الومضات (1 - 50) الومضات (51 - 100) الومضات (101 - 150) الومضات (151 - 200)
الومضات (201 - 250) الومضات (251 - 300) الومضات (301 - 350) الومضات (351 - 400)
الومضات (401 - 450) الومضات (451 - 500) الومضات (501 - 550) الومضات (551 - 556)

الومضات: (351 - 400)

الومضة رقم 351: صلاة النبي (ص) وآله
روي عن النبي (ص) أنه قال : { أنه كان يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ، شغلا بالله عن كل شيء } البحارج81ص258..وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون ، فيقال ما لك يا أمير المؤمنين ؟ ، فيقول (ع): { جاء وقت الصلاة ، وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها }المستدرك- كتاب الصلاة ..وعن السجاد (ع) عندما يصفر لونه ، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء ؟ ، فيقول: { ما تدرون بين يدي من أقوم ؟ }المحجةج1ص 351..فالصلاة التي هي معراج المؤمن تحتاج إلى ( تهيـؤ ) واستعداد ، ( توفّرها ) المستحبات والواجبات السابقة على الصلاة ..إضافة إلى ( استحضار ) أن الصلاة ورود على رب الأرباب ، ومثل ذلك لا يتم دفعة واحدة وبذهول يعتري أغلب المصلين ..ومما ذكر يعلم السر في أن صلاة عامة الخلق ، فاقدة لأعظم خواصّها المتمثلة بالنهي عن الفحشاء والمنكر .

الومضة رقم 352: دفع المقتضي قبل المانع
ينبغي الالتفات إلى قاعدة المقتضي والمانع في ارتكاب المحرمات ..فبدلا من أن نسعى ( لمنع ) تحقق المعصية بعد استكمال مقتضياتها ، فإنه ينبغي أن نسعى ( لقطع ) روافد الخطيئة أو ( دفع ) مقتضياتها ..فما يفرضه العقل هو أن لا يعرّض المرء نفسه لمثيرات الشهوات - حساً وفكراً - لئلا يتورط بالمواجهة ، بعد اشتعال نيران الشهوات في النفس ، بما لا يطفؤها أعظم الزّواجر .

الومضة رقم 353: العذر عند التعب والمرض
قد يرى العبد نفسه معذورا في ( ترك ) الإقبال على الحق في ساعات المرض ، أو التعب الشديد ، أو اضطراب الحال في سفر أو غيره ، والحال أن وفاء العبد وشدة ولائه لمولاه يتـبين في المواقف المذكورة ..فلا يطلب من العبد أن ( يحرز ) الإقبال الفعلي في تلك المواطن الحرجة ، بمقدار ما يطلب منه أن يكون في ( هيئة ) المقبلين ..ومن المعلوم أن هذا السعي من العبد - في تلك الحالات الطارئة - مما يوجب له الهبات العظمى في الساعات اللاحقة لها ..كما أن التوجه إلى المخلوقين في مثل تلك الحالات ، مما يشكر من قِـبَلِهم أيضا ..كمن يذكر صديقه في حال سفره أو مرضه أو تعبه .

الومضة رقم 354: حقيقة الركوع والسجود
روي عن الصادق (ع) أنه قال : { لا يركع عبد لله ركوعا على الحقيقة ، إلا زيّنه الله تعالى بنور بهائه ، وأظله في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه ، وفي الركوع أدب وفي السجود قرب ، ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب }البحار ج82 ص 108..فالركوع والسجود حركتان بدنيّتان يراد بهما إظهار الخضوع والتواضع ( القلبي ) ، فمع خلوهما من الدلالة المذكورة استحالتا إلى حركة لا قيمة لهـا ، شأنهـا شأن الحركات التي يمارسها البدن في رياضة أو لهو أو غير ذلك ..ومن الملفت ذلك التدرج من الركوع وهو ( الأدب ) إلى السجود وهو ( القرب ) ، فمن لم يركع لا يؤذن له بالسجود لعدم امتثاله لقواعد الأدب ..ومن هنا يعلم ضرورة مراعاة المتقرب إلى الحق ، لآداب المثول بين يديه في كل آن من آناء حياته .

الومضة رقم 355: القلب كالمسجد
إذا لم يرض الشارع بإبقاء الخبائث ( الخارجية ) في المسجد وحكم بفورية إزالته ، فكيف يرضى ببقاء الخبائث ( الباطنية ) في قلب عبده المؤمن الذي يفترض فيه أن يكون عرشا للرحمن ؟!..فكما ينبغي المسارعة في طهارة ( المسجد ) ، فإنه كذلك ينبغي المسارعة في طهارة ( القلب ) قبل أن تتراكم الخبائث فيها بما يصعب معه إزالتها ، وبالتالي يتبدل ما خلق للطهارة والصفاء ، إلى مجمَع للرجس والأدناس .

الومضة رقم 356: اجتياز حدود الحق
ورد التحذير في آياتٍ عديدةٍ من اجتياز حدود الله تعالى ، فكما أن اجتياز الحدود في البلاد يتم بخطوة واحدة توجب له العقوبة المغلّظة ، فكذلك فإن ما يتجاوز به العبد حدود ربه ، قد يكون أمرا ( يسيرا ) إلا أنه قد يوجب له العقوبة الشديدة ، عندما يكون العبد قاصداً لمثل ذلك التجاوز ..ومن هنا تأكد النهي عن ( المحقرات ) من الذنوب - وهي التي يستهين بها صاحبها - والحال أنها قد تكون بمثابة الخطوة الأخيرة التي تخرجه عن حدود مملكة الرب المتعال ، بكل ما يحمله الخروج: من تبعات الحرمان من حماية مملكة الحق له ، والدخول في مملكة الطاغوت ..وقد حذر الحق مرات عديدة في آية: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }من تعدي حدوده ، وخاصة أنها تتعلق بالخلاف بين الزوجين ، الذَّين يسهل عليهما تجاوز الحدود ، لعدم وجود ( الرقيب ) بينهما ..أضف إلى جوّ الخصومة التي تلفهما بما ينسيهما الحدود الإلهية .

الومضة رقم 357: العناية الخاصة
إن العبد الذي يود الدخول في دائرة العناية الخاصة التي تجعله يلتحق بركب الأنبياء والشهداء ، لا بد له من الإتيان بما يحقق له ( الترجيح ) من بين الخلق ، لئلا تكون الهبات الإلهية جزافاً بلاحكمة ظاهرة فيها ..فهذا النبي المصطفى (ص)لم يُبتعث في أعلى درجات المرسلين ، إلا بعد أن وجده الحق كما يصفه الحديث القائل : { فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عز وجل إلى قلبه ، فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، أذن لأبواب السماء ففتحت }البحار-ج17ص309 .

