة تطلب هوى الغريم ، وتسعى لإيقاعه في عشقها ، ومن ثَمَّ الفتك بهذا العاشق البائس بعد ( ارتمائه ) في أحضانهـا .

الومضة رقم 298: التصرف في الحس
ذكر الحق في كتابه الكريم: { إذ يغشيكم النعاس أمَـَنة منه }، وقال أيضا: { وإذ يريكموهم في أعينكم قليلا } ، مما يستفاد من ذلك أن الحق يتصرف حتى في ( حواس ) العباد ، لمصلحة يراها بحكمته ، إضافة إلى تصرفاته في ( النفوس ) ، كقوله تعالى: { وقذف في قلوبهم الرعب }..هذا الاعتقاد اليقيني ( بهيمنة) الحق على شؤون العباد ، وكونهم جميعا في قبضته ، يبعث المؤمن على الارتياح التام إلى نصرة الحق ، ولو استلزم التصرف في عالم الأبدان ، فضلا عن عالم النفوس .

الومضة رقم 299: صرف الكيد
ذكر الحق في كتابه مستجيبا لدعاء نبيه يوسف (ع) فقال : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن }، مما يدل على أن الحق رغم أنه أعطى العبد الاختيار في الأفعال - فله أن يختار المعصية أو الطاعة - إلا أنه في الوقت نفسه ، حريص على استقامة عبده الذي ( استخلصه ) لنفسه ، وجعله في دائرة رعايته الخاصة ، فيصرف عنه موارد الكيد والفتنة ، كما طلبها يوسف (ع) من ربه ..وهذا من مصاديق ( التوفيق ) الذي يتجلى في تيسير سبيل الطاعة للعبد تارة ، وإبعاده عن سبيل المخالفة تارة أخرى ، خلافا ( للخذلان ) الذي ينعكس فيه الأمر ..ومن هنا تأكّدت الحاجة للدعاء دائما بالتوفيق وتجنيب الخذلان ، ومن دون هذا التوفيق ، كيف يستقيم العبد في سيره إلى الحق ، مع وجود العقبات الكبرى في الطريق ؟!..ولهذا يدعو أمير المؤمنين كما روي عنه بقوله: { إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق ، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق ؟! }.

الومضة رقم 300: كالالتفات إلى العورة
إن العبد الذي غَـلَب على وجوده ( هوى ) المولى ، يرى أن الالتفات إلى نفسه ( إرضاء ) لهـا وإعجابا منها بدلا من الالتفات إلى مولاه الحق ، كالنظر إلى ما يقبح النظر إليه كالعورة مثلا ..فكما قبح الثاني عند عامة الخلق ، فكذلك يقبح الأول عند الخواص من ذوي المعرفة بالحق ، فينتابهم شعور بالخجل عند الارتياح إلى ذواتهم ، وإشباع رغباتهم ، كمن بَـدَت عورته على حين غفلة ..ولعل هناك ارتباطاً بين أكل الشجرة المنهيّـة ، وبين بدوّ العورة في قوله تعالى: { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة }.

alseraj.net