الصفحة 200
نَاشِئَةَ سَحَاب تُحْيِي مَوَاتَهَا(1)، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهَ(2)، وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ(3). حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ(4) لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ، وَالْـتَمَعَ بَرْقُهُ فَي كُفَفِهِ(5)، وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ(6) فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ(7)، وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحّاً(8) مُتَدَارَكاً، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ(9)، تَمْرِيهِ(10) الْجَنُوبُ دِرَرَ(11)

____________

1. المَوَات من الارض: ما لا يزرع.

2. لُمَع: جمع لُمْعة ـ بضم اللام ـ وهي في الاصل القطعة من النبات مالت لليبس، استعارها لقطع السحاب للمشابهة في لونها وذهابها إلى الاضمحلال، لولا تأليف الله لها مع غيرها.

3. القَزَع: جمع قَزَعة ـ محركة ـ وهي: القطعة من الغيم.

4. تمخّضت: تحركت تحركاً شديداً كما يتحرك اللبن في السّقاء بالمَخْض.

5. كُفَفِه: جمع كُفّة ـ بضم الكاف ـ وهي الحاشية والطرف لكل شيء، أي جوانبه.

6. نامت النار: هَمَدت، والوَمِيض: اللمعان.

7. الكَنَهْوَر ـ كسَفَرْجَل ـ: القطع العظيمة من السحاب، أوالمتراكم منه. والرّباب ـ كسَحاب ـ: الابيض المتلاصق منه. أي: لم يهمد لمعان البرق في رُكام هذا الغمام.

8. سَحّاً: متلاحقاً متواصلاً.

9. أسَفّ الطائر: دنا من الارض، والهَيْدَب ـ كجعفر ـ: السّحاب المتدلي، أوذَيْلُهُ.

10. تَمْريه من «مَرَى الناقَة» أي: مسح على ضَرْعها ليحلب لبنها.

11. الدِّرَر ـ كَعِلَل ـ: جميع دِرّة ـ بالكسر ـ وهي اللبن.

الصفحة 201
أَهَاضِيبِهِ(1)، وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ(2).

فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا(3)،وَبَعَاعَ(4) مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ(5) الْـمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الاَْرْضِ(6) النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ(7) الْجِبَالِ الاَْعْشابَ،فَهِيَ تَبْهَجُ(8) بِزِينَةِ رِيَاضِهَا،وَتَزْدَهِي(9) بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ(10)، أَزَاهِيرِهَا(11)، وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ(12) بِهِ مِنْ نَاضِرِ

____________

1. الاهاضيب: جمع أهْضاب، وهو جمع هَضْبَة ـ كضربة ـ وهي: المطرة.

2. شآبيب ـ جمع شُؤبُوب ـ: وهو ما ينزل من المطر بشدة، وكأنما ينصبّ من جانب لا من أعلى.

3. البَرْك ـ بالفتح ـ في الاصل: ما يلي الارضَ من جلد صدر البعير كالبَرْكة. وبِوَانَيْها: تثنية بِوَان ـ على وزن فِعال بكسر الفاء ـ: وهو عَمُود الخيمة، والجمع بُون ـ بالضم ـ.

4. وبَعَاع عطف على «بَرْك» والبَعَاع ـ بالفتح ـ: ثقل السحاب من الماء، وألقى السحابُ بَعَاعَهُ: أمطر كلّ ما فيه.

5. العِبْءُ: الحِمْل. 6. الهوامد من الارض: ما لم يكن بهانبات.

7. زُعْر ـ بالضم ـ: جمع أزْعر، وهو الموضع القليل النبات. والانثى زَعْرَاء. 8. بَهَجَ ـ كمنع ـ: سَرّ وأفرح.

9. تَزْدَهي: تعجب.

10. رَيْط: جمع رَيْطة ـ بالفتح ـ وهي كل ثوب رقيق ليّن.

11. أزاهير: جمع أزهار الذي هو جمع زهرة بمعنى النبات.

12. سُمِطَ من «سَمَطَ الشيءَ» أي: علّق عليه السّمُوطَ، وهي الخيوط تنظم فيها القِلادة.

الصفحة 202
أَنْوَارِهَا(1)، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاَغاً(2) لِلاَْنَامِ، وَرِزْقاً لِلاَْنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لَلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا.

فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ، وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ، اخْتَارَ آدَمَ(عليه السلام)، خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ

أَوّلَ جِبِلَّتِهِ(3)، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ، وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيَما نَهَاهُ عَنْهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الاِْقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ، وَالْـمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ; فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ ـ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ ـ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، وَلِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بهِ عَلَى عِبَادِهِ، ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ، مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهَ، وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بَالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً; حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ، وَبَلَغَ الْمَقْطَعَ(4) عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ، وَقَدَّرَ الاْرْزَاقَ

____________

1. الانوار: جمع نَوْر ـ بفتح النون ـ وهو الزهر بالمعنى المعروف.

2. البلاغ: ما يُتَبَلّغُ به من القُوت. 3. جِبِلّته: خِلْقَته.

4. المقطع: النهاية التي ليس وراءها غاية.

الصفحة 203
فَكَثَّرَهَاوَقَلَّلَهَا،وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ والسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَبَمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِيَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّكْرَ والصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا، ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا(1)، وَبِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَبِفُرَجِ(2) أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا(3).

وَخَلَقَ الاْجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا، وَوَصَلَ بَالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا(4)، وَجَعَلَهُ خَالِجاً لاَِشْطَانِهَا(5)، وَقَاطِعاً لمَرائِرِأَقْرَانِهَا.(6)

عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ، وَنَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ(7)، وَخَوَاطِرِ

____________

1. العَقَابيل: الشدائد، جمع عُقْبُولة ـ بضم العين ـ وأصل العقابيل قروح صغار تخرج بالشفة من آثار المرض;والفاقة: الفقر.