الومضة رقم 358: الاستهزاء بالنفس
إن العبد قد لا ( يقصّر ) في الدعاء لإنجاح مهامه - وخاصة الأخروية منها - إلا أنه ( يتقاعس ) في مقام العمل ، حتى في القيام بالمقدمات البسيطة المحققّة لحاجته ، كمن يطلب مقام القرب وجوار الحق المتعال وهو لا يعلم تفصيل أحكام شريعته حلالاً وحراماً ، فضلا عن العمل المستوعب لجزئيات تلك الأحكام ..ولطالما ( عتب ) على الحق - في نفسه - لتأخر الإجابة ، والحال أن غيره ممن أحرز الرتب العالية ، جمع بين الدعاء المتواصل والعمل الكامل ..وقد روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال : { من سأل الله التوفيق ولم يجتهد ، فقد استهزأ بنفسه }البحار-ج78ص356 .

الومضة رقم 359: فضول النظر
كما أن الإكثار من القول من موجبات ( بعثرة ) الفكر وسد أبواب الحكمة في القلب ، فكذلك الأمر في فضول ( النظر ) ، فإنه من دواعي تكثّر الصور الذهنية التي توجب تفاعل النفس مع بعضها تفاعلاً ، يكدر صفو الفكر بل سلامة القلب ، ومن هنا كان المحروم من نعمة البصر أبعد من بعض دواعي الغفلة عند من أعطي نعمة الإبصار ..وقد ورد في الخبر: { إياكم وفضول النظر ، فإنه يبذر الهوى ، ويولد الغفلة }البحار-ج72ص199..وينبغي الالتفات إلى دقة التعبير بـ( يـبذر ) ، فإن فيه إشعارا بأن الهوى المستنبَت من النظر يتدرج في النمو كالبذرة ، ليعطي ثماره الفاسدة من الوقوع في المعاصي العظام .

الومضة رقم 360: ذكرى الدار
إن الحق المتعال يصف مجموعة من الأنبياء السلف وهم: إبراهيم واسحق ويعقوب بأنهم ذو ( الأيدي ) أي القوة في العبادة أو الحكم أو كليهما ، و( الأبصار ) أي البصيرة في الدين والدنيا ..ثم يعقّب ذلك بأنهم أخلِصوا بصفة خالصة ، وهي ذكرى ( الدار ) وهي الآخرة ..ومن ذلك يُعلم أهمية هذه الصفة الخالصة - وهي ذكرى الموت - في مسيرة الأنبياء عليهم السلام ، ولا شك في أنها مهدت السبيل لكونهم من المصطفَين الأخيار ، وهي غاية المنى من بين الغايات ..وما قيمة الاصطفاء والاصطباغ بصبغة الأخيار عند غير الحق المتعال ؟!.

الومضة رقم 361: كاشفية الزيارة
روي عن الإمام الصادق (ع) انه قال : { من أراد الله به الخير ، قذف في قلبه حب الحسين (ع) ، وحب زيارته }البحار-ج101 ص76..فالمستفاد من هذه الرواية أن بعض الأمور لها صفة ( الكاشفية ) عن إرادة الخير بالعبد ، ومن المعلوم أن ذلك الخير بداية مرحلة لا خاتمة لهـا ، فإن الحق المتعال أجلّ من أن يسوق خيراً إلى عبده ثم يسلبه منه ، إلا إذا صدر من العبد ما يوجب له ذلك الحرمان ..ولـيُعلم أن هذا الكاشف وإن كان أمراً جليلاً - في حد نفسه - إلا أنه يكشف عن أمرٍ جليلٍ آخر ، يستوجب الشكر من العبد مرتين ، وخاصة مع ملاحظة أن كلمة القذف يستشعر منه ( الدفعية ) والمفاجأة ..ومن هنا نجد حالات ( إنقلاب ) السلوك العملي عند بعض من شُـرّف بزيارة أولياء الحق المتعال ، فيعيش حالة من الإنابة والتوبة ، يستشعر خفّتها في نفسه .

الومضة رقم 362: عدم الاسترسال المذهل
إن من الصفات المطلوبة للمؤمن ، هو ( الإقبال ) على الخلق بشرط: عدم الاسترسال أولاً ، والهادفية ثانياً ..فلا يُقبل على الخلق إلا حيث يرى في إقباله ( خيراً ) في دنيا العباد أو في آخرتهم ، ثم لا يُقبل في مورد الخير إلا بمقدار ما يتحقق به الخير ، فإن الإحسان إلى الخلق وخاصة إذا جمعه بهم جامع الإيمان والتقوى ، لمن أعظم صور العبودية للحق ، إذ الحق هو المحسن إلى خلقه ويحب من يكون سبباً لذلك الإحسان ، ومن أحب شيئاً أحب أسبابه ..ومن هنا يوصي الإمام الرضا (ع) أولياءه بقوله: { وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة ، فإن ذلك قربة إلىّ }البحار-ج74ص 230..وإن من الملفت في هذا الحديث أن الإمام (ع) يجعل الإقبال والمزاورة من موجبات القربة إليه ، وهو ملازم ( لمباركة ) الإمام (ع) لتلك المجالس التي يتم فيها التزاور والإقبال .

الومضة رقم 363: الموت المتكرر
لو تأمل العبد في النظام الأحسن البديع في بدنه ، لرأى أنه يعيش ( موتاً ) متكرراً في كل آن من آناء حياته ..فصعود نَفَسه بعد الشهيق إنما هو حياة بعد موت ، ولولا ذلك الشهيق لقتله الزفير ..ورجوع الدم النقي إلى شرايينه كذلك حياة بعد موت ، ولولا ذلك الرجوع لقتله الدم الفاسد الذي نقله الوريد ..وعودة روحه إليه بعد المنام كذلك حياة بعد موت ، ولولا ذلك الرجوع لبقي العبد في برزخه إلى يوم يبعثون ، هذا كله فضلاً عن ( الحوادث ) القاتلة التي صُرفت عنه ولم يحط بها علماً ..إن مجموع هذه الأحاسيس ، يدعو العبد للشكر المتواصل من أعماق وجوده ، شكر من استوهب الحياة بعد الممات ، بكل ما يلزمه الشكر من شعور بالخجل ولزوم العمل بما يرضى به المنعم ..وقد روي عن النبي (ص) انه قال : { والذي نفس محمد بيده ، ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفراي لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي }البحار-ج73ص177 .

