الحديث التاسع عشر

قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)[1]، وهذا هو سر العبادات إنه الوصول إلى نهاية العبادة وكمالها، واليقين ليس هو الغاية حتى تنتفي الحاجة إلى العبادة بالوصول إليه، بل معناه النفع والفائدة، أي إذا أردت اليقين الذي هو عالم المبدأ والمعاد، فطريقة العبادة. ولا يمكن معرفة أسرار العالم، دون العبادة، فبدونها لا يمكن لأحد أن يعرف المبدأ والمعاد ولا أن يحصل له اليقين، بل يحصل التردد والشك، والكفار والمنافقون يعيشون دائماً حالة الشك التي تجعل الإنسان حائراً مضطرباً.

عندما يبين الله تعالى عذاب الكفار والمنافقين يقول: (فهم في ريبهم يترددون)[2]، فليس لهم طريق للخروج من حالة الحيرة فهم يدورون في حلقة مفرغة، والتردد هو من أثر العمى، فالذي لا يبصر الطريق يظل يراوح في مكانه.

والكفار والمنافقون لا يرون الطريق، فهم دائمو الذهاب والإياب، وهم في عذاب متواصل.

يصف القرآن الكريم أمثال هؤلاء بأن قلوبهم مبتلاة بالتردد، (إلا أن تقطع قلوبهم)[3]، فما دامت قلوبهم بهذه الحال فهم حائرون لا يهتدون إلى الطريق.

قلب الكافر والمنافق في عذاب دائم، لا يعرف على أي شيء يستند، ولهذا فالله سبحانه يبين للرسول (ص) أن يقول لهم: (فأين تذهبون)[4]، فهل يوجد طريق آخر تذهبون فيه؟

علامة الإنسان العابد أنه يوجد لديه هدف، ويعرف الطريق ويسعى للوصول إلى هدفه، والذي ليس من أهل العبادة ليس لديه هدف ولا يعرف بأي طريق يسير، لذا قال (ص): "فأين تذهبون"؟

عندما يصف الله سبحانه رسوله الكريم (ص) يقول: إني أرسلت إليكم رسولاً يعرف الطريق ولديه هدف، (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى)[5]، أقسم بالنجم عندما يهوي، ليس نبيكم ضالاً ولم يعرف الغواية التي هي السير دون هدف فالذي لا يعرف ماذا يفعل فهو بلا هدف، والذي يعرف ماذا يفعل ولكن لا يعرف الطريق فهو ضال.

الإنسان كالمسافر الذي خلف وراءه عوالم وأمامه عوالم جديدة، إن له هدفاً وأمامه طريق: فالإنسان الكامل هو الذي يعرف الطريق والهدف، وهو النبّي والإمام اللذين عليهما قيادة الناس باتجاه الهدف الصحيح.

الإنسان المؤمن مطمئن البال لأنه يعرف هدفه وطريقه، ولهذا فهو غير حيران وعندما يمدح الله عز وجل المؤمنين يقول: إنهم في راحة بال، وعندما يصفهم في الحرب يقول: (فأنزل السكينة عليهم) أو (أنزل السكينة عليهم)[6]، فالمؤمن في حالة سكينة واطمئنان، والكافر في شك وتردد.

الإنسان المتردد لا يهدأ ولا يصل إلى مقصده، وهذه خصوصية وسر العبادة، اعبد ربك حتى يأتيك اليقين، وليس المعنى أنك إذا وصلت إلى اليقين فلا عبادة ومثل هذا أن يقال لإنسان: إذا أردت أن تصل سطح الدار فاستعمل السلم، فلا يعني هذا أنك تقول: إذا وصلت إلى سطح الدار ما فائدة السلم؟ لأنك إذا لم تستعمل السلم فسوف تسقط، وإذا وصل إلى اليقين بعبادته، ثم ترك العبادة فتركه لها هو السقوط بعينه، ولهذا لا يمكن التخلي عن العبادة في أي مرحلة من مراحل الحياة: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)[7].

العبودية لذات العبد، سواء في الدنيا أو في الآخرة، لكن العبودية في الآخرة تظهر بشكل آخر، ففي الدنيا تكون على شكل صلاة أو صيام، وفي القيامة يقال له: اقرأ وارق فليس هناك عمل، بل ظهور نتائج الأعمال فيقال للعبد: كل ما قرأته من آيات تظهر هنا الواحدة تلو الأخرى، ويرقى الواحدة تلو الأخرى وهذا يعني أن أي درجة تنالها هي درجة للرقي إلى درجة أعلى لا أن تبقى في مكانك.