2. الفُرَج: جمع فُرْجة، وهي التّفَصّي من الهم. 3. أتراح: جمع تَرَح ـ بالتحريك ـ وهو: الغم والهلاك.

4. أسبابها: حبالها.

5. خالجاً: جاذباً لاشطانها جمع شَطَنَ ـ كَسَبَب ـ وهو: الحبل الطويل، شبه به الاعمار الطويلة.

6. المرائر: جمع مريرة، وهوالحبل يفتل على أكثر من طاق، أوالشديد الفتل، والاقران: جمع قرن ـ بالتحريك ـ وهوالحبل يجمع به بعيران.

7. التّخَافت: المكالمةُ السّريّة.

الصفحة 204
رَجْمِ الظُّنُونِ(1)، وَعُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ(2)، وَمَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ(3)، وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ(4) الْقُلُوبِ، وَغَيَابَاتُ الْغُيُوبِ(5)، وَمَا أَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ(6)مَصَائِخُ(7) الاَْسْمَاعِ، وَمَصَائِفُ الذَّرِّ(8)، وَمَشَاتِي(9) الْهَوَامِّ، وَرَجْعِ الْحَنِينِ(10) مِنْ الْمُولَهَاتِ(11)، وَهَمْسِ(12) الاَْقْدَامِ، وَمُنْفَسَحِ

____________

1. رَجْم الظنون: ما يخطر على القلب أنه وقع أويصح أن يقع بلا برهان.

2. العُقَد: جمع عُقْدة، وهو ما يرتبط القلب بتصديقه، لا يصدق نقيضه، ولا يتو همه. والعَزِيمات: جمع عَزِيمة، وهو ما يوجب البرهانُ الشرعيّ أوالعقليّ تصديقَه والعملَ به.

3. مَسَارق ـ جمع مَسْرِق ـ: مكان مُسَارَقَةِ النظر أوزمانها، أوالبواعث عليها، أومن «فلان يسارق فلاناً النظرَ» أي: ينتظر منه غفلةً فينظر إليه. والايماض: اللمعان.

4. ضمنته: حوته. والاكنان: جمع كنّ ـ بالكسر ـ وهو كلّ ما يستتر فيه.

5. غَيابات الغُيوب: اعماقها.

6. استِرَاق الكلام: استماعه خُفْيةً.

7. المَصَائخ: جمع مَصَاخ، وهو مكان الاصاخة، وهو ثقبة الاذُن. 8. الذّرّ: صغار النمل، ومصائفها: محل إقامتها في الصيف.

9. مَشاتيها: محل إقامتها في الشتاء.

10. رَجْع الحنين: ترديده.

11. المُولهَات: الحزينات.

12. الهمس: أخفى مايكون من صوت القدم على الارض.

الصفحة 205
الـثَّمَرَةِ(1)مِنْ وَلاَئِجِ(2) غُلُفِ الاَْكْمَامِ(3)، وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ(4) مِنْ غِيرَانِ(5)الْجِبَالِ وَأَوْدِيَتِهَا، وَمُخْتَبَاَ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ(6) الاَْشْجَارِ وَأَلْحِيَتِهَا(7)، وَمَغْرِزِ الاَْوْرَاقِ مِنَ الاَْفْنَانِ(8)، وَمَحَطِّ الاَْمْشَاجِ(9) مِنْ مَسَارِبِ الاَْصْلاَبِ(10)، وَنَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَمُتَلاَحِمِهَا،

____________

1. مُنفَسَح الثمرة: مكان نمائها.

2. الولائج: جمع وَلِيجة، بمعنى البِطانة الداخلية.

3. الغُلُف: جمع غِلاف، والاكمام جمع كِمّ ـ بالكسر ـ وهو غطاء النّوار ووِعاء الطّلْع.

4. مُنْقَمَع الوحوش: موضع انقماعها، أي اختفائها.

5. الغِيران: جمع غار.

6. سُوق: جمع ساق، وهو أسفل الشجرة تقوم عليه فروعها.

7. الالْحِيَة: جمع لحاء، وهو قشر الشجرة.

8. الافنان: الغصون.

9. الامْشاج: النّطف، جمع مَشِيج ـ مثل يتيم وأيتام ـ وأصله مأخوذ من «مَشَجَ» إذا خلط، لانّها مختلطة من جراثيم مختلفة، كل منها يصلح لتكوين عضو من أعضاء البدن.

10. مَسَارب الاصلاب: جمع مَسْرَب، وهي ما يتسرب المنيّ فيها عند نزوله أوعند تكوّنه.

الصفحة 206
وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ في مُتَرَاكِمِهَا، وَمَا تَسْقِي(1) الاَْعَاصِيرُ(2)بِذُيُولِهَا، وَتَعْفُو(3) الاَْمْطَارُ بِسُيُولِهَا، وَعَوْمِ بَنَاتِ الاَْرضِ فِي كُثْبَانِ(4) الرِّمَالِ، وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الاَْجْنِحَةِ بِذُرَا(5) شَنَاخِيبِ(6) الْجِبَالِ، وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ(7) الاَْوْكَارِ، وَمَا أوْعَتْهُ الاَْصْدَافُ، وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ(8) أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ(9) لَيْل، أَوْ ذَرَّ(10) عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَار، وَمَا اعْتَقَبَتْ(11) عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ(12)، وَسُبُحَاتُ النُّورِ(13)، وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَة،

____________

1. سَفّت الرّيح الترابَ: ذَرَتْهُ أوحملته.

2. الاعاصير: جمع إعصار، وهي ريح تثير السحابَ أوتقوم عل الارض كالعمود.

