الومضات (1 - 50) الومضات (51 - 100) الومضات (101 - 150) الومضات (151 - 200)
الومضات (201 - 250) الومضات (251 - 300) الومضات (301 - 350) الومضات (351 - 400)
الومضات (401 - 450) الومضات (451 - 500) الومضات (501 - 550) الومضات (551 - 556)

الومضات: (151 - 200)

الومضة رقم 151: الضيق المجهول
قد تنتاب الإنسان حالة من الضيق المفاجئ ، ولا يعلم لذلك سببا واضحا ..فالأمر قد يكون بدواعي ( طبعيّـة ) كالمرض والإرهاق وغيره ، وقد يكون بسبب ( ارتباط ) الأرواح المؤمنة ، فينعكس على الأرواح المتجانسة ، بمقتضى وحدة الجسد الإيماني ..ولا شك أن لتأثر ( قلب ) عالم الوجود - صاحب العصر (ع) - تأثيراً بالغاً في تأثر قلوب المحبين ، وهو ما نلحظه بشكل واضح قبيل غروب الجمعة ، لارتباط ذلك اليوم بوجوده الشريف ..فانقضاء ذلك اليوم المتوقع فيه الظهور من دون فرج ، مما يعكس الحزن والكآبة التي قد تمتد آثارها حتى في عالم الطبيعة .

الومضة رقم 152: مَظهرية المعصوم لصفات الحق
روي عن الإمام الصادق (ع) في ذيل قوله تعالى: {فلما آسفونا انتقمنا منهم }: ( إن الله لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مدَّبرون )الميزان-ج18ص118 ..فالمستفاد من هذا الحديث وغيره من الأحاديث في هذا المجال ، أن المعصوم (ع) مظهر لحالة الرضا والغضب وغير ذلك من الصفات المنتسبة إلى الرب المتعال ، رغم أنه مخلوق مدبَّـر كما في الحديث الشريف ..ومن هنا تتأكد أهمية نيل رضا صاحب الأمر (ع) - وهو الإمام لأهل هذا الزمان - لأن رضاه ( كاشف ) عن رضا الرب بل ( ملازم ) له ..وقد وردت عبارة بليغة في زيارة الحسين (ع) التي أوصى بها الإمام الصادق (ع) وهى: { إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم }البحار-ج101ص151.

الومضة رقم 153: المعرفة الإكتسابية والإشراقية
إن العلم بموقع الأئمة (ع) من ( الحق ) وموقعهم في ( الخلق ) ، يتحقق بمراجعة الأحاديث الواردة منهم كالزيارة الجامعة وغيرها من روافد المعرفة ( الإكتسابية ) ..إلا أن هناك طريقاً آخر للمعرفة يتمثل بالمعرفة ( الإشراقية ) التي تمنح للسائرين في طريق تقوى الله تعالى والتوسل بأوليائه (ع) ..ومن هنا نرى النماذج المتميزة من أصحابهم الذين تفانوا في حبهم ، كعابس بن شبيب الذي صاح قائلا: حب الحسين أجنّـني ، ممن لم يملك المعرفة النظرية المستقاة من الكتب ، بالشكل الذي قد نطلع نحن عليه ، من خلال انتشار تراثـهم في هذه العصور .

الومضة رقم 154: الأنوار المحدقة بالعرش
ينبغي استذكار حالة ( المـنّة ) الإلهية لأهل الأرض ، وذلك ( بإهباط ) الأنوار المحدقة بعرشه إلى أرضه ..ومن المعلوم أن هذه الأنوار المستمتعة بجوار الرب ، عانت الكثير من أهل الأرض قتلا وسبيا وتشريدا ، حتى أن النبي (ص) يصف نفسه بأنه لم يؤذ أحد مثلما أوذي ..هذا الإحساس يُشعِر صاحبه بالخجل وبالشكر المتواصل ، عندما يقف أمامهم زائرا من قرب أو متوسلا من بعد ..وهذه هي إحدى الروافد التي أعطتهم هذا القرب المتميز من الحق ، لأن ذلك كله كان بأمره وفي سبيل رضاه .

الومضة رقم 155: مأساة الحسين (ع)
إن لمأساة الحسين (ع) وقعاً متميزاً ، سواء في حياة الأنبياء السلف ، أو بالنسبة إلى خاتم الأنبياء وذريته ..ومقارنة إجمالية بين حالة الإمام (ع) في يوم عرفة ( بدعائه ) المتميز ، وبين حالته في يوم عاشوراء ( بأحداثه ) الثقيلة ، تبين شيئا من عظمة الكارثة ، وكيف أنه عزّ على رب العالمين ، أن يعامل أعرف أهل زمانه بالله عز وجل ، هذه المعاملة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً !..ومن هنا كان ( الارتباط ) به من خلال إحياء ذكره ، والتأثر بمصابه ، من أعظم سبل ( نيـل ) رضا الرب بما لا يخطر على العقول ، إذ أن عظمة المأساة مما لم تخطر على الأذهان .

الومضة رقم 156: مبدأ التعويض
إن مبدأ التعويض سار حتى في معاملة الحق للمعصومين (ع) ..فقد عُوّض الحسين (ع) بقتله: أن جُعل الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة من نسله ..ومن المعلوم أن الاعتقاد بمبدأ التعويض يخفف على العبد معاناة فقدان بعض النعم ..ولا شك أن عظمة التعويض متناسبة مع شدة البلاء ، فالمتيقّن بمبدأ ( التعويض ) من الحكيم القدير ، تطيب نفسه ( بسلب ) المعوّض ما دام العوض عظيما .