الومضة رقم 364: منحة الانقطاع إلى الحق
إن العبد عندما يُعطى منحة الانقطاع إلى الحق في فترات من حياته ، فإنه يستشعر حالة من ( الثقل ) المرهق في معاشرة الخلق ، والتوجه إلى جزئيات شؤونه اللازمة في الحياة ..وهذا شأن المستغرق في أي أمرٍ من الأمور ، فإن ذلك يذهله عما سواه ، كما نلاحظ ذلك كثيراً في أبناء الدنيا عندما يستهويهم متاع من متاعها ، أو يعشقون جمالاً من جمالها ، فيشغلهم ذلك عما سواه من المتاع أو الجمال ، إلى حد الوله والافتتان المستوجب للخبط والذهول ..ومن هنا يلطف الحق بأوليائه في ( تخـفيف ) هذه الهبات المتميزة ، لئلا ( ينفرط ) عقد حياتهم ، ويختل نظام معاشهم ، مما لا يحتمله العباد عادة ، لانسحاب أثر ذلك على المحيطين به من أهله وعياله .

الومضة رقم 365: أهل التأمل والتفكير
إن من يمارس عملية ( التفكير ) والتأمل في المجال العلمي - ولو الدنيوي - يمتلك ( قابلية ) التركيز والسيطرة على الذهن في مجمل حياته ..وبذلك يكون أقرب من غيره للتأمل في ما يحسن التفكير فيه مما يتصل بأمر آخرته ، كما أنه يكون أقدر من غيره على التركيز الذهني في العبادة ، وهو بدوره عامل مساعد للتفاعل النفسي معها ..فعند انتفاء الصورة المزاحمة والمنافرة لما تقتضيه العبادة -كالصلاة مثلاً - فإن النفس تكون ( أقدر ) على الالتفات إلى الجهة الواحدة التي أمِـر بالالتفات إليها ..ومن هنا كان أهل الفكر والنظر ، أقدر من غيرهم على السير الفكري والنفسي إلى الحق المتعال .

الومضة رقم 366: أساليب الجذب
إن على الدعاة إلى الحق ، ( مراعاة ) أساليب الجذب التي تحبّب القلوب إلى الله تعالى في مختلف شؤون الطاعة ، كما يجب عليهم ( الاجتناب ) عن أسباب تنفير القلوب ..ومثال ذلك في الأثر ما ورد في الحث على الصلاة بأضعف المصلين ، فقد ورد في النهج: { صلوا بهم صلاة أضعفهم ، ولا تكونوا فتانين }البحار-ج33ص472..وكقوله (ع): { وإذا قمت في صلاتك للناس ، فلا تكونن منفراً ولا مضيعاً }البحار-ج33ص609..فنهى (ع) عن فتنة الناس بترك الجماعة وذلك بإطالة الصلاة ..ومن الممكن أن يستفاد من ذلك ( قاعدة ) عامة وهي التحرز عن كل ما يوجب فتنة الناس عن الدين: كإطالة الحديث ولو كــان نافعاً ، واتباع أسلوب الوعظ المباشر ، والقسوة في القول ، وغير ذلك من الأساليب التي نجدها عند بعض من يتصدى لترويج الدين من غير سبيله .

الومضة رقم 367: الاتكال على الغير
إن من الطبيعي أن تكون ( العقوبة ) الإلهية للعبد من ( جنس ) عمله ..فمنع الحقوق المالية الواجبة مستلزم: إما للفقر أو لنـزع البركة من المال ، وفيه ملاك الفقر نفسه ، إذ ما قيمة المال الذي لا يستجلب بركة في الدنيا أو أجراً في الآخرة ؟!..وكذلك التسلط على رقاب العباد ظلماً وعدواناً ، يوجب وقوع العبد في يد ظالم أو من هو أظلم منه ..والاتكال على الغير يوجب خيبة الأمل ممن اتكل عليه العبد من دون الله تعالى ، وقد روي في الحديث القدسي: { لأقطعن أمل كل مؤمل من الناس ، أمل غيري باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة }البحار-ج71ص130..ومن العقوبات القاسية في هذا السياق: هو ما نراه من أن توزّع الفكر والهم بما يلهي عن ذكر الحق المتعال ، مستلزم للعقوبة المسانخة لذلك أيضاً ، فيعيش العبد عندها حالة من ( تشتت ) الفكر ، واضطراب النفس ، وقلق البال ، مما يجعله لا يهنأ بعيشٍ مهما كان رغيداً ..إذ أن الابتلاء بالنفس والفكر لمن أهم صور الابتلاء .

الومضة رقم 368: مقومات نجاح الملُك
إن من مقومات النجاح في إدارة الملُك هو: الجمع بين ( التشريع ) الحكيم ، و( التنفيذ ) العادل ، و( القضاء ) الحق فيما اختلف فيه العباد ..وهذا المبدأ هو ما اتفقت عليه الأمم في كلياتها ، وإن انحرفوا في تطبيقاتها إلى حد ارتكاب عكس ذلك ..وقد يفهم ذلك من قوله تعالى: { وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصــل الخطاب }..ففيــه قـوة التنفيذ بشد الملك ، وحكمة التشريع بإتيان الحكمة ، وفصل الخطاب في الخصومة ، وهذا كله هو ما أعطي داود (ع) ذو الأيدي ، أي ذو القوة على العباد.

الومضة رقم 369: الصرف عن الصلاة
إن مما يسعى إليه الشيطان بشدة هو ( صرف ) المصلي عن صلاته ، حتى ولو استلزم التصرف في ( حواسه ): نفثاً في الصدور ، ونقراً في الآذان ..وذلك لأن صده للعبد عن صلاته إنما هو صد لما ينهى عن الفحشاء والمنكر ، مما يسهل له السبيل للتغلغل إلى قلبه ..وقد ورد عن النبي (ص) أنه قال : { إن العبد إذا اشتغل بالصلاة ، جاءه الشيطان وقال له: اذكر كذا اذكر كذا ، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى!! }البحار- ج5 ص158..ولهذا نجد المصلي ( يتذكر ) ما نسيه في سابق أيامه ، أو ( يتأثر ) بالتوافه من الأمور التي لم يكن يتأثر بها قبل الصلاة ولا بعدها .

الومضة رقم 370: العلم المخزون
إن العلم ( المخزون ) في معادن حكمة الحق - المتمثلة بأئمة الهدى (ع) - لا ( يعكسه ) ما صدر منهم وإن كان كثيراً خلال قرنين ونصف من الزمان قولاً وفعلاً وتقريراً ، فضلاً عما وصل إلينا من تراثهم وهو أقل القليل ، نظراً إلى عدم ( تدوين ) آثارهم من قِبَل مواليهم بما يليق بشأنهم ، إضافة إلى ( ضياع ) الكثير من مرويّـاتهم على أيدي أعدائهم ، وهذه الحقيقة يفصح عنها الإمام الصادق (ع) بكلمة مؤثرة فيقول: { ما خرج إليكم من علمنا ، إلا ألفاً غير معطوفة } البحار-ج25 ص283..يعني به الألف الذي لم يتعقبه الباء ، أو الألف الناقصة ، أو عدد الواحد الذي لم يُشفع بأعداد أخر .