3. تعفو: تمحو. 4. الكُثْبان: جمع كَثِيب، وهو التلّ.

5. الذّرَا: جمع ذُرْوَة، وهي أعلى الشيء.

6. الشّنَاخيب: رؤوس الجبال، واحدها شُنْخُوب أوشُنْخُوبة كعصفور وعصفورة.

7. الديَاجير: جمع دَيْجُور، وهو الظلمة. 8. خَضَنَتْ عليه: رَبّته فتولّد في حِضْنها، كالعنبر ونحوه.

9. سُدْفة: ظلمة.

10. ذَرّ: طلع.

11. اعْتَقَبَتْ: تعَاقَبَتْ وتوالتْ.

12. الاطبَاق: الاغطية، والدّياجير: الظلمات.

13. سُبُحات النور: درجاته وأطواره.

الصفحة 207
وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَة، وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَة، وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَة، وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَة، وَمِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّة، وَهَمَاهِمِ(1) كُلِّ نَفْس هَامَّة، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَة، أَوْ ساقِطِ وَرَقَة، أَوْ قَرَارَةِ(2) نُطْفَة، أوْ نُقَاعَةِ دَم(3) وَمُضْغَة، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْق وَسُلاَلَة.

لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذلِكَ كُلْفَةٌ، وَلاَ اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ(4)، وَلاَ اعْتَوَرَتْهُ(5) فِي تَنْفِيذِ الاُْمُورِ وَتَدَابِيرِ الْـمَخلُوقِينَ مَلاَلَةٌ وَلاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ، وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.

[دعاء]

اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ، وَالتَّعْدَادِ الْكَثِيرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُول،

____________

1. هَماهِم: هُمُوم، مجاز من الهَمْهَمَة، وهي: ترديد الصوت في الصدر من الهم. 2. قرَارتها: مقرّها.

3. نُقاعة الدم: ما ينقع منه في أجزاء البدن.

4. العارضة: هي ما يعترض العامل فيمنعه عن عمله.

5. اعتورَتْهُ: تَدَاوَلَتْهُ وتناولته.

الصفحة 208
وَإِنْ تُرْجَ فأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ.

اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لي فِيَما لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ، وَلاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَد سِوَاكَ، وَلاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرِّيبَةِ، وَعَدَلْتَ بِلِسَاني عَنْ مَدَائِحِ الاْدَمِيِّينَ، وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْـمَخْلُوقِينَ.

اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْن عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ(1) مِنْ جَزَاء، أَوْ عَارِفةٌ مِنْ عَطَاء; وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ.

اللَّهُمَّ وَهذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ، وَلَمْ يَرَ مُستَحِقّاً لِهذِهِ الَْمحَامِدِ وَالْمَمادِحِ غَيْرَكَ، وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فضْلُكَ، وَلاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا(2) إِلاَّ مَنُّكَ(3) وَجُودُكَ، فَهَبْ لَنَا فِي هذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ، وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الاَْيْدِي إِلَى مَن سِوَاكَ، (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)!

____________

1. مَثُوبة: ثواب وجزاء.

2. الخَلّة ـ بالفتح ـ: الفقر.

3. المنّ: الاحسان.

الصفحة 209

[ 91 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان

دَعُوني وَالْـتَمِسُوا غَيْرِي; فإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ; لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ(1)، وَإِنَّ الاْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ(2)، وَالْـمَحَجَّةَ(3) قَدْ تَنَكَّرَتْ(4).

وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!

[ 92 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وفيها ينبِّه أَمير المؤمنين على فضله وعلمه ويبيّن فتنة بني أُميّة]

أَمَّا بَعْد، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ(5) عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا(6)، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا(7).

فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُوني عَنْ شَيْء

____________

1. لاتثبت عليه العقول: لا تصبر له ولا تُطيق احتماله.

2. أغَامَتْ: غُطّيَتْ بالغيم.

3. المَحَجّة: الطريق المستقيمة. 4. تنكّرت: تغيرت.

5. فَقَأتها: قَلَعْتُها، تمثيل لتغلّبه عليها.

6. الغيْهَب: الظلمة. وموجها: شمولها وامتدادها.

7. الكَلَب ـ محركة ـ: داء معروف يصيب الكلاب، فكل من عضته أُصيب به فَجُنّ ومات إن لم يُبادَر بالدواء.

الصفحة 210
فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلاَ عَنْ فِئَة تَهْدِي مائةً وَتُضِلُّ مائةً إِلاَّ نَبَّأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا(1) وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا، وَمنَاخِ(2) رِكَابِهَا، وَمَحَطِّ رِحَالِهَا، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً.

وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ كَرَائِهُ(3) الاُْمُورِ، وَحَوَازِبُ(4) الْخُطُوبِ، لاََطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ، وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسْؤُولِينَ، وَذلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ(5)، وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاق، وَضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً، تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلاَءِ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ لِبَقِيَّةِ الاَْبْرَارِ مِنْكُمْ.

إِنّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهِتْ(6)، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ، يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَت، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَات، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ، يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً.

أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فَتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ

____________

1. ناعِقُها: الداعي اليها، من نَعَقَ بغنمه صاح بها لتجتمع.

2. المُناخ ـ بضم الميم ـ: محلّ البُرُوك.

3. الكَرَائِهُ: جمع كَرِيهة.

4. الحَوَازِب: جمع حازِب، وهو: الامر الشديد، حَزَبَهُ الامرُ إذا أصابه واشتدّ عليه.

5. قلّصت ـ بتشديد اللام ـ: تمادَتْ واستمرت.

6. شَبّهَتْ: اشتبه فيها الحق بالباطل.