الومضة رقم 157: انتظار الفرج
إن انتظار الفرج حقيقة ، يلازم الاستعداد النفسي للمشاركة في بسط العدل الشامل عند ظهور الفرج ..وإلا تحوّل الأمر إلى مجرد ( أمنية ) في نفس صاحبها - قد يؤجر عليها - ولكنه لايعد ( منتظراً ) ، كما هو الحال في انتظار الضيف الذي له متطلباته ..فالإنسان يتمنى قدوم الضيف منذ برهة ولا يسمى منتظراً له ، إلا - قبيل قدومه - عند توفير تلك المتطلبات ..هذه الحالة تعكسها الفقرة التالية من زيارته (ع): { فلو تطاولت الدهور وتمادت الأعصار ،لم أزدد فيك إلا يقينا ولك إلا حبا..فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك..فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك }0

الومضة رقم 158: سلب المحبة
لاشك في أن محبة أهل البيت (ع) وولايتهم من ذرائع النجاة ..وهي قيمة مستقلة في حد نفسها وان لم تقترن بالعمل ، خلافا لمن لا يراها إلا ضمن العمل ..ولكن تراكم الذنوب - وخاصة الكبيرة منها - قد يسلب المحب هذه الجوهرة ، كما حصل للبعض طول التأريخ كالشلمغاني في زمان الغيبة ، الذي خرج التوقيع من الناحية المقدسة بلعنه والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله ..ويمكن استفادة هذه الحقيقة من قوله تعالى: { ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءا أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون }..فالسوء من مقولة ( الفعل ) ، والتكذيب يعود إلى الموقف ( الإعتقادي ) والنفسي لهؤلاء المكذبين .

الومضة رقم 159: حقيقة الزيارة
إن زيارة المعصوم (ع) تعني - حقيقة - وجدان الزائر نفسه بين يدي المزور ..فيراعي أدب المكان ، ويستحضر حالة الخطاب ، كما لو كان مع الحي بمقتضى القول: { أشهد أنك تسمع كلامي ، وترد سلامي }..ولو خليت الزيارة من هذه الحقائق ، لكانت الزيارة زيارة ( البدن لحرم المعصوم ) ، لازيارة ( المحب لنفس المعصوم ) ، ومن المعلوم أن الآثار الكاملة للزيارة مترتبة على الثاني دون الأول ..وهذا هو السر في أن زيارات المعصومين (ع) لا تستتبع تحوّلاً جوهرياً في سلوك العبد ، وذلك لانتفاء المواجهة المتفاعلة وإن حصل الأجر الأخروي .

الومضة رقم 160: إشراف المعصوم
إن استشراف المعصومين (ع) لعالم الشهود - مع كونهم في عالم الغيب - مما لا ينكر عقلا ونصا ..فالأول ( بمقتضى ) حياتهم المستمرة بعد الممات الظاهري ، مع الاحتفاظ بجميع ملكاتهم ، ومنها مظهريتهم لوصف الرب المتعال ..واما الثاني ( فكالنص ) الصحيح الوارد في المنع عن الجمع بين فاطميتين ، معللا بأن ذلك يبلغ الزهراء (ع) فيشق عليها ذلك ثم يحلف الإمام (ع) بقوله : إي والله ، عند تعجب الراوي ( البحار-ج104ص27 ) ..فلو تحقق مثل هذا الإشراف - من قِبَـلهم - بالنسبة إلى أحد من أوليائهم ، لكان ذلك بمثابة ( تبـنّي ) اليتيم الذي لو ترك وشأنه ، لهوى مع الهاوين ..وقد ورد عنهم ما يؤيد هذا المعنى بشقّيه: { إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالـزم طريقتنا ، فإنه من لزمنا لزمناه ، ومن فارقنا فارقناه }البحار-ج2ص115 .

الومضة رقم 161: توقير الذرية
إن ذرية الرسول (ص) هم التركة المحسوسة والحيّة فينا ..ومن هنا كان توقيرهم توقيرا لأجدادهم ، وهو ما يستفاد من الأخبار والتزام السلف الصالح به ..وهذه السنة أيضا مطابقة للفطرة وسنة الأمم ، إذ المرء يحفظ في ولده ، وهذا ( التوقير ) من السبل المهمة لجلب ( عنايتهم ) ، كما تشهد به الحوادث الكثيرة على مر العصور .

الومضة رقم 162: آثار الأولياء
إن وجود البركة والتأثير في الآثار المنتسبة إلى أولياء الله تعالى ، مما يؤكده القرآن الكريم أيضاً ، إضافة للسنة والواقع المشهود في حياة الأمم السابقة ..فقد ارتد يعقوب (ع) بصيرا عندما ألقى البشير ( القميص ) على وجهه ..وقد جعل السكينة في التابوت وهو ( الصندوق ) الذي وضع فيه موسى (ع) عند إلقائه في النيل ، ولشرافته حملته الملائكة ، وقد قال الحق تعالى: { ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة }.. بل أن السامري أخذ ( قبضة ) من أثر الرسول ، فكان له من الأثر ما كان ..فما المانع من شرافة القبور التي تضم أجداث خواص خلق الله سبحانه ؟! ، بل إن البركة فيها أوضح ، إذ التابوت حوى بدن نبي - لفترة قصيرة - وهو رضيع لم يبلغ الحلم ، خلافا لمضاجعهم الطاهرة التي صارت مختلفاً للملائكة صعودا وعروجاً كما تشهد به النصوص ، ومركزاً للكرامات الباهرة كما تشهد به الوقائع جيلا بعد جيل .

الومضة رقم 163: إهداء الأعمال للمعصومين
إن من الأمور المناسبة هو الالتزام بإهداء بعض الأعمال للمعصومين (ع) ، فإنه محاولة للقيام بشيء من حقوقهم ، ولاشك في أنهم يردّون ( الهـدية ) بأضعافها كردّهم ( الّسّلام ) بأحسن منها ، كما هو مقتضى كرمهم الذي عرف عنهم ..وخاصة إذا قلنا بانتفاعهم بأعمالنا ، كما قيل في أن الصلاة على النبي وآله يوجب رفع درجاتهم ، بمقتضى الدعاء برفع درجتهم في التشهد وغيره ، وإلا كان الدعاء لغواً .

الومضة رقم 164: الإرادة الطولية
إذا اعتقدنا أن ( إرادة ) الأئمة للشفاعة وللخارق من الأمور ، إنما هي في ( طول ) إرادة الله تعالى وبإذن منه ، فلا تبقى أيّـة غرابة فيما روى عنهم ، أو رؤى منهم من أنواع الكرامة ..فالقرآن تارة يسند قبض الأرواح - وهو من مهام الأمور - إلى ( الحق ) نفسه ، فيقول تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها }..وتارة إلى ( مَلَك ) الموت فيقول : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم }..ومن المعلوم أنه كلما تعاظم قدر الوكيل ، كلما تعاظم قدر الموكِّل نفسه .

