يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْـمُخْتَالِ(7)، وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَهُ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ(8)، وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ(9); فَإذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى
____________
1. العِقْيان: الذهب الخالص أوما ينمو منه في معدنه.
2. فِلَذ ـ كعنب ـ: جمع فِلْذَة بمعنى القطعة.
3. جَنى: أي مجتنى جمع كل زهر لانّه جمع كل لون.
4. الموشي: المنقوش المنمنم على صيغة اسم الفاعل. 5. العَصْب ـ بالفتح ـ: ضرب من البرود منقوش.
6. جعل اللّجَيْن ـ وهو الفضة ـ منطقة لها. والمكلّل: المزيّن بالجواهر. فكما تمنطقت الفصوص باللجين كذلك زُين اللجين بها.
7. المَرِح ـ ككتف ـ: المُعْجَب. والمختال: الزاهي بحسنه.
8. السِّرْبال: اللباس مطلقاً أوهو الدِرْع خاصة.
9. الوِشاح: نظامان من لؤلؤ وجوهر يخالف بينهما ويعطف أحدهما على الاخر بعد عقد طرفه به حتى يكونا كدائرتين إحداهما داخل الاخرى كل جزء من الواحدة يقابل جزءاً من قرينتها ثم تلبسه المرأة على هيئة حمالة السيف.
وَقَدْ نَجَمَتْ(5) مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ(6) صِيصِيَةٌ(7) خَفِيَّةٌ، وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ(8) خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ(9)، وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كالاْبْرِيقِ، وَمَغَرزُهَا(10)
____________
1. زقا يزقو: صاح.
2. مُعْوِلاً: من أعْوَل، رفع صوته بالبكاء.
3. حُمْش: جمع أحمش أي دقيق.
4. الديك الخلاسيّ ـ بكسر الخاء ـ: هو المتولد بين دجاجتين هندية وفارسية.
5. وقد نَجَمَت: أي نَبَتت.
6. ظُنْبوب ساقه: حرف عظمه الاسفل.
7. صِصِيَة: شوكة تكون في رجل الديك.
8. القُنْزُعة ـ بضم القاف والزاي بينهما سكون ـ: الخَصْلة من الشعر تُتْرَك على رأس الصبي.
9. مُوَشّاة: منقوشة.
10. مَغرزها: الموضع الذي غُرِزَ فيه العنق منتهياً إلى مكان البطن.
وَقَلَّ صِبْغٌ إلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْط(7)، وَعَلاَهُ(8) بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ،
____________
1. الوَسِمَة: هي نبات يخضب به.
2. الصِّقال: الجلاء.
3. المِعْجَر ـ كمنبر ـ: ثوب تعتجر به المرأة فتضع طرفه على رأسها ثم تمر الطرف الاخر من تحت ذقنها حتى ترده إلى الطرف الاول فيغطي رأسها وعنقها وعاتقها وبعض صدرها، وهو معنى التلفع هاهنا. والاسْحَم: الاسود.
4. الاقْحُوان: البابونج.
5. اليَقَقُ ـ محركاً ـ: شديد البياض.
6. يَأتَلِقُ: يلمع.
7. قِسْط: نصيب.
8. علاه: أي فاق اللون الذي أخذ نصيباً منه بكثرة جلائه.
وَإذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً، وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً، وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عسْجَدِيَّةً(9).
____________
1. البصيص: اللمعان.
2. الرونق: الحسن.
3. الازاهير: جمع أزهار جمع زَهْر. فهي جمع الجمع. والمبثوثة: المنثورة.
4. لم تُرَبّها: فعل من التربية.
5. القَيْظ: الحر.
6. يَنْحَسِرُ: هو من «حَسَرَهُ» أي كشفه، أي: وقد ينكشف من ريشه فيسقط.
7. تَتْرَى: أي شيئاً بعد شيء وبينهما فترة.
8. يَنْحَتّ: يسقط وينقشر.
9. عسْجَدِيّة: ذهبية.
وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الاَْوهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَالاَْلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ! فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ(2) عَنْ وَصْفِ خَلْق جَلاَّهُ(3) لِلْعُيُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً، وَأَعْجَزَ الاَْلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ، وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ!
[صغار المخلوقات]
فَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ(4) الذَّرَّةِ(5) وَالْهَمَجَةِ(6) إلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتَانِ وَالاَْفْيِلَةِ! وَوَأَى(7) عَلَى نَفْسِهِ أَلاَّ يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيهِ
____________
1. عمائق: جمع عميقة.