الصفحة 211
مُظْلِمَةٌ: عَمَّتْ خُطَّتُهَا(1)، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا.

وَايْمُ اللهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوْء بَعْدِي، كَالنَّابِ الضَّرُوسِ(2): تَعْذِمُ(3) بِفِيهَا، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا، وتَزْبِنُ(4) بِرِجْلِهَا، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا(5)، لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مَنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُمْ، أَوْ غَيْرَ ضَائِر بِهِمْ، وَلاَ يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ مثل انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ(6) مَخْشَيَّةً(7)، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى(8).

____________

1. الخُطّة ـ بالضم ـ: الامر. و«عمّت خُطتها»: أي شمل أمرها لانها رئاسة عامة.

2. النّاب: الناقة المُسِنّة. والضَروس: السيئة الخُلُق تعَضّ حالبها.

3. تَعْذِمُ: من عَذَمَ الفرسُ: إذا أكل بجفاء أوعَضّ.

4. تَزْبِنُ: تضرب.

5. دَرّها: لبنها، والمراد خيرها.

6. شَوْهاء: قبيحة المنظر.

7. مَخْشِيّة: مَخُوفة مرعبة.

8. عَلَم: دليل يهتدى به.

الصفحة 212
نَحْنُ أَهْلَ الْبِيْتِ مِنْهَا بنجاة، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الاَْدِيمِ(1): بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً(2)، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْس مُصَبَّرَة(3)، لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ، وَلاَ يُحْلِسُهُمْ(4) إِلاَّ الْخَوْفَ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ ـ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ـ لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً، وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزْور(5)، لاَِقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلاَ يُعْطُونِيهِ!

[ 93 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وفيها يصف الله تعالى ثمّ يبين فضل الرسول الكريم وأهل بيته ثمّ يعظ الناس]

[الله تعالى]

فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي لاَ تَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ حَدْسُ الْفِطَنِ، الاَْوَّلُ الَّذِي لاَ غَايَةَ لَهُ فَيَنْتَهِيَ، وَلاَ آخِرَ لَهُ فَيَنْقَضِيَ.

____________

1. الاديم: الجلد. وتفريجه: سلخه.

2. يَسومُهم خَسْفاً: يُولِيهم ذلاًّ.

3. مُصَبّرة: مملوءة إلى أصبارها جمع صبر ـ بالضم والكسر ـ بمعنى الحرف: أي إلى رأسها.

4. من أحْلَس البعيرَ: إذا ألبسه الحِلْس ـ بكسر الحاء ـ وهو كساء يوضع على ظهره تحت البرْدَعَة، أي لا يكسوهم إلاّ خوفاً.

5. الجزور: الناقة المجزورة.

الصفحة 213

منها: [في وصف الانبياء]

فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَع، وَأَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرّ، تَنَاسَخَتْهُمْ(1) كَرَائِمُ الاَْصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الاَْرْحَامِ; كُلَّمَا مَضَى سَلَفٌ، قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اللهِ خَلَفٌ.

[رسول الله وأهل بيته]

حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ إِلَى مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً(2)، وَأَعَزِّ الاَْرُومَاتِ(3) مَغْرِساً(4)، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ(5) مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَانْتَجَبَ(6) مِنْهَا أُمَنَاءَهُ.

عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ(7)، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الاُْسَرِ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ; نَبَتَتْ

____________

1. تَنَاسَخَتْهُم: تَنَاقَلَتْهُم. 2. مَنْبت ـ كمجلس ـ: موضع النبات ينبت فيه.

3. الارُومات ـ جمع أرُومَة ـ: الاصل.

4. المَغْرِس: موضع الغَرْس.

5. صَدَعَ فلاناً: قصده لكرمه.

6. انتجب: اختار واصطفى.

7. عتْرَته: أهل بيته، وعترة الرجل: نَسْله ورَهْطُهُ الادْنَوْنَ.

الصفحة 214
فِي حَرَم، وَبَسَقَتْ(1) فِي كَرَم، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَثَمَرٌ لاَيُنَالُ.

فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ(2)، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ; أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة(3) مِنَ الرُّسُلِ، وَهَفْوَة(4) عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَة مِنَ الاُْمَمِ.

[عظة النّاس]

اعْمَلُوا، رَحِمَكُمُ اللهُ، عَلَى أَعْلاَم بَيِّنَة(5)، فَالطَّرِيقُ نَهْجٌ(6) يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلاَمِ، وَأَنْتُمْ فِي دَارِ مُسْتَعْتَب(7) عَلَى مَهَل وَفَرَاغ، والصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ،

____________

1. بَسَقَتْ: ارتفعت.

2. القَصْد: الاستقامة.

3. الفَتْرَة: الزمان بين الرّسولَين.

4. هَفْوَة: زَلّة وانحراف من الناس عن العمل بما أمر الله على ألسنة الانبياء السابقين.

5. يريد بالاعمام البينة مَوَاضح الطرق المبينة.

6. نَهْج: واضح، قويم.

7. مُسْتَعْتَب ـ بفتح التائين ـ: طلب العُتْبى. أي: طلب الرضى من الله بالاعمال النافعة.

الصفحة 215
وَالاَْقْلاَمُ جَارِيَةٌ، وَالاَْبْدَانُ صَحِيحَةٌ، والاَْلْسُنُ مُطْلَقَةٌ، وَالتَّوْبَةُ مَسْمُوعَةٌ، وَالاَْعْمَالُ مَقْبُولَةٌ.