يقال للعبد يوم القيامة: إن هذه الدرجات هي نتيجة عملك في الدنيا فكل ما قرأه من آيات في الدنيا يظهر بشكل درجات ترقى في الآخرة.

فعلى هذا الأساس تصبح العبادة سلماً، وقد يأخذ الإنسان سلماً ولكنه يوقعه في عمق البئر، كالمنافق الذي يعبد لكي يراه الآخرون، فعمله رياء من أجل أن يتقرب إلى الناس، ويكون عزيزاً عندهم، فيكون كمن أخذ سلماً ليوقعه في البئر فالسلم مرتبط بمن يستعمله، فمنهم من يرقى به إلى الأعلى ومنهم من يهوي به إلى عمق سحيق.

المنافقون يعبدون لينزلوا إلى الأسفل، والمؤمنون يعبدون ليصعدوا إلى الأعلى، فهذه الآية: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) مختصة بالمؤمنين وأما الآية: (فهم في ريبهم يترددون)، فإنها تصور حال المنافقين.

مثل المنافق الذي كلما زاد في العبادة أصبح أشقى الأولين والآخرين كابن ملجم، وكلما ازدادت عبادة الإنسان المؤمن تكون سبباً في الصعود والرقي إلى مقام لا يرى فيه سوى الله سبحانه.

هذا هو باطن العبادة، ولباطن العبادة تعلق بعملنا، فإذ أحسسنا بالراحة والاطمئنان نعرف أننا قد وصلنا إلى سر العبادة، ولهذا لا يقلقنا ويزلزلنا شيء.

فالفرق بين شهداء كربلاء وبقية الشهداء، هو أن أولئك لم يفكروا، ولم يقولوا: ليس عندنا شيء مقابل هذا الجيش الكبير، وكل الشهداء لا يصلون إلى مقام شهداء كربلاء ففي الوقت الذي كان يستعد فيه المقاتلون لتجهيز أنفسهم بالقوة اللازمة لمقابلة العدو، لم يكن الحسين واصحابه يعبأون بعدوهم ولا يشعرون بأي قلق أصلاً، على الرغم من الفارق الكبير بين الفريقين من حيث العدة والعدد، ذلك اليوم لو كان العدو يعرف من هم أصحاب الحسين (ع) لصادروا أموالهم وضيقوا على أقربائهم وأرحامهم، وفي الوقت نفسه كان أصحاب الحسين (ع) في اليوم العاشر من المحرم يكتبون أسماءهم على السهام ويرمون بها معسكر ابن سعد، فكأنهم يقولون: إننا لسنا مجهولين، نحن وجوه الإسلام المعروفين، وإذا أردتم مصادرة أموالنا فأنتم أحرار، فنحن لا نخاف ولم نأت إلى هنا متسترين.

الشهداء ليسوا في درجة واحدة، ولكل دم أثر وقيمة معينة، وذلك بوصله إلى سر العبادة، يجب أن لا نحصر تفكيرنا بالجنة فقط لأن هناك مقامات أعلى علينا أن نفكر فيها، قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فلا يوجد شيء أكبر من اليقين في عالم الدنيا، ولا توجد نعمة أعلى من نعمة اليقين، "ما أنعم الله على عبد أجل من اليقين"[8]، لأن اليقين باطن العبادة، فهو متصل بها، وبدونها لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى اليقين.

من الممكن أن يصبح الإنسان عالماً، ولكنه لا يصل إلى سر العبادة، فليس هو من أهل اليقين، ويمكن أن يخرج من الآيات الإلهية مثل بلعم بن باعوراً الذي نزل فيه قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان)[9]، يقول تعالى: إنا أعطيناه الآيات وألبسناه اللباس النوراني، لكنه نزع هذا اللباس، وقد يعطي الله للإنسان لباساً فاخراً، ولكن الإنسان بعمله يخرج منه عارياً فيتبعه الشيطان.

فإذا أردنا أن نعرف أن لعبادتنا معنى وفائدة، فلننظر هل وصلنا إلى اليقين أم لا؟ لأن اليقين هو الفائدة المترتبة على العبادة، وهذا اليقين يجلب المحبة، وقيمة الإنسان بمقدار محبته، ويحشر يوم القيامة مع محبوبه، فإذا أحب الإنسان علياً وأولاده (ع) فهي الذخيرة التي ما بعدها ذخيرة ـ يعني مسألة التولي والتبري، أي أن نقر بأن هؤلاء هم أولياء الله عز وجل.