2. بهر العقول: قهرها فردّها.
3. جَلاّه ـ كحَلاّه ـ: كشفه.
4. أدمَجَ قوائمها: أوْدَعَ أرْجُلَها فيها.
5. الذّرّة: واحدة الذَرّ: صغار النمل.
6. الهمَجة ـ محركة ـ: واحدة الهمَج ذباب صغير يسقط على وجوه الغنم.
7. وَأى: وعد.
[منها: في صفة الجنة]
فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ(2) عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا، وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَار(3) غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ(4) الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا)وَأَفْنَانِهَا(5)، وَطُلُوعِ تِلْكَ الِّثمارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا(6)، تُجْنَى(7) مِنْ غَيْرِ تَكَلُّف فَتأْتي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا، وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا
____________
1. الحِمام: الموت.
2. عَزَفَتْ نفسك: كرهت وزَهِدت.
3. اصطفاق الاشجار: تضارب أوراقها بالنسيم بحيث يسمع لها صوت.
4. الكُثْبان: جمع كَثِيب وهو و التلّ.
5. الافنان: جمع فَنَن ـ بالتحريك ـ وهو الغصن.
6. غُلُف ـ بضمتين ـ: جمع غلاف. والاكمام: جمع كِمّ ـ بكسر الكاف ـ وهو وعاء الطلع وغطاء النّوَار.
7. تُجْنَى: تُقْطَف.
قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتََمادَى بهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ، وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الاَْسْفَارِ.
فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ(2)، لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا، وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالاً بِهَا. جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلى مَنَازِلِ الاْبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.
تفسير بعض ما في هذه الخطبة من الغريب
قَوْلُهُ(عليه السلام): «ويَؤُرُّ بِمَلاقِحِهِ» الاْرُّ: كِنَايَةٌ عَنِ النّكَاح، يُقَالُ: أرّ المَرْأةَ يَؤُرّهَا، إذَا نَكَحَهَا. وَقَوْلُهُ(عليه السلام): «كَأنّهُ قلْعُ دَارِيّ عَنَجَهُ نُوتيّهُ» الْقلْعُ: شِرَاعُ السّفِينَةِ، وَدَارِيّ: مَنْسُوبٌ إلى دَارِينَ، وَهِيَ بَلْدَةٌ عَلَى الْبَحْرِ يُجْلَبُ مِنْهَا الطّيبُ. وَعَنَجَهُ: أَيْ عطفه. يُقَالُ: عَنَجْتُ النّاقَةَ أَعْنُجُهَا عَنْجاً إذَا عَطَفْتُهَا. وَالنّوتي: الْمَلاّحُ. وَقَوْلُهُ: «ضَفّتَيْ جُفُونِهِ» أَرَادَ جَانِبَيْ جُفُونِهِ. وَالضّفّتَانِ: الجانِبَانِ. وَقَوْلُهُ: «وَفِلَذَ الزّبَرْجَدِ» الْفِلَذُ: جَمْعُ فِلْذَة، وَهِيَ القِطْعَةُ. وَقَوْلُهُ: «كَبَائِسِ اللّؤْلُؤِ الرّطْبِ» الْكِبَاسَة: الْعِذْقُ(3). وَالْعَسَالِيجُ: الْغُصُونُ، وَاحِدُهَا عُسْلُوجٌ. |
____________
1. المصفّقة: المصفّاة.
2. المُونِقة: المُعْجِبة.
3. العِذْق للنخلة كالعنقود للعنب: مجموع الشماريخ وما قامت عليه من العُرْجون.
[الناس آخر الزمان]
أَيُّهَا النَّاسُ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ، لكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَلَعَمْرِي، لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً(3)، [بِمَا] خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الاَْدْنى، وَوَصَلْتُمُ الاَْبْعَدَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ، سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الاعْتِسَافِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ(4) عَنِ الاَْعْنَاقِ.
____________
1. الاَكَمَة ـ محركة ـ: غليط من الارض يرتفع عما حوالَيْه. والسّنن: يريد به الجَرْي. والطَوْد: الجبل العظيم، والمقصود الجمع. والرصّ: يراد به الارتصاص أي الانضمام والتلاصق، أي لم يمنع جريته تلاصق الجبال. والحِداب ـ جمع حَدَب بالتحريك ـ: ما غلظ من الارض في ارتفاع.