[ 94 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[يقرر فضيلة الرسول الكريم]

بَعَثَهُ وَالنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَة، وَحَاطِبُونَ(1) فِي فِتْنَة، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الاَْهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ(2) الْكِبْرِيَاءُ، وَاسْتَخَفَّتْهُمُ(3) الْجَاهِلِيِّةُ الْجَهْلاَءُ(4); حَيَارَى فِي زَلْزَال مَنَ الاَْمْرِ، وَبَلاَء مِنَ الْجَهْلِ، فَبَالَغَ(صلى الله عليه وآله) فِي النَّصِيحَةِ، وَمَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَدَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ.

[ 95 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في الله وفي الرسول الاكرم]

____________

1. حاطِبُون: جمع حاطب، وهو الذي يجمع الحطب، يقال لمن يجمع الصواب والخطأ: حاطِبُ ليل.

2. استَزَلَّتهُمْ: أدّت إلى الزّلَل والسقوط في المضَارّ.

3. استَخَفّتْهُم: طَيّشَتْهُمْ.

4. الجَهْلاَء: وصف مبالغة للجهل.

الصفحة 216

[الله تعالى]

الْحَمْدُ للهِ الاَْوَّلِ فَلاَ شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالاخِرِ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرِ فَلاَ شَيْءَ فَوْقَهُ، وَالْبَاطِنِ فَلاَ شيَ دُونَهُ.

منها: في ذكر الرسول(صلى الله عليه وآله)

مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، وَمَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِت، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، وَمَمَاهِدِ(1) السَّلاَمَةِ.

قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الاَْبْرَارِ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ(2) الاَْبْصَارِ، دَفَنَ [اللهُ ]بِهِ الضَّغَائِنَ(3)، وَأَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ(4)، وأَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً، وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ، وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ، كَلاَمُهُ بَيَانٌ، وَصَمْتُهُ لِسَانٌ.

____________

1. المَمَاهد ـ جمع مَمْهد كمقعد ـ: ما يُمْهَدُ أي يُبْسَطُ فيه الفراش ونحوه.

2. الازِمّة ـ كأئمة ـ: جمع زِمام. وانْثِنَاء الازمة إليه كناية عن تَحَوّلها نحوه.

3. الضغائن: الاحقاد.

4. الثوائِر: جمع ثائرة، وهي: العداوة الواثبة بصاحبها على أخيه ليضرّه إن لم يقتله.

الصفحة 217

[ 96 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[في أصحابه وأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)]

[أصحاب علي(عليه السلام)]

وَلَئِنْ أَمْهَلَ اللهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ، وَهُوَ لَهُ بَالمِرْصَادِ(1) عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ، وَبِمَوْضعِ الشَّجَا(2) مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ(3).

أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لاَِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لاِِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي.

وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاُْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي. اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا.

شُهُودٌ كَغُيَّاب(4)، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَاب! أَتْلُوا عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا،

____________

1. المِرْصَاد: الطريق يُرْصَدُ بها.

2. الشّجَا: ما يَعْتَرِضُ في الحلق من عظم وغيره.

3. مَسَاغ الرّيق: ممرّه من الحلق.

4. شُهُود جمع شاهد: بمعنى الحاضر. وغُيّاب: جمع غائب.

الصفحة 218
وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا(1)، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً، كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ(2)، عَجَزَ الْمُقَوِّمُ، وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ(3).

أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!

يَاأَهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاَث وَاثنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُوأَسْمَاع، وَبُكُمٌ ذَوُوكَلاَم، وَعُمْيٌ ذَوُوأَبْصَار، لاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ الْبَلاَءِ! تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ! يَا أَشْبَاهَ الاِْبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيَما إخالُ(4): لَوْ حَمِسَ

____________

1. قالوا: إن سبأ هو أبو عَرَبِ اليمن كان له عشرة أولاد، جعل منهم ستة يميناً له، وأربعة شمالاً تشبيهاً لهم باليدين، ثم تفرّق أولئك الاولاد أشدّ التفرّق.

2. ظَهْر الحَنِيّة: القَوْس.

3. أعْضَلَ: استعصى واسْتَصْعَبَ.

4. إخال: أظنّ.

الصفحة 219
الْوَغَى(1)، وَحَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِب انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا(2)، وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِيِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً(3).

[أهل البيت وأصحاب رسول الله]

انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ(4)، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا(5)، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.

لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً(6)، قَدْ بَاتُوا سُجّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ(7) بَيْنَ جِبَاهِهِمْ

____________

1. حَمِسَ ـ كَفَرِحَ ـ: اشتد; والوَغَى: الحرب.

2. انفراج المرأة عن قُبُلها يكون عند الولادة أوعندما يُشْرَعُ عليها سلاح. وفيه كناية عن العَجْز والدناءة في العمل.

3. اللّقطْ: أخذ الشيء من الارض.

4. السّمْت ـ بالفتح ـ: طريقهم أوحالهم أوقصدهم.

5. لَبَدَ ـ كنصر ـ: أقام، أي: إن أقاموا فأقيموا.

6. شعثاً: جمع أشعث وهو المغبّر الرأس. والغبر: جمع أغبر، والمرادأنهم كانوا متقشفين.

7. المُرَاوحة بين العملين: أن يعمل هذا مرة، وهذا مرة، وبين الرجْلين: أن يقوم على كل منهمامرة، وبين جباههم وخدودهم أن يضعوا الخدود مرة والجباه أخرى على الارض خضوعاً لله وسجوداً.

الصفحة 220
وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى(1) مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا(2) كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!