الومضة رقم 165: طلب الحقائق
يغلب على طلبنا من المعصومين (ع) الجانب المادي: من شفاء مرض ، أو أداء دَين ، أو ما شابه ذلك ..إذ قلما نتوجه إليهم بطلب ( المعارف ) والحقائق فيما يتعلق بمعرفة الرب المتعال وسبل الوصول إليه ، والحال انهم ( أميل ) لقضاء مثل هذه الحوائج التي بعثوا من أجلها ، ولا شك في صلاحها للعبد ..وقصص السلف الصالح يكشف عن نماذج مذهلة ممن اغترف من فيض جودهم ، ففتحت لهم أبواب واسعة من المعارف الحقة ، والآيات البيّنة التي جعلتهم يعيشون على نور من ربهم في هذه النشأة ، ليمتد أثره حتى بعد انتقالهم من هذه النشأة الدنيا ، بل ليسعى بين أيديهم في النشأة الآخرة .

الومضة رقم 166: شكر نعمة الولاية
يتوجب على الذين شُـرّفوا بشرف الولاية لأئمة الحق (ع) ، أن يبالغوا في شكر هذه النعمة ، لأنهم خُصّصوا ( بأشرف ) الأديان و ( بالمذهب ) القويم ..وهذه نعمة خالدة لا تعادلها نعمة في عالم الوجود ، لخلود هذه النعمة و فناء النعم الأخرى ..وأفضل أنواع الشكر هو ( الإتّـباع ) ، مصداقا لقوله تعالى: { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، و( العمل ) لقوله تعالى: { اعملوا آل داوود شكرا }.

الومضة رقم 167: أحاديث الرجعة
إن أحاديث الرجعة على - كثرتها - مطابقة لمقتضى الحكمة الإلهية ..فإن من اللطف أن يحقق المولى لوليه آماله التي لم يحققها في حياته ، وخاصة مع ملاحظة قصر حياة بعضهم كالأئمة من نسل الإمام الرضا (ع) ، إذ لم يدع ولاة الجور فرصة لأداء رسالتهم كما أرادوه ، فكأنهم أرسلوا إلى هذه الحياة لمهمة لم تكتمل ، نظراً للظروف التي اكتنفتهم من ظلم الحكام وإعراض الخلق عنهم ، فيكون من الطبيعي إعطاؤهم فرصة أخرى لاستكمال تلك المهمة ، بعد اكتمال قابليّـات الخلق - بلوغا علميا وعمليا - وذلك عند قيام قائمهم (ع) ، الذي يضع يده على رؤوس العباد ، فيجمع بها عقولهم ، ويكمل به أحلامهم .

الومضة رقم 168: الاستئناس بكلمات المعصومين
ينبغي لحملة لواء الإرشاد في كل عصر الاستئناس بكلمات المعصومين (ع) المتطرّقـة لمختلف حقول الحكمة ..فإن الأنس بالنصوص يشكل حاجزا - ببركتهم - من ( الاجتهادات ) المنحرفة ، أو ( المشارب ) الباطلة ، أو ( التقوّل ) في الدين بمالم يقم عليه برهان ..أضف إلى أن الغور المتواصل في أحاديثهم ، يفتح أبواب الحـكمة الأخرى لتجري من القلب على اللسان ، كما يهب صاحبها ( حسّـا ) خاصا في تمييز مالم يصح عنهم .

الومضة رقم 169: الدعوة بالحجج البالغة
من السبل الكبرى لجلب عناياتهم عليهم السلام ، هو ( التصدي ) للدعوة إلى سبيلهم في أي موقع كان صاحبه - وان لم يكن في زي أهل الدعوة والتبليغ - وذلك بذكر محاسن كلماتهم ، واختيار الحجج الواضحة - وما أكثرها - في إثبات عقائدهم المستقاة من نمير الوحي ، والدعوة إلى التمسك بهديهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وخاصة عند ذوي القلوب ( المستعدة ) ..وخاصة أن هناك طبقة من الخلق لا يصل إليها رجال الدين ، فلزم وجود ( الوسيط ) بينهم وبين هذه الطبقة ، إذ بهم تكتمل مهمة دعاة الحق والخير ..وقد خاطب النبي (ص) عليا (ع) بقوله: { لئن يهدي الله على يديك عبداً من عباد الله ، خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها إلى مغاربها }البحار-ج1ص215.

الومضة رقم 170: إعجاز استمرار خط أهل البيت
إن المتأمل المنصف في التأريخ ، لا يمكن أن يصف توالي الأئمة من دون ( انقطاع ) في البين و بهذا ( التجانس ) في الأقوال والأفعال من باب الاتفاق ..فنرى الأول ينص على الآخر وحديث الآخر يسانخ حديث الأول ، وذلك خلال قرنين ونصف ، على ما فيه من تغيير للحكام والثقافات والـُبنى الاجتماعية ، حتى لانكاد نميز الإمام القائل لما روي عنه لو تعمدنا عدم ذكره ، وذلك لوحدة النهج الإلهي الذي ساروا عليه جميعاً ..فكيف إذا أضفنا إلى ذلك ، خبر الصادق المصدق (ص) الذي بشّر باثني عشر خليفة كلهم من قريش ، كما رواه البخاري وذكره مسلم في كتاب الإمارة عن جابر بن سمرة إذ قال : { سمعت رسول الله يقول : لايزال الإسلام عزيزا إلى إثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ..فقلت لأبي ما قال ؟ ، فقال : كلهم من قريش } .