الومضة رقم 371: الهدف من اللذائذ
إن من المعلوم أن الحق المتعال جعل الشهوات في وجود العبد لمصالح ( أرقى ) ، تتجاوز مصلحة التلذذ المجرد ، والذي بالغ فيه العباد حتى نسوا ( الهدف ) الذي لا يتحقق غالباً إلا في ضمن تلك اللذة ، التي جعلها الحق ( تحريكاً ) للعباد نحو ذلك الهدف ..وقد ورد فيما ذَكَره الإمام الصادق (ع) للمفضل ما يؤيد ذلك ، وذلك بالقول: { أن الجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن وقوامه ، والكرى يقتضي النوم الذي فيه راحة بدنه وإجمام قواه ، والشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاءه } ..ثم يذكر (ع) أن الهدف من وراء الشهوات مما لا يحرك عامة الخلـق فيقول: { ولو كان إنما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد ، كان غير بعيد أن يفتر عنه حتى يقل النسل أو ينقطـع ، فإن من الناس من لا يرغب في الولد ولا يحفل به }البحار-ج3ص 79..وبناء على ما ذكر كله ، فإن على العبد الملتفت أن لا ينسى الهدف من هذه اللذائذ التي جعلت طريقاً لتحقق تلـك الأهداف ، وإن تحققت اللذائذ تبعا لذلك من دون قصد صاحبها .

الومضة رقم 372: الشغف العلمي
يعيش بعضهم حالة من ( الشغف ) العلمي وحب الاستطلاع ، فيطرق أبواب العلوم المختلفة من دون النظر إلى مدى ( جدوى ) انشغاله بتلك العلوم من جهة دنياه أو آخرته ، وبذلك يعيش حالة من ( الانشغال ) الكاذب ، وخاصة أن بعض العلوم تستهوي العبد ، فتشغل بعض لبه أو كله ، بما يصرفه عن الاهتمام فيما خلق من أجله ..والقاعدة العامة التي يسير عليها العبد في مجمل حياته ، هي أن كل حركة في علم أو عمل ، لا بد وأن تكون منسجمة مع هدف الخلقة وهو عبودية الواحد القهار ..وقد روي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : { وأحمد العلم عاقبةً ما زاد في علمك العاجل ، فلا تشتغلن بعلمِ ما لا يضرك جهله ، ولا تغفلن عن علمِ ما يزيد في جهلك تركه }البحار-ج78 ص333 .

الومضة رقم 373: التمكين بالتصرف في القلوب
إن مما يعول عليه المؤمن في حياته هو ( التصرف ) الإلهي في قلوب العباد حباً وبغضاً ..ومثال ذلك في حياة الأنبياء (ع) هو تصرف الحق المتعال في قلب العزيز ، بما جعله يهوى يوسف الصديق ويكرم مثواه إلى درجة اتخاذه ولداً مع ما يستلزمه من العطف والحنان ، ثم يعقّب ذلك بقوله تعالى: { وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض }..فهذا ( تمكين ) منتسب للحق وإن كان تصرفاً في قلب العزيز ، وعليه فإن من يرغب في العزة والملك ، فعليه أن يعلم أن ( أسباب ) ذلك كله بيد القدير المتعال ، فهو الذي يسوق الأسباب في هذا المجال - وما أكثرها - لمن يريد له العزة والملك ..وشتان بين عزة وملك يعطيهما الحكيم الخبير ، وبين ما يتكلفه العبد تسلطاً على رقاب الآخرين ، بما يؤول أخيراً إلى الذل في الدنيا والعذاب في الآخرة .

الومضة رقم 374: المفاهيم الخاطئة
هنالك بعض المفاهيم التي يخطئ فهمها من لم يؤت حظاً من العلم ، والإلمام بالنصوص الواردة عن حملة الوحي الإلهي ، فمن تلك المفاهيم: الزهد ، والعزلة ، والتوكل ، والصمت ، والذكر ، والانتصار للحق ، والأنس بالغير ، والانقطاع بترك الأسباب ، والكرامة ، والواردات الغيبية وما شابه ذلك ، لأنها مفاهيم ( متأرجحة ) عند الخلق بين جانبي الإفراط والتفريط مفهوماً وتطبيقاً ، فقد يأخذ العبد بأحد جانبيه ليجلب لنفسه ما لا يحمد عقباه ..وقد يُـوفق ( للاعتدال ) في تطبيق بعض المفاهيم دون بعضها الآخر ، فينمو نمواً غير متزنٍ ، كما لو نما بعض أجزاء بدنه دون الآخر ، مما يجعله موجوداً غير مستوي الخلقة في تكوينه النفسي ..ومن هنا لزم أن يكون ( الإمام ) على الأمة الوسط ، هو من اعتدلت فيه كل صفات الكمال - فهماً وتطبيقاً - ومن بعده الأقرب فالأقرب إلى مثل هذا الاعتدال .

الومضة رقم 375: استقلالية الذكر الكثير
إن العبد لا يستغني عن ( ذكر ) الحق ولو كان في حال ممارسة عملٍ ( قربيّ ) كالجهاد الذي هو - كما روي - فوق كل برّ ..فقد يكون العبد مجاهداً بنفسه وماله وبدنه ، متقرباً إلى الحق المتعال بمجمل نيّته ، إلا أنه لا ( يستحضر ) رقابة الحق في كل خطوة من خطواته ..ولهذا ورد في القرآن الكريم ما يؤكد هذا المعنى بقوله: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً }..فقد طلب الحق الذكر الكثير حتى بعد اللقاء والثبات في مجاهدة الأعداء ، رغم أن الموقف أبعد ما يكون عن الغفلة ، لأنه قتال في سبيل الحق المتعال بما فيه من معاناة واصطبار ..ومن ذلك يُعلم أن للذكر الكثير قيمة كمالية مستقلة ، قد تفارق حتى الجهاد على عظمة تأثيره في تكامل الفرد والأمة .