[ 97 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
[يشير فيه إلى ظلم بني أمية]

وَاللهِ لاَ يَزَالُونَ حَتَّى لاَ يَدَعُوا للهِ مُحَرَّماً إِلاَّ اسْتَحَلُّوهُ(3)، وَلاَ عَقْداً إِلاَّ حَلُّوهُ، حَتَّى لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر(4) إِلاَّ دَخَلَهُ ظُلْمُهُمْ وَنَبَا بِهِ سُوءُ رَعْيِهِمْ(5)، وَحَتَّى يَقُومَ الْبَاكِيَانِ يَبْكِيَانِ: بَاك يَبْكِي لِدِينِهِ، وَبَاك يَبْكِي

____________

1. رُكَب ـ جمع رُكْبة ـ: مَوْصِلُ الساقِ من الرّجْل بالفخذ. وإنما خص رُكَبَ المِعْزَى لِيُبُوستها واضطرابها من كثرة الحركة.

2. مادُوا: اضطربوا وارتعدوا.

3. استحلال المحرّم: اسْتِبَاحَتُهُ.

4. بيوت المَدَر: المبنيّة من طُوب وحجر ونحوهما، وبيوت الوَبَر: الخيام.

5. نَبَا به سوء رَعْيِهم: أصله من نَبَا به المنزل إذا لم يوافقه فارتحل عنه.

الصفحة 221
لِدُنْيَاهُ، وَحَتَّى تَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكمْ مِنْ أَحَدِهِمْ كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ، إِذَا شَهِدَ أَطَاعَهُ، وَإِذَا غَابِ اغْتابَهُ، وَحَتَّى يَكُونَ أَعْظَمَكُمْ فِيهَا غَناءً أَحْسَنُكُمْ بِاللهِ ظَنّاً، فَإِنْ أَتَاكُمُ اللهُ بِعَافِيَة فَاقْبَلُوا، وَإِنِ ابْتُلِيتُمْ فَاصْبِرُوا، فَإِنَّ (الْعَاقِبَة لَلْمُتَّقِينَ).

[ 98 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في التزهيد من الدنيا]

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا كَانَ، وَنَسْتَعِينُهُ مِنْ أَمْرِنا عَلَى مَا يَكُونُ، وَنَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ في الاَْدْيَانِ، كَمَا نَسَأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الاَْبْدَانِ.

أُوصِيكُمْ عِبادَاللهِ بِالرَّفْضِ لِهذهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا، وَالْمُبْلِيَةِ لاَِجْسَامِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا، فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْر(1) سَلَكُوا سَبِيلاً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ، وَأَمُّوا(2) عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ، وَكَمْ عَسَى الْـمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ(3) أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا! وَمَا عَسَى أَنْ

____________

1. السّفْر ـ بفتح فسكون ـ: جماعة المسافرين.

2. أمّوا: قصدوا.

3. المُجْري إلى الغاية: يريد الذي يجري فرسه إلى غاية معلومة، أي مقدار من الجَرْي يلزمه حتى يصل إلى غايته.

الصفحة 222
يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لاَ يَعْدُوهُ، وَطَالِبٌ حَثِيثٌ يَحْدُوهُ(1) فِي الدُّنُيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا!

فَلاَ تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا، وَلاَ تَعْجَبُوا بَزِينَتِهَا وَنَعِيمِهَا، وَلاَ تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وَبُؤْسِهَا، فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاع، وَزِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَال، وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى نَفَاد(2)، وَكُلُّ مُدَّة فِيهَا إِلَى انْتِهَاء، وَكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاء.

أَوَلَيْسَ لَكُمْ في آثَارِ الاَْوَّلِينَ [مُزْدَجَرٌ](3)، وَفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ! أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لاَ يَرْجِعُونَ، وَإِلَى الْخَلَفِ الباقِي لاَ يَبْقَوْنَ! أوَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُمْسُونَ ويُصْبِحُونَ عَلَى أَحْوَال شَتَّى: فَمَيِّتٌ يُبْكَى، وَآخَرُ يُعَزَّى، وَصَرِيعٌ مُبْتَلىً، وَعَائِدٌ يَعُودُ، وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ(4)، وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغَافِلٌ وَليْسَ بِمَغْفُول عَنْهُ; وَعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي مَا يَمْضِي الْبَاقِي!

____________

1. يَحْدُوه: يسوقه.

2. نَفَاد: فناء.

3. مُزْدَجَر: مصدر ميمي من ازْدَجَرَ، وَمعناه الارتداع والانزجار.

4. بنفسه يجود: من جاد بنفسه إذا قارب أن يقضي نحبه، كأنه يسخو بها ويُسْلمها إلى خالقها.

الصفحة 223
أَلاَ فَاذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الاُْمْنِيَاتِ، عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ(1) لِلاَْعْمَالِ الْقَبِيحَةِ، وَاسْتَعِينُوا اللهَ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ، وَمَا لاَ يُحْصَى مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.

[ 99 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في رسول الله وأهل بيته]

الْحَمْدُ للهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالْجُودِ يَدَهُ، نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَإِلهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً(2)، وَبِذِكْرِهِ نَاطِقاً، فَأَدَّى أَمِيناً، وَمَضَى رَشِيداً، وَخَلَّفَ فِينَا رايَةَ الْحَقِّ، مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ(3)، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ(4)، وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ، دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلامِ(5)، بَطِيءُ الْقِيَامِ(6)،

____________

1. المُسَاوَرَة: المُوَاثَبَة. كأنه يرى العمل القبيح ـ لبعده عن ملاءمة الطبع الانساني بالفطرة الالهية ـ ينفر من مُقْتَرِفه كما ينفر الوحش، فلا يصل إليه المغبون إلا بالوثبة عليه.

2. صَادِعاً: فالقاً به جدران الباطل فهادِمَها.

3. مَرَقَ: خرج عن الدين.

4. زَهَقَ: اضمحلّ وهلك.

5. مَكِيث: رَزِين في قوله، لا يبادر به من غير رويّة.