الومضة رقم 171: آجال الأمم
كثيرا ما تنتاب الإنسان حالة من القلق لما تجري في الأمة من النكبات توصله إلى حد اليأس ..والحال أن الحق المتعال كما خلق الأرض وقدّر فيها ( أقواتها ) من الأرزاق ، كذلك قدّر فيها ( مقدراتها ) من الآجال المكتوبة للأمم غير المكتوبة للأفراد ، وقد ورد في الخبر: { إذا أراد الله أمراً سلب العباد عقولهم ، فأنفذ أمره وتمت أرادته ، فإذا نفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله ، فيقول كيف ذا ومن أين ذا ؟! }البحار-ج78ص335..وأحاديث عرض الأعمال على ولي كل عصر - في ليالي القدر وغيرها - تدل على أن الأحداث الصغيرة والكبيرة تجري على مسمع من أذن الله الواعية ، ومرأى من عين الله الناظرة ..وعليه فالمطلوب من العبد أن يقدم الشكوى إلى أولياء الأمر دائماً ، فهم ( المعنيّون ) بمقدرات هذه الأمة قبل غيرهم ، مصداقا للدعاء: { اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره }..إذ أن الغمة التي بليت بها الأمة إنما هي من آثار الغيبة ، فكان من الطبيعي انكشاف تلك الغمة الموحشة ، بالحضور المبارك الرافع لتلك الغمة .

الومضة رقم 172: الحصانة الإلهية
قد يتعمد الحق رفع ( الحصانة ) عن عبده في بعض الحالات ، فيقع فيما ( يستغرب ) من صدوره من مثله من الأعمال التي لا تليق به ..ولعل في ذلك لفت نظر إلى ( ضعفه ) أولاً ، ودعوة له ( للاستجارة ) بالحق في كل أحواله ثانياً ..ويتجلّى فضله العظيم من خلال التدبر في قوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا }و{ فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين }و{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا }.

الومضة رقم 173: الخطورات القبيحة
قد يتألم العبد من بعض الخطورات القبيحة ( أثناء ) الصلاة ، ولا ضير في ذلك بشرط عدم ( متابعة ) تلك الصور ..فمَثَله كمثل الجالس بين يدي السلطان ، وأعداؤه يمرون بين يديه ، فما دام مشغولا بمحادثة السلطان فلا يعد ذلك المرور العابر إخلالاً بأدب الحضور ، بل قد ( يتعمّد ) السلطان الجلوس في مثل ذلك الموقع لاختبار جليسه ، ومدى إقباله عليه مع وجود الصوارف ..وهذا بخلاف ما لو استرسل معهم وتابعهم بنظراته ، فضلا عما إذا تحدث معهم بما لا يرضى منه السلطان ! .

الومضة رقم 174: مجاهدة الجنس لا الفرد
إن الميل إلى النساء من الشهوات المتأصلة في طينة العباد ،كما يشير إليه قوله تعالى في مقدم الشهوات الأخرى: { زين للناس حب الشهوات من النساء }، فكيف إذا تدخل الشيطان في تزيينها للعبد بمقتضى تهديده في قوله تعالى: { لأزينن لهم في الأرض }..وهي بحق على رأس شهوات الدنيا ، لأنه التذاذ بذي شعور خلافا لشهوة البطن المتعلقة بالمأكول الذي لا حياة فيه ..وعليه فليس الحل الأساسي هو مجاهدة كل ( فرد ) من أفرادهن عند الابتلاء بهن ، بل السعي لامتلاك حالة من التعالي على ( جنس ) النساء بكل أفراد ذلك الجنس ، خرج من ذلك خصوص الفرد المعـنيّ به العبد من الزوجة والمحارم ..وإلا فما قيمة باقي الأفراد - التي لاعلاقة للفرد بهن - ليشغل حيّـزا من نفسه ، بل ليسلب شيئا من إرادته ؟!..وقد ورد في الخبر: { لاتكونن حديد النظر إلى ما ليس لك ، فإنه لن يزني فرجك ما حفظت عينك ، فإن قدرت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة فافعل }تنبيه الخواطر- ص50..فإذا نجح العبد في مرحلة التعالي عن الجنس برمّته ، صار التجاوز عن الفرد الخاص مما لا مؤونة فيه ، لأنه مندرج في الجنس الذي تعالى عليه ، وهكذا الأمر في باقي الشهوات ..أما الذي يعيش عالم ( النساء ) حبّـا والتذاذا ، فمن الطبيعي أن ( يتفاعل ) مع كل فرد منهن لميله إلى أصل الجنس المنعكس على أفراده ، وإن أدى ذلك للوقوع في الحرام ، ثم التوبة بعدها ليعود الابتلاء بفرد آخر منهن ، ويستمر به الأمر كذلك ، إلى أن يخرج من حد العبودية والتوبة فيرى المنكر معروفاً ، كما نراه في هذا الواقع المرير .

الومضة رقم 175: عدم الانشغال بالأسباب
إن التوجه إلى المخلوقين - بجعلهم سببا لتحقق الخيرات - من دون الالتفات إلى ( مسبِّبية ) المولى للأسباب ، لمن موجبات ( احتجاب ) الحق تعالى عن العبد ، إذ أن الخير بيده يصيب به من يشاء من عباده ، بسبب من يشاء ، وبما يشاء ، وكيفما يشاء ..وعليه فإن كل ( جهة ) يتوجه إليها العبد بما يذهله عن الله تعالى ، لهي ( صنم ) يعبد من دونه ، وإن كان ذلك التوجه المذموم مقدمة لعمل صالح ..ولـهذا قبّح القرآن الكريم عمل المشركين ، وإن ادعوا هدفا راجحا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }، فدعوى الزلفى لديه من غير السبيل الذي أمر به الحق تعالى ، لهي دعوى باطلة من أيّ كان ، مشركاً كان فاعله أو موحداً ..وقد يكون سعي العبد الغافل عن هذه الحقيقة - حتى في سبيل الخير - موجبا للغفلة عن الحق المتعال ..و علامة ذلك وقوع صاحبه فيما لا يرضى منه الحق أثناء سعيه في سبيل الخير ، والذي يفترض فيه أن يكون مقربا إلى المولى جل ذكره .