الحب ليس شيئاً بسيطاً، والمعرفة غير الحب، فقد يحترم الإنسان القانون والنظام أما أن يحبه فهذا شيء آخر، وقد يدرس الإنسان عند أساتذة متعددين ولكنه يحب أحدهم أكثر من الآخرين، فالمحبة غير التعظيم والتجليل والتكريم.

إن الطاعة وتعلق القلب شيئان مختلفان، أحبوا الإمام علياً وأولاده (ع) فهذا الحب ذخيرة وهو أصل من أصول الدين يعرف باسم الولاية، فلا يكفي الاذعان والتسليم بأنهم ولاة الأمر، بل يجب أن نذكرهم في تمام الصلاة، أي صلاة هذه التي ليس فيها ذكر لعلي وأولاده؟ أي صلاة هذه التي ليس فيها تشهد؟ ومن واجبات التشهد أن تقول: "اللهم صل على محمّد وآل محمّد"، وهذا في صلب عبادتنا.

فالكلام ليس من التعظيم والتكريم القانوني، وأن نطيع الأئمة ونتبعهم، بل عن الحب، فحب أهل البيت ليس نصيب كل أحد، والحب غير ممكن دون المعرفة، والمعرفة، هي باطن العبادة، وكل أعمالنا لها صبغة عبادية ولابد أن تصل إلى باطنها وهو اليقين.

جاء في رواية عن الصادق (ع): إذا توجه المؤمن بقلبه إلى الله سبحانه، فإن الله يتوجه إليه، ويحببه إلى قلوب المؤمنين[10]، ولا يوجد أفضل من أن يصبح الإنسان محبوب الله سبحانه.

قال ابن مسعود: كنا مع رسول الله (ص) في سفر، فرأينا في الطريق أعرابياً ذا وجه ضخم وصوت عال وهو يقول: يا محمّد (ص): فقال الرسول (ص): ماذا تريد؟ فقال: "المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم" فقال (ص): "المرء مع من أحب"[11].

فإذا كانت المحب محبة صادقة فهو يحشر مع محبوبه، وإذا كنت تحبهم وليست عندك صفتهم فأنت لست معهم، وهذه المحبة ليست محبة صادقة، المحبة بدون الطاعة ليست محبة، بل هي تمني.

المحبة هي أن يعطي زمام أموره ويصمم على الاستسلام المحض، المحبة هي تلك المرحلة العالية من الإرادة، كيف يمكن أن تكون محبة وهو يعمل بما تسول له نفسه مما ينافي رضا المحبوب.

كان البعض يبكي في آخر لحظات حياة الرسول (ص) المباركة، فقال (ص): لماذا تبكون؟ فقالوا: نبكي لعدة أمور: الأول أننا سوف نفقدك وأنت محبوبنا، وفقد المحبوب محزن، والثاني: سوف لا ينزل الوحي من بعدك وتنقطع أخبار السماء، فلا تصل إلى الأرض، والثالث: لا نعرف تكليفنا من بعدك ولا نعرف الأمر بيد من سيكون، فنحن نخاف من المستقبل[12]، فقال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع): "يا علي، إذا أنا مت فغسلني"[13]، وكفني وخذ أطراف كفني واجلسني، وعندما تأخذ أطراف كفني وتجلسني، فأي شيء تريد أن تسأل عنه فاسألني، وأي شيء أقوله فاكتبه.

وسأل الإمام عليّ (ع) أحد تلامذته عن تلك الحادثة هي وقعت أم لا؟ وهل أجاب الرسول (ص) عن كل ما سأله أمير المؤمنين (ع) وهل كتب الأمير (ع) كل ما أملاه عليه، فأجاب (ع): نعم.