6. بطيء القيام: لا ينبعث للعمل بالطيش، وإنما يأخذ له عدّة إتمامه.

الصفحة 224
سَرِيعٌ إِذَا قَامَ، فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ، وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ، جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ، فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى يُطْلِعِ اللهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ(1)، فَلا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِل(2)، وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِر(3)، فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ(4)، وَتَثْبُتَ الاُْخْرى، فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً.

أَلاَ إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، كَمَثَلِ نُجُومِ السَّماَءِ: إِذَا خَوَى نَجْمٌ(5) طَلَعَ نَجْمٌ، فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ، وَأَتَاكُم مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ.

[ 100 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
وهي من خطبته التي تشتمل على ذكر الملاحم

[الْحَمْدُ للهِِ] الاَْوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوِّل، وَالاْخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِر، بِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ شَهَادَةً

____________

1. يضُمّ نشْرَكُم: يصل متفرّقكم.

2. المُقْبِل: المتوجّه إلى الامر، الطالب له، الساعي اليه.

3. المُدْبِر: من أدبرت حاله، واعترضته الخيبة في عمله وإن كان لم يَزَلْ طالباً له.

4. قائمتاه: رِجْلاه.

5. خَوَى نجم: غاب.

الصفحة 225
يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاِْعْلاَنَ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ.

أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ(1) شِقَاقِي(2)، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ(3) عِصْيَاني، وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالاَْبْصَارِ(4) عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي.

فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ(5)، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ(6)، إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله)، مَا كَذَبَ الْمُبَلِّغُ، وَلاَ جَهِلَ السَّامِعُ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيل(7) قَدْ نَعَقَ(8) بِالشَّامِ،وَفَحَصَ بِرَايَاتِهَ(9) فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ(10).

____________

1. لا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يحملنّكم.

2. شِقاقي: مخالفتي وعصياني.

3. لا يَسْتَهْوِيَنّكُمْ: لا يجعَلَنّكم هائمين.

4. لا تَتَرَامَوا بالابصار: لا ينظر بعضكم إلى بعض تغامزاً.

5. فَلَقَ الحَبّةَ: شقّها.

6. بَرَأ النّسَمَةَ: خلقَ الروحَ.

7. ضِلِّيل ـ كشرّير ـ: شديد الضلال مبالغ في الاضلال.

8. النعيق: صوت الراعي بغنمه.

9. فَحَصَ بِرَاياته: من «فَحَص القَطَا الترابَ» إذا اتخذ فيه أُفحُوصاً ـ بالضم ـ وهو مَجْثَمُهُ أي المكان الذي يقيم فيه عندما يكون على الارض، يريد أنه نَصَبَ له رايات بحثت لها في الارض مراكز.

10. كُوفان: هي الكوفة.

الصفحة 226
فإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ(1)، وَاشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ(2)، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا، وَمَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا، وَبَدَا مِنَ الاَْيَّامِ كُلُوحُهَا(3)، وَمِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا(4).

فَإِذَا يَنَعَ زَرْعُهُ، وَقَامَ عَلَى يَنْعِهِ(5)، وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ(6)، وَبَرَقَتْ)بَوَارِقُهُ(7)، عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ، وَأَقْبَلْنَ كَالْلَيْلِ الْمُظْلِمِ، وَالْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ.

هذا، وَكَمْ يَخْرِقُ الْكُوفَةَ مِنْ قَاصِف(8)، وَيَمُرُّ عَليْهَا مِنْ عَاصِف(9)! وَعَنْ قَلِيل تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ(10)، وَيُحْصَدُ الْقَائِمُ(11)، وَيُحْطَمُ الْـمَحْصُودُ(12)!

____________

1. فَغَرَ الفَمُ ـ كمنع ـ: انفتح. وفَاغِرَتُهُ هي فمه.

2. الشّكِيمة: الحديدة المعترضة في اللجام في فم الدّابّة، ويعبر بقوتها عن شدة البأس وصعوبة الانقياد.

3. كُلُوح الايام: عبوسها.

4. كُدوح الليالي: الكُدُوح جمع كَدْح ـ بالفتح ـ وهو الخدْش وأثر الجراحات.

5. يَنْعه ـ بفتح الياء ويجوز ضمها ـ: حال نُضْجه.

6. الشّقَاشِق: جمع شِقْشِقة، وهي شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وصوت البعير بها عند إخراجها: هَدِير.

7. بَوَارِقُهُ: سيوفه ورماحه.

8. القاصِف: هو ما اشتدّ صوته من الرعد والريح وغيرهما.

9. العاصف: ما اشتدّ من الريح، والمراد مزعجات الفتن.

10. تلتفّ القرون بالقرون: كناية عن الاشتباك بين قواد الفتنة وبين أهل الحق كما تشتبك الكباش بقرونها عند النّطاح.

11. يُحْصَدُ القائِمُ: ما بقي من الصلاح قائماً يُحْصَدُ.

12. يُحْطَمُ المَحْصُودُ: ما كان قد حُصِد يحطم ويهشم.

الصفحة 227

[ 101 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
تجري هذا المجرى

[وفيها ذكر يوم القيامة وأحوال الناس المقبلة]

[يوم القيامة]

وَذلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الاَْوَّلِينَ والاْخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ(1) وَجَزَاءِ الاَْعْمَالِ، خُضُوعاً، قِياماً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ(2)، وَرَجَفَتْ بِهِمُ الاَْرْضُ(3)، فَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً، وَلِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً.

____________

1. نقاش الحساب: الاستقصاء فيه.

2. ألْجَمَهُمُ العرقُ: سال منهم حتى بلغ إلى موضع اللّجام من الدّابة، وهو الفم.

3. رَجَفَتْ بهم الارض: تحرّكت واضطربت.