الومضة رقم 176: أرقى اللذائذ
إن اللذائذ الحسية التي تستهوي أهل الدنيا في حياتهم - كشهوة النساء وغيرها - لا تعدو كونها كنموذج من عالم اللذائذ المحسوسة الأخرى و المختلفة شدة وضعفا ، مما أودعها المولى جل ذكره في عناصر عالم الوجود ، يذيقها من يشاء من عباده ..ولا شك أن هذه اللذائذ المذكورة لاتمثل - حتى في عالم الدنيا - أرقى ما عند الله تعالى من اللذائذ ..ومن هنا يعيش الأولياء عالما من اللذائذ ( العليا ) ، والتي لا يمكن أن يتعقّلها أهل اللذائذ ( الدنيا ) للاختلاف الجوهري بين العالمَـيَن ، وهذه هي إحدى أسباب إعراض أولياء الحق عن الانهماك في الشهوات ، من دون معاناة ومجاهدة ..وهذا الاختلاف في طبقات اللذائذ موجود في الجنة أيضا ، فلا يعقل أن يلتذّ المقربون من الحق المتعال بلذائذ عامة أهل الجنة ، إذ أن هناك رتبة ( النظرة ) يشير إليها قوله تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }، و رتبة ( الرضوان ) كما يشير إليها قوله تعالى: { ورضوان من الله أكبر } .

الومضة رقم 177: مملكة الحق والطاغوت
إن نسبة عالم عبودية الحق إلى عبودية الطاغوت ، كنسبة مملكتين متخاصمتين ..فمن ( وطّن ) نفسه للعيش في إحدى المملكتين ، عليه أن لا يفكّر للخروج إلى المملكة الأخرى ولو في بعض أيام حياته ، لأن ذلك يعد إخلالا بلوازم الإقامة في تلك المملكة ..وعليه فإن على البصير بصلاح نفسه ، أن يحسم أمره في أول الطريق ليختار العيش في إحدى المملكتين ، ( متحمّلا ) و ( محتملا ) لكل تبعات تلك الإقامة ، محققا لمصداق الفرار إلى الله تعالى ..وقد ورد في الدعاء: { وقد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك ، عزم إرادة وصادق طوية }البحار-ج86ص318..وبهذه النظرة يتخلص من حالة التذبذب والتأرجح ، إذ يكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ..ومن المعلوم أن هذا التردد في البقاء في مملكة الحق بلوازمها ، قد يوجب إعراض الحق عنه بوجهه ، وقد يصل إلى مرحلة الختم على القلوب ، المستلزمة لعدم الإذن له بالعود إلى تلك المملكة أبداً .

الومضة رقم 178: مقدم الوفد
ينبغي على إمام الجماعة - وهو مقدم الوفد إلى الله تعالى - أن يلتفت إلى قصده في التقدم أمام الوفد الذي يواجه رب العزة والجلال ، فهو وإن كان إماما في صلاته ، إلا أن عليه أن لا يلحظ المأمومين في إمامته ، وذلك بعدم الاكتراث بكثرتهم ، وعدم الاعتناء بمتابعتهم له ، بل يفترض نفسه وحيدا في صلاته ، منفردا ( حكماً ) وإن كان إماماً ( موضوعاً ) ..ومن المعلوم أن مجموع هذه المشاعر ، أدعى إلى تحقق قصد القربة منه .

الومضة رقم 179: أنوار الليل والنهار
كما أن الطبيعة متغيرة بحسب التغير في الأنوار ( الحسية ) إلى أوقات متفاوتة من ليل إلى نهار ..فإنها متغيرة كذلك بحسب التغير في الأنوار ( المعنوية ) ..فنجد لأول النهار جوا متميزا عن آخره ، ولبدء الليل جوا متميزا عن منتصفه ، ويتجلى الفرق واضحا - لأهله - في ساعة السحر ، فإنها ساعة لا تشبهها ساعة من ليل أو نهار - حتى الساعة التي هي بين الطلوعين - فإنها ( الغاية ) في انفتاح أبواب السماء ، إذ عندها هدأت الأصوات ، وسكنت الحركات ، وخلا كل حبيب بحبيبه ..فسهل السبيل لمن أراد الولوج منها ، ليعطى الفضل في الرزق مادة ومعنىً ، وهذا هو العمدة في استغلال تلك الساعة المباركة .

الومضة رقم 180: الإرشاد من سبل القرب
إن دعوة العباد إلى الحق ، لمن اعظم سبل وصول الداعي نفسه إلى الله تعالى ، سواء وجد الاستجابة من الخلق أم لم يجد ..ولهذا يحس ( بنـفحة ) خاصة ترافقه أثناء دعوته ، لا يجدها عند الاشتغال بأمور عبادية أخرى ..ولاشك أن لإخلاصه الأثر البليغ في إدخال الحق الهدى في قلب من يريد ، إذ أن تزيين الإيمان في القلوب من شؤون المولى جل ذكره كما نسبها إلى نفسه في كتابه الكريم ، وهو لا يترتب على مجرد ( الوعظ ) وإن كان جامعا لشرائطه ، إذا لم يتدخل مقلّب القلوب في ( سوق ) القلوب إلى الجهة التي يريدها العبد في دعوته إلى الحق المتعال .

الومضة رقم 181: إمساك الطير والقلوب
يشير القرآن الكريم إلى حقيقة إمساك الحق للطير عندما تقبض في الهواء بقوله: { ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن }..فإذا كان الحق يرعىجزئيات عالم الوجود - كمسك الطير بعد قبضها في السماء - ويسندها إلى نفسه ، كما أشار في آيات أخرى إلى الذباب والبعوض ، فكيف لا يرعى العباد وجزئيات شؤونهم ، وهم أقرب إليه من الطير وغيره ؟!..وليعلم أن من يمسك ( الطير ) في الهواء - رأفة بها - هو الذي يمسك ( قلب ) عبده المؤمن من السقوط ، وذلك فيما لو ( أمسك ) عن الطيران بعد التحليق ، اعتمادا على قدرته ، غافلاً عن رعاية الرحمـن للقلب عند الهـُوِيّ ، كرعايته للطير في الهواء عند السقوط .