ليس تلامذة الإمام علي (ع) في درجة واحدة، والأئمة (ع) لم يجيبوا تلامذتهم بنفس الجواب، بل كل بمقدار عمله وفضله، فكانوا يجيبون البعض جواباً سطحياً، بينما يدعون آخرين إلى الاجتماع بهم ليلاً لتلقي علومهم، فانظر إلى التفاوت بين التلامذة واختلاف درجاتهم، كان الإمام الصادق (ع) يرسل دابته إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ـ والذي كان من تلامذته المعروفين ـ أن تعالى الليلة عندنا، بينما يسعى الآخرون من أمكنة نائية لزيارة الإمام (ع)، فليس أولئك في درجة واحدة، وعندما تم الكلام مع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر البزنطي، أراد الرخصة والخروج، فقال (ع): لا، ليكن عشاؤك معنا الليلة، فتناول العشاء مع الإمام (ع)، وعندما تم العشاء طلب الإنصراف، فقال له الإمام: لا، نم عندنا هذه الليلة، فأمر الإمام أن يفرش فراشه الخاص فوق سطح الدار لينام عليه أحمد بن محمّد البزنطي، فليس كل سر يقال لكل شخص، وأولئك التلاميذ لم يكونوا بدرجة واحدة.

أخذ أمير المؤمنين بيد كميل بن زياد النخعي وذهب إلى أطراف الكوفة لأجل المداراة وذلك الحديث معروف "يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها"[14]، أي ما كان متسعاً للعلوم والمعارف.

كانت للرسول في أواخر عمره الشريف أسرار، ومن هذه الأسرار هذا الحديث الذي يقول فيه لأمير المؤمنين: إذا أنا مت فغسلني وكفني وأجلسني واسألني عن أي شيء تريد، وأنا أقول وأنت تكتب[15]، وقال في أواخر عمره الشريف لمجموعة من الناس كانوا يبكون عليه قال لهم: "أما إنكم المقهورون والمستضعفون بعدي"[16].

وينقل الأصبغ بن نباتة عن الإمام علي (ع) وهو من تلاميذه وأصحابه[17]، قال: عندما ضرب الإمام (ع) على رأسه، جاءت مجموعة من شيعته ومحبيه إلى باب داره فسمعوا صوت بكاء من داخل الدار، فأخذوا بالبكاء، فخرج الإمام الحسن بن علي (ع) من داخل الدار وقال: ما الخبر؟ فقالوا: سمعنا بكاءً من داخل الدار ولم نستطع التحمل، ونحن مشتاقون لزيارة الإمام (ع) فقال: حالة الإمام لا تسمح بلقائكم فاذهبوا، قال الأصبغ: فذهب الناس، أما أنا فبقيت، وارتفع صوت البكاء من داخل الدار ثانية فأخذت بالبكاء، فخرج الحسن بن علي (ع) من داخل الدار، فقال ألم أقل لكم اذهبوا؟ فقال الأصبغ: نعم أمرت بالذهاب، لكن والله يا ابن رسول الله ما تطاوعني نفسي، ولا أستطيع الذهاب، إن قلبي هنا ولا تستطيع رجلي أن تحملني، أريد أن أرى الإمام، فقال الحسن بن علي (ع): إذن، اصبر لأرى هل يسمح لك أم لا؟ يقول الأصبغ: فصبرت لحظات، وخرج الحسن (ع) وقال: تعال، وعندما دخلت على الإمام (ع) رأيته معصوب الرأس بقطعة قماش صفراء، ولم استطع أن أفرق أيهما أشد صفرة القطعة أم وجهه، فألقيت نفسي في حضن الإمام وقبلته وبكيت فقال (ع): "لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة".

هذا الكلام هو كلام أهل اليقين، وهذا ما نشاهده في دعاء كميل، حيث يبين الإمام كيف نبكي ونضج، "فهبني صبرت على حر نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك" وهذه هي قمة اليقين.

عندما يضيء الإنسان مصباحاً فانه يرى الأشياء، وبدونه تتعذر الرؤية: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

إن شهداء كربلاء رأوا منازلهم في الجنة، وليس فينا من رأى مكانه في الجنة كما حصل لشهداء كربلاء ليلة العاشر من المحرم، ليس من السهل أن يصل الإنسان لمقام يرى مكانه في الجنة.

قال الأصبغ بن نباتة: يا أمير المؤمنين، إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، أما بكائي فهو لفراقك.

جاء في القرآن الكريم، إن بعض الناس لا يذهبون إلى الجنة بل يصبحون هم الجنة.

قال الأصبغ بن نباتة للإمام علي (ع): حدثني بحديث سمعته من رسول الله (ص) فقال (ع): دعاني رسول الله (ص) يوماً وقال: يا علي اذهب إلى المسجد وادع الناس أن يأتوا إليك، ثم أحمد الله وسلم علي واثن على الله وصلّى عليّ، فإذا بدأت الخطبة بهذه المقدمة، فقل: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم كلامه: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين ولعنتي على من أنتهى إلى غير أبيه وادعى على غير مواليه أو ظلم أجيراً أجره".