2. يُذَعْذِعهم ـ بالذال المعجمة مرتين ـ: يفرقهم. وبطون الاودية كناية عن مسالك الاختفاء.
3. ليضعّفَنّ لكم التيهُ: لتزادَنّ لكم الحيرةُ أضعاف ماهي لكم الان.
4. الفادِحُ: من فدحه الدَّيْنُ إذا أثقله.
[ 167 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
في أوّل خلافته
إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالْشَّرَّ; فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا، وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا(1).
الْفَرَائِضَ الْفَرائِضَ! أَدُّوهَا إلَى اللهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. إنَّ اللهَ تَعالَى حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُول، [ وَأَحَلَّ حَلاَلاً غَيْرَ مَدْخُول(2) ]، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالاِْخْلاَصِ وَالتَّوحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا(3)، فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ بَمَا يَجِبُ.
بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ(4)، فَإنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ، تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ.
____________
1. صَدَفَ: أعْرَض. والسمْت: الجهة. وتَقْصِدُوا: تستقيموا.
2. مدخول: مَعِيب.
3. مَعَاقِد الحقوق: مواضعها من الذمم.
4. بادره: عاجله; أي عاجلوا أمرَ العامة بالاصلاح لئلا يغلبكم الفساد فتهلكوا.
وَسَأُمْسِكُ الاَْمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، وَإذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّواءِ الْكَيُّ(5).
____________
1. مُسْمحة: اسم مفعول من أسمح أي مُيَسّرة.
2. ضَعْضَعَهُ: هدمه حتى الارض.
3. المُنّة ـ بالضم ـ: القدرة.
4. الوَهْن: الضعف.
5. الكَىّ: كناية عن القتل.
وفي بعض النسخ: «وآخر الداء الكيّ»
[ 169 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة
[الامور الجامعة للمسلمين]
إنَّ اللهَ تَعالَى بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَاب نَاطِق وَأَمْر قَائم، لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إلاَّ هَالِكٌ(1)، وَإنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ(2) الْمُشَبَّهَاتِ(3) هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إلاَّ مَا حَفِظَ اللهُ مِنْهَا، وَإنَّ فِي سُلْطَانِ اللهِ عِصْمَةً لاَِمْرِكُمْ، فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَة(4) وَلاَ مُسْتَكْرَه بِهَا.
وَاللهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الاْسْلاَمِ، ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إلَيكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ(5) الاَْمْرُ إلَى غَيْرِكُمْ.
[ التنفير من خصومه ]
إنَّ هؤُلاَءِ قَدْ تَمَالاُوا(6) عَلَى سَخْطَةِ(7) إمَارَتِى، وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ; فَإنَّهُمْ إنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هذَا الرَّأْي(8) انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ،
____________
1. إلاّ هالك: أي إلاّ من كان في طبْعِه عوج جِبِلِّي، فحتم الشقاء الابدي.
2. المُبْتَدَعات: ما أُحْدِثَ ولم يكن على عهد الرسول.
3. المُشَبّهات: البِدَع الملبسة ثوب الدين المشبهة به وليست منه هي المهلكه إلاّ أن يحفظ الله منها بالتوبة.
4. مُلَوّمة ـ من لَوّمَهُ ـ: مبالغة في لامه، أي غير ملوم عليها بالنفاق.
5. يأرِز: يرجع.
6. تمالاَُوا: اتفقوا وتعاونوا.
7. السّخْطة ـ بالفتح ـ: الكراهة والبغض.
8. فَيَالةِ الرأي ـ بالفتح ـ: ضَعْفه.
وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللهِ وَسِيرَةِ رَسُولِهِ، وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ، وَالْنَّعْشُ(2) لِسُنَّتِهِ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَوَاللهِ مَااسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ، فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ.
وَالرّجلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْب الجَرْمِيّ.
إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ، وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشهَادَةَ وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ.
[ الدعوة للقتال ]
أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ(2)، وَالْغَائِرُ(3) عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ(4) مِنْ أَهْلِ)الحِفَاظِ(5)؟! العَارُ وَرَاءَكُمْ، وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ!
فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ أحْرَصُ وَأَبْعَدُ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي(1) دُونَهُ، فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ(2) فِي الْملاءِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ(3) كَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ!
[الاستنصار على قريش]
اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي. ثُمَّ قَالُوا: أَلاَ إنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.