الومضة رقم 182: التعصب للحق
قد يكون المتعصب للحق مذموما على تعصبه فيما لو اقترن بالجهل ..لأن المتعصب الجاهل قد يخطئ سلوك السبيل الشرعي في الترويج لحقه ، وبالتالي قد يسيء للفكرة نفسها بدلا من ترويجها ، ولكنه يبقى ( ممدوحا ) على شدة ( تعلّقه ) بالحق الذي أصابه في أصله ، وإن أخطأ في تعصبه ، ومن هنا لزم تنبيهه ليعمل على وفق الحق الذي آمن به وتعصّب له ..وقد روي عن أمير المؤمنين أنه قال : { فليس من طلب الحق فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأدركه } البحار- ج33ص434 .

الومضة رقم 183: الإثنينية في التعامل
إن من الممكن لمن يعيش أجواء متوترة - في المنـزل أو العمل - أن يعيش حالة من الإثنينية النافعة ، بمعنى مواجهة الأزمات بشخصه ( الظاهر ) للناس ، وهو الذي يعيش على الأرض بهمومها ومشاكلها ..وهذا الشخص الظاهر للعيان هو الذي قد يهان أو يعاقب ، إلا أن هناك شخصية أخرى لاتطالها يد البشر أبدا وهي شخصيته ( الروحية ) ، لأنها ليست من عالم المادة لتخضع للتهديد أو العقاب ، فالأمر كما وصفه أمير المؤمنين بقوله: { صحبوا الدنيا بأبدان ، أرواحها معلقة بالمحل الأعلى }البحار-ج1ص188..وعليه فليس العبد ملزماً بأن يواجه الآخرين بهذه الشخصية ، وينـزّلها من عالمها الآمن ، ليكّدر صفوها بكدر أهل الدنيا ..فالإيذاء القولي والفعلي إنما هو متوجه لذلك الوجود المادي ، لا لهذه ( اللطيفة ) الربانية ..والذي يواجه الأزمات الأرضية هو ( شخصـه ) لا شخصيته ، إلا إذا تعمد هو بسوء اختياره في زجّها فيما لا يحمد عقباه .

الومضة رقم 184: برد الرضا
قد لا يستوعب البعض حقيقة أن للرضا الإلهي برداً ( يحسه ) القلب النابض بالحياة الروحية ، مع أن العباد يعيشون هذه الحقيقة بالنسبة إلى بعضهم البعض ..فللرضا بين الزوج والزوجة ، والأب وولده ، والصديق وصديقه ، والراعي ورعيته ، ( بـرد ) يحسه كل طرف وخاصة بعد خصومة تلتها ألفة ، وهذا الإحساس وجداني لا يختص بفرد دون آخر ..ويصل الأمر مداه حتى ينعكس آثار برد الرضا على البدن ، من الإحساس ( بالسّكون ) تارة ، و( بالقشعريرة ) تارة أخرى ..فكيف يستشعر الإنسان هذا الشعور تجاه من هو فـانٍ ولاقيمة لبرد رضاه ، ولا يستشعره مع الحـي القيوم الذي بيده ملكوت كل شئ ؟!.

الومضة رقم 185: الترقية المؤقتة
قد يمنح العبد في بعض الحالات - كمواسم الطاعة - بعض الترقيات الاستثنائية ، ( إكراماً ) لوقوع العبد في دائرة الضيافة الخاصة ..فَمَثـله في ذلك كمثل الطالب الذي ينقل من رتبته إلى رتبة أرقى بكثير من مرحلته - لساعات معدودة - لمناسبة تقتضي مثل هذا النقل ، وعندها قد ينخدع هذا الطالب بهذا النقل العارض ، ويظن أنه قد ( ترقىّ ) فعلا في دراسته ، إلا أنه يفاجأ بإرجاعه إلى رتبته السابقة ، ليعلم أنه لا زال يراوح في مكانه من دون سير إلى الكمال ..فعليه أن لا يغفل عن حقيقة: أن الرتب العالية أمر ( ذو مراحل ) ، والاستقرار فيها يحتاج إلى اجتياز تلك المراحل بنجاح ، وهو السلوك الطبيعي الذي سلكه الواصلون مع اختلاف رتبهم .

الومضة رقم 186: خدمة القلوب
إن من أعظم سبل إرضاء الحق هو العمل الذي ينعكس أثره على ( القلوب ) ، إذ أنها محل معرفته ، ومستودع حـبّه ..فتفريج الكرب عنها ، أو إدخال السرور عليها ، أو دلالتها على الهدى ، أو تخليصها من الهـمّ والغم ، كل ذلك مما يوجب سرور الحق وأوليائه كما تشهد به الروايات ..وكلما ( قرب ) هذا القلب من الحق ، كلما ( عُظم ) ذلك السرور عند الحق المتعال ، وبالتالي عظمت الآثار المترتبة على ذلك السرور من الجزاء الذي لا يعلمه غيره ، لأنه من العطاء بغير حساب ..بل يستفاد من بعض الأخبار ، ترتّب الآثار حتى على إدخال السرور على كل ذي كبد رطبة - ولو من البهائم - بإرواء عطشه ، فكيف الأمر بقلوب الصالحين من عباده ؟! .

الومضة رقم 187: الذكر اليونسي
إن من النافع أن يتخذ العبد لنفسه ذكراً - يأنس به - في ساعات خلوته أو جلوته مع الناس ..فإن ( المداومة ) على ذكر خاص مما ( يركّـز ) من آثاره ..ومن الأذكار المؤثرة في تغيير مسير العبد ، هو ذلك الذكر الذي حوّل مسيرة نبي من الأنبياء ، وهو يونس (ع) بقوله: { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }..فهو ذكر جامع ( للتوحيد ) ، و( التنـزيه ) ، و( الاعتراف ) بالخطيئة ، والملفت في هذه الآية ، أن الحق وعد بهذا النداء الاستجابة والنجاة من الغم له وللمؤمنين جميعا ، وهو ما يقتضيه التعبير بكلمة ( وكذلك )..والمقدار المتيقن من الأثر إنما هو لمن أتى به متشبهاً بالحالة التي كان عليها يونس (ع) من الانقطاع والالتجاء الصادق ، لفرط الشدة التي كان فيها في ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت .

الومضة رقم 188: إصلاح ذات البين
ندب الشارع المقدس إلى بعض الأمور بشدة ، ومنها إصلاح ذات البين ، وذلك لأن المتخاصِمَين يصعب عليهما إصلاح الأمر بنفسهما ، لاحتياج الأمر إلى ( نكران ) للذات - منهما أو من أحدهما - قد لا يوفق له عامة الخلق الذين يصعب عليهم نكران الذات وتجاوزها ..ولهذا قد تستمر دوامة الخصومة تلف المتخاصمين إلى آخر الحياة ، بما فيها من ارتكاب للمعاصي العظام: كالغيبة ، والنميمة ، والقذف ، والقتل وغير ذلك ، وتعظم المصيبة عندما يجمعهما رحم قريب ..فالمصلح ( يخلّص ) المتخاصمين من هذه المهالك الكبرى ، بيسير من القول أو الفعل ، قد ( يمتد ) أثره إلى أجيال المتخاصمين ..ومن هنا يعلم السر في أن إصلاح ذات البين ، أفضل من عامة الصلاة والصيام .

الومضة رقم 189: هداية السبل بالمجاهدة
قد ذكر القرآن بصريح القول ، أن هداية السبل مترتبة على الجهاد في الله تعالى ، فالذي لا يعيش في حياته شيئا من المجاهدة : في نفسه ، أو ماله ، أو بدنه ، كيف يتوقع الاهتداء إلى تلك السبل الخاصة ؟!..ومن هنا قد يعوّض الحق تقاعس عبده في المجاهدة ، وذلك بتعريضه لأنواع البلاء ، رأفة به ولرفع آثار قعوده عن الجهاد ، المتمثل بحجبه عن السبل ..ولو ( كلّف ) نفسه شيئا من المجاهدة ، ( لاندفع ) عنه بعض البلاء ..وبذلك يكون - بتثاقله إلى الأرض - قد خسر ( العافية ) ، و ( بركات ) المجاهدة المباشرة التي قد لا يعوّضها البلاء تماما .

الومضة رقم 190: الاستغراق في المعاني
قد يعيش العبد شيئا من حالات الاستغراق في مشاهدة جلال الله تعالى وجماله ، بحيث ( تثقل ) عليه متابعة تلك المعاني ( مقيدة ) بالألفاظ ..فلا ضير على العبد - في مثل هذه الحالة - من إمرار تلك المعاني على قلبه ، من دون استعمال للألفاظ الموازية لها ، ( ليواكب ) المعاني التي تتوارد عليه في تلك الحالة ، والتي هي أسرع تواردا إذا قيست إلى سرعة توارد الألفاظ ..وقد يعيش بعـض صور المناجاة التي يحب أن ينطلق فيها بالدعاء - الذي تمليه عليه حالته - من دون تقيد بنص خاص ، بل من دون تقيد بالألفاظ ، وهي مناجاة القلب التي هي من أرقى صور المناجاة ، إذ قد يستثقل العبد كل شيئ - عند محادثة المحبوب - حتى الألفاظ المعبرة عن حبه .

الومضة رقم 191: الغافل عن آداب السير
قد يعيش الغافل عن آداب القرب من الحق المتعال ، حالة من ( التعالي ) على الخلق عندما ( يمنح ) حالة روحية متميزة عن الآخرين - وخاصة إذا وهب هذه المنحة وهو في وسط غافل - فيظن انه قد تميز عنهم مطلقا ، والحال أنه سيعود إلى عالمهم بعد قليل ..فإن مَثَل هذا الغافل كمَثَل الجسم المتجه إلى فوق كحركة ( قسرية ) سرعان ما يعود إلى موضعه الذي كان هو فيه ..فلنتساءل: ما هو افتراق هذا الجسم - بعد هبوطه - عن باقي الأجسام الأرضية الأخرى ، التي لم يقدّرلها الصعود ولا الهبوط ؟! .

الومضة رقم 192: مواجهة الحقائق بالقلب
إن المواجهة للحقائق العالية إنما تكون ( بالقلب ) لا بالوجه الظاهري ..ولهذا قد يتفق للعبد مواجهة الكعبة المشرفة - وهو في جو متميز - إلا أنه لا يعيش أدنى درجات التفاعل بما هو فيه ، والسبب في ذلك أنه ( أغمض ) عين الباطن التي بها يبصر الحقائق المحجوبة عن عالم المادة ..بل قد يصل الأمر إلى انتفاء القابلية رأسا فيصاب ( بالعمى ) ، وعندها لا يرى شيئا من الحقائق الإلهية ولو كان في جوف الكعبة ، فقد قال الحق المتعال: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }، ويستمر هذا العمى إلى يوم القيامة حيث الحاجة الشديدة للإبصار في المهالك العظام ، فيقول الحق سبحانه: { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا }..ومن ثَـمَّ فإن من الجدير بالعبد ، عند التـعرض لتلك المواطن - التي تتطلب منه اليقظة الروحية - أن يستعد لها في مرحلة سابقة ، لئلا يذهله ( هول ) المفاجأة عن التزود في تلك المرحلة الخصبة من حياته ، والتي لا تتاح إلا بعد الفينة والفينة .

الومضة رقم 193: كعبة الأرض والعرش
إن كان ولابد من استحضار صورة حسية في الصلاة ، فإن من أفـضل الصور هي الكعبة المشرفة ..فإنها توازي تلك الكعبة المنصوبة في العرش والتي تطوف حولها الملائكة ..وإن في توجيه ( الوجوه ) الظاهرية إلى الكعبة ، تنبيه على توجيه ( البواطن ) إلى الجهة التي تتوجه إليها الملائكة في عرشه ، ولكن ( المستغرق ) في صلاته ، قد لا يحتاج لمثل هذه الصور ، وذلك لانشغاله بصور أرقى - لا تخطر ببال عامة المصلين - متمثلة بكسوة الجلال التي تغشى المصلي في صلاته ..وقد ورد في الخبر: { لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله ، ما سرّه أن يرفع رأسه من سجوده }البحار-ج10ص110 .