عندئذ قام شخص من المجلس وقال: وضح هذا، ماذا تعني لعنة الله ورسوله وملائكته إلى من انتهى إلى غير أبيه أو ادعى على غير مواليه أو منع الأجير أجرته؟ فمن هو المقصود، وما المعنى من هذا؟ قال أمير المؤمنين: فنقلت هذا لرسول الله (ص) فقال اذهب إلى المسجد وفسر هذه الكلمات وقل: أيها الناس ما كنا لنجيبكم بشيء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ثم ذكر هذا الحديث: "أنا وعلي أبوا هذه الأمة"، فكل من ليس له ارتباط بالنبي الأكرم 0ص) ليس له ارتباط بأبيه وهو ملعون من قبل الله وملائكته.

والسؤال: كيف يكون للإنسان ارتباط بالنبي؟ وكيف تكون علاقة الأب والابن؟ إن ذلك بالمحبة، فهل تحصل المحبة دون معرفة؟ والمعرفة دون طاعة؟ تلك الطاعة والعبادة جاءت بأمر رسول الله (ص) وهي التي تجعل الإنسان عارفاً والعارف محباً، "ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم، أنا مولاكم فلا تقطعوا هذه الرابطة، وأنا أجيركم فأعطوني أجري" (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)[18]، أجرة أتعاب ومشقات سنوات عديدة أن تحبوا علياً وأولاده، تحبوا العترة الطاهرة، وعند ذكر أسمائهم تخفق قلوبكم بحبهم، ويدب النشاط والحيوية في أرواحكم، وأن تقتفوا آثارهم، وتهتدوا بهديهم وتعملوا بأقوالهم، أجرة الرسالة هي أن تحبوا هؤلاء، والمحبة حصيلة المعرفة.

فليس كل شخص يستطيع أن يحبهم، وليس حبهم سهلاً، المحبة غير الطاعة، فحب علي وأولاده ليس معناه أن نأخذ بأقوالهم فقط، بل الأمر فوق ذلك، الكلام هنا كلام عن الحب، لابد أن نقبلهم بقلوبنا.

قال (ص): أنا أجير، فكل من لم يعطني أجري فهو محروم من رحمة الله والأنبياء والملائكة، وأجري هو محبة أهل البيت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلى المودة في القربى).

هذه المحبة هي باطن العبادة، البعض يحب الصلاة، والبعض مصلون، قال الحسين لقمر بني هاشم ـ عليهما السلام ـ استمهلهم فإن اله يعلم أني أحب الصلاة وكثرة الدعاء والاستغفار، ولم يقل: استمهلهم لكي نصلي عدة ركعات، بل قال: إني أحب الصلاة، الكثير من الناس يصلون، لكن الإمام الحسين (ع) قال: إني أحب الصلاة، والصلاة محبوبتي وأريد أن أودع محبوبتي هذه الليلة.

فالمسألة مسألة حب لا تكليف، وهذه المحبة نتيجة المعرفة، وتلك المعرفة باطن العبادة.



[1]  سورة الحجر، الآية: 99.

[2]  سورة التوبة، الآية: 45.

[3]  سورة التوبة، الآية: 110.

[4]  سورة التكوير، الآية: 26.

[5]  سورة النجم، الآية: 1 ـ 2.

[6]  سورة الفتح، الآية: 18.

[7]  سورة الحجر، الآية: 99.

[8]  أصول الكافي (ج2، باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان).

[9]  سورة الأعراف، الآية: 175.

[10]  الأمالي، للشيخ المفيد، المجلس (18، الحديث 7).

[11]  الأمالي، للشيخ المفيد (المجلس 5، الحديث 2).

[12]  الأمالي، للشيخ المفيد (المجلس 5، الحديث 3).

[13]  كحل العين، المحدث القمي (ص180).

[14]  نهج البلاغة، الأمالي للشيخ المفيد، المجلس (29، الحديث 3).

[15]  كحل البصر المحدث القمي (ص180).

[16]  الأمالي، الشيخ المفيد، المجلس (34، الحديث 3، والمجلس 43، الحديث 3.

[17]  الأمالي، الشيخ المفيد، المجلس34 الحديث 3.

[18]  سورة الشورى، الآية: 23.