الصفحة 228

منها: [في حال مقبلة على الناس]

فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ(1)، لاَ تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً(2): يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا(3)، وَيَجْهَدُهَا(4) رَاكِبُهَا، أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ(5)، قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ(6)، يُجَاهِدُهُمْ فِي اللهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ، فِي الاَْرْضِ مَجْهُولُونَ، وَفِي السَّماءِ مَعْرُوفُونَ.

فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذلِكَ، مِنْ جَيْش مِنْ نِقَمِ الله! لاَ رَهَجَ(7) لَهُ، وَلاَ حَسَّ(8)، وَسَيُبْتَلَى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الاْحْمَرِ، وَالْجُوعِ الاَْغْبَرِ(9)!

____________

1. قِطَع الليل: جمع قِطْع ـ بكسر القاف ـ وهو الظلمة.

2. مَزْمُومة مَرْحُولة: تامة الادوات كاملة الالات، كالناقة التي عليها زمامها ورَحْلها، قد استعدّت لان تُرْكَبَ.

3. يحْفزُهَا: يحُثّها.

4. يَجْهَدُهَا: يحمل عليها في السير فوق طاقتها.

5. الكَلَب ـ بفتح اللام ـ: الشر والاذى والشدّة في كل شيء.

6. السّلَب ـ محركةً ـ: مايأخذه القاتل من ثياب المقتول وسلاحه في الحرب.

7. الرّهَج ـ بالتحريك وسكون الهاء ـ: الغبار.

8. الحَسّ ـ بفتح الحاء ـ: الجَلَبة والاصوات المختلطة.

9. الجوع الاغْبَر: كناية عن المَحْل والجَدْب.

الصفحة 229

[ 102 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في التزهيد في الدنيا]

[أَيُّهَا النَّاسُ،] انْظُرُوا إِلى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ(1) عَنْهَا; فَإِنَّهَا وَاللهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثَّاوِيَ(2) السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ(3) الاْمِنَ، لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مَنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلاَ يُدْرَى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ(4)بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ(5) الرِّجَالِ فَيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ(6)، فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.

رَحِمَ اللهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدٌّنْيَا عَنْ قَلِيل لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الاْخِرَةِ عَمَّا قَلَيل لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُود مُنْقَض، وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت، وَكُلُّ آت قَرِيبٌ دَان.

____________

1. الصادفين: المُعْرِضِين.

2. الثاوي: المقيم.

3. المُتْرَف ـ بفتح الراء ـ: المتروك يصنع ما يشاء لا يُمْنَع.

4. مَشُوب: مخلوط.

5. الجَلَد: الصلابة والقوة.

6. الوَهْن ـ بسكون الهاء وتحريكها ـ: الضّعْف.

الصفحة 230

منها: [في صفة العالم]

الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ; وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ لَعَبْدٌ وَكَّلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ، جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، سَائِرٌ بَغَيْرِ دَلِيل، إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ(1) الدُّنْيَا عَمِلَ، أوْ إِلَى حَرْثِ الاْخِرَةِ كَسِلَ! كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ(2) سَاِقطٌ عَنْهُ!

منها: [في آخر الزمان]

وَذلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مٌؤْمِن نُوَمَة(3)، إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى، وَأَعْلاَمُ السُّرَى(4)، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ(5)، وَلاَ الْمَذَايِيعِ(6) الْبُذُرِ(7)، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ

____________

1. الحَرْث ـ هنا ـ: كل ما يُصْنَع ليُثمر فائدة.

2. وَنَى فيه: تَرَاخَى فيه.

3. نُوَمَة ـ بضم ففتح ـ: كثير النوم.

4. السُّرَى ـ كالهُدَى ـ: السير في الليل.

5. المَساييح: جمع مِسْيَاح، فَسّره الشريف الرضي بالذي يَسيح بين الناس بالفساد والنمائم.

6. المَذَايِيع: جمع مِذْياع، فسّره الشريف الرّضي بالذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوّه عنها.

7. البُذُر: جمع بَذُور، فسّره الشريف الرّضي بالذي يكثر سَفْهُهُ وَيَلْغُو مَنْطِقُهُ.

الصفحة 231
رَحْمَتِهِ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، سَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الاِْسْلاَمُ، كَمَا يُكْفَأُ الاِْنَاءُ بِمَا فِيهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيكُمْ(1)، وَقَدْ قَالِ جَلَّ مِنْ قَائِل: (إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ).
أما قوله (عليه السلام): «كلّ مؤمِن نُوَمَة» فإنما أَراد به: الخامل الذكر القليل الشر. والمساييح: جمع مِسياح، وهو: الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم. والمذاييع: جمع مِذْياع، وهو: الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها، ونوّه بها. والبُذُرُ: جمع بَذُور وهو: الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.

[ 103 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)

أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله)، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلاَ وَحْياً، فَقَاتَلَ بِمَنْ أطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ، يَسُوقُهُم إِلَى مَنْجَاتِهِمْ، وَيُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ، يَحْسَرُ الْحَسَيرُ(2)، وَيَقِفُ الْكَسِيرُ(3) فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ، إِلاَّ هَالِكاً لاَ خَيْرَ فِيهِ، حَتَّى

____________

1. يبتليكم: يمتحنكم، ليتبين الكاذب والمخلص من المريب، فتكون لله الحجّة على خلقه.

2. يَحْسِرُ الحَسَيرُ: من «حَسَرَ البعيرُ» ـ كَضَرَبَ ـ إذا أعيا وكَلّ.

3. الكَسِير: المكسور، وهو هنا الذي ضعف اعتقاده أوكلّتْ عزيمته فتراخى في السير على سبيل المؤمنين.