الومضة رقم 194: التوفيقات تصعيد للعبد
إن التوفيقات الكبرى الممنوحة للعبد - في مثل ليالي القدر والحج - بمثابة دفع الطائرة إلى الأجواء العليا ، إذ الصعود خلاف مقتضى الطبع ( الأوّلي ) في عالم المادة والمعنى معا ..ومع استقرار الطائرة في مسيرها بعد التحليق ، لا يجد القائد لها كثير معاناة في توجيهها إلى الجهة التي يريدها ..فالتوفيقات المتتالية بمثابة التعجيل في إيصال العبد إلى مرحلة الاستقرار والتحليق الثابت في أجواء العبادة ، بعيدا عن جاذبية الشهوات الأرضية ..وليعلم أن الكارثة تقع عند الارتطام بعد الصعود والتحليق ، وهكذا الحال في ( هويّ ) العبد لأسفل الدرجات ، عند ( الصدود ) عن الحق بعد ما منح التوفيق والتحليق في أجواء العبودية العليا .

الومضة رقم 195: للأكل حيثيتان
إن لتناول الطعام حيثيتين ، الأولى: وهي إمرار الطعام على اللسان ، ( ليستذوق ) حلاوة ما يؤكل ، والثاني: وهي إدخال الطعام في الجوف ، ( ليتحول ) إلى قوت يعينه على إدامة الحياة من أجل القيام بوظائف العبودية للحق ..ولاشك أن الحيثية الثانية هي المطلوبة للمؤمن ، وإن تحققت الأولى مقدمة من دون قصد ..والاعتقاد بهذه الفكرة ، يجعل صاحبها حريصا في أن لا يدخل في جوفه ، إلا بالمقدار الذي يعينه على ما ذكر ، لا لمجرد الاستمتاع وإشباع الشهوة البهيمية لديه .

الومضة رقم 196: المتشرفون باللقاء
إن الذين تشرفوا بلقاء صاحب الأمر (ع) هم من الذين وقعوا في ( شدّة ) أوجبت لهم الانقطاع إلى الحق وأوليائه ، أو من الذين ( اشتد ) شوقهم إلى لقائه كعلي بن مهزيار وأمثاله من مشتاقي لقاء خليفة الله تعالى في الأرض ..وليعلم في هذا السياق أن الرغبة الجامحة للقائه - شوقا لا حاجة - متفرعة على نوع تشبّه بالمعصوم في إتباع الشريعة بكل حدودها ، ليتحقق شئ من المسانخة بين الزائر والمزور ، وخاصة مع انغلاق أبواب اللقاء في زمان الغيبة ..ولا تتـأتي هذه الرغبة المقدسة - اعتباطا أو تكلفّا - لمجرد أمنيّة لم يبذل لهـا صاحبها موجبات تحققه .

الومضة رقم 197: الطلب يلازم الوصول
لقد ورد في بعض الأدعية ما هو كالمفتاح لمغاليق القرب من الحق كقوله: { ولا يفوته من طلبه }..وهي حقيقة لا يلتفت إليها الغافلون ، فإن طلب الحق - على حقيقته - قلّما يتحـقق في جنس البشر على كثرتهم ..و ( الطلب ) نوع معنىً يغاير ( السؤال ) ، فقد يسأل الإنسان شيئا ولكنه لا يطلبه ، لما في الطلب من نوع إصرار لا ينفك عنه صاحبه ، كما نشاهده في الذين وقعوا في الغرام الباطل ..فإذا وصل العبد إلى هذه المرحلة ( الأكيدة ) من طلب الحق ، ( تفـضّل ) عليه الحق بتحقيق مطلوبه ، وهو معايشته لحقيقة العبودية ، والتي هي الغاية من الخلقة والوجود .

الومضة رقم 198: السنن في التكوين و والأنفس
كما أن السنن في عالم ( التكوين ) لا تنخرم إلا عند الحاجة والضرورة كما في موارد المعاجز والكرامة ، فكذلك للحق سننه في عالم ( الأنفس ) ..فإن السير التكاملي للحق محكوم بسلسلة من القواعد والسنن ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ..وأما ( الطفرة ) والإعجاز والإعفاء من بعض السنن ، يغاير الأصل الأوّلي فلا يعول عليه اللبيب في سيره إلى الله تعالى ، وقد قال الحق المتعال: { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } ، فجَعَل مقام الإمامة في الهداية - وهي من أجلّ المقامات - مترتبة على الصبر ، تنبيها على هذه الحقيقة ..وهذه هي السنة العامة في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تحويلا .

الومضة رقم 199: المشغول عن الحق المتعال
ليس من المهم اشتغال العبد بالمهام من الأمور ، عندما ( يحتجب ) عن ربه لغفلة أو لمعصية ..فالمشغول عن الحق تعالى متنـزل إلى رتبة ( الغافلين ) التي لا يعتدّ بالتفاضل في درجاتها ، إذ أن أهمية ما هو مشغول فيه من تجارة أو علم ، لا تخرجه عن تلك المرتبة النازلة التي يشترك فيها الغافلون جميعاً ، على اختلاف درجات اهتمامهم ..فالساقط من السماء يعيش على الأرض ولو كان في أجوائها العليا ، فلا حق لمن كان ولو في أعالي الجبال ، أن يقيس نفسه إلى من هو أعالي السماء .

الومضة رقم 200: خلود الذكر
قد يكتب الخلود - من حيث الآثار - لبعض العباد ، فيُخلّد ذكرهم في ضمن صدقة جارية ، أو أثر نافع ، أو تربيـة لجيل من العلماء أو الصالحين وغير ذلك ..ومن المعلوم أن الدلالة على السبيل - الذي يوجب مثل هذا الخلود - إنما هو ( تفضّل ) من الحق ، ( بالإيحاء ) لمن يريد أولاً ، و( بتسهيل ) السبل لذلك ثانياً ، إذ هو الذي يسند ذلك إلى نفسه بقوله: { وأوحينا إليهم فعل الخيرات }..وشتان بين الخير الذي يراه العبد خيرا بنظره القاصر ، وبين الخير الذي يقذفه الحق في قلب من أراد به خيراً .

alseraj.net