منها: في ذكر أصحاب الجمل
فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) كَمَا تُجَرُّ الاَْمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَ هُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِيس(4)
____________
1. ضَرْبَ الوجه: كناية عن الرد والمنع.
2. قرعته بالحجة: من قرعه بالعصا ضربه بها.
3. هَبّ: من هبيب التيس أي صياحه، أي كان يتكلم بالمهمل مع سرعة حمل عليها الغضب.
4. حَبيس: فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وكلّ واحدة من نساء البني كانت محبوسة لرسول الله لا يجوز لاحد أن يمسّها بعده كأنها في حياته.
فَوَاللهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ(3) لِقَتْلِهِ، بِلاَ جُرْم جَرَّهُ، لَحَلَّ لي قَتْلُ ذلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَان وَلاَ يَد. دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ!
____________
1. خُزّان: جمع خازن.
2. القتل صبراً: أن تحبس الشخص ثم ترميه حتى يموت.
3. معتمدين: قاصدين.
[ 173 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)]
[ومن هو جدير بأن يكون للخلافة وفي هوان الدنيا]
[رسول الله]
أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ.
[الجدير بالخلافة]
أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الاَْمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ(1) شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ(2)، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ.
وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الاِْمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، [ فـ ]مَا إِلَى ذلك سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ.
أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ.
أُوصِيكُمْ بَتَقْوَى اللهِ، فَإنَّهـ [ا] خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ، وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الاُْمُورِ عِنْدَ اللهِ، وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ(3)، وَلاَ يَحْمِلُ هذَا الْعَلَمَ إِلاَّ أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ، فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ، وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، وَلاَ تَعْجَلُوا فِي أَمْر حَتَّى تَتَبَيَّنُوا، فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْر تُنْكِرُونَهُ غِيَراً(4).
____________
1. الشغب: تهييج الفساد.
2. اسْتَعْتَبَ: طلب منه الرضى بالحق.
3. أهل القِبْلَة: من يعتقد بالله وصدق ما جاء به محمد(صلى الله عليه وآله) ويصلّي إلى قبلة واحدة.
4. الغِيَر ـ بكسر ففتح ـ: اسم للتغيير أوالتغير.
[هوان الدنيا]
أَلاَ وَإِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وَلاَ مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلاَ الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَة لَكُمْ وَلاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا، وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ پپ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا، فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا، وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا، وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتي دعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا، وَلاَ يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ(1) الاَْمَةِ عَلَى مَا زُوِىَ(2) عَنْهُ مِنْهَا، وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَالْـمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ.
أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْء مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ، أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ، أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!
____________
1. الخنِين ـ بالخاء المعجمة ـ: ضرب من البكاء يردد به الصوت في الانف.
2. زُوِىَ: أي قبض.
[ 174 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
في معنى طلحة بن عبيدالله [ وقد قاله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله]
قَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بالْحَرْبِ، وَلاَ أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ، وَأَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَني رَبِّي مِنَ النَّصْرِ.
وَاللهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً(1) لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمانَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ، لاَنَّهُ مَظِنَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَومِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ(2) الاَْمْرُ وَيَقَعَ الشَّكُّ.
وَوَاللهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَث: لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً ـ كَمَا كَانَ يَزْعُمُ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ(3) قَاتِلِيهِ وَأَنْ يُنَابِذَ(4) نَاصِرِيهِ، وَلَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُنَهْنِهِينَ(5) عَنْهُ وَالْمُعَذِّرِينَ فِيهِ(6)، وَلَئِنْ كَانَ فِي شَكّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَيَرْكُدَ جَانِباً(7) وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ، فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلاَثِ، وَجَاءَ بِأَمْر لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ، وَلَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ.
____________
1. مُتَجَرّداً: كأنه سيف تجرد من غمده.
2. يَلْتَبِس: أي يشتبه.
3. يوازر: ينصر ويعين.
4. المنابذة: المراماة، والمراد المعارضة والمدافعة. 5. نهنهه عن الامر: كفّه وزجره عن إتيانه.
6. المعذرين فيه: المعتذرين عنه فيما نقم منه.
7. يَرْكُد جانباً: يسكن في جانب عن القاتلين والناصرين.