الومضة رقم 376: الانطباع الأولي للعبد
إن الانطباع ( الأولي ) للعبد عند مواجهة أهل المعاصي ، هو الإحساس ( بالتعالي ) والنفور ، بما قد يؤدي إلى العجب بالنفس والاحتقار للغير ، واليأس من هداية الخلق ..والمطلوب من العبد أن يعيش شعوراً ( بالشفقة ) والأسى ، وخاصة تجاه المستضعفين من الرجال والولدان الذين لم تكتمل حلومهم ، بل وأحاطتهم ما يسلبهم القليل مما بقي من عقولهم ..وإن التأمل في هذه الآيات مما يعكس حالة الشفقة والحسرة التي كانت تعتلج في نفس من بعثه الحق المتعال رحمةً للعالمين وهي: { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }و{ لعلك باخع نفسك على آثارهم }و{عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم } .

الومضة رقم 377: الشوق إلى الموت
إن أمير المؤمنين (ع) يفصح عن شدّة ( شوقه ) إلى الموت في مواقف عديدة منها قوله (ع): { والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، ومن الرجل بأخيه وعمه }البحار-ج28ص233 ..والسر في ذلك واضح ، إذ الموت عنده (ع) سفر من ( الضيق ) إلى عالم لا يعرف الحدود ، ومن ( مصاحبة ) الخلق إلى التفرغ لمجالسة الحق في مقعد الصدق عند المليك المقتدر ..فالذي يرى الموت جسراً بين العناء والسعادة المطلقة ، لا يمكن أن يستوحش منه وهو على مشارفه ، وهذا خلافاً لمن لا يعلم ما وراء ذلك الحد ، بل يعلم بما هو أسوأ من حاضره ..ولهذا جعل الحق المتعال تمنيّ الموت من دلائل الصدق في دعوى الولاية للحق ، وذلك في قوله تعالى: { إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } .

الومضة رقم 378: طمع القلوب
إن ( التفاعلات ) السيئة - كالتأثر بشهوة بالنساء - فرع صفة سيئة في ( نفس ) المتفاعل ، كما يعبر عنه القرآن الكريم بمرض القلب ، إذ هو الذي يدعوه للطمع عند خضوع النساء بالقول ، فيقول تعالى محذراً : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض }..وليعلم أن الأمر كذلك في كل موارد الرذيلة ، إذ أن هناك ( استعداداً ) نفسياً مسبقاً للتفاعل مع السيئة ، ومن دون القضاء على مرض القلب ، فإن الطمع سينقدح بين فترة وأخرى ، لارتكاب السيئة كالتلذذ المحرم ، وإن منع تحققها صاحبها:لخوف من العرف ، أو العقاب ، أو الطمع في منـزلة دنيوية ، أو أجر أخرويّ .

الومضة رقم 379: المـنّة على العباد
تنتاب البعض حالة لا شعورية من ( الـمنّة ) على العباد عند الإحسان إليهم ، وهو شعور لا يليق بالعبد ، وخاصة إذا كان العطاء من مال غيره ، أو من مال نفسه في حقٍ واجبٍ :كالخمس والزكاة ..فإن على العبد - حتى في الإحسان التبرعي - أن يدرك أن ذلك كله من ( عطاء ) المولى الذي جعله مُستخلفاً فيه ..فالـمنّة للحق على المعطي ، وعلى المعُطَى له أولاً وآخراً ، فهو مالكهما ومالك ما وصل من أحدهما إلى صاحبه .

الومضة رقم 380: تذكّر الفضل
يذّكر الحق الزوجين المتخاصمين الذّين وصلا إلى مرحلة الطلاق بقوله: { وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم }..ففي ( الخصومة ) يحيد العبد عن جادة الصواب بما يلائم مزاجه الثائر ، ومن هنا كان بحاجة ماسة إلى ما ( يبطل ) مقتضيات ذلك الطبع المنحرف ، وذلك بالالتزام النفسي بالعفو ، والتغاضي عن مصلحته وإن كان حقاً له ، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال : { يأتي على الناس زمان عضوض ، يعض كل إمرءٍ على ما في يديه وينسون الفضل بينهم }البحار-ج74ص413.

الومضة رقم 381: الإصرار القبيح
يعيش الإنسان حالة من ( الإصرار ) الداخلي الذي لا مبرر له عند طلبه لبعض حوائج الدنيا ، ومن المعلوم أن هذا الإصرار لا يتناسب مع زيّ العبودية للحق ، إذ قد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : { ما أقبح بالمؤمن أن تكون لـه رغبة تذله }البحار-ج73ص170..وقد يخلو العبد من إصرار ( بظاهره ) ولكنه يبقى مصراً بباطنه ، فيعيش حالة من ( الضيق ) الشديد عندما يرى تأخيراً في قضاء حاجته ، والحال أنه لو رجــع إلى رشده ، لما رأى شيئاً من موجبات اليقين بصلاح أصل حاجته أو تعجيلها ..وعليه فما الوجه في إصرار العبد الذي ليس له من اليقين ما يوجب له ذلك الإصرار ؟! .

الومضة رقم 382: اختلاف الحيثيات
إن محبة العبد وكراهيته إنما يتوجه إلى الفرد بلحاظ الصور الذهنية المنتزَعة من الخارج ، بما يحمله من موجبات الحب والبغض ..وعليه فقد يتأذى العبد من حب شخص آخر لعدوه ، أو عداوة آخر لصديقه ، فيبذر الشيطان بينهما بذر الشقاق والبغضاء ، مستغلا اختلاف العباد في تقييم الأصدقاء والأعداء ..وإن إبطال كيده في حالته تلك ، إنما يكون بالالتفات إلى ما قلناه من أن الحب المنقدح في النفوس ليس بلحاظ ( واقع ) العباد ، وإنما هو بلحاظ الصور ( الذهنية ) التي تطابق الواقع حيناً وتخالفه أحياناً أخرى ..وعليه فإن الالتفات إلى هذه الحقيقة الواضحة يرفع الخلاف بين العباد ، وذلك لاختلاف ( الحيثيات ) الموجبة لتعدد الموضوعات حكماً وإن اتحدت واقعاً ..فيتبين من مجموع ما ذكر: إن محبة عبدٍ لعبدٍ إنما هي لحيثية ، تغاير حيثية بغض الآخر للعبد نفسه ، وعليه فلا خلاف بينهما يستحق معه الشقاق والبغضاء .