[ 175 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في الموعظة وبيان قرباه من رسول الله]
أَيُّهَا الغَافِلُونَ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ، وَالتَّارِكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ، مَالي أَرَاكُمْ عَنِ اللهِ ذَاهِبِينَ، وَإِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ! كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ(1) أَرَاحَ بِهَا(2) سَائِمٌ(3) إلَى مَرْعىً وبيّ(4)، وَمَشْرَب دَوِيّ(5)، وَإنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى(6) لاَ تَعْرِفُ مَاذَا يُرَادُ بِهَا! إذَا أُحْسِنَ إلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا، وَشِبَعَهَا أَمْرَهَا(7).
____________
1. النَعَم ـ محركة ـ: الابل أوهي الغنم.
2. أراح بها: ذهب بها. وأصل الاراحة: الانطلاق في الريح فاستعمله في مطلق الانطلاق.
3. السائم: الراعي.
4. الوَبي: الردي يجلب الوباء.
5. الدوىّ: الوبيل يفسد الصحة، أصله من الدوا بالقصر أي المرض.
6. المُدَى ـ جمع مُدْية ـ: السكين، أي معلوفة للذبح.
7. تحسب يومها دهرها: أي لاتنظر إلى عواقب أمورها فلا تعد شيئاً لما بعد يومها، ومتى شبعت ظنت أنه لا شأن لها بعد هذا الشبع.
أَلاَ وَإِنِّي مُفْضِيهِ(2) إلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذلِكَ مِنْهُ.
وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ، مَا أَنْطِقُ إلاَّ صَادِقاً، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذلِكَ كُلِّهِ، وَبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ، وَمَنْجَى مَنْ يَنْجُو، وَمَآلِ هذَا الاَْمْرِ، وَمَا
أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي ألاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَأَفْضَى بِهِ إِلَيَّ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي، وَاللهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَة إِلاَّ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَا كُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.
____________
1. مَوْلجه: من ولج يلج إذا دخل.
2. مفضيه: أصله من أفضى إليه: خلا به.
[ 176 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وفيها يعظ ويبيّن فضل القرآن وينهى عن البدعة]
[عظة الناس]
انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْذَرَ إلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ(1)، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمْ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الاَْعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا هذِهِ، وَتَجْتَنِبُوا هذِهِ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله)كَانَ يَقُولُ: «إنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَإنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ».
وَاعْلَمُوا أنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْءٌ إلاَّ يَأْتي فِي كُرْه، وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيءٌ إلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَة.
فَرَحِمَ اللهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ(2) شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فَإنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْء مَنْزِعاً(3)، وَإنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَة فِي هَوىً.
وَاعْلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إلاَّ وَنَفْسُهُ
____________
1. أعْذَرَ اليكم بالجلية: أي بالاعذار الجلية. والعذر هنا مجاز عن سبب العقاب في المؤاخذة عند مخالفة الاوامر الالهية.
2. نزع عنه: انتهى وأقلع.
3. أبعد منزعاً: أي نزوعاً بمعنى الانتهاء والكف عن المعاصي.
[فضل القرآن]
وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالُْمحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَة أَوْ نُقْصَان: زِيَادَة فِي هُدىً، أَوْ نُقْصَان مِنْ عَمىً.
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَد بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَة(4)، وَلاَ لاحَد قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنىً; فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لاَْوَائِكُمْ(5)، فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ، فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إلَى اللهِ بِمِثْلِهِ.
____________
1. ظَنون ـ كصَبور ـ: الضعيف والقليل الحيلة. 2. زارياً عليها: أي عائباً.
3. التقويض: نزع أعمدة الخيمة وأطنابها، والمراد أنهم ذهبوا بمساكنهم وطووا مدّة الحياة كما يطوي المسافر منازل سفره، أي مراحله ومسافاته.
4. فَاقَة: أي فقر وحاجة إلى هاد سواه.
5. اللاواء: الشدة.
[الحث على العمل]
الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاسْتَقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلى نِهَايَتِكُمْ، وَإنَّ لَكُمْ عَلَماً(4) فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإنَّ لِلاْسْلاَمِ غَايَةً فانْتَهُوا إلى غَايَتِهِ، وَاخْرُجُوا إلَى اللهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ(5)، وَبَيَّنَ لكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ(6).
أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ، وَحَجِيجٌ(7) يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ.
____________
1. شفاعة القرآن: نطق آياته بانطباقها على عمل العامل.
2. مَحَل بهِ ـ مثلث الحاء ـ: كاده بتبيين سيئاته عند السلطان، كناية عن مباينة أحكامه لما أباه العبد من أعماله.
3. استغشّوا أهواءكم: أي ظنوا فيها الغش وارجعوا إلى القرآن.
4. العَلَم ـ محركاً ـ: يريد به القرآن.
5. خرج إلى فلان من حقه: أداه، فكأنه كان حبيساً في مؤاخذته فانطلق.
6. الوظائف: ما قدّر الله لنا من الاعمال المخصصة بالاوقات والاحوال كالصوم والصلاة والزكاة.
7. حَجيج ـ من حج ـ: إذا أقنع بحجته.
[نصائح للناس]
أَلاَ وَإنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ، وَالْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ(1)، وَإنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللهِ(2) وَحُجَّتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَنْ لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، وَقَدْ قُلْتُمْ: (رَبُّنَا اللهُ)، فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادتِهِ، ثُمَّ لاَ تَمْرُقُوا مِنْهَا، وَلاَ تَبْتَدِعُوا فِيهَا، وَلاَ تُخَالِفُوا عَنْهَا; فَإنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ إيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ(3) الاَْخْلاَقِ وَتَصْرِيفَهَا(4)، وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً،
____________
1. تورَّدَ: هو تفعّل كتنزّل، أي ورد شيئاً بعد شيء.
2. عِدَة الله ـ بكسر ففتح ـ: وعده.
3. تهزيع الشيء: تكسيره، والصادق إذا كذب فقد انكسر صدقه، والكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه.
4. تصريف الاخلاق: من صرفته إذا قلبته، نهي عن النفاق والتلوّن في الاخلاق.
[تحريم البدع]
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الْمُؤمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ، وَيُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ، وَأَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لاَ يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً
____________
1. ليختزن: أي ليحفظ لسانه.
2. الجَمُوح: من جمح الفرس إذا غلب فارسه فيوشك أن يطرح به في مهلكة فيرديه.
3. لسان المؤمن من وراء قلبه: لسان المؤمن تابع لاعتقاده، لا يقول إلا ما يعتقد.
وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِالْبَلاَءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْء مِنَ الْعِظَةِ، وَأَتَاهُ الْتَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ(2)، حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ، وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ.
وَإنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ: مُتَّبِعٌ شِرْعَةً، وَمُبْتَدِعٌ بِدْعَةً، لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّة، وَلاَ ضِياءُ حُجَّة.
[القرآن]
وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الاَْمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ.
فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله)كَانَ يَقُولُ: «يَابْنَ آدَمَ، اعْمَلِ الْخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ، فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ»(3).
____________
1. ضَرّسَتْه الحرب: جرّبته. أي جربتموها.
2. الاتيان من الامام: كناية عن الظهور كأن التقصير عدوّ قويّ يأتي مجاهرة لايخدع ولايفر.
1. جواد قاصد: أي مستقيم أو قريب من الله والسعادة.
[أنواع الظلم]
أَلاَ وَإنَّ الظُّلْمَ ثَلاَثَةٌ: فَظُلْمٌ لاَ يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ، وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ:
فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لاَ يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)
وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ(1).
وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لاَ يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً.
الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ، لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِالْمُدَى(2) وَلاَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ(3)، وَلكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذلِكَ مَعَهُ.
فَإِيَّاكُمْ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللهِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيَما تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقّ، خَيْرٌ
____________
1. الهَنات ـ بفتح الهاء ـ: جمع هَنة محركة: الشيء اليسير والعمل الحقير. والمراد به صغائر الذنوب.
2. المُدَى: جمع مُدْية، وهي السكّين.
3. السِياط: جمع سَوْط.
[لزوم الطاعة]
يَا أيُّهَا النَّاسُ طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!
[ 178 ]
ومن خطبة له (عليه السلام)
[في الشهادة والتقوى]
[وقيل: إنّه خطبها بعد مقتل عثمان في أول خلافته]
لاَ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ، وَلاَ يَحْوِيهِ مَكَانٌ، وَلاَ يَصِفُهُ لِسَانٌ، وَلاَ يَعْزُبُ(1) عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ، وَلاَ نُجُومِ السَّماءِ، وَلاَسَوَافِي الرِّيحِ(2) فِي الْهَوَاءِ، وَلاَ دَبِيبُ الـنَّمْلِ عَلَى الصَّفَا(3)، وَلاَ مَقِيلُ الذَّرِّ(4) فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ. يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الاَْوْرَاقِ، وَخَفِيَّ طَرْفِ الاَْحْدَاقِ(5).