الومضة رقم 383: كفران نعمة الملكات
إن بعض المَلَكات التي تعطى للعبد ، إنما هي بمثابة ( الوسيلة ) للتكامل: كرقة القلب ، وقوة الفهم ، وسرعة الانتقال ، وحسن الاستيعاب ، وسرعة البديهة ، وحسن التخلص ..هذا كله إضافة إلى ( العلوم ) الحقة المكتسبة من عالم المعرفة الذي يرفده الوحي والعقل والتجربة..ولكن العبــد - مع ذلك كله - قد يكفر بتلك النعم ، فتنقلب إلى ( حجة ) للرب على العبد ، بدلاً من أن تكون وسيلة لقرب العبد من الرب ..وقد قال تعالى عن بلعم: { ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض }..ومنه يعلم سر السقوط وهو الإخلاد إلى الأرض ، معرضاً عن موجبات الرفعة والعلوّ ، التي لو شاء الحق المتعال لرفعه بها ، وبذلك يتجلى لنا مدى خسران أصحاب تلك الملكات .

الومضة رقم 384: حسرة الفاقدين
إن الحسرة والألم اللّذين يعتصران قلب الفاقد لما يهوى ، لمن أجلى ( دلائل ) المحبة والارتباط ..وكلما عظمت هذه العلقة كلما عظمت حسرة الفقدان ، ولهذا ابيضت عينا يعقوب من الحزن لفقد من كان يحبه أشد الحبّ ..فإذا كانت الحسرة تنتاب الفاقدين لما هو مصيره إلى الفقد والزوال أولاً وآخراً ، فكيف بحسرة من يرى نفسه ( فاقدا ) لمن يعود إليه كل موجود ومفقود ؟!..ومن هنا كانت حسرة وأنين العارفين بالله تعالى ، من أعظم حالات الحسرة والأنين في حياة البشر ، لعظمة من فقدوه ذكرا في النفوس ، وتجلياً في القلوب ..وهذه الحسرة تعكسها هذه الفقرة من دعاء أمير المؤمنين (ع) عندما يبدي لواعج صدره بقوله: { ولأبكين عليك بكاء الفاقدين }..والمهم في العبد أن ينتابه مثل هذا البكاء قبل ( انكشاف ) الغطاء في أهوال القيامة ، إذ لا ينفعه شيء من البكاء يوم القيامة .

الومضة رقم 385: التيسير في حياة العبد
إن العبد الذي يوكِل أموره إلى الحق المتعال ، يجد بوضوح مدد التيسير والتسديد من الحق ، في كل شأن من شؤون حياته ..فاليسير من ( السعي ) قد يستنـزل الواسع من الرزق ، وهو من الرزق الذي يطلب الإنسان ولا يطلبه ، وبذلك لا يقع في عناء طلب ما لم يُـقدّر له فيه رزقاً ، وقد ورد فيمن يؤثر هوى الحق على هواه ، أن الحق تعالى له من وراء تجارة كل تاجر ..والقليل من ( العلم ) النافع يفتح له الآفاق الواسعة لمعرفة ما ينبغي عليه فعله في أمر معاشه ومعاده ..والقليل من ( الذرية ) يوجب له خلود الذكر ..والقليل من ( العبادة ) يجلب له حالة الأنس والاطمئنان ، إذ من أحبه الله تعالى رضي منه باليسير ، وهكذا الأمر في باقي شؤون حياته .

الومضة رقم 386: نور القرآن
يطلب العبد من ربه - في دعاء زمان الغيبة - أن يريه الحق نور القرآن سرمداً ..إذ لا شك أن للقرآن نوراً يهدي الله به من يشاء من عباده ، وهو نور محجوب عمن لم يرد الحق أن يهديه ، لخلل في العبد نفسه ..والدليل على ذلك ، هو ( إنفكاك ) هذا النور- في حالات كثيرة - عمن حفظ القرآن بألفاظه ، بل وعى كثيراً من معانيه ، بل فسر كثيراً من لطائفه كتفاسير المنحرفين عن منهج أهل البيت (ع) ..والشاهد على إنفكاك ذلك النور عنهم أمران ، الأول: وهو ( بقاؤهم ) في الظلمات المستلزم للحَـجْب عن كثير من المعارف الواضحة ، والثاني: وهو ( التعمد ) في المخالفة العملية لصريح القرآن الكريم ، الذي حفظوا رسومه بل فسروا كثيراً من معانيه ..ومن خصائص هذا النور إنارة الطريق بوضوح ، مما يهيـئ العبد للسير الحثيث في سبيل طاعة الحق ، ومن هنا كلما زادت تلاوته له ، كلما زادته إيماناً راسخاً في القلب ، لا علماً مجرداً في الذهن .

الومضة رقم 387: خطورة النفور من الداعي
إن من موجبات المحاسبة الشديدة للعبد يوم القيامة - قد يصل إلى حد مقت الحق له - هو دعوته للعباد إلى الطاعة مع عدم العمل بما يدعو الناس إليه ، بل وارتكابه ما يخالف ذلك ..فإن الخلق بطبيعتهم ( الساذجة ) يخلطون بين الدعوة والداعي ، وبين المبدأ وبين من ينتسب إليه ، فيـرون شبه ( امتزاج ) فيهما مع وجود المفارقة الشاسعة بينهما ..ويتعاظم الخطب عندما يتحقق ( النفور ) من ذلك الداعي ، فيعمد المدعو إلى مخالفة الداعي ولو كان محقاً في دعوته ، لمجرد النفور منه بل لرغبة المدعو في تحدي الداعي ولو أوجب مخالفة للحق وسخطاً للرب الجليل ..وهذا الأصل مما ينبغي مراعاته بدقة ، وخاصة في تعامله مع أهله وعشيرته الأقربين ، وذلك لإطلاعهم - بحكم معاشرتهم اللصيقة - على هفواته ، التي قد توجب لهم النفور المانع من قبول الموعظة والنصيحة .

الومضة رقم 388: العطش الذي لا رواء له
إن الدنيا كماء البحر الذي كلما شرب منه الإنسان ازداد عطشاً ..وهناك صورة أخرى يذكرها القرآن الكريم ، فيها موعظة وتقريع ، فيشبّه المقبل على الدنيا ( كبلعم بن باعورا ) بالكلب الذي يلهث على كل حال ، سواء حمل عليه أو ترك بحاله ، وهذه هي حالة الحيوان الذي يعيش العطش الذي لا رواء له ..وهكذا فإن أبناء الدنيا يعيشون حالة من الولع والميل المفرط ، الذي لا يشبعه شيء من الدنيا وإن بلغ مداه ما بين المشرق والمغرب ..وعليه فإن العاقل يعلم أن الحل الجامع لذلك كله ، هو ( إزالة ) العطش الكاذب الذي يزهّده في ما يشبه الماء ، لا ( البحث ) وراء الماء الكاذب الذي لا يروي الغليل .

الومضة رقم 389: إطفاء النور
ورد في الحديث عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : { وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه }البحار –ج1ص136.. ففي هذا الخبر إشارة مهمة إلى من راقب نفسه ، إذ أن بعض الذنوب لا تنحصر آثارها في ( العقوبة ) البرزخية أو الأخروية ، وإنما تسلب ( النور ) من العبد ، ومن المعلوم أن ذهاب النور يلازم حلول الظلمة التي تجعل العبد لا يهتدي إلى سبيله في الحياة ..ومن هنا تأكد الدعاء بطلب ذلك النور الذي يمشي به العبد في النشأتين ، إذ طالما تتعثر مسيرة العبد نتيجة خطئه في تمييز الصالح من الأفعال ، وخاصة في الموضوعات المبهمة التي لم يرد فيها أمر أو نهي بالخصوص ، فهو وإن لم يكن مسؤولاً عن الخطأ - جهلاً - في ( تشخيص ) الموضوع ، إلا أن ذلك مستلزم لتفويت منافع كثيرة كان من الممكن أن يحوز عليها ، لو كان ماشياً على بصيرة من ربه .

الومضة رقم 390: فتور همة العبد
إن الذكر ( القلبي ) للحق المتعال ، وإن كان من أعظم صور الذكر ، إلا أنه في الوقت نفسه ينبغي الالتفات إلى أن ذلك قليل أيضاً فيما لو قيس بعظيم حق المولى على عبده ، لأن هذا الذكر القلبي - على جلالته - لا يستلزم حركة في الخارج بما فيها من ( جهاد ) ومنافرة ، فهذا الذكر قد يجتمع حتى مع انشغال العبد الظاهري بلذائذه ..وعليه فإن ترك الذكر القلبي في أدنى مراتبه ، لمن الصور القبيحة ( للكسل ) ، وفتور همة العبد ، الذي يبخل بما لا يستلزم منه جهداً في الخارج ..فليشتغل العبد نفسه بما يريد ، مع الاحتفاظ بتلك اليقظة التي تمنعه من التورّط فيما يوجب له غضب المولى الجليل .

الومضة رقم 391: عرش الشيطان
روي عن الإمام الصادق (ع) - في جواب من ادعى أن أبا منصور رُفع إلى ربه ، وتمسّح على رأسه - أنه قال : حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (ص) قال : {إن إبليس اتخذ عرشاً فيما بين السماء والأرض ، واتخذ زبانية بعدد الملائكة ، فإذا دعا رجلا فأجابه ، وطئ عقبه وتخطت إليه الأقدام ، تراءى له إبليس ورفع إليه ، وإن أبا منصور كان رسول إبليس }البحار -ج25 ص 282 ..إن هذا الحديث لمن نوادر الخبر في مجال ( تلبيس ) إبليس ، إذ أنه يفسر حالة العروج الكاذب والدعاوى الزائفة التي تضج بها بعض كتب المنحرفين عن جادة الحق ، وذلك في مجال التهذيب والسلوك ..إضافةً إلى دلالته على خطورة ( التصدي ) لبعض المقامات من دون استحقاق علمي وعملي ، فرغبة الشيطان في إمامة هؤلاء للخلق قد أشير إليها بقوله (ع): { وطئ عقبه }..وأخيراً ينبغي الالتفات إلى سعة ( كيد ) الشيطان وخفاء مكره ، يصل إلى حد تزييف عناصر عالم الملكوت ، والتشبه بالرب عرشاً وملائكةً ووحياً .

الومضة رقم 392: تعصّب المحب
إن العبد عندما يستغرق في محبة عبدٍ من العباد - لشهوة أو لحكمة - يجد في نفسه نفوراً و( استيحاشاً ) ممن لا يشاطره ذلك الحب ، فكيف إذا أحس بعداوة أحد تجاه من يحبّ ؟!..كل ذلك من صور ( التعصب ) الذي يفيده ذلك الحب المستغرق لشغاف القلب ..وقياسا على ذلك نقول: إن محبة الحق تتغلغل في نفس العبد المطيع إلى درجة يصل إلى المرحلة نفسها ، فيجد استيحاشاً بل نفوراً من الغير الذي لا يلتفت إلى الحقيقة التي استشعرها هو بكل وجوده ، وأحبها بمجامع قلبه ، ولو كان ذلك الغير من أقرب الخلق إليه ..ولهذا {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر ، يوادّون من حاد الله ورسوله ، ولو كان آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم } .

الومضة رقم 393: الناصح القائد
إن مَثَل الناصح الداخلي ( أي العقل ) ، والخارجي ( أي الموعظة والوحي ) ، كمثل من يقود الدابة التي لا تهتدي إلى سبيلها بنفسها ..وعليه فلو لم يكن للسائس سلطة القيادة ، وللدابة قابلية الانقياد ، لسقطا في الهاوية ، وخاصة لو اقترن ذلك بهياج الدابة ، وسرعة سيرها ، ووعورة طريقها ، بل وغياب سائسها بعد طول مخالفة ..وبناء على ذلك فليس مجرد وجود السائس البصير من موجبات الاهتداء إلى السبيل ، بل إن فعلية الهداية مترتبة على فعلية القيادة ، فالعقل والشرع هاديان لمن اتبعهما ، لا لمن وجدهما في نفسه فحسب ، فيكون ممن أضلّـه الله على علم .

الومضة رقم 394: تضييع النساء والصبيان
قد يلتفت العبد إلى حقوق العباد خارج دائرة سيطرته ..ولكنه يضيّـع حقوق القريبـين من رعيته ، وهم الضعيفان: الأولاد والنساء ، وذلك ( لاستسهال ) التعدي عليهم ، وعدم ( إطلاع ) الخلق على ظلامتهم ، و( حاجتهم ) الشديدة إليه بما يمنعهم من الشكوى منه ..ومن هنا لزم على العبد الحذر الشديد من غضب الحق فيمن لا ناصر لهم إلا الله تعالى ، وقد ورد عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال : { إن الله لا يغضب بشيء ، كغضبه للنساء والصبيان }البحار-ج104ص73.

الومضة رقم 395: أثر الاستحواذ
إن الأثر ( المهم ) والرئيسي لاستحواذ الشيطان على العبد هو ( نسيانه ) ذكر ربه ، إذ قال تعالى: { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله }..ومن ذلك يعلم أن مفتاح عمل الشيطان هو نسيان الحق المتعال ، وخاصة في المواطن التي تتطلب منه الذكر: كمواطن المعصية ..ولذلك لا ينحصر همّ الشيطان في نسيان العبد ذكر ربه في كل آناء حياته ، بل يكفي لتحقق ( غرضه ) ، نسيان العبد لربه حين تعرضه للغواية ..وهنا فلنتساءل: أنه ما هي القيمة الرادعة لذكر الله عز وجل قبل المعصية وبعدها ، بعد أن نال الشيطان بغيته منه في حال المعصية ؟!..وعليه فليس من المهم نفي الغفلة المطبقة لينفعه الذكر المتخلل ، وإنما المهم إثبات الذكر الغالب ، لئلا تضره الغفلة المتخللة .

الومضة رقم 396: إثارة صاحب المصيبة
إن ما يتميز به صاحب المصيبة العظمى - كالأم الثكلى بولدها - هو أن أدنى تذكير له بالمصاب الذي نسيه بتقادم الأيام ، يهيّـج فيه المشاعر الكامنة ، فلا تحتاج بعد ذلك إثارة تلك الأحاسيس ( الدفينة ) إلى كثير جهدٍ ومعاناة ، وخاصة عندما تتعاظم المصيبة ..وعليه فإن المؤمن الذي يعيش حالة التفاعل الشعوري مع عناصر عالم الغيب ، يثيره أدنى مذكر لتلك العناصر التي قد غفل عنها ، وذلك كإحساسه بفداحة فقد النبي (ص) ، وغيبة الوصي (ع) ، وخلو الزمان من الحجة الظاهرة ..وهذه معانٍ كامنة في وجدانه وإن لم يستحضرها في كل آن ..ومن المعلوم أن الذي لا ( يملك ) هذا المخزون الشعوري في مرحلة سابقة ، لا ( يتفاعل ) عادة بالمثيرات العاطفية حينما يتعرض لهـا ، كعدم تفاعل الأجنبية مع مصيبة الوالهة الثكلى .

الومضة رقم 397: هبة رأفة الولي
يطلب المؤمن من ربه أن يهبه رأفة ورحمة وليّ الأمر (ع) ..فالرأفة والرحمة وإن كانت ( منقدحة ) في قلب الولي ، إلا أنها ( مستندة ) إلى الله رب العالمين ، يهبه لمن يشاء من عباده ..فيُعلم من ذلك أن الطريق إلى رأفة الحجة في كل عصر ، هو التوجه إلى الرب المتعال ، وبذلك يتجلى لنا عدم المفارقة بين الالتجاء إلى الحق وبين الالتجاء إلى أوليائه سواء في: مجال استجابة الدعاء ، أو الشفاعة ، أو الأنس بالذكر ، كما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : { شيعتنا الرحماء بينهم ، الذين إذا خلوا ذكروا الله ..إنا إذا ذُكرنا ذُكر الله ، وإذا ذُكر عدونا ذُكر الشيطان }البحار-ج74 ص258..فإن من الخطأ بمكان أن نعتقد أن التعامل مع أولياء الحق ، إنما هو في ( عرض ) التعامل مع الحق المتعال لا في طوله ، ومع الاعتقاد بهذه ( الطولية ) ترتفع الاشكالات الكثيرة ، ويزول الاستغراب من الاعتقادات الناشئة من توهّم العرضية في التعامل .

الومضة رقم 398: الملاك الواحد
إن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ( ليصدّ ) عن سبيل الله تعالى كما صرح به القرآن الكريم ..وعليه فإن كل ما يصد عن سبيل الله تعالى فهو كالخمر والميسر ، وإن لم يتجلّ لنا قبحه كقبحهما ، إذ العبرة ( بالغايات ) القبيحة وإن لم تكن ( المبادئ ) قبيحة في بادئ النظر ..ومن هنا عُبر بالمسكر عن أمورٍ أخرٍ لا يتعارف سكرها ، كما روي عن أمير المؤمنين انه قال : { السكر أربعة: سكر الشراب ، وسكر المال ، وسكر النوم ، وسكر الملك }البحار-ج73ص142..وعليه فإذا رأى العبد المراقب لنفسه ، بعض موجبات الصد عن سبيل الله تعالى ، ولو كان مباحاً بعنوانه الأولي - كالجلوس مع الغافلين أو الإنشغال بما يلهي الفكر والنظر - فإنه يتعامل معه كتعامله مع الخمر والميسر ، لتشابه الملاك فيها جميعاً .

الومضة رقم 399: كالسائر في البستان
إن الذين أنسوا ( بروح ) الصلاة ، قد لا يُـحوجهم الأمر إلى التماس أحكام ( الشكوك ) في ركعات الصلاة ، إذ أن لكل ركعة من الصلاة روحها ورائحتها الخاصة بها ..فهو كمن يسير في بستان لها حقولها المتمايزة ، فلا يذهل عن أوله ولا وعن وسطه ولا عن آخره ، بل يعلم في كل خطوة يخطوها موقعه في ذلك البستان بما فيها من صور الجمال ..وعندئذ نقول إن مَثَل المصلي كمَثَل ذلك السائر ، فلكل جزء من أجزاء الصلاة طعمه المتميز ، يستذوقه المصلي في وجوده بكل وضوح ، فكيف لا يفّرق بين الركعة الأولى بما فيها من نشاط البدء في مواجهة الحق بعد طول انتظار ، وبين الركعة الثانية بما فيها من قنوت وحديث مسترسل مع الرب المتعال ، وبين الركعة الثالثة التي هي بداية النصف الأخير من التنـزل التدريجي بعد العروج ، وما يصاحبها من الاشفاق من قرب الرحيل ، وبين الركعة الرابعة التي يشرف فيها على الخروج من هذا اللقاء المبارك ، بما يصحبه من ألم الوداع والفراق ؟! .

الومضة رقم 400: ذكر المعصومين للحجة(ع)
لقد تناولت النصوص الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) مسألة الأمام المنتظر من ( زواياها ) المختلفة: فتارة تتطرق إلى علائم ظهوره ، وتارة أخرى إلى أوصاف أصحابه البررة ، وثالثة إلى الأحداث الواقعة بعد ظهوره ، ورابعة إلى المحن التي تنتاب الموالين له في غيبته ، بما يدل بمجموعها على أنها فكرة ( محورية ) في تراث أهل البيت (ع) ..فهذا الإمام الصادق (ع) ، يصفه الراوي بأنه كان يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيّـر في عارضيه ، وقد زفر زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتد منها خوفه ، وهو يقول: { سيدي! غيبتك نفت رقادي ، وضيقت عليّ مهادي ، وأسِرَت مني راحة فؤادي ..سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد }البحار-ج51ص219..ولا عجب في ذلك فإن بدولته الكريمة تحيا آمال الأنبياء والأوصياء ، من لدن آدم (ع) إلى النبي الخاتم (ص) ، إذ لم تشهد الأرض العدل المطبق منذ بدء الخليقة إلى زمان ظهوره .

alseraj.net