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهِ إِلاَّ اللهُ غَيْرَ مَعْدُول بِهِ(6)، وَلاَ مَشْكُوك فِيهِ، وَلاَ مَكْفُور
____________
1. لا يَعْزُب: لايخفى.
2. سَوَافي الريح: جمع سافية، من سَفّت الرّيح الترابَ والورقَ، أي حَمَلتهُ.
3. الصَفا ـ مقصُوراً جمع صَفاة ـ: الحجر الاملس الضخم. ودبيب النمل: أي حركته عليه في غاية الخفاء لايسمع لها حس.
4. الذَّرّ: صغار النمل. ومَقِيلها: محلّ استراحتها ومَبِيتها.
5. طَرْف الحَدَقَة: تحريك جَفْنَيْها، والحَدَقة هنا العين.
6. عَدَلَ بالله: جعل له مِثْلاً وعَديلاً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْـمُجْتَبَى(3) مِنْ خَلاَئِقِهِ، وَالْمُعْتَامُ(4) لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَالْـمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ(5) كَرَامَاتِهِ(6)، وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالاَتِهِ، وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى(7)، وَالْـمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ(8) الْعَمَى.
____________
1. تكوينه: خَلْقه للناس جميعاً.
2. دِخْلَته ـ بالكسر والضم ـ: باطنه.
3. المجتبى: المصطفى.
4. العِيمَة ـ بكسر العين ـ: المختار من المال، اعتامَ: أخذ المال، فالمُعْتام: المختار لبيان حقائق توحيده وتنزيهه. 5. العقائل: الكرائم.
6. الكرامات: ما أكرم الله به نبيه من معجزات ومنازل في النفوس عاليات.
7. أشْراط الهدى: علاماته ودلائله.
8. غِرْبيبُ الشيء ـ كعِفْريت ـ: أشده سواداً، فغربيب العمى: أشد الضلال ظلمةً.
وَايْمُ اللهِ، مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ(3) نِعْمَة مِنْ عَيْش فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوب اجْتَرَحُوهَا(4)، لاَِنَّ (اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ)وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْق مِنْ نِيَّاتِهمْ، وَوَلَه مِنْ قُلُوبِهمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِد، وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِد، وَإنِّي لاََخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَة(5)، وَقَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ، مِلْتمْ فِيهَا مَيْلَةً، كُنْتُمْ فِيهَا عِندِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ، وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ، وَمَا عَلَيَّ إلاَّ الْجُهْدُ، وَلَوْ أَشاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ!
____________
1. المُخْلِد: الراكن المائل.
2. نَفِسَ ـ كفرح ـ: ضنّ، أي لا تضن الدنيا بمن يباري غيره في اقتنائها وعدّها من نفائسه، ولا تحرص عليه بل تهلكه.
3. الغض: الناضر.
4. اجترحَ الذنبَ: اكتسبه وارتكبه.
5. الفَتْرة: كناية عن جهالة الغرور.
[ 179 ]
ومن كلام له (عليه السلام)
وقد سأله ذِعلبٌ اليماني فقال: هل رأيت ربّك يا أميرالمؤمنين؟
فقال(عليه السلام): أَفأَعْبُدُ مَا لا أَرَى ؟
قال: وكيف تراه؟
قال: لاَ تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ، وَلكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الاِْيمَانِ، قَرِيبٌ مِنَ الاَْشْيَاءِ غَيْرُ مُلاَمِس، بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُبَايِن، مُتَكَلِّمٌ بِلاَ رَوِيَّة(1)، مُرِيدٌ بِلاَ هِمَّة(2)، صَانِعٌ لاَ بِجَارِحَة(3)، لَطِيفٌ لاَ يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ، كَبِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ(4)، بَصِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ، رَحِيمٌ لاَ يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ، تَعْنُو(5) الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ، وَتَجِبُ الْقُلُوبُ(6) مِنْ مَخَافَتِهِ.
____________
1. الرويّة: التفكّر.
2. الهمّة: الاهتمام بالامر بحيث لو لم يفعل لجرّ نقصاً وأوجب هماً.
3. الجارحة: العضو البدني.
4. الجفاء: الغِلَظ والخشونة.
5. تعنو: